Tuesday, June 25, 2024

أبراج هيكل المشتري وصوامع جامع بني أميّة الكبير

 


حاول الدكتور آلان جورج (صفحة ٩٧ - ١٠٠) تقصّي عمليّة تحوّل أبراج زوايا الهيكل الروماني temenos إلى مآذن الجامع الأموي عَبْرَ المصادر العربيّة التالية من الأقدم إلى الأحدث:


مسلم بن الحجّاج (صاحب "صحيح مسلم" وفيّات حوالي ٨٧٥ للميلاد):

" فبينما هو كذلك إذ بعث الله المسيح ابن مريم فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق".

ليس من الواضح إذا كانت المئذنة أو "المنارة البيضاء" هي مئذنة الجامع الأموي الجنوبيّة الشرقيّة (مئذنة عيسى) أم مئذنة لدى الباب الشرقي.


- ابن الفقيه (وفيّات حوالي ٩٥١؛ صاحب "كتاب البلدان" الذي ألّفه نحو عام ٨٩٢ للميلاد):  

"المئذنة التي بدمشق كانت ناطوراً للروم في كنيسة يحيى". 

الكلام هنا عن مئذنة واحدة فقط (يراقب منها ناطور) وليس ثلاث مآذن. 


- المسعودي (٨٩٦ -٩٥٦ للميلاد في "مروج الذهب ومعادن الجوهر"):  

"وقد كان مسجد دمشق قبل ظهور النصرانية هيكلاً عظيماً فيه التماثيل والأصنام على رأس منارته تماثيل منصوبة، وقد كان بُني على اسم المشتري وطالع سعد، ثم ظهرت النصرانيّة فجعلته كنيسةً، وظهر الإسلام فجُعِل مسجداً، وأحكم بناءه الوليدُ ابن عبد الملك، والصوامع منه لم تُغيّر، وهي منائر الأذان إلى هذا الوقت" .

لم يحدّد المسعودي عدد الصوامع (المآذن) ولكن يُفْهَم ضمناً من كلامه وجود ثلاثٍ منها على الأقلّ وعلى اعتبار أنّها "لم تُغَيّر" بعد الإسلام فهناك احتمال تحويل أبراج زوايا الهيكل الأربع إلى مآذن. 


- ابن عساكر (١١٠٥ - ١١٧٦ للميلاد في "تاريخ مدينة دمشق" الجزء الثاني):

"لما اهتمّ الوليد بن عبد الملك بهدم كنيسة يوحنّا ليهدمها ويزيدها في المسجد دخل الكنيسة ثم صعد منارة ذات الأضالع المعروفة بالساعات وفيها راهب يأوي إلى صومعة له فأحدره من الصومعة فأكثر الراهب كلامه فلم تزل يد الوليد في قفاه حتى أحدره من المنارة".  

لربّما كان الكلام عن المئذنة الجنوبيّة الغربيّة على اعتبار أنّ باب الساعات الأصلي تواجد في القسم الغربي من الجدار الجنوبي للجامع كما نوّه الدكتور Flood


ابن جبير (زار دمشق عام ١١٨٤ للميلاد في كتاب "رحلة" ابن جبير): 

"للجامع ثلاث صوامع، واحدة في الجانب الغربي وهي كالبرج المشيّد يحتوي على مساكن متّسعة وزوايا فسيحة راجعة كلها إلى أغلاق يسكنها أقوام من الغرباء أهل الخير والبيت الأعلى منها، كان معتكف أبي حامد الغزالي رحمه الله ويسكنه اليوم الفقيه الزاهد أبو عبد الله بن سعيد من أهل قلعة يحصب المنسوبة لهم وثانية بالجانب الغربي على هذه الصفة وثالثة بالجانب الشمالي على الباب المعروف بباب الناطفييّن".

ارتكب ابن جبير على الأرجح غلطة سهو عندما ذكر "صومعتين" في الجانب الغربي. 


ابن كثير (١٣٠٠ -١٣٧٣ للميلاد في "البداية والنهاية"):

"وبنى الوليد المنارة الشماليّة التي يُقال لها مأذنة العروس، فأما الشرقيّة والغربيّة فكانتا فيه قبل ذلك بدهورٍ متطاولة، وقد كان في كل زاوية من هذا المعبد صومعة شاهقة جداً، بنتها اليونان لرصد، ثم بعد ذلك سقطت الشماليّتان وبقيت القبليّتان إلى الآن، وقد أُحرِق بعض الشرقيّة بعد الأربعين وسبعمائة، فنُقِضت وجُدّد بناؤها من أموال النصارى، حيث اتُّهِموا بحريقها، فقامت على أحسن الاشكال، بيضاء بذاتها وهي والله أعلم الشرفة التي ينزل عليها عيسى بن مريم في آخر الزمان بعد خروج الدجّال، كما ثبت ذلك في صحيح مسلم عن النواس بن سمعان.

قلت: ثم أُحرق أعلى هذه المنارة وجُدِّدَت، وكان أعلاها من خشب فبُنِيت بحجارة كلّها في آخر السبعين وسبعمائة، فصارت كلها مبنيّة بالحجارة". 

زبدة النصّ هي الآتية:

- أوّلاً: لهيكل المشتري أربعة أبراج في زواياه الأربع اندثرت الشماليّتان وبقيت القبليّتان لتتحوّلان بالنتيجة إلى مئذنتين.

- ثانياً: الوليد باني مئذنة العروس في منتصف جدار الجامع الشمالي.

ثالثاً: احترقت المئذنة الجنوبيّة الشرقيّة (مئذنة عيسى) بعد عام ١٣٣٩ للميلاد وهُدِمَت وأعيد بناؤها وجُدِّدَ أعلاها بالحجارة عوضاً عن الخشب عام ١٣٦٩


هذا عن كتابات المؤرّخين أمّا عن النقوش الكتابيّة فهي غائبةٌ تماماً باستثناء البرج - المئذنة الجنوبيّة الغربيّة التي حملت كتابتين أشار إليهما Herzfeld عام ١٩٤٨


- كتابة يونانيّة تعود إلى العهد السلوقي (القرن الثالث قبل الميلاد في تقدير المستشرق الألماني). 

- كتابة عربيّة (الصورة الملحقة) نصُّها: "غفر الله للقاضي سلمان ابن علي". اعتقد Herzfeld أنّ الكتابة سلجوقيّة بيد أنّ جورج عثر على ترجمةٍ للقاضي المذكور في المجلّد الحادي والعشرين من "تاريخ مدينة دمشق" للحافظ ابن عساكر (٤٧٥ - ٤٧٦) تذكر تاريخ ٤٠٩ للهجرة (الموافق ١٠١٨ - ١٠١٩ للميلاد). الكتابةُ والحال كذلك تعود إلى العهد الفاطمي. 


باستقراء المعطيات السابقة استنتج الدكتور جورج ما يلي:


- الدلائل على تواجد برجيّ الزاويتين الشماليّتين قبل الإسلام ضعيفة.

- القرائن على تواجد برجيّ الزاويتين الجنوبيّتين قبل الإسلام أقوى خصوصاً البرج الجنوبي الغربي (الكتابة اليونانيّة) مع احتمال استغلال البرجين القبلييّن (+ الكتابات اليونانيّة على سواكف البوّابة الجنوبيّة المثلّثة) للتوكيد على تحوّل مدخل الحرم الوثني الشرقي إلى مدخل الكنيسة الجنوبي بين نهاية القرن الرابع للميلاد وحتّى مطلع القرن السابع. ناسب هذا الترتيب المسلمين في عهد الوليد إذ أطّر البرجان الجنوبيّان المجاز المعترض من الشرق والغرب.








   



Alain GeorgeThe Umayyad Mosque of Damascus. Art, Faith and Empire in Early Islam. Gingko, 2021.

No comments:

Post a Comment