لم أستطع الحصول على معلوماتٍ تذكر عن المؤلّفة، السيّدة Mackintosh، باستثناء أنّها بريطانية أو على الأقلّ من المملكة المتّحدة، پروتستانتيّة المذهب، داعية للتبشير، أمضت سبع سنوات في دمشق فبل نشر كتابها "دمشق وأهلها، الخطوط العريضة للحياة الحديثة في سوريّا" عام ١٨٨٣. الكتاب متاحٌ بالمجّان للقراءة والتحميل للمهتمّين.
يستهدف هذا السِفْر أهلَ الشام، وليس تاريخ المدينة أو الإقليم. عاشَرَت المؤلّفة الدمشقييّن بمختلفِ فئاتِهِم عن كثب، وركّزت اهتمامَها عليهم. مع ذلك هناك وصفٌ أميل إلى الاختصار لدمشق ومحيطها، والبادية حتّى تدمر، ولبنان مع الساحل، ومنطقة القلمون. لغةٌ سهلةٌ وأسلوبٌ أخّاذ بغضّ النظر عن رأينا في فحوى الكتاب ومادّتِهِ.
بلغ عدد سكّان المدينة مع ضواحيها آنذاك ١٨٠٫٠٠٠ نسمة. شَمَلَ هذا الرقم ٥٫٠٠٠ إلى ٦٫٠٠٠ يهودي، و ٢٠٬٠٠٠ مسيحي. أهمّ أبنيتها الجامع الأموي بالطبع، وهناك أيضاَ الكنيسة المريميّة والقلعة. دمشق جنّةٌ على الأرض، حسب الكاتبة، إذا نظرنا إليها من بعد، بيد أنّ هذا الوهم يتلاشى بمجرّد أن يجابه الزائر هوائَها الملوّث، وشوارعَهَا القذرة الضيّقة التي تتولّى الكلابُ الهائمة الجائعة مهمّةَ تصريفِ نفاياتِها.
وصفت المؤلّفة ساحة المرجة ومحيطها المباشر، أثناء العمليّة التي تطوّرت بموجِبِها إلى مركز المدينة الجديد لاحقاً. ذكرت Macintosh السجن الموبوء، ومركز البريد والبرق الذي أدارهُ موظّفان ليس غير، أحدُهُما الساعي، والسرايا أو مقرّ الوالي (بناءٌ يعود لزمن كنج يوسف باشا في مطلع القرن التاسع عشر، حلّ محلَّهُ لاحقاً بناء العابد الذي لا يزال قائماً حتى اليوم)، و"السرايا العسكريّة" أو ما عُرِفَ بالمشيريّة (يحتلّ مكانها حالياً قصر العدل شرق شارع النصر).
أثنت Mackintosh على بهاء البيوت الدمشقيّة، على الرغم من مدخلها الكئيب الأشبه بباب السجن، ونوّهت ببساطة الأثاث والأدوات المنزليّة، وإن كانت المقاعد والأسرّة الأوروپيّة تتغلغل بالتدريج لدى الطبقة الموسرة.
التجوّل دون فانوس بعد غروب الشمس محظور. تُغْلَقُ أبوابُ الحارات ليلاً ولا تُفْتَح إلا بمعرفَةِ الحرّاس. تُضاءُ الأسواقُ بالمصابيح الزيتيّة المتباعدة الباهتة النور، بينما يوشّحُ ظلامٌ دامسٌ سائرَ المدينة.
نأتي الآن إلى الأحياء المسلمة، أو ما أسمته الكاتبة "الحيّ المُحمّدي"، بنوافذِهِ (مشربيّاتِهِ) المغلقة، وسطوح المنازل المُصمّمة لمنع البصبصة على النساء. المرأةُ المسلمة مظلومةٌ (موضوعٌ يعود إليه المستشرقون عموماً مراراً وتكراراً وإلى اليوم)، ليس لديها ما يشغلها ممّا يمكن وصفه بالمفيد أو المنتج، لا تستطيع مغادرة المنزل دون أن تتّزر وتتنقّب (انطبق هذا في ذلك العهد على النساء بغضّ النظر عن انتمائهنّ الديني). أطفالُ دمشق يشتمون بمناسبة ودون مناسبة.
القرآن (صفحة ٣٠) مترعٌ "بالأساطير الحمقاء"، المُحرَّفة عن الكتاب المقدّس، يخلط بين إسماعيل وإسحاق وبين مريم العذراء وأخت موسى، وينكر ألوهيّة المسيح وصلْبَه. تستدرك المؤلّفة مضيفةً أنّ المسلمين بدورِهم يعتقدون أنّ كتب المسيحييّن واليهود محرّفة، وإن تفاوتت درجة التعصّب الديني لديهم. يلي هذا وصفٌ لشعائر المسلمين ومحمل الحجّ.
يزدري يهود دمشق الزراعة، ويمارسون الصيرفة والتجارة، تمضي نساءُ أغنيائِهِم أوقاتهنّ ببلاهة، لا هدف لحياتهنّ سوى المتع الآنيّة كالثياب والزيارات والنزهات والتدخين. بالنسبة لشكل اليهود، فُوجِئَت الكاتبة بغياب الصورة النمطيّة التي رَسَمَتها مخيّلتُها لشعرهم الداكن وأنوفِهِم المعقوفة (صفحة ٥٠)، وأنّ العديد من بناتِهِم حسناوات، بيضاوات البشرة، زرقاوات الأعين. يهود دمشق (خلافاً ليهود فلسطين وخصوصاً المهاجرين الأوروپييّن منهم) يتكلّمون العربية كلغتهم الأمّ، ولا تختلف ثيابُهُم عن بقيّة أهل المدينة. ذكرت Mackintosh كنيسهم في قرية جوبر، المسلمة بالكامل.
الفصل الرابع عن الحيّ المسيحي، مع بعض التفاصيل عن الأطباق الدمشقيّة، من الكبّة إلى الكوسا المحشي. لم تُغْفِل المؤلفة الغسيل المنشور فوق الأسطح ولا تعريشات ديار البيت الشامي.
الفصل الخامس مخصّصٌ لأسواق المدينة. يحتلّ سوق مدحت باشا الصدارة بطبيعة الحال، أضِف إليه أسواق المهن المختلفة. هناك أيضاً اثنين أو ثلاث أمكنة للتجارة بالعبيد (صفحة ٧٧-٧٨)، زارت Mackintosh شخصياً أحَدَها ورأت بأمّ عينها نساءً للبيع، وذكرت كيف طمأن النخّاسُ زبائنَهُ أنّه سيجلب "بضاعةً" أفضل لدى عودة الحجيج من مكّة. اقتنى عددٌ من المسلمين والمسيحييّن العبيد السود، وتحسّرت المؤلّفة أنّ الاستعباد لم يكن وقفاً على الزنوج، بل شَمَل أيضاً البيض، بما فيهم صبايا من حسان الشركس، وبالطبع تعيّن على الشاري أن يدفع لامتلاكهنّ سعراً أعلى من المطلوب لزميلاتهنّ السوداوات.
يتكتّم الدروز على معتقداتِهِم، وليس في قراهم جوامع ولا كنائس. يجتمع أبناء الطائفة في جرمانا يوم الخميس في بيت شيخهم. الدروز معروفون بشجاعتِهِم، وهم يدّعون الإسلام تارةً والمسيحيّةَ طوراً، ويؤمنون بتناسخ الأرواح، ويحبّون الإنجليز. الدروز أكثر من رحّب بالبعثات التبشيريّة الپروتستانتيّة البريطانيّة والأمريكيّة، بينما ناصبتها طوائف سوريّا عموماً، بما فيها المسيحيّة، العداء.
يحتقر البدو الزراعة، ويعملون برعي الماشية، ويمارسون أيضاً "الغزو" أو السرقة حسب تعبير المؤلّفة، وإن بذلوا قصارى جَهْدِهِم لتجنّب القتل، وما يترتّب عليهِ من سفك الدماء وتارات لا نهاية لها على مبدأ العين بالعين.
الفصل الحادي والعشرون (إعتباراً من الصفحة ٢٥٦) عن الطوائف السورية: السنّة هم الأكثر عدداً، ومِنَ المسلمين مَنْ هم من "الأرفاض" أو "المتاولة"، الذين وصلَ تعصّبُهُم - حسب المؤلفة - إلى درجة الضنّ بماء الشرب على المسافرين من غير ملّتهم. الأرفاض، في خصوصيّتِهِم وعزوفِهِم عن الاختلاط بالآخرين، أشبهُ باليهود الذين تربطهم بِهِم صداقةٌ وإخاء، بدلالة حيّهم الملاصق لحارة اليهود في دمشق. النصيريّة - من بين كلّ الديانات السوريّة - هم الأقرب إلى الوثنيّة، يعبدون الشمس والقمر والنجوم والأماكن المرتفعة. مراسم انتخاب علماء النصيريّة (صفحة ٢٦١) "ملعونة ومهينة وقبيحة". استمدّت Mackintosh معلوماتِها من أحد المارقين منهم الذي اعتنق المسيحية وفرّ إلى مصر ليؤلّف بالعربيّة كتاباً "يفضح" فيه عقائدَهم وممارساتِهم. أضافت الكاتبة - في نفحةٍ من الكرم - أنّهم مضطّهدون ويستشّف من أسطرِها أمَلَها أن ينتهي بهم الأمر إلى اعتناق الدين الحقّ (أي المسيحيّة الپروتستانتية).
المؤلِّفَة، على عنصريّتها ونظرتها الاستعلائيّة كسائر مستشرقيّ القرن التاسع عشر، حسنةُ النيّة لا تريد للسورييّن إلّا الخير، بدلالة أنّها أعربت عن أمَلِها بنشر الإنجيل بين المسلمين، والمسيحييّن (من غير الپروتستانت)، واليهود، وغيرهم. دعت Mackintosh إلى "حملةٍ صليبيّةٍ" سلميّة، خلافاً لجهاد المسلمين (صفحة ٢٩٢)، في سبيل تحقيق هذا الهدف النبيل.

No comments:
Post a Comment