بدأ المكتشف الاسكتلندي جون مكجريجور رحلته في الشرق الأدنى في ميناء الاسكندريّة في مصر في الثالث والعشرين من تشرين أوّل عام ١٨٦٨ وختمها عندما ترك يافا عائداً إلى أوروبا في الرابع والعشرين من آذار عام ١٨٦٩. بذل المستشرق المغامر قصارى جهده للترحال كملّاح على متن زورقه الصغير "Rob Roy" كلّما استطاع إلى ذلك سبيلا بغية سير المجاري المائيّة والبحيرات في الديار المقدّسة ولكنّه اضطّر في عدّة أماكن للتنقّل على اليابسة كما في معظم مساره من بيروت إلى دمشق. فلنرافقه في تنقّلاته ونستمع لبعض ملاحظاته وآرائه باختصار ولكن دون تنقيح أو تصحيح.
ليست المدن هدف الكتاب والمؤلّف ومع ذلك فقد خصّص لها بعض الصفحات مركّزاً اهتمامه على الطرق عموماً ومسالك الأنهار والجداول خصوصاً.
يستشفّ القارىء من خلال الأسطر دون كبير عناء ملامح المنافسة الفرنسيّة-البريطانيّة في شرق المتوسّط إذ يصف السيّد MacGregor الإنجازات الفرنسيّة الباهرة المتمثّلة في قناة السويس (بحراً) وطريق العربات الممتاز بين بيروت ودمشق (برّاً) ولكنّه يعمد إلى التعليل والتفسير مضيفاً أنّ اهتمام الفرنسييّن بعد مجزرة ١٨٦٠ انصبّ على الاستعراض وإرسال الجنود في البلاد بهدف المباهاة في الوقت الذي قام الإنجليز فيه بمساعدة الأرامل واليتامى والفقراء بصمت وسكون. يضيف الكاتب أنّ الفرنسييّن يحاولون فرنسة البحر المتوسّط من الجزائر إلى سوريا مروراً بمصر (الكلام بالطبع قبل أن يحتلّ الإنجليز مصر بأكثر من عشر سنوات) وأنّ اللغة الأجنبيّة الأكثر انتشاراً في سوريا هي الفرنسيّة ولكنّه يؤكّد لنا أنّ إنجلترا أقرب إلى قلوب الأهالي. حتّى طريق عربات بيروت دمشق لم يؤدّي الغرض المطلوب منه والسبب يعود للمكوس المفروضة على مستعمليه ممّا حدا أغلب سكّان البلاد لاستعمال طرق بديلة كائنة ما كانت وعورتها ومشقّة عبورها.
أضف إلى انحياز الكاتب القومي انحيازه الديني فهو لا يخفي ازدرائه لمحمييّ فرنسا الكاثوليك فعندما يحدّثنا عن زحلة يقول أنّ سكّانها "مسيحيّون بالاسم فقط" وأنّهم متعصّبون ورجال دينهم كسالى ولكنّه يتفائل بالخطى الوئيدة التي تنتشر فيها المسيحيّة (المقصود الإنجيليّة البروتستانتيّة) والكتاب المقدّس في هذه الربوع المغضوب عليها.
يتابع ابن بطوطة الاسكتلندي طريقه عبر جبال لبنان ووادي بردى من عنجر (Chalcis قديماً) إلى الديماس إلى الفيجة وسوق وادي بردى (Abila) حتّى يقارب دمّر ودمشق. ويبدوا أنّه نزل ضيفاً في بيت الأمير عبد القادر الجزائري ولكنّه لم يحظ بمقابلته والسبب -حسب المؤلّف- صيام رمضان الذي يعتكف فيه الأمير ويمتنع عن لقاء الزوّار.
الصورة أعلاه لعين الفيجة وهو أهمّ روافد -بالأحرى مصادر- بردى وإن لم يكن أعلاها ويسهب الكاتب في وصف الأشجار المحيطة به ويصف معبده الذي زاره Pococke قبله بأكثر من مائة عام وترك لنا رسماً له لا يزال مرجعاً لا يقدّر بثمن حتّى اليوم. يميل مكجريجور إلى إرجاع كلمة الفيجة إلى فجّ بنجبس منه الماء.
استغرقت الرحلة من بيروت إلى دمشق أسبوعاً واحداً. ترك الرحّالة بيروت في الرابع عشر من كانون أوّل ١٨٦٨ ووصل إلى دمشق في التاسع عشر منه وحتّى الآن لم نبدأ الرحلة النهريّة وهذا ما سأتعرّض له في المنشور المقبل.
No comments:
Post a Comment