Thursday, January 19, 2017

دمشق بعد الفتح الإسلامي




تشغل الدكتورة نانسي خالق مرتبة أستاذ مساعد في الدراسات الدينيّة في جامعة براون. صدر كتابُها عام ٢٠١١ عن مطابع جامعة أكسفورد.

لا يتناول الكتاب تاريخ دمشق history بقدر ما هو يتعلق بعلم التاريخ historiography أي الطريقة والتقنيّة التي يتعرّض فيها المؤرّخون والأكاديميّون للموضوع قيد البحث وكيفية مباشرة وتفسير المصادر المتوافرة سواء كانت مكتوبة أو ملموسة (الأثار العمرانيّة والفنيّة وغيرها) أو منقولة شفهياً.

الفترة قيد الدراسة هي الممتدّة من الفتح الاسلامي لسوريّا في ثلاثينات القرن السابع للميلاد إلى العهد الأموي الذي لفظ أنفاسَه الأخيرة في منتصف القرن الثامن والمشكلة هنا أن المصادر المباشرة (أي المعاصرة) لهذه الأحداث الجسام محدودة للغاية إن لم نقل شبه معدومة إلى أن جاء ابن عساكر الدمشقي بتاريخه الشهير للمدينة ليسلّط الأضواء على بدايات العهد الاسلامي في سوريا ويعطي على الأقل مواد البناء - إذا جاز هذا التعبير - التي أضاف إليها المؤرّخون اللاحقون عبر العصور.

المشكلة ببساطة أن الفترة الزمنيّة المنصرمة بين الحافظ ابن عساكر (١١٠٦-١١٧٥ للميلاد) وبين نهاية العهد الأموي تبلغ حوالي الأربعة قرون وأنّ المصادر التي ذكرها في كتابِهِ غير موجودة إلّا من خلال هذا الكتاب وإن بذل قصارى جهده "لإسناد" ما وثّقه على طريقة الأحاديث النبويّة: "عن فلان عن فلان أنّ فلاناً قال". هناك بشكل عام طريقتان لحل هذه المعضلة:

الأولى أن نقبل ما ذكره ابن عساكر (أو غيره من الرواة) على علّاته كما نقبل صحيح البخاري مثلاً.

الثانية أن نرفض ما قاله جملةً وتفصيلاً ما لم تؤيده مصادر مستقلّة cross examination بيزنطيّة أو فارسيّة أو غيرها أو دلائل ملموسة على أرض الواقع كالنقود المعدنيّة والعمائر وهلمّجرا.

حلّت المؤلّفة هذه المشكلة بطريقةٍ مبتكرة تتلخّص بالتركيز ليس فقط عمّا كتبه السلف وإنما كيف كتبوه (مصادرهم كما وصفوها) ولماذا كتبوه وتحت أي ظروف. باتّباع هذا المنهج تكتسب السيرة أهميّةً خاصة كونها تعكس المفاهيم والقيم لدى كتابة السطور وإن لم تسرد بالضرورة الأحداث كما وقعت فعلاً قبل مئات السنين من تدوينها. بعبارةٍ ثانية هدف الكتابة يمكن أن يكون دينيّاً (الدفاع عن وتبرير المذهب أو المذاهب السنيّة) أو للتوكيد على هويةٍ مكتسبة (إسلاميّة) أو لشرح أحداث زمن الكتابة عن طريق إيجاد سياق "تاريخي" لها.

لنأخذ على سبيل المثال قصّة "اكتشاف" الخليفة الوليد بن عبد الملك لرأس يوحنّا المعمدان (النبي يحيى) خلال الحفريّات التي سبقت بناء جامع بني أميّة الكبير والتي أوردها ابن عساكر ومن ثم ابن شدّاد (وفيّات عام ١٢٨٥ للميلاد) بعده بقرنٍ من الزمن وغيرهما نقلاً عنهما.

بمراجعة النصوص التاريخيّة نجد أنّ رأس المعمدان "اكتُشف" أكثر من مرّة قبل الإسلام بقرنين من الزمن وفي أكثر من مكان (حمص والقسطنطينيّة) وأنّ "ذخائر" المعمدان كانت منتشرة في أرجاء الشرق الأدنى.

رغم كل ذلك تبقى نادرة الوليد الأول مع رأس المعمدان هامّة للغاية ليس لأنّها حقيقة تاريخية لا يرقى إليها الشكّ ولكن كونها لعبت دوراً جوهرياً مع غيرها من الأساطير والسير "المتفق عليها myths agreed upon في بناء هويّةٍ جديدة عربيّة وإسلاميّة انطلاقاً من معطيات الكتاب المقّدس وأدبيّات سوريّا البيزنطيّة والسريانيّة.



Nancy Khalek. Damascus after the Muslim Conquest.Text and Image in Early Islam. Oxford University Press 2011. 

No comments:

Post a Comment