تحتوي خزائن عرض ردهة تدمر على نُسُجٍ من المدافن البرجيّة في المقبرة الغربيّة لوادي القبور، وتحديداً قبور جمبليك وبرج إله بعل والبرج السادس والأربعين. عُثِرَ في الأضرِحَةِ على مومياءات، بعضٌ منها في مكانِهِ والبعض الآخر وسط مختَلَف القِطَع، مِنها ما أصيب بأضرارٍ متفاوتة الأهميّة. لُفَّت هذه المومياءات بعدّة طبقات من الأقمشة بعضها فوق البعض الآخر، ولُصِقَت باستعمال صمغ من المرّ، الذي صَبَغَها بالبنّي، ثمّ كُسِيَت بالصوف أو الحرير، الذي لم يبقَ منه إلّا مزَقٌ في ثنايا الجسم وما خَفِيَ منه.
خَضَعَت هذه الأنسجة لدراساتٍ دقيقة على يد Pfister، وأبدت العيّنات التي عُثِرَ عليها تنوّعاً وغنىً أكثر بكثير ممّا قدّمَتهُ دورا أوروپوس. تميّزت تدمر وحدها بالنُسُج التي تركتها لنا القرون الثلاثة الأولى للميلاد.
هناك أقمشة الكتّان الطبيعيّة اللون، التي حيكت باتّباع تقنيّة متميّزةٍ في تقدُّمِها. زخارف هذه النماذج أميل إلى التقشّف في شرائِطِها من الصوف المصبوغ بالأرجوان الأصلي، وأحياناً بالنيلة مع التطريز بخيوط الذهب.
تختلف الأنسجة الصوفيّة بألوانها وزخارِفِها إلى أبعد الحدود، ويجمع بينها عناصر زخرفيّة متكرّرة من الخطوط المستقيمة الأحاديّة اللون، أو المزيّنة بأشكال T مزدوجة، أو بعناصر متعدّدة الألوان. هناك أكثر من نوع لهذه الأنسجة: منها الممشّط الحريريّ الملمس، ومنها السميك الأصفر والبرونزي الشديد المقاومة، الذي لا بدّ أنَّهُ استُعْمِل في صناعة العبي الكبيرة، ومنها المبرّد النفيس الذي يحمل رسوماً شطرنجيّة المربّعات أو معينيّة. هناك الأنسجة البنيّة أو الحمراء البنفسجيّة التي تحمِلُ شرائِطاً دقيقةً متعدّدة الألوان في مناطق ظليلة. من المحتمل أنّ هذه العيّنات من ثيابٍ إيرانيّة المصدر، كما هو الحال فيما نراه في المنحوتات التدمريّة النافرة، وتبقى مع ذلك منتجات سوريّة متأثّرة بالوسط التدمري وتقاليد المدينة الشرقيّة، بينما تتميّز زخارفُها النباتيّة بأسلوبِ تنفيذِها الهلنستيّ الأصل، وحبال أزهارها وأغصانِها المورقة المتفرّعة من جذعِ تخيّلي أو من أشكالٍ أشبه بالأهلّة.
نصادِفَ معضلةً في غاية التعقيد فيما يتعلّق بأصول الحرائر، وهناك ما يشير إلى كونِها استورِدَت من الصين، نظراً للتشابه الكبير بينها وبين القِطَع التي عُثِرَ عليها في في منغوليا (موقع Noin-Ula)، وليو-لان في تاريم. تختَلِف هذه النُسُج كثيراً عن حرائر الشرق الأدنى. صُنِعَت هذه الأقمشة باستعمال أنوال آليّة، وسلسلةٍ لإنتاج رسوم الدمقس والأشكال العرضانيّة، عكس ما كان الحال عليه في الغرب. أضف إلى ذلك أنّ الزخارف صينيّة النمط إلى درجةٍ تلفِتُ النظر، بأقنِعَتِها الطاوطيّة، وحيواناتِها العجائبيّة، ورسومِها الهندسيّة. هذه الأنسجة الحريريّة شديدة الهشاشة وسريعة العطب، وصلتنا في حالةٍ سيّئة مع الأسف، وتبقى مع ذلك برهاناً على العلاقات التجاريّة بين تدمر من جهة، وإمبراطوريّة هان الصينيّة من جهةٍ ثانية.
النصّ: تعريب عن عبد الحقّ (صفحة ٤٨-٤٩).
من مقتنيات متحف دمشق الوطني.
Sélim et Andrée
Abdul-Hak. Catalogue Illustré du Département des antiquités Gréco-Romaines au Musée de Damas, 1951.