Saturday, April 23, 2016

كوهين في دمشق

صدر كتابان عن سيرة جاسوس إسرائيل إيلي أو إلياهو كوهين بعد إعدامه بسنوات قليلة الأول عام 1969 لصحفي إسرائيلي إسمه إيلي بن هنان بعنوان "عميلنا في دمشق" و الثاني عام 1971 لزوي الدوبي و جيرولد بالينجر بعنوان "تحطيم الصمت" و من البدهي أن الكتابين يسرادن القصة من وجهة نظر إسرائيلية و التي أخذت كحقيقة مسلم بها من قبل ليس فقط إسرائيل و محبي إسرائيل و إنما أيضاً الكثير من العرب عموماً و السوريين خصوصاً و ساعد على ذلك غياب أو ضعف وجهة النظر المقابلة.

قبل مراجعة الكتابين لربما كان من المفيد إستعراض حياة كوهين بإختصار. ولد السيد كوهين عام 1924 في مصر الإسكندرية لأسرة يهودية من أصول سورية حلبية و قد لعب دوراً ثانوياً في القضية المسماة "فضيحة لافون" نسبة لوزير الدفاع الإسرائيلي بنحاس لافون عام 1954 و دون الدخول في التفاصيل تتلخص هذه القضية بتجنيد إسرائيل ليهود مصريين لزرع قنابل موقوتة تستهدف البعثات و المصالح الأمريكية و البريطانية في مصر بهدف إلقاء اللوم على المصريين و تسميم العلاقة بين مصر و الدول الغربية لمصلحة إسرائيل. ترك كوهين مصر عام 1956 و إستقر في اسرائيل عام 1957 و بالنتيجة جندته المخابرات الإسرائيلية بهدف التجسس على سوريا و بعثته إلى الأرجنتين عام 1961 لتبني له سمعة تحت إسم مستعار "كامل أمين ثابت" كرجل أعمال سوري مغترب يعشق وطنه الأم و يحلم بالعودة إليه. دخل كامل أمين ثابت دمشق للمرة الأولى في كانون ثاني 1962 و تنقل بين سوريا و أوروبا و إسرائيل عدة مرات قبل أن يلقى القبض عليه متلبساً و هو يقوم ببث رسائل إلى إسرائيل و كان هذا في 24 كانون ثاني 1965 و أعدم في 18 أيار من نفس العام. كل هذه حقائق معروفة و يتفق عليها جميع الرواة من كل الأطراف المعنية.



نأتي الآن إلى الكتاب الأول "عميلنا في دمشق". يكتب المؤلف أنه في لقاء جرى بين أمين الحافظ و كوهين في الأرجنتين (و الذي أنكره الحافظ في مقابلته مع أحمد منصور على تلفزيون الجزيرة بعد أربعة عقود من التاريخ المفترض لوقوعه) أبدى كوهين إستغرابه عندما شاهد الحافظ يشرب الكحول و برر له هذا الأخير هذا التصرف بكونه علوي و على إعتبار أن العلويين ليسوا مسلمين فلا مانع لديهم من معاقرة المشروبات الروحية. نقطة إنتهى! من الواضح أن الكاتب المحترم يجهل ألف باء سوريا و أن كتابه دعاية رخيصة موجهة لمن لا يعرف عن سوريا  قليلاً أو كثيراً  و بالتالي لا داعي لهدر المزيد من الوقت في محاولة لدحض مزاعمه.



الكتاب الثاني "تحطيم الصمت" أطول و أغنى بالتفاصيل و يعتقد الكثيرون أنه أكثر موضوعية و مصداقية و قد ترجم ترجمة جيدة إلى اللغة العربية من قبل السيد غسان النوفلي بعنوان "الجاسوسية الإسرائيلية و حرب الأيام الستة" وواضح أن المعرب بإختياره لهذا العنوان يعتقد أنه كان لكوهين دور مفتاحي في نكسة 1967 التي جرت بعد موته بعامين و نيف و علاوة على ذلك فهو يتبنى طروحات المؤلفين و إطنابهما في تثمين منجزات العميل على علاتها في مقدمة كتابه. للإنصاف الكتاب ممتع و شيق و لا نجد فيه أخطاء فجة و غبية من شاكلة أن "أمين الحافظ علوي" و واضح من صفحاته أن الكتبة يعرفون عن سوريا و من كانت بيديه مقاليد الأمور في سوريا وقتها أكثر من الكفاية و مع ذلك يجب التوكيد أنه كسابقه عمل مغرض و منحاز و مضلل إلى حد كبير و أنه أولاً و آخراً دعاية إسرائيلية أكثر ذكاء و بالتالي أصعب تكذيباً.

يحسن هنا التفريق بين الحقائق المثبتة و المزاعم التي لا دليل عليها إلا أقوال الناطقين بإسم إسرائيل:

كوهين أمضى فعلاً أكثر من ثلاث سنوات و هو يدخل و يخرج من سوريا و يبث بالسر منها إلى إسرائيل. كانت تربطه علاقة صداقة مع الملازم معزز زهر الدين (إبن أخ الفريق عبد الكريم زهر الدين قائد الجيش السوري في عهد الإنفصال) و أيضاً مع موظف في وزارة الإعلام إسمه جورج سيف. كان الضرر النفسي الذي لحق سوريا بعد القبض عليه بالغاً إذ مال الكثيرون إلى تكذيب كل ما قاله الإعلام الرسمي السوري (القاصر و الحق يقال) في هذا الصدد. بعد القبض عليه بذلت إسرائيل جهوداً جبارة لإنقاذه من حبل المشنقة و جندت بعثاتها الدبلوماسية في الشرق و الغرب لممارسة الضغط على الحكومة السورية و ناحت و أدانت القضاء السوري الذي حرم كوهين من "حقه المشروع" في توكيل محامي للدفاع عنه و حتى بعد إعدامه حاولت على مدار السنين إسترجاع رفاته دون جدوى. 

إكترى كوهين شقة في أبو رمانة قرب مبنى الأركان بمبلغ 325 ليرة سورية شهرياً و كانت تقع في الطابق الرابع 



صندوق بريد كامل أمين ثابت في دمشق إستيراد و تصدير


نأتي الآن إلى مزاعم الكتاب التي لا يوجد عليها دليل إلا ما كتبوه و ما ردده قراءهم كالببغاءات دون فحص و تمحيص و بحسن أو سوء نية و على سبيل المثال:

1. كان كوهين صديقاً حميماً لأمين الحافظ يزوره و يناديه "أبو عبدو".                                                                    
                                                                       
2. كان أيضاً صديقاً لسليم حاطوم و الذي زار كوهين في شقته في حفل لعبت فيه الخمر و الحشيش بعقول الضيوف.  
 
3. كوهين زكى صديقة حاطوم لودي شامية في الإعلام السوري.                                                                                 

4. كوهين كان يعطي مفاتيح شقته لأصدقاءه من الضباط عندما يحتاجون لشقة يقضون فيها لياليهم الحمراء.                      
5. كوهين هو الذي صالح بين أمين الحافظ و بين صلاح الدين البيطار.                                                                         

كوهين في حفلة تنكرية مع أخدانه العرب


الحقيقة كانت أقل رومانسية من هذا بكثير فكوهين لم يكن "جيمس بوند" و لا من يحزنون و بشهادة العالمين بخفايا الأمور في الموساد الإسرائيل كما يتضح من كتاب "حروب إسرائيل السرية" للكاتبين بني موريس و إيان بلاك إذ يقولان على لسان رافي إيتان أن كوهين كان "جاسوساً في غاية السوء و تصرف بغباء في دمشق" عندما كان يبث إلى إسرائيل بمناسبة و بغير مناسبة رغم تحذيرات المخابرات لإسرائيلية (مثلاً كان يبث لأخيه و قرينته) و أدى هذا بالنتيجة إلى سقوطه.

المحكمة العسكرية التي أدانت كوهين في الوسط صلاح الضلي و الشخص الثاني من اليمين سليم حاطوم


كوهين في قفص الإتهام و هو الأول من اليسار




No comments:

Post a Comment