كتيّب أنيق، صغير الحجم (١٣ في ١٩ من عشيرات المتر)، صفحاتُهُ بما فيها المقدّمة والفهارس ١٦٠، صَدَرَ عن جامعة أوكلاهوما عام ١٩٦٤. الكاتب الدكتور نقولا زيادة (١٩٠٧ - ٢٠٠٦) دمشقيّ المولد، له عدّة مؤلّفات بالعربيّة والإنجليزيّة.
حَكَمَ المماليكُ مصر اعتباراً من ١٢٥٠ حتّى ١٥١٧، وسوريّا بدايةً من ١٢٦٠ إلى ١٥١٦. أي الفترة الواقعة بين نهاية العهد الأيّوبي وبداية العثماني. تعني كلمة المملوك "عبد"، وتستعمل عادة للعبيد البيض. المماليكُ بالأصل عبيدٌ ابتيعوا في أسواق النخاسة، أو أُسرِوا في حروبٍ ضد "الكفّار"، على اعتبار أنّ استعباد المسلمين، على الأقلّ نظريّاً، من المنكرات. درّبَ سلاطينُ الأيوبييّن وغيرُهُم مماليكَهم في فنون الحرب، واستخدموهم عسكراً وضبّاطاً، إلى أن اكتشف هؤلاء - كما حصل في حالة الحرس الپريتوري Praetorian Guard في عهد الرومان مثلاً - أنّ الحلَّ والربطَ في نهاية المطاف في أيديهم، وأنّ من يحمي السلطان، يستطيع إذا أراد أن يدعم سلطاناً آخر، أو حتّى أن يحلّ محلّ سيّدِهِ؛ وهكذا ولِدَت إحدى أغرب امبراطوريّات القرون الوسطى المحكومة من الملوك - المماليك، بتعبيرٍ آخر الملوك - العبيد.
حَكَمَ المماليكُ مصر اعتباراً من ١٢٥٠ حتّى ١٥١٧، وسوريّا بدايةً من ١٢٦٠ إلى ١٥١٦. أي الفترة الواقعة بين نهاية العهد الأيّوبي وبداية العثماني. تعني كلمة المملوك "عبد"، وتستعمل عادة للعبيد البيض. المماليكُ بالأصل عبيدٌ ابتيعوا في أسواق النخاسة، أو أُسرِوا في حروبٍ ضد "الكفّار"، على اعتبار أنّ استعباد المسلمين، على الأقلّ نظريّاً، من المنكرات. درّبَ سلاطينُ الأيوبييّن وغيرُهُم مماليكَهم في فنون الحرب، واستخدموهم عسكراً وضبّاطاً، إلى أن اكتشف هؤلاء - كما حصل في حالة الحرس الپريتوري Praetorian Guard في عهد الرومان مثلاً - أنّ الحلَّ والربطَ في نهاية المطاف في أيديهم، وأنّ من يحمي السلطان، يستطيع إذا أراد أن يدعم سلطاناً آخر، أو حتّى أن يحلّ محلّ سيّدِهِ؛ وهكذا ولِدَت إحدى أغرب امبراطوريّات القرون الوسطى المحكومة من الملوك - المماليك، بتعبيرٍ آخر الملوك - العبيد.
سقطت بغداد عام ١٢٥٨ على يد المغول، ومَعَها الخلافةُ العبّاسيّة. أراد السلطان الظاهر بيبرس (١٢٦٠ - ١٢٧٦)، المؤسّس الحقيقي لإمبراطوريّة المماليك، إضفاءَ الشرعيّةِ على ملْكِهِ، فجلب أحد سليلي آل عبّاس إلى القاهرة وأعلَنَهُ خليفةً. بالطبع كان هذا الخليفة المزعوم "رجل كرسي" في أحسن الأحوال، مهما أحاطَهُ السلطان بآيات التعظيم والتبجيل.
تجاوزت تغطية الكتاب، على صِغَرِ حجمِهِ، فترةَ المماليك، لتتطرّق إلى تطوّر دمشق وأحيائِها منذ البدايات. تزايدت المعلومات اعتباراً من عهد نور الدين ومروراً بالأيّوبييّن. اعتمَدَ الدكتور زيادة في عَمَلِهِ على روايات الرحّالة المسلمين: ابن جبير الأندلسي الذي زار دمشق عام ١١٨٤ أدقُّهُم على الإطلاق، وابن بطوطة في القرن الرابع عشر. استند المؤلِّف أيضاً على الأوروپيّين وكتابات المؤرّخين، وتعرّضَ ليس فقط إلى تجارةِ المدينة وأسواقِها ومعابِدِها ومدارِسِها ومشافيها وسائرِ معالِمِها، وإنّما أيضاً الكوارث التي أصابتها عندما هاجمها المغول بقيادة غازان أو قازان (أوّل من اعتنق الإسلام من أباطرة المغول) عام ١٢٩٩-١٣٠٠ في عهد ابن تيميّة، ومن ثمّ تيمورلنك الورِع ١٤٠٠-١٤٠١ الذي عاصرت جائحَتُهُ زيارةَ ابن خلدون للمدينة.
يتوزّع الكتاب، بعد المقدّمة، على سبعة فصول: أوّلها تعريفٌ بالمماليك؛ الثاني عن عهد صلاح الدين مع التركيز على زيارة ابن جبير؛ الثالث استشهادات من الرحّالة الأوروپيّين ومنهم Niccolò da Poggibonsi في منتصف القرن الرابع عشر، و Giorgio Gucci الفلورنسي بعده بقليل، و Bertrandon de la Brocquière في مطلع القرن الخامس عشر وغيرهم؛ الفصل الرابع وصفٌ للمدبنة وضواحيها؛ الفصل السادس عن الشؤون الإداريّة.
الفصل السابع والأخير متعلِّقٌ بالحياة الفكرية، التي لا يمكن فصلُها، خصوصاً في ذلك العهد، عن الحياة الدينيّة. اعتبَرَ الكثيرون القرن العاشر الميلادي "قرناً شيعيّاً" إذا جاز التعبير: البويهيّون في العراق وإيران، الحمدانيّون في حلب، والفاطميّون (الإسماعيليّون) في سوريّا الجنوبية ومصر وشمال أفريقيا. مع ذلك بقيت أغلبيّةُ المسلمين سنيّةً، على الرغم من مذهب الحكّام. شَهِدَ القرن الحادي عشر ردّة فعل سنيّة تحت السلاجقة، وتابع الأتابك نور الدين مكافحة "الرافضة"، ثمّ أجهز صلاح الدين على الخلافة الفاطميّة في مصر وأعاد الدعاءَ على المنابر للخليفة العبّاسي المغلوب على أمرِهِ. استمرّ المماليك في هذه السياسة، وصعد في عَهْدِهِم نجمُ الفقيه الحنبلي ابن تيميّة الدمشقي (١٢٦٣ -١٣٢٨). خَتَمَ الدكتور زيادة بالقول أنّ وضعَ حنابلة دمشق تدهور بعد الغزو العثماني، كون الفاتحين الجُدُد على مذهب أبي حنيفة. طوى النسيان ابن تيميّة في مدينَتِهِ وبَلَدِهِ أو كاد حتّى أواسط القرن الثامن عشر، وولادة الحركة "الإصلاحيّة" التي بشّر بها محمّد ابن عبد الوهّاب في نجد، وساعد على نَشْرِها آل سعود. أسّس محمّد ابن علي السنوسي في ليبيا حركةً موازيةً في القرن التاسع عشر، وأخيراً وليس آخراً، أعلن السلفي رشيد رضا، ناشر ومحرّر مجلّة المنار (العدد الأوّل ١٨٩٨)، نَفْسَهُ وريثاً لأفكار ابن تيميّة الذي لا مبالغة في اعتبارِ أَثرِها بعد مماتِهِ أهمّ وأخطر منه في حياتِهِ.

No comments:
Post a Comment