Friday, January 31, 2020

إيوان البيت الشامي


أطلقت تسمية الإيوان أو الليوان في عدد من المصادر التاريخيّة على الطزر وهو كما رأينا القسم المرتفع في قاعة البيت الشامي (بينما يدعى القسم المنخفض العتبة). المقصود في منشور اليوم ليس هذا الإيوان-الطزر بل إيوان الصحن وهو كناية عن غرفة ذات ثلاث جدران شاهقة تطلّ من جهتها الرابعة المفتوحة على صحن البيت المركزي وتهيمن عليه ويمكن لارتفاعها الذي يعادل كافّة ارتفاع البيت (أي الطابقين الأرضي والأوّل) أن يصل لعشرة أمتار. 

يتواجد الإيوان عادة في الجدار الجنوبي للصحن (مقابل القاعة في جداره الشمالي) ويسمح ارتفاعه بالاحتفاظ بهواء الليل البارد حتّى اليوم التالي ممّا يجعله مكاناً مثاليّاً للجلوس والاسترخاء في الفصول الحارّة (أي معظم السنة في دمشق). يستعمل الإيوان كغرفة معيشة واستقبال حيث تقدّم القهوة والشاي والأركيلة والحلويّات للضيوف. 

تزيّن عصابات من الأبلق الفسم السفلي لجدران الإيوان حيث تنتظم الألوان البيضاء والبرتقاليّة والرماديّة الداكنة على الجبس بعضها فوق البعض وتزدهي الأقواس والألواح فوق الأبواب والمحاريب والنوافذ بنماذج زخرفيّة من العناصر النباتيّة والهندسيّة المشغولة بعجينة حجريّة ملوّنة وكلّ هذا يؤكّد الخاصيّة التي ميّزت الدور الشرقيّة عموماً والشاميّة خصوصاً ألا وهي التوجّه من المحيط إلى المركز فحول الصحن تتوزّع الواجهات الفخمة والنوافذ الكبيرة وليس على جدار البيت الخارجي كما هو الحال في منازل القرن العشرين التي تبعت الأنماط الغربيّة. 



الصورتان من محموعة البارون Oppenheim لإيوان بيت المنيّر؟ Bet Muneijir الدارس وكما رأينا تواجد هذا البيت في الشاغور الجوّاني شارع نزلة حمّام القاضي مقابل جامع القلعي. 




Anke Scharrahs. Damascene 'Ajami Rooms. 2013

Thursday, January 30, 2020

عتبة البيت الشامي



القاعة في الدار الدمشقيّة هي غرفة استقبال البيت وأفخم مكوّناته (بينما المربّع غرفة  متعدّدة الوظائف أصغر وأقلّ أبّهة وكلاهما يتوزّع حول الصحن أو الصحون المركزيّة). تتألّف القاعة من قسمين الأوّل منخفض ومفتوح على الصحن يدعى العتبة والثاني مرتفع يسمّى الطزر. تتمتّع بعض البيوت الموسرة بعدّة قاعات (لبيت العابد ستّة) ويمكن أن تؤدي العتبة الواحدة إلى طزر أو إثنين أو حتّى ثلاثة كما في بيت السباعي وبيت جبري.


الصورة لعتبة في بيت منيّر من مجموعة البارون Oppenheim وتعود إلى مطلع أو منتصف عشرينات القرن الماضي تظهر فيها العتبة تتوسّطها بحرة رخاميّة جميلة ونرى على جوانبها أثاثاً يمتزج فيه الفنّ الشرقي (الفسفساء الخشبيّة أو الموزاييك) مع التصميم الغربي. أرضيّة العتبة حجريّة أو رخاميّة وهي منخفضة عن الطزر بحوالي نصف المتر ولها في بعض البيوت مصبّ وهو تجويف أو محراب جداري لعدّة القهوة والأركيلة وما شابه. سقف العتبة أعلى من سقف الطزر في القاعات الكبرى ومفصول عنه بالكامل بواسطة قوس غالباً من الحجر ويمكن أن يكون خشبيّاً.  كثيراً ما نرى في هذا النوع من الأسقف جذوعاً خشبيّة مكشوفة تزيّنها زخارف دقيقة (تعرّضت لنماذج الأسقف في البيوت الشاميّة في مكان آخر: الروابط أدناه).

يترك الزوّار بعد دخولهم من الفناء الداخلي أو الصحن أحذيتهم في العتبة وجدرانها عموماً أقلّ بذخاً من جدران الطزرالذي يجلس فيه الحضور وإن كان كلاهما في منتهى الغنى في عدد من القصور. أرضيّة العتبة مبلّطة بحجارة متعدّدة الألوان على غرار الصحن بينما تغطّي أرضيّة الطزر سجاجيد وبسط ومخدّات مع مقاعد منخفضة ومتّكئات على دائر جوانب الغرفة الثلاث.






Brigid Keenan Tim Beddow. Damascus: Hidden Treasures of the Old City. 2000. 

Anke Scharrahs. Damascene 'Ajami Rooms. 2013

Wednesday, January 29, 2020

جولة في بيت منيّر


تعرّفنا على موقع هذا البيت في شارع نزلة حمّام القاضي حارة الشحم  (زقاق يؤدّي إلى سوق مدحت باشا على الطرف الشمالي للشارع) ونستطيع تعزيز هذه المعلومة بالتدقيق في خلفيّة إحدى الصورتين الملحقتين (مجموعة Oppenheim) حيث يظهر القسم العلوي لمئذنة جامع القلعي وراء سطح البيت. فلنتعرف الآن على بعض عناصر هذا البيت-القصر.

الصورة الثانية لزاوية في إحدى غرف البيت نرى فيها جزئيّاً السقف الغني مع جدار تتخلّله رفوف يحمل بعضها صوراً تذكاريّة أو ربّما للزينة. أنتهز هذه الفرصى للتعريف ببعض مكوّنات الجدران الشاميّة (عن Scharrahs بتصرّف). 



البيوت الشرقيّة التقليديّة زهيدة الأثاث عموماً ولا نجد فيها إلّا بعض الطاولات الصغيرة والصناديق وما شابه ومن هنا الاعتماد على التجويفات والخزائن الجداريّة لاعتبارات نفعيّة وتجميليّة ولهذه "المحاريب" أسماء تختلف باختلاف وظائفها والغاية من ورائها كما يلي:

المصبّ
أوّل ما يصادفه الزائر عندما يدخل قاعة الاستقبال وهو كناية عن محراب عمودي في مركز جدار العتبة مقابل مدخلها ويحنوي على عدّة القهوة وإبريق ماء وطاسة وأركيلة على رفّ حجريّ وتزيّن سقفه نحوت ومقرنصات حسب إمكانيّات صاحب الدار وذوقه.

الكتبيّة
رفوف لعرض الصمديّات النحاسيّة أو الخزفيّة و"الصيني" أو بكل بساطة للكتب ويمكن أن تكون جدرانها مبيّضة أو أن نحتوي على لوحات بداية من ثلاثينات القرن التاسع عشر.

اليوك
تجويف كبير وواسع نراه في مركز الطزر في كثير من الغرف وعادة لا يتمتّع إلّا بالحدّ الأدنى من الزينة اللهمّ إلّا في قوسه العلوي والسبب أنّه يستعمل لخزن الوسائد والفرشات واللحف إلى آخره وعلى الأغلب كان مبطّناً ومغطّى بقماش لحماية المخزونات من الغبار وأيضاً للزينة وتعزّز بعض الصور التاريخيّة هذه الفرضيّة. تمّ تحويل الكثير من هذه "اليوكات" مؤخّراً إلى فترينات للعرض أو خزائن جداريّة بإضافة أبواب خشبيّة أو زجاجيّة ويحتاج المرء لخبرة معيّنة كي يتعرّف عليها وسط الديكور الحديث. 

السمندرة
خزانة جداريّة كبيرة للفرشات والحرامات وعادة ليس فيها رفوف وإذا كانت أصغر سميّت خزانة أو دولاب.  




Anke Scharrahs. Damascene 'Ajami Rooms. 2013


Tuesday, January 28, 2020

قصف سيدي عامود: منظور فرنسي


تعود الصورة الملحقة إلى منتصف عشرينات القرن الماضي وهي مأخوذة في المساء من الشرق إلى الغرب وتظهر مئذنة جامع درويش باشا في العمق. اللقطة من مجموعة البارون Oppenheim

تعرّضت سابقاً لخلفيّة القمع الفرنسي عام ١٩٢٥ حسب مدير المعهد الفرنسي للآثار والفنون الإسلاميّة في دمشق السيّد Eustache de Lorey (الروابط أدناه) ولن أعود إليه هنا باستثتاء التذكير بأنّ السبب المباشر كان مهاجمة الثوّار قصر العظم في الثامن عشر من تشرين الأوّل.

الأسطر التالية مقتطفة ومعرّبة عن Alice Poulleau التي كانت شاهد عيان للأحداث الدامية التي عاشها أجدادنا في هذه المرحلة المبكّرة من الانتداب الفرنسي:

أقيمت الحواجز في كافّة أنحاء المدينة تقريباً واستهدف المتعصّبون الشركس والأرمن والأوروبييّن كما حصل في ١٨٦٠. لجأ الأوروبيّون إلى قنصليّاتهم بينما بدأت مدافع القلعة والدبّابات والطائرات عمليّاتها. لاذ الناس بالفرار من قلب المدينة نحو أحياء المهاجرين والصالحيّة بينما توالت أرتال السيّارات التي لا تنقطع باتّجاه بيروت. ما جرى كان تقهقراً إلى عصور الظلمات والهمجيّة.

غلب على دمشق مظهر مدينة منهارة بعد ثلاثة أيّام من المعارك والقصف وظهرت علامات طلقات الدبّابات على طول واجهات وجدران وأبواب الشارع المستقيم. تخلّلت القذائف بيت آل القوّتلي أحد أجمل دور الشام بما فيه من التحف والأثاث الثمين وأحرقت جميع البيوت حوله. شمل الدمار كافّة جوار جامع درويش باشا  وخرقت قذيفة قبّة جامع سنان باشا في بداية الميدان ولكن شائت الصدف ألّا تنفجر.

الحيّ بين السوق الطويل وسوق الحميديّة قرب المصرف السوري أشبه ما يكون بجحيم دانتي Dante إذ لم يبق فيه حجراً على حجر وفاحت روائح الجيف في بعض المواضع التي دفن فيها أصحاب البيوت تحت منازلهم المهدّمة. تهشّمت واحترقت أشجار صحون الدور البائسة المرهفة الإحساس وتراكمت الأنقاض قرب الأحواض التي نضب ماؤها بينما قام البدو بالتنقيب في البيوت التي يتصاعد منها الدخان. الأسلاك الكهربائيّة متناثرة في كلّ مكان و الأحياء التي لا حياة فيها غرقى بمياه القساطل المكسورة. نرى على طرف السوق الطويل أكثر المناظر هولاً وكأنّه بركان مستعر تتدفّق منه الحمم.

عودة على بيت "منيّر" Bet Muneijir الذي ابتاع Oppenheim قاعة عجمي منه لنقلها إلى ألمانيا وسؤالي هنا هو الآتي: هل جرى شراء وفكّ وشحن هذه الغرفة قبل أو بعد الكارثة التي حلّت بسيدي عامود (الحريقة لاحقاً)؟ أرجّح الاحتمال الأوّل. 







Gérard Degeorge. Damas: Des Ottomans à nos jours. 1994. 



Oppenheim


ِ

Monday, January 27, 2020

بيت منيّر‎


دأب أساتذتنا في جامعة دمشق على التذكير أنّ مصطلح "كحول" معرّب عن alcohol الذي ترجم بدوره عن كلمة عربيّة "غول" بفتح الغين وجمعها أغوال. إذاً قام الناطقون بلغة الضاد بتعريب كلمة أصلها عربي ودرج استعمال "الترجمة عن ترجمة الأصل" لدى الجميع باستثناء الجامعات السوريّة.

اضطررت مكره أخاك لا بطل إلى اللجوء لنفس الأسلوب و"تعريب" بيت Muneijir عن المستشرق البارون Oppenheim  إلى "منيّر" أصلها العربي كما خمّنته نظراً لغياب أي ذكر له في السرديّات العربيّة على حدّ علمي.  فلنفترض إذاً  صحّة هذه التسمية وكما رأينا قام هذا السيّد بشراء داخل قاعة في هذا البيت وتفكيكها ثمّ شحنها وأخيراً إعادة تجميعها في ألمانيا قبل أن تذهب -مع شديد الأسف- ضحيّة لقصف الحلفاء خلال الحرب العالميّة الثانية.  

لا شكّ أنّ هذا البيت كان أحد دور الشام الباذخة بدلالة ليس فقط عدد الصور التي التقطها العالم الألماني له قبل وبعد تفكيكه (ما أعرفه منها ستّة عشر) وفخامة القاعة وإنّما أيضاً (كما نرى من الصور) وجود ثلاثة صحون فيه تعرّضت لأحدها (صحن المطبخ) في منشور سابق وأدرج اليوم صورتين أحدهما لصحن صغير (لربّما كان صحن "البرّاني") نرى فيه مهندسين عمارييّن يقومون بمعاينة البيت (أعتقد بهدف توثيقه ثمّ تقكيك قاعة العجمي قبل نقلها لأوروبا) والثانية لصحن أكبر تابع على أغلب الظنّ للجوّاني أو مقرّ العائلة وسنقوم بزيارة هذا الصحن الأخير وتفاصيله البديعة قريباً. من نافل القول أنّ أي بيت يحتوي على أكثر من صحن هو بيت كبير.  



كان موقع البيت حسب Oppenheim في شارع نزلة حمّام القاضي حارة الشحم  (زقاق يؤدّي إلى سوق مدحت باشا على الطرف الشمالي للشارع مقابل جامع القلعي) ولم أنجح في الحصول على أي معلومات إضافيّة عنه أو عن أصحابه فهو غير موجود في أيّ من المراجع التي استشرتها (Weber و Keenan وكبريت) باستثناء ذكر عابر في Scharrhas.

بإمكاننا أن نخمّن أنّ تاريخ بناء أو بالأحرى إعادة بناء هذا البيت كان في القرن التاسع عشر وذلك استناداً إلى زينته وغاية ما نستطيعه بانتظار معلومات جديدة تلقي المزيد من الأضواء عليه أن نقوم بتجميع أجزاء الصورة-اللغز puzzle قطعة تلو القطعة. 




زكريّا محمّد كبريت. البيت الدمشقي طبع عام ٢٠٠٠. 




Brigid Keenan & Tim Beddow. Damascus: Hidden Treasures of the Old City. 2000. 

Anke Scharrahs. Damascene 'Ajami Rooms. 2013

Stefan Weber. Ottoman Modernity and Urban Transformation 1808-1918. Proceedings of the Danish Institute in Damascus V 2009. 


Sunday, January 26, 2020

حمّام القاضي


هذا الحمّام مذكور ضمن الحمّامات الدمشقيّة ذات التاريخ الافتراضي في الجزء الثاني لدراسة العالمين الفرنسييّن Michel Écochard و Claude Le Coeur الصادرة عن المطبعة الكاثوليكيّة في بيروت عام ١٩٤٣. الوصف التالي مأخوذ من هذه الدراسة.

الموقع في زقاق يؤدّي إلى سوق مدحت باشا على الطرف الشمالي للشارع مقابل جامع القلعي. كان الحمّام في حالة حسنة محتفظاً بمخطّطه الأصلي مع تعديلات طفيفة عندما فحصه الفرنسيّان قبل حوالي ثمانين عاماً وإن بدت زينته حديثة لربّما عادت إلى القرن الثامن عشر دون وجود ما يسمح يتحديد قطعي لتاريخ البناء في هذه الحقبة.



تتميّز صالة المشلح بقبّة مزخرفة بخطوط بارزة nervures تتوضّع مباشرة فوق حنيات أو مثلّثات كرويّة pendentifs (*) دون وجود رقبة tambour. هذه الحنيات مزيّنة بدورها بأسناخ أو خلايا alvéoles لم نصادف مثيلاً لها في المشالح التي درسناها حتّى الآن.



لا أعلم ما هو وضع الحمّام اليوم

المخطّطات عن إيكوشار ولوكور أمّا الصورة أعلاه فهي عن البارون Oppenheim وتعود لمطلع أو منتصف عشرينات القرن الماضي وهي بعنوان "دمشق: شارع نزلة حمّام القاضي حارة الشحم مع بيت Muneijir" إذاً يمكن الاستنتاج أنّ البيت قيد الحديث (بيت منيّر؟!) الذي اشترى المستشرق غرفة العجمي منه لنقلها إلى ألمانيا كان واقعاً في هذه المنطقة قبل هدمه وتفكيك مكوّناته.  

لحديث هذا البيت بقيّة.


* لربّما المقصود حنيات ركنيّة trompes أو بالإنجليزيّة squinches.








Michel Écochard & Claude Le Coeur. Les bains de Damas.


Saturday, January 25, 2020

مطبخ البيت الشامي


يتمركز البيت الشامي التقليدي حول الصحن وتتوسّط هذا الأخير بحرة. تمتّعت بيوت الأغنياء بأكثر من صحن تتحلّق حوله المربّعات والقاعات فهناك الجناح الجوّاني (الحرملك)  المخصّص للعائلة وهو عموماً الأكبر والأفخم والبرّاني (السلاملك) للضيوف. نجد في بعض البيوت صحناً ثالثاً للخدمات أي المطبخ وملحقاته وندر منها ما يحتوي على حمّام خاصّ. يتجاوز عدد "الصحون" الثلاثة في بعض البيوتات الكبيرة كبيت فارحي مثلاً ولكن مثل هذه البيوت عادة كانت أصلاً عدّة بيوت جرى تجميعها في دار واحدة من قبل بعض الموسرين ذوي الذوق الباذخ.

عنون المستشرق الألماني البارون Oppenheim الصورة أعلاه "مطبخ في صحن"  وهي لما أسماه Bet Muneijir (بيت المنيّر؟ّ!) أمّا عن تاريخها فيتراوح بين ٩٥ إلى١٠٠ سنة ونرى فيها المواعين والصواني والجرن وعدّة القهوة وهلمّجرّا. 

يفصّل الأستاذ زكريّا محمّد كبريت (صفحة ٧٨ من الجزء الأوّل من كتاب "البيت الدمشقي") العناصر الرئيسة للمطبخ الشامي كما يلي:

أوّلاً: الكانون حيث يجري طهي الطعام ويلحق به الوجاق والمدخنة

ثانياً: مصدر الماء وهو فسقيّة تزوّد المطبخ بما يلزمه للشطف والجلي والطبخ ويتمّ تزويد البيوت بمخصّصاتها المائيّة (تاريخيّاً قبل جرّ مياه غين الفيجة في مطلع القرن العشرين) عن طريق الطوالع

ثالثاً: بيت المونة حيث يتمّ حفظ الطعام وبمكن أن يكون إلى جوار المطبخ (مستودع أو "نمليّة") أو في القبو الأكثر برودة أو في سقيفة فوق المطبخ. 




زكريّا محمّد كبريت. البيت الدمشقي طبع عام ٢٠٠٠. 




Elizabeth Macaulay-Lewis. Bayt Farhi and the Sphardic Palaces of Ottoman Damascus. American School of Oriental Research, 2018. 

Dorothée SackDamaskus. Entwicklung und Struktur einer orientalisch-islamischen Stadt. von Zabern, Mainz 1989.

Stefan Weber. Ottoman Modernity and Urban Transformation 1808-1918. Proceedings of the Danish Institute in Damascus V 2009. 





Friday, January 24, 2020

غرفة العجمي المفقودة


رأينا كيف قام عدد من الهواة الأثرياء الأوروبييّن والأمريكييّن بشراء غرف شاميّة وتفكيكها ثمّ شحنها وتجميعها من جديد في بلادهم وبالطبع كلّف هذا مبالغاً طائلة واستلزم الأمر تعاون وسطاء وتجّار محلييّن.

اشترى البارون Oppenheim عام ١٩٢٦ زينة عجمي لداخل قاعة دمشقيّة ضمّها إلى مجموعته في برلين ومع الأسف ذهبت ضحيّة قصف الحلفاء في الحرب العالميّة الثانية. من حسن الحظّ أنّه ترك لنا صوراً لها وعلى ما يبدوا التقطت بعض هذه الصور في دمشق قبل إرسال مكوّنات الغرفة إلى ألمانيا ويبقى السؤال عن هويّة البيت الذي أخذت منه هذه الغرفة إذ أورده المستشرق الشهير تحت اسم Bet Muneijir بينما هجّأته الأستاذة Scharrhas مع قليل من الاختلاف Bayt Munejeer  وهنا غاية ما أستطيعه هو محاولة تصوّر المقصود عن طريق اللجوء إلى transliteration (نقل الحروف للأبجديّة الأصليّة وفي هذه الحالة العربيّة) . هل عنى أوبنهايم "بيت منيّر" أو "المنيّر"؟ وإذا كان الأمر كذلك فأين كان موقع هذا البيت ومتى بني (واضح أنّ مكوّناته بيعت في عشرينات القرن الماضي وعلى الأغلب هدم وقتها) ومن بناه؟ لم أستطع العثور على معلومات عنه في دراسة Weber الموسوعيّة اللهمّ إلّا إذا كان مذكوراً تحت اسم مختلف بالكليّة.



سنقوم بزيارة ما تيسّر من عناصر هذا البيت في الأيّام القليلة المقبلة.





 Anke Scharrahs. Damascene ʻAjami Rooms: Forgotten Jewels of Interior Design 2013


Stefan Weber.  Damascus: Ottoman Modernity and Urban Transformation 1808–1918, Proceedings of the Danish Institute of Damascus V 2009. 



Thursday, January 23, 2020

غرف البيوت الشاميّة حول العالم


خصّ كثير من الهواة الأوروبّيين والأمريكييّن البيوت الشاميّة بعناية خاصّة وقاموا بدراستها ووصفها بالتفصيل ورسمها وتصويرها وذهب بعض الموسرين منهم إلى شراء غرفٍ بكاملها وتفكيكها لإعادة تجميعها في بلادهم سواءً كان ذلك في المتاحف أو المجموعات الخاصّة. هناك العديد من الأمثلة في العديد من البلدان وأذكر منها هنا ألمانيا نقلاً وتعريباً عن Scharrahs (المرجع أدناه):

اشترى ثلاثة من هواة الفنّ الشرقي الألمان ثلاث غرف استقبال شاميّة من بيوت خاصّة مشغولة من الخشب المطلي المتعدّد الألوان بين الأعوام  ١٨٩٩ و ١٩١٢. الهواة الثلاثة كانوا أخصّائييّن شديديّ الاهتمام بالفنّ الإسلامي وعلى دراية خاصّة بهذا الفنّ: Karl Ernst Osthaus و Herbert M. Gutmann و Friedrich Sarre. لا تزال ثلاث غرف عثمانيّة سوريّة محفوظة إلى اليوم في ألمانيا بفضل هؤلاء الأشخاص أحدها غرفة حلب الشهيرة في متحف الفنّ الإسلامي في برلين والثانية غرفة دمشق في متحف الأعراق (Ethnological Museum) في درسدن والثالثة المدعوّة Arabicum في Villa Gutmann في مدينة Potsdam (فيلّا خاصّة). هناك أيضاً غرفة تمّ شراؤها عام ١٨٩٠ كانت معروضة في متحف الفنّ التطبيقي Applied Art في Düsseldorf دمّرت خلال الحرب العالميّة الثانية. 



 الصورتان من مجموعة البارون Oppenheim لبيت دمشقي وقاعته لهما حديث خاصّ. 



 Anke Scharrahs. Damascene ʻAjami Rooms: Forgotten Jewels of Interior Design 2013


Wednesday, January 22, 2020

Max Freiherr von Oppenheim 1860-1946


البارون ماكس فون أوبنهايم ١٨٦٠-١٩٤٦

مستشرق ألماني متعدّد الاهتمامات والمواهب ويعتبر اكتشاف تلّ حلف الأثري (محافظة الحسكة) أهمّ منجزاته. كان عاشقاً للآثار والشرقيّات علاوة على كونه مؤرّخ وديبلوماسي ومحامٍ وهاوٍ لجمع التحف وأعمال الفنّ. 

أوبنهايم سليل عائلة بارزة من المصرفييّن درس القانون وتعلّم اللغة العربيّة وشغف بالشرق بعد تلقّيه كتاب ألف ليلة وليلة هديّة في عيد الميلاد. أقام في القاهرة عدّة أشهر عام ١٨٩٢ درس فيها الإسلام ثمّ عيّن ملحقاً للقنصل الألماني فيها بداية من عام ١٨٩٦ وأصبحت الحاضرة المصريّة بمثابة وطن ثانٍ له لمدّة ثلاثة عشر عاماً قام خلالها بالترحال إلى سوريا والعراق واختلط بالسكّان المحلييّن ليكتشف تلّ حلف عام ١٨٩٩ (أجرى فيه تنقيبات لاحقاً ١٩١١-١٩١٣ و ١٩٢٩).  

حاول جهده كسب العرب لقضيّة ألمانيا خلال الحرب العظمى ١٩١٤-١٩١٨ وقابل في سبيل تحقيق هذا الهدف فيصل عام  ١٩١٥ ولكنّه كان غافلاً عن اتّصالات الشريف حسين مع المفوّض السامي الإنجليزي في القاهرة هنري مكماهون من وراء الكواليس وبالنتيجة نجحت لندن في استمالة الهاشمييّن إلى قضيّتها و"اندلعت" ما أسميت لاحقاً بالثورة العربيّة الكبرى وفشلت بالتالي مساعي أوبنهايم والألمان. 

قام المستشرق المغامر بجمع كمّ لا بأس به من التحف الشرقيّة دمّر الكثير منها خلال قصف الحلفاء لألمانيا إبّان الحرب العالميّة الثانية عندما تهدّمت شقّته في برلين تحت القنابل عام ١٩٤٣ لينتقل منها إلى مدينة درسدن التي جعلها الطيران البريطاني قاعاً صفصفاً بعد عامين. أودت الحرب بجميع ممتلكات أوبنهايم عمليّاً وعاش ما تبقّى من حياته مع أخته فبل أن تفيض روحه إلى بارئها سنة ١٩٤٦. 



المعلومات أعلاه مختزلة عن مقال ويكيبديا بالإنجليزيّة أدرج رابطه أدناه والصورة مأخوذة من نفس المصدر أمّا الصورة الثانية فهي بعدسة المستشرق لغرفة من بيت شامي سيتمّ التعرّض له بمزيد من التفصيل في الأيّام المقبلة. ترك أوبنهايم العديد من الصور التاريخيّة التي لا تقدّر بثمن سأقوم بتحميل بعض ما يخصّ مدينة دمشق منها مع شروحات موجزة. 


Tuesday, January 21, 2020

التربة الجيعانيّة


الصور عن كتاب خطط دمشق للدكتور صلاح الدين المنجّد الصادر عام ١٩٤٩. لم يعط الباحث عنها تفاصيلاً تذكر باستثناء التسمية نسبة للأمير سيف الدين جيعان المتوفّي عام ٧٥٤ للهجرة (١٣٥٣ للميلاد) وخلافاً لرأي البعض ممّن أسماها الجيبغائيّة أو الجيعائيّة أو الشيبانيّة.

الموقع خارج سور دمشق جنوب باب الجابية شمال تربة مختار وقبلي الصابونيّة (بدران في منادمة الأطلال ومسامرة الخيال) وحدّده Wulzinger و Watzinger على خارطتهما في المربّع D 7 تحت اسم "الولي الشيباني" ووصفاه بدقتّهما المعهودة في كتاب الآثار الإسلاميّة الذي أقتبست منه المعلومات أدناه علماً أنّهما لم يتمكّنا من دخولها (الكلام عام ١٩١٧) نظراً لاستعمالها كدار للسكن في ذلك العهد.

الواجهة مهيبة كسائر العمائر المملوكيّة يحتلّ القسم الأوّل منها تربة لها نافذتين والقسم الثاني بوّابة تعلوها المقرنصات بينما يتمتّع القسم الثالث بنافذة تطلّ على باحة صغيرة من الخلف وهناك حوض سبيل ماء في مؤخّرة الواجهة. 

النوافذ مسدودة بأحجار بازلتيّة علّها أخذت من معالم سابقة للإسلام والبوّابة مجوّفة كمحراب عميق. يزيّن الباب ثلاث دوائر في كلّ منها شكل كأس (لربّما كان المقصود رنوك مملوكيّة).



الصورة الأولى لواجهة التربة والثانية مأخوذة من الداخل.



الآثار الإسلاميّة في مدينة دمشق نعريب قاسم طوير وتعليق عبد القادر ريحاوي




Wulzinger  & Watzinger. Damaskus : die islamische Stadt.

Monday, January 20, 2020

تربة ابن المقدّم‎


الصورتان أدناه عن مشاهد دمشق الأثريّة بعدسة العالم الفنّان خالد معاذ والصورة الصغيرة أعلاه عن خطط دمشق للدكتور صلاح الدين المنجّد أمّا الخريطة فهي مأخوذة من كتاب تاريخ دمشق للعالم الأسترالي Ross Burns. المعلومات التالية تعريب بتصرّف عن "دمشق منذ البدايات إلى المماليك" للمؤلّف الفرنسي Gérard Degeorge.  



تقع تربة ابن المقدّم خارج باب الفراديس على الطرف الشرقي لمقبرة الدحداح ويعتقد العوام أنّها تربة الصحابي طلحة ولكنّها في الحقيقة ضريح الأمير فخر الدين ابراهيم  صاحب بارين ثمّ منبج الذي توفّي عام ٥٩٧ للهجرة (١٢٠٠-١٢٠١ للميلاد) وهو ابن شمس الدين محمّد ابن المقدّم الذي حكم دمشق في عهد نور الدين. دفن في التربة لاحقاً (١٢٩٣) حفيد ابن المقدّم الملك الحافظ غياث الدين شاهنشاه الأيّوبي.

هذه التربة متأثّرة بالعمارة الحلبيّة وتختلف عن الأضرحة الدمشقيّة مع استثناءات نادرة كقبّة المسجف. غرفة الدفن مربّعة ومفتوحة على الخارج على جدرانها بأربع فرجات baie عالية مدبّبة الأقواس ogivale. كانت هذه الفرجات في البداية مزوّدة بطاقات أو نوافذ خشبيّة مخرّمة claires-voies بدلالة وجود ثلم ارتكازها. 




غرفة الدفن مغطّاة بقبّة ونرى على ظاهرها إفريز مقولب  corniche  moulurée  ترتكز هذه القبّة على رقبتين حجريّتين لكلّ منهما إثني عشر وجهاً وتغطّي مجموعات من الخلايا alvéoles داخل الأوجه حيث تتركّز معظم الزخرفة. تتنوّع العناصر الزخرفيّة المنحوتة في الجصّ بين خليّة وخليّة من نماذج نباتيّة متداخلة ومتناظرة حول محور عموديّ وأوراق رباعيّة متشابكة palmé حول ساق النبتة المنتهية بزهرة وهلمّجرّا.




يمكن اعتبار هذه المجموعة من الزخارف النحتيّة بوضعها الراهن من أفضل ما خلّفه لنا العهد الأيّوبي حالة وأكثره استرعاءً للانتباه.  



يضيف الدكتور سليم عبد الحقّ والأستاذ خالد معاذ أنّ هذه التربة أقرب إلى أبنية العراق الآجريّة منها إلى المعالم الدمشقيّة الأيّوبيّة وأنّ زخارف الرقبة الأولى أكثر غنىً من نظيرتها في الرقبة الثانية.  








Gérard DegeorgeDamas: Des origines aux Mamluks


Sunday, January 19, 2020

تربة معين الدين أنر‎


أنر كان الحاكم الفعلي لدمشق في نهاية العهد الأتابكي أو العهد البوري إذا شئنا وحاول جهده المحافظة على استقلالها بين سندان عماد الدين زنكي أتابك الموصل وحلب ومطرقة الصليبييّن ولم يتردّد عند الضرورة في التحالف مع أحدهما ضدّ الآخر وبالعكس. زوّج بالنتيجة ابنته عصمة الدين (صاحبة المدرسة الخاتونيّة) إلى نور الدين وكانت زيجة ديبلوماسيّة سهّلت الانتقال من عهد إلى عهد كما حصل لاحقاً عندما تزوّجت نفس السيّدة صلاح الدين بعد ترمّلها من نور الدين. 

اكتشف  الدكتور صلاح الدين المنجّد التربة مصادفة جنوب المدرسة الشاميّة البرّانيّة في آب ١٩٤٦ عندما لفت نظره وجود طاحون قديمة أمامها باب ضخم عضادتاه رومانيّتان دخل منه إلى صحن دار أو مدرسة قديمة تحيط بها غرف صغار فوجد في جنوبها قبّة آجريّة قديمة فقدت طاستها وسدّت نوافذها الثمانية وبابها الذي وجد على عتبته كتابة بخطّ نسخي نصّها الآتي:

بسم الله الرجمن الرحيم. يا أيّها الناس إنّ وعد الله حقّ فلا تغرّنكم الحياة الدنيا ولا يغرّنكم بالله الغرور. عملت هذه القبّة على قبر الأمير الإسفهسلار الكبير أتابك معين الدين الفقير إلى رحمة الله الشهيد السعيد أنر رحمه الله. توفّي يوم الأحد سابع عشر ربيع الأوّل سنة أربع وأربعين وخمسماية (الخامس والعشرين من تمّوز  ١١٤٩ للميلاد ويختلف هذا التاريخ قليلاً عن المذكور في ابن القلانسي)...

من المعروف أنّ معين الدين أنر أنشأ المدرسة المعينيّة في حصن الثقفييّن (غرب الجامع الكبير بينما حصن جيرون يقع شرقه) وهي حنفيّة ومن أقدم مدارس دمشق وكان على بابها النقش التالي:

بسم الله الرحمن الرحيم. أنشأ هذه المدرسة المباركة الأمير الكبير الإسفهسلار معين الدين أنر ابن عبد الله عتيق الملك المجاهد المرابط الغازي طغتكين من خيرات سيّده المرحوم وذلك في سنة أربع وعشرين وخمسماية (١١٢٩-١١٣٠ للميلاد).

ورد في أبي شامة (صاحب كتاب الروضتين) أنّ قبر أنر واقع في قبّة بمقابر العوينة (سوق ساروجا حاليّاً) شمال دار البطّيخ (المقصود دار البطّيخ الجديدة بينما كانت القديمة على الشارع المستقيم داخل سور المدينة) وأضاف الذهبي (١٢٧٤-١٣٤٨ م) أنّ القبّة موجودة بين دار البطّيخ والمدرسة الشاميّة. 

لاحقاً اتّخذت التربة داراً فسدّ بابها الشمالي وجعل لها باب من الشرق يطلّ على الزقاق.

يستخلص المنجّد ما يلي:

أوّلاً: النقش الكتابي يحدّد تاريخ وفاة أنر (رفض العلبي هذا التاريخ استناداً إلى ابن القلانسي).
ثانياً: تحدّد أنقاض التربة مع النصوص التاريخيّة موقع دار البطّيخ الثانية.
ثالثاً: شيّدت التربة بعد وفاة أنر ونقل رفاته إليها من إيوان دار الأتابكيّة التي كان يقطنها (أبو شامة نقلاً عن ابن القلانسي).

زار المنجّد التربة للمرّة الثانية في تشرين ثاني ١٩٤٦ بصحبة مدير الآثار السوريّة وقتها العالم الأمريكي Frank Edward Brown والصور المرفقة (الأولى لقبّة التربة والثانية لبابها المسدود) بعدسة هذا الأخير.



ختم المنجّد سرده بالأمل بأن "تعنى دائرة الآثار بهذه التربة فتسجّلها وترمّمها وتحول دون إخفاء معالمها وتخريبها" ومع الأسف هذا لم يحصل بشهادة العلبي الذي ذكر بعد المنجّد بأربعين عاماً أنّ التربة "لا أثر لها اليوم". 




أكرم حسن العلبي. خطط دمشق