كاتو الأكبر
نشرت مجلّة tintin قصّة قصيرة بعنوان "كاتو الرقيب رمزٌ لا يزال حيّاً للنزاهة" في العدد التاسع والأربعين من العام ١٩٦٤ من نسختها البلجيكيّة والعدد ٨٤٨ الصادر في الحادي والعشرين من كانون ثاني يناير عام ١٩٦٥ من نسختها الفرنسيّة. الرواية مصوّرة تمتدّ على أربع صغحات والحوار للسيّد Yves Duval أمّا الرسم فللفنّان Léonard.
كاتو الأكبر (٢٣٤ - ١٤٩ قبل الميلاد) عسكري ثمّ سياسي روماني مخضرم يعتبر إلى اليوم مضرب المثل في الاستقامة والنبل والتجرّد بدلالة إطلاق اسمه على معهد تحرّري Libertarian في الولايات المتّحدة الأميركيّة (Cato Institute). بدأ البطل حياته مزارعاً بسيطاً ثمّ أصبح جنديّاً تميّز بذكائه وشجاعته ولعب - حسب مجلّة tintin على الأقلّ - دوراً هامّاً في سقوط سرقسطة في أيدي الرومان عام ٢١٢ قبل الميلاد.
أصبح كاتو بالنتيجة إدارياً وسياسيّاً وضع نُصب عينيه إنصاف الرومان المظلومين والدفاع عن الضعفاء وحماية الفقراء من جشع واستغلال الأغنياء. تقلّب البطل في أرفع المناصب إلى أن أصبح رقيباً وعضواً في مجلس الشيوخ اشتهر بخُطَبِهِ العصماء التي ختمها دائماً وأبداً وبغضّ التظر عن موضوعها بعبارة "يجب تدمير قرطاج":
دوافع كاتو في ذلك الوقت اقتصاديّة بحتة: خسرت قرطاج في نهاية القرن الثالث قبل الميلاد إمبراطوريّتها وعاشت ما تبقّى من حياتها دويلة يكاد نفوذها لا يتعدّى أسوارها لا تستطيع شنّ الحرب أو عقد معاهدات دون رضى روما وإلّا تعرّضت لأوخم العواقب. مع ذلك نظر الرومان عموماً وكاتو خصوصاً لازدهارها الاقتصادي نظرة ريبٍ وتوجّس واعتبر "الرقيب" مجرّد بقائها تهديداً لأمن ومستقبل روما وبناءً عليه ختم الكاتب البلجيكي سَرْدَهُ بالحوار التالي:
حامى هذا الرجل الحديدي عن أمن وسلامة وطَنِهِ حتّى النهاية:
"ولكن أولويّتا والأمر الجوهري بالنسبة لنا تدمير قرطاج".
مات كاتو قبل ثلاث سنوات من استباحة قرطاج ولم يقدّر له أن يكحّل عينيه برؤيتها طعمةً للنيران.
استحقّت قرطاج مصيرها الحزين عن جدارة في عرف عدد لا بأس به من المؤرّخين القدماء والجدد بما فيهم كتّاب وفنّانيّ الروايات المصوّرة وعلى رأسهم أحد ألمع نجوم مجلّة تان تان ومبتكر شخصيّة Alix الراحل Jacques Martin الذي وصف قرطاج في قصّة "الجزيرة الملعونة" بالمدينة المتعجرفة cité orgueilleuse عندما أكلتها ألسنة اللهب وتفنّن في تفاصيل قرابين الأطفال التي قدّمها القرطاجيّون لربّهم المزعوم Moloch Baʿal في قصّة ضريح الإتروسك التي اقتبس فيه من Gustave Flaubert وروايته الشهيرة Salammbô دون حساب.
لا داعي للقول أنّه لو انتصرت قرطاج على روما لتغيّرت هويّة الأخيار والأشرار ولكن ما يدعو للعجب أن يستمرّ البعض بعد مرور أكثر من ألفيّ عام على الأحداث بالإشارة إلى عبارة "يجب تدمير قرطاج" كقول مأثور وأمثولة في الوطنيّة والمرؤة والغيرة على الخير والحقّ.
No comments:
Post a Comment