بدأ حيّ المهاجرين عندما تمّ توطين اللاجئين من الروملّي في بيوتٍ متواضعة على سفوح قاسيون فوق نهر يزيد في منتصف تسعينات القرن التاسع عشر، وتَلَتْهُم موجةٌ ثانية من كريت عام ١٩٠٠.
تكافلت عدّة عوامل في العقد الأوّل من القرن العشرين لتجعل من المهاجرين أحد أرقى أحياء دمشق، بدايةً من جرّ وتخزين مياه الشرب، مروراً بمدّ خطّ الترام، ووصولاً إلى بناء قصر ناظم باشا عام ١٩٠٥ (لا يزال موجوداً)، ومن ثمّ قصر مصطفى باشا العابد عام ١٩٠٧ (هُدِمَ عام ١٩٧٤).
بالنتيجة تلاشت البساتين التاريخيّة التي فصلت مدينة دمشق عن الصالحيّة شيئاً فشيئاً، ليحلّ محلّها أحياء الشهداء (نسبةً إلى جامع)، وعرنوس (نسبةً إلى ضريح)، والجسر الأبيض على نهر تورا. جذبت هذه الأحياء الأوروپييّن وشُيِّدت فيها عدّة مؤسّسات: البريد والمعتمديّة والدرك والمشفى العسكري والمشفى الإيطالي وثلاث مدارس فرنسيّة وهلمّجرّا. سكن الضبّاط والموظّفون الفرنسيّون الأحياءَ الجديدةَ التي أصبحت مقرّاً للقنصليّات الأجنبيّة في عهد الانتداب.
سارت العديد من عائلات دمشق المسلمة على خطى الأوروپييّن، وأمّت المهاجرين بحثاً عن الهواء النقي والإطلالة الجميلة على المدينة وغوطتها. تسارعت هذه الحركة بعد أحداث ١٩٢٥.
أوّل مباني القصّاع مشفى القدّيس لويس الفرنسيّة ومشفى ڤيكتوريا الإنجليزيّة قبيل الحرب العالميّة الأولى. اتّسَعَ العمران في هذا الجوار بعد ١٩١٩ على حساب البساتين شمال باب توما، وأصبح السكنُ فيهِ بالنسبة لمسيحييّ دمشق نوعاً من "القنزعة" snobisme في محاكاة الأجانب، كما في حالةِ المسلمين الذين تركوا المدينة القديمة إلى المهاجرين. لربّما ساهمت الاضطرابات الأمنيّة عام ١٩٢٥ في تسريع وتعزيز هذا الميل، على الأقلّ حسب المؤلِّف الذي أشار إلى الخوف الذي اعترى العائلات المسيحيّة في الميدان (حارة القرشي وباب مصلّى) من جيرانِهِم المسلمين، ممّا دفعَ عدداً منهم إلى تغيير إقامَتِهِ من الميدان إلى باب توما أو القصّاع كلُّ حسب إمكانيّاتِهِ.
Richard Lodoïs Thoumin. Géographie humaine de la Syrie centrale. Librairie Ernest Leroux, Paris 1936.
The Expansion of Damascus at the Beginning of the Twentieth Century

No comments:
Post a Comment