Thursday, April 9, 2015

أرض النفاق




جرى عرض هذا المسلسل قبل قرابة 40 سنة و هو متوافر على اليوتوب لمن تستهويه مثلي النوستالجيا لكوميديا القرن الماضي. مثل فيه مجموعة من النجوم بينهم فؤاد المهندس، صفية العمري، نبيلة السيد، و نظيم شعراوي حيث لعب هذا الأخير دور وكيل الوزارة الفاسد أحمد بيه الجمال. القصة بالمختصر المفيد أن أحد العلماء إخترع "حبوب منع النفاق" و التي بمجرد أن يتناولها المنافق يصبح صادقاً و صريحاً إلى درجة الوقاحة كما حصل لنادل المقهى الذليل "حليشة" و الذي تحول من مداهنة الزبون إلى مصارحته و حتى إهانته. 

ما أريد التعرض إليه هنا هو حالة خاصة جداً من النفاق و متفشية في جميع بلاد "الوطن العربي" من المحيط إلى الخليج ألا و هي تملق الحاكم و عبادة الفرد. من البدهي أن هذه الظاهرة قديمة للغاية منذ أيام النابغة الذبياني و علي إبن الجهم بل منذ أيام الإله-الملك أو فرعون و لا تزال حية في أوج عنفوانها في مطلع القرن الحادي و العشرين مع إرتقاء التقنية على أكثر من صعيد: في الزمن القديم كان الكتاب و الشعراء أما اليوم فلدينا أيضاً المغنين و الملحنين و الفرق الموسيقية ناهيك عن الصحف و الراديو و التلفزيون و الأقمار الصناعية و الشبكة العنكبوتية. علاوة على كل ذلك زاد عدد الناس كثيراً و أصبح من الممكن إنزال حشود غفيرة إلى الشوارع و تسجيل مسيراتها و هتافاتها بالصوت و الصورة.

هذا لا يعني بالضرورة أن كل من نظم شعراً و كل من غنى لحاكم منافق و منتفع. على سبيل المثال كان شاعر دمشق العظيم نزار قباني ناصرياً على حياة عبد الناصر و أصبح أكثر ناصريةً بعد موت عبد الناصر و لكن أمثال نزار قليلون بينما ما أكثر أمثال "أصالة" نصري و التي غنت "حماك الله يا أسد فداك الروح و الجسد" قبل أن ينزل عليها الوحي و تباشر بتمسيح الجوخ لملك البحرين على نمط "من تزوج أمي فهو عمي" و يبقى مطرب و ملحن مصر العظيم محمد عبد الوهاب -و هذا دون إنكار مواهبه الفريدة و أفضاله التي لا يمكن جحودها في تطوير الموسيقى الشرقية- أكبر مداهن في تاريخ الشرق الأوسط و لعشرات السنين.

أطلق على عبد الوهاب في النصف الأول للقرن العشرين لقب "مطرب الملوك" و لم يكن في هذا أي مبالغة كونه غنى لملك العراق فيصل، لملك مصر فاروق، و لملك السعودية عبد العزيز قبل أن "يهتدي" و يغني لعبد الناصر و الثورة و من بعدها يصبح ساداتياً و "جنرالاً" في آخر عمره! 

مع ذلك يبقى عبد الوهاب مبدعاً حتى عندما يمارس النفاق الرخيص كما فعل في أغنية "أنشودة الفن" الجميلة و التي غنتها أيضاً ليلى مراد بصوتها العذب. لنستمع سوية إلى عبد الوهاب يخاطب الملك فاروق:

الفن مين يوصفه الا اللى عاش فى حماه
والفن مين يعرفه الا اللى هام فى سماه
والفن مين انصفه غير كلمة من مولاه
والفن مين شرفه غير الفاروق و رعاه
انت اللى اكرمت الفنان ورعيت فنه
رديت له عزه بعد ما كان محروم منه
ورويت فؤاده بالألحان برضاك عنه