تبقى دراسة الفرنسي Richard Thoumin عام ١٩٣٢ أفضل ما كتب عن بناء البيت في جنوب سوريّا (حوض بردى والقلمون وحوران) من الناحية التاريخيّة وآمل أن يتاح لي التعرّض إليها في مستقبل قريب. بانتظار الفرصة أنقل اليوم عن Sauvaget الذي مرّ على الموضوع باختصار في مقال نشر بعد سنتين من دراسة Thoumin. أهميّة البحثين تاريخيّة أوّلاً وأخيراً في عصر سبق الحديد والأسمنت المسلّح والأليّات الثقيلة مع حيثيّاتها. أترك الكلام للعالم الفرنسي مع تعليقي عليه في الحواشي:
تستمدّ دمشق من بساتينها (١) كميّة كبيرة من خشب البناء (شجر الحور حصراً الذي يزرع في مشاتل حتّى يبلغ قطر جذعه العشرين من عشيرات المتر). بالمقابل نوعيّة أحجار البناء متواضعة إذ لا يزوّدنا الجبل المهيمن على المدينة إلّا بالحجر الكلسي الحوّاري الذي يتهاوى إذا تجاوز حمله حدّاً معيّناً ويتفتّت مع تعرّضه لتقلّبات الطقس.
أدّت هذه الظروف الجغرافيّة - التي تتفرّد سوريّا بها عمليّاً - إلى تفضيل الخشب كمادّة للبناء في دمشق حيث يتألّف البيت من هيكل من جذوع الحور تملأ فجواته بالطوب brique crue ويطلى بعد ذلك بمزيج من الوحل والتبن (الشكل الملحق). ليست هذه الطريقة في البناء بالجديدة كما نستدلّ من روايات الرحّالة الشرقييّن الذين اعترتهم الدهشة عندما رأوا دمشق "مبنيّة من الطين" وهناك قرائن تشير إلى كون الوضع مماثلاً قبل الإسلام.
فرضت الاعتبارات الاقتصاديّة أن يعطي الدمشقيّ الأولويّة لمواد البناء الخفيفة السهلة الاستعمال والرخيصة الثمن ممّا جادت به الطبيعة. يترتّب على ذلك أنّ الظروف لم تكن موائمةً لتطوّر مدارس ناشطة في فنّ العمارة والسبب أنّ الأبنية الكبيرة تتطلّب استعمال الحجر أو الآجرّ على اعتبار أنّ الخشب أكثر عرضة للتلف من جهة وسهل الاستعمال أكثر ممّا ينبغي من جهة ثانية وبالتالي لا يزوّد البنّاء بالحوافز الضروريّة لبذل الجهد والبحث الذي لا غنى عنه في سبيل الوصول بالتقنيّة إلى مرحلة الكمال (٢).
(١) رحم الله زمان اللبن.
(٢) الكلام هنا عن الدور إذ لا يخفى على من يعرف دمشق وجود الكثير من الأوابد الحجريّة فيها وأكبرها وأهمّها جامعها الكبير وقلعتها وإن وجب التنويه أنّ أحجار معبد المشتري استعملت في بناء كليهما. لا يوجد ما يمنع من جلب أفضل أنواع الأحجار من أبعد المصادر إذا توافرت الإرادة والموارد كما تشهد بذلك أهرامات مصر ومعابد الشرق الأدنى القديم الهائلة الاتّساع.
Jean Sauvaget. L'architecture musulmane en Syrie. Revue des arts asiatiques 1934
Richard Thoumin. La maison syrienne dans la plaine hauranaise: le bassin du Baradā et sur les plateaux du Qalamūn. Paris, E. Leroux, 1932.
No comments:
Post a Comment