Sunday, April 30, 2023

تساؤلات على تفسير مشهد "موكب النساء" في كنيسة دورا أوروپوس


يكفي استعراض سريع لأسماء من قرأوا في هذا المشهد "زيارة النساء إلى قبر المسيح" كي نفهم السبب في تبنّي هذا التفسير لفترةٍ قاربت ثمانينَ من الأعوام: 
Seyrig و Seston و Grabard وأخيراً - وبالتأكيد ليس آخراً - Kraeling الذي حسم النقاش عمليّاً رغم تحفّظه على بعض التفاصيل. 


يترتّب على ذلك أنّ تحدّي آراء هؤلاء العلماء - وكلّهم من الطراز الأوّل - مسألة عسيرة للغاية وتتطلّب الكثير الكثير من المعرفة وكمّاً لا بأس به من الخيال والجرأة. 


أثار Peppard عدّة اعتراضات على تفسير "مشهد القيامة" أهمّها الآتية:


- ما سبب وجود المشاعل؟ تتّفق الأناجيل الإزائيّة (Synoptic Gospels أي متّى ومرقس ولوقا) على زيارة عدّة نساء لقبر المخلّص بيد أنّ هذه الزيارة تمّت في الفجر وبالتالي لا لزوم للمشاعل فيها.  إنجيل يوحنّا  الوحيد الذي ذكر أنّ الزيارة جرت "والظلام باقٍ" ولكنّه يقتصر على المجدليّة ولا يشير إلى الحنوط متّفقاً في ذلك مع الإنجيل الرباعي Diatessaron. استند Kraeling في تفسيره لهذه التناقضات على الإنجيل الرباعي (التوفيقي). 


- هل ما نراه على يسار الناظر ناووس حقّاً؟ إذا كان الجواب بالنفي فهذا يعني رفض تفسير "زيارة القبر" أو "مشهد القيامة" من أساسه ووجوب التفتيش عن قراءة مختلفة (العذارى الحكيمات والجاهلات كما سنرى). اتّفق Kraeling و Grabar أنّ ما نراه بالفعل ناووساً رغم تنفيذه الأخرق والمعالجة السيّئة للمنظور ورغم أنّه مغلق (حلّ Kraeling الإشكال الأخير بتفسير مفاده أنّ يسوع ترك الضريح دون الحاجة إلى فتحه تماماً كما ترك الطفل الإلهي رحم العذراء دون ولادة). مع ذلك هناك قراءة مختلفة - مبكّرة وميدانيّة - للناووس المزعوم تتلخّص بكونه "بناءً أبيض".  


- غياب الملائكة - ناهيك عن غياب المسيح قبل وبعد قيامته - وكما رأينا اقترح Kraeling النجوم على "الناووس" رمزاً للملائكة. 


الخطوة التالية تفسير المشهد اعتماداً على الإصحاح الخامس والعشرين من إنجيل متّى أي القصّة الرمزيّة للعذراوات الحكيمات والجاهلات. استبعد Kraeling و Grabar هذا الاحتمال الذي مال إليه Peppard كما سنرى.









William SestonL'église et le baptistère de Doura-Europos.

Carl Hermann Kraeling. The Excavations at Dura-Europos. Final Report. Volume VIII, part 2. The Christian Building 1967. 

Michael Peppard. The World's Oldest Church. Yale University Press 2016. 

Saturday, April 29, 2023

قراءات مختلفة لمشهد "موكب النساء" في كنيسة دورا أوروپوس

 


اقترح Kraeling ثلاث تفسيراتٍ لبقايا اللوحة الكبيرة على الجدارين الشرقي والشمالي لبيت المعموديّة في كنيسة دورا أوروپوس قبل أن يستقرّ على أحدها. 


التفسير الأوّل: زيارة مجوس المشرق للصبي يسوع في بيت لحم (متّى الإصحاح الثاني). لم يتبنّ الكثيرون هذا التفسير وسرعان ما تخلّى الأكاديميّون عنه. 

التفسير الثاني: زيارة النساء قبر المسيح فجر الفصح. تعرّضنا لهذا التفسير الذي كان الفرنسي Seyrig أوّل من طرحه ثمّ تبّناه معظم الأخصّائييّن ومن جملتهم Kraeling رغم عدّة إشكالات أقرّ بها هذا الأخير ومن أهمّها غياب المسيح في اللوحة رغم امتدادها على النسق السفلي لجدارين: لم لم يخصّص الفنّان مشهداً لموت المسيح وآخر لقيامته خصوصاً وأنّ الحيّز المتاح أكثر من كافٍ لهذه الغاية؟ 

التفسير الثالث: القصّة الرمزيّة للعذارى الحكيمات والجاهلات (متّى الإصحاح الخامس والعشرون) التي رفضها Kraeling نظراً لغياب تفسير مقنع للباب النصف مفتوح (المفروض أنّه أغلق في وجه الجاهلات) أوّلاً والناووس ثانياً وخصوصاً. 


استقرّ خيار Kraeling إذاً على التفسير الثاني ووافقه في ذلك معظم الأخصّائييّن إلى أن أتي Peppard بعد نصف قرن ليعيد النظر في قراءة اللوحة مضيفاً إلى التأويلات الثلاثة السابقة تفسيراً رابعاً استند فيه إلى الفصلين السابع والعاشر من إنجيل يعقوب الغير قانوني: 


عندما بلغت مريم الثانية من عمرها، قال يواقيم لحنّة، زوجته: "لنقُدْها إلى هيكل الله، ولنتمَّم النذر الذي نذرناه، لئلا يغضب الله ولا يقبل تقدماتنا". فقالت حنّة: "لننتظر العام الثالث، خوفًا من أن تعاود إلى أبيها وأمها". فقال يواقيم: "لننتظر". وبلغت الطفلة عامها الثالث، فقال يواقيم: "نادوا عذارى العبرانيين اللواتي بلا عيب، وليحملن مصابيح ويُشعلْنها، وعلى الطفلة ألا تلتفت إلى الوراء وألا يبتعد ذهنها عن بيت الله". وصنعت العذارى كما أمر به، ودخلن الهيكل.

وعُقد اجتماع للكهنة وقالوا: "لنصنع حجابًا (ستارة) أو بساطًا لهيكل الربّ". فقال رئيس الكهنة: "أحضروا ليَّ عذارى سبط داود اللواتي بلا عيب". وبحث المستشارون ووُجدوا سبعًا من تلك العذارى.


يترتّب على هذا التفسير أنّ المشهد يمثّل موكباً للعذراوات اللواتي نذرن للهيكل (كما في الوستالات أو عذارى الربّة Vesta الرومانيّة). ذكر Peppard هذا الاحتمال ولكنّه استبعده وحبّذ تفسير Kraeling الثاني (أي العذارى الحكيمات والجاهلات) كما سنرى في المنشور المقبل.







William SestonL'église et le baptistère de Doura-Europos.

Carl Hermann Kraeling. The Excavations at Dura-Europos. Final Report. Volume VIII, part 2. The Christian Building 1967. 

Michael Peppard. The World's Oldest Church. Yale University Press 2016. 

Friday, April 28, 2023

الإنجيل الرباعي ‎

 


مرقس الإصحاح السادس عشر ١-٨


وَبَعْدَمَا مَضَى السَّبْتُ، اشْتَرَتْ مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ وَمَرْيَمُ أُمُّ يَعْقُوبَ وَسَالُومَةُ، حَنُوطًا لِيَأْتِينَ وَيَدْهَنَّهُ.

وَبَاكِرًا جِدًّا فِي أَوَّلِ الأُسْبُوعِ أَتَيْنَ إِلَى الْقَبْرِ إِذْ طَلَعَتِ الشَّمْسُ.

وَكُنَّ يَقُلْنَ فِيمَا بَيْنَهُنَّ: «مَنْ يُدَحْرِجُ لَنَا الْحَجَرَ عَنْ بَابِ الْقَبْرِ؟»

فَتَطَلَّعْنَ وَرَأَيْنَ أَنَّ الْحَجَرَ قَدْ دُحْرِجَ! لأَنَّهُ كَانَ عَظِيمًا جِدًّا.

وَلَمَّا دَخَلْنَ الْقَبْرَ رَأَيْنَ شَابًّا جَالِسًا عَنِ الْيَمِينِ لاَبِسًا حُلَّةً بَيْضَاءَ، فَانْدَهَشْنَ.

فَقَالَ لَهُنَّ: «لاَ تَنْدَهِشْنَ! أَنْتُنَّ تَطْلُبْنَ يَسُوعَ النَّاصِرِيَّ الْمَصْلُوبَ. قَدْ قَامَ! لَيْسَ هُوَ ههُنَا. هُوَذَا الْمَوْضِعُ الَّذِي وَضَعُوهُ فِيهِ.

لكِنِ اذْهَبْنَ وَقُلْنَ لِتَلاَمِيذِهِ وَلِبُطْرُسَ: إِنَّهُ يَسْبِقُكُمْ إِلَى الْجَلِيلِ. هُنَاكَ تَرَوْنَهُ كَمَا قَالَ لَكُمْ».

فَخَرَجْنَ سَرِيعًا وَهَرَبْنَ مِنَ الْقَبْرِ، لأَنَّ الرِّعْدَةَ وَالْحَيْرَةَ أَخَذَتَاهُنَّ. وَلَمْ يَقُلْنَ لأَحَدٍ شَيْئًا لأَنَّهُنَّ كُنَّ خَائِفَاتٍ.




يوحنّا الإصحاح العشرون ١-١٢


وَفِي أَوَّلِ الأُسْبُوعِ جَاءَتْ مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ إِلَى الْقَبْرِ بَاكِرًا، وَالظَّلاَمُ بَاق. فَنَظَرَتِ الْحَجَرَ مَرْفُوعًا عَنِ الْقَبْرِ.
فَرَكَضَتْ وَجَاءَتْ إِلَى سِمْعَانَ بُطْرُسَ وَإِلَى التِّلْمِيذِ الآخَرِ الَّذِي كَانَ يَسُوعُ يُحِبُّهُ، وَقَالَتْ لَهُمَا: «أَخَذُوا السَّيِّدَ مِنَ الْقَبْرِ، وَلَسْنَا نَعْلَمُ أَيْنَ وَضَعُوهُ!».
فَخَرَجَ بُطْرُسُ وَالتِّلْمِيذُ الآخَرُ وَأَتَيَا إِلَى الْقَبْرِ.
وَكَانَ الاثْنَانِ يَرْكُضَانِ مَعًا. فَسَبَقَ التِّلْمِيذُ الآخَرُ بُطْرُسَ وَجَاءَ أَوَّلًا إِلَى الْقَبْرِ،
وَانْحَنَى فَنَظَرَ الأَكْفَانَ مَوْضُوعَةً، وَلكِنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ.
ثُمَّ جَاءَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ يَتْبَعُهُ، وَدَخَلَ الْقَبْرَ وَنَظَرَ الأَكْفَانَ مَوْضُوعَةً،
وَالْمِنْدِيلَ الَّذِي كَانَ عَلَى رَأْسِهِ لَيْسَ مَوْضُوعًا مَعَ الأَكْفَانِ، بَلْ مَلْفُوفًا فِي مَوْضِعٍ وَحْدَهُ.
فَحِينَئِذٍ دَخَلَ أَيْضًا التِّلْمِيذُ الآخَرُ الَّذِي جَاءَ أَوَّلًا إِلَى الْقَبْرِ، وَرَأَى فَآمَنَ،
لأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا بَعْدُ يَعْرِفُونَ الْكِتَابَ: أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَقُومَ مِنَ الأَمْوَاتِ.
فَمَضَى التِّلْمِيذَانِ أَيْضًا إِلَى مَوْضِعِهِمَا.
أَمَّا مَرْيَمُ فَكَانَتْ وَاقِفَةً عِنْدَ الْقَبْرِ خَارِجًا تَبْكِي. وَفِيمَا هِيَ تَبْكِي انْحَنَتْ إِلَى الْقَبْرِ،
فَنَظَرَتْ مَلاَكَيْنِ بِثِيَابٍ بِيضٍ جَالِسَيْنِ وَاحِدًا عِنْدَ الرَّأْسِ وَالآخَرَ عِنْدَ الرِّجْلَيْنِ، حَيْثُ كَانَ جَسَدُ يَسُوعَ مَوْضُوعًا.




متّى الإصحاح الثامن والعشرون ١-٦


وَبَعْدَ السَّبْتِ، عِنْدَ فَجْرِ أَوَّلِ الأُسْبُوعِ، جَاءَتْ مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ وَمَرْيَمُ الأُخْرَى لِتَنْظُرَا الْقَبْرَ.

وَإِذَا زَلْزَلَةٌ عَظِيمَةٌ حَدَثَتْ، لأَنَّ مَلاَكَ الرَّبِّ نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ وَجَاءَ وَدَحْرَجَ الْحَجَرَ عَنِ الْبَابِ، وَجَلَسَ عَلَيْهِ.

وَكَانَ مَنْظَرُهُ كَالْبَرْقِ، وَلِبَاسُهُ أَبْيَضَ كَالثَّلْجِ.

فَمِنْ خَوْفِهِ ارْتَعَدَ الْحُرَّاسُ وَصَارُوا كَأَمْوَاتٍ.

فَأَجَابَ الْمَلاَكُ وَقَالَ لِلْمَرْأَتَيْنِ : «لاَ تَخَافَا أَنْتُمَا، فَإِنِّي أَعْلَمُ أَنَّكُمَا تَطْلُبَانِ يَسُوعَ الْمَصْلُوبَ.

لَيْسَ هُوَ ههُنَا، لأَنَّهُ قَامَ كَمَا قَالَ! هَلُمَّا انْظُرَا الْمَوْضِعَ الَّذِي كَانَ الرَّبُّ مُضْطَجِعًا فِيهِ.



لوقا الإصحاح الرابع والعشرون ١-١٠


ثُمَّ فِي أَوَّلِ الأُسْبُوعِ، أَوَّلَ الْفَجْرِ، أَتَيْنَ إِلَى الْقَبْرِ حَامِلاَتٍ الْحَنُوطَ الَّذِي أَعْدَدْنَهُ، وَمَعَهُنَّ أُنَاسٌ.

فَوَجَدْنَ الْحَجَرَ مُدَحْرَجًا عَنِ الْقَبْرِ،

فَدَخَلْنَ وَلَمْ يَجِدْنَ جَسَدَ الرَّبِّ يَسُوعَ.

وَفِيمَا هُنَّ مُحْتَارَاتٌ فِي ذلِكَ، إِذَا رَجُلاَنِ وَقَفَا بِهِنَّ بِثِيَابٍ بَرَّاقَةٍ.

وَإِذْ كُنَّ خَائِفَاتٍ وَمُنَكِّسَاتٍ وُجُوهَهُنَّ إِلَى الأَرْضِ، قَالاَ لَهُنَّ: «لِمَاذَا تَطْلُبْنَ الْحَيَّ بَيْنَ الأَمْوَاتِ؟

لَيْسَ هُوَ ههُنَا، لكِنَّهُ قَامَ! اُذْكُرْنَ كَيْفَ كَلَّمَكُنَّ وَهُوَ بَعْدُ فِي الْجَلِيلِ

قَائِلًا: إِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُسَلَّمَ ابْنُ الإِنْسَانِ فِي أَيْدِي أُنَاسٍ خُطَاةٍ، وَيُصْلَبَ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومُ».

فَتَذَكَّرْنَ كَلاَمَهُ،

وَرَجَعْنَ مِنَ الْقَبْرِ، وَأَخْبَرْنَ الأَحَدَ عَشَرَ وَجَمِيعَ الْبَاقِينَ بِهذَا كُلِّهِ.

وَكَانَتْ مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ وَيُوَنَّا وَمَرْيَمُ أُمُّ يَعْقُوبَ وَالْبَاقِيَاتُ مَعَهُنَّ، اڵَّوَاتِي قُلْنَ هذَا لِلرُّسُلِ.



روت الأناجيل الأربعة القانونيّة الأحداث التي واكبت قيامة المسيح كلّ بأسلوبه. توضح مقارنة سريعة بين النصوص أعلاه عدّة اختلافات أوّلها هويّة النساء (المجدليّة ومريم أم يعقوب وسالومة في مرقس؛ المجدليّة وحدها في يوحنّا؛ المجدليّة و"مريم الأخرى" في متّى؛ المجدليّة ويونّا ومريم أم يعقوب و"الباقيات معهنّ" في لوقا). من هذه الأناجيل ما ذكر الملاك الحارس والحنوط ومنها ما لم يتعرّض لهذه التفاصيل. نأتي بعد هذه المقدّمة إلى ما اعتبره Kraeling (وكثيرون غيره) مشهد القيامة في غرفة معموديّة كنيسة دورا  أوروپوس



للتذكرة يحتلّ هذا المشهد النسق السفلي من الجدارين الشرقي والشمالي. رأينا أنّ ما تبقّى على الجدار الشرقي لا يتعدّى خمسة أزواجٍ من الأقدام أمّا على الجدار الشمالي فلدينا ثلاث من النساء يحملن المشاعل مع احتمال كون العدد الأصلي خمساً منهنّ إذا أخذنا بعين الاعتبار القسم التالف من الجدار. إذاً بلغ العدد الأصلي عشرة نساء وهنا توجّب التوفيق بين هذه الرقم وبين ما ذكرته الأناجيل القانونيّة (وهذا متعذّر اللهمّ باستثناء لوقا الذي ذكر "الباقيات" دون تحديد العدد) وشرح بعض التفاصيل الإضافيّة: النجمتان فوق الناووس والمشاعل الكامدة اللهب وغيرها. 


تمثّل الحلّ الذي اقترحه Kraeling بما يسمّى الإنجيل الرباعي Diatessaron المنسوب إلى ططيانوس والعائد إلى منتصف القرن الثاني. جمع هذه الإنجيل روايات الأناجيل الأربعة (التي أصبحت قانونيّة لاحقاً) ووفّق بينها وهو - حسب Kraeling - ما كان معتمداً في دورا في عهد سبق الاتّفاق النهائي على النصوص المعتمدة في الكتاب المقدّس ولا يوجد ما يشير إلى أنّ أهل المدينة كانوا على درايةٍ بغيره.  


لنستعرض بسرعة تفسير بعض التفاصيل حسب الآثاري الأمريكي:



- لربّما رمزت النجمتان فوق الناووس إلى ملائكة القبر.

- قد يكن الهدف من تلوين لهب المشاعل بالأسود التركيز على التباين بينها وبين نور زوّار السموات (الملاك أو الملاكان حسب الإنجيل).  

- من الممكن أنّ الباب الذي يفصل بين نساء الجدار الشرقي وزميلاتهنّ على الجدار الشمالي يهدف كل بساطة إلى تصوير نفس المجموعة قبل وبعد الدخول إلى القبر ومن المعروف أنّ نصوص الأناجيل القانونيّة المتعلّقة بآلام وقيامة يسوع تذكر خمساً من النساء فقط باسمهنّ: مريم الجدليّة ومريم أمّ يعقوب وسالومة وأمّ إبنيّ زبدي ويونّا.  




إذا قبلنا هذا التأويل فهذا يعتي أنّ لوحة القيامة الكبيرة على الجدارين الشرقي والشمالي تستند إلى توفيق الإنجيل الرباعي لعدّة نصوص ومنه التباين في التفاصيل مع أيّ من الأناجيل الأربعة القانونيّة إذا أخذ بمفرده.








Carl Hermann Kraeling. The Excavations at Dura-Europos. Final Report. Volume VIII, part 2. The Christian Building 1967. 


Thursday, April 27, 2023

موكب العذارى

 


لا زلنا في حديث "مشهد القيامة" على الجدارين الشرقي والشمالي لبيت المعموديّة في كنيسة دورا أوروپوس ورأي عدد من الآثارييّن في تفسير اللوحة. الأسطر التالية تعريب عن Seston وللتذكير اقتصر هذا العالم على وصف القسم المتواجد على منتصف وغرب الجدار الشمالي (أي الجزء الثالث من اللوحة حسب Kraeling). 



تتقدّم النساء بنفس الخطوة ويرتدين نفس الثياب ويحملن نفس الأغراض وبالتالي لا بدّ أن المشهد يتعلّق بالمراسم والشعائر وأنّه موكب ما. اكتشفت (قبل مائة وعشرين سنة) لوحة جداريّة من القرن الخامس أو السادس في البجوات (مصر) نرى فيها - اللوحة الملوّنة - سبعاً من النساء يزرن قبر المسيح ويحملن شموعاً موقدةً ومباخراً. ما نراه هو موكب العذارى (قارن مع إنجيل متّى الإصحاح الخامس والعشرين الآيات الأولى إلى الثانية عشرة) كما مورس في الشرق في القرن الرابع عشيّة الفصح. جرت العادة أن تنظم مسيرة ليليّة في عيد الغطاس تبدأ في بيت لحم ومنها إلى القبر المقدّس (كنيسة القيامة في القدس) حيث سطعت الأنوار من علٍ أو باللاتينيّة:   


ubi luminaria jam supra modo lucent


ليس هناك ما يمنع من كون هذا الاحتفال أقدم من ذلك وأنّه كان معروفاً في دورا في القرن الثالث وليست هذه القرابة بين المراسم الجنائزيّة وعيد القيامة بالأمر المستغرب حيث أنّ الظهور الإلهي أو التجلّي في الشرق يحيي ذكرى تعميد الربّ والتجسّد في آنٍ واحد وهناك شواهد وافية في النصوص الدينيّة عن إحياء ذكرى موت وقيامة المسيح في عيد الحياة البهيج هذا. 


لا يكتفي الإيمان ببعث المسيح المبني على شهادة القدّيسات (اللواتي حضرن صلبه) بتمجيد انتصار الربّ على الموت إذ لدينا في القبر الفارغ دليلاً إضافيّاً على قدرة الله








William SestonL'église et le baptistère de Doura-Europos.

Carl Hermann Kraeling. The Excavations at Dura-Europos. Final Report. Volume VIII, part 2. The Christian Building 1967. 

Wednesday, April 26, 2023

La procession des vierges

 


 L'attitude des femmes marchant d'un même pas, uniformément habillées, portant d'un même geste les mêmes objets, ne me paraît avoir sa place que dans une cérémonie de la liturgie. C'est une procession. Une fresque du cinquième ou du sixième siècle, découverte à El-Bagawat en Egypte, nous montre sept femmes allant visiter le tombeau du Christ; elles portent toutes un cierge allumé et un encensoir. C'est la procession des vierges telle qu'on la faisait en Orient au quatrième siècle à la Vigile de Pâques. Le jour de l'Épiphanie, une procession se rendait de nuit de Bethléem au Saint-Sépulcre ubi luminaria jam supra modo lucent. Est-il interdit de penser qu'au début du troisième siècle à Doura, cette cérémonie avait déjà lieu? Ne nous étonnons pas de ce rapprochement entre une cérémonie funèbre et une fête de l'Incarnation: l'Épiphanie orientale était à la fois la commémoration du baptême du Seigneur et celle de l'Incarnation. Les textes nous attestent largement que la mort et la résurrection de Jésus étaient rappelées dans cette fête joyeuse de la vie.


La foi dans la résurrection de Jésus, fondée sur le témoignage des Saintes Femmes, ne se contente pas de glorifier le Seigneur de son triomphe sur la Mort; le Tombeau trouvé vide et intact est une preuve de la toute-puissance de Dieu.







زيارة قبر المسيح

 


رأينا أنّ "لوحة "القيامة" تمتدّ على النسق الأدنى من الجدارين الشرقي والشمالي لبيت المعموديّة في كنيسة دورا أوروپوس  وأنّها - حسب Kraeling - موزّعة على ثلاثة أجزاء وأنّ الجزء الثالث يشغل القسم المتوسّط والأيسر من الجدار الشمالي.   


اكتشف الجزء الثالث أوّلاً في موسم التنقيب للعام ١٩٣١-١٩٣٢ أمّا الأوّل والثاني فقد تأخّر اكتشافهما ستّة أسابيع. ليست هذه الفترة بالطويلة ومع ذلك كان من نتائجها أنّ التصوير المبدئي لم يشمل هذين الجزأين وأنّهما لم يشحنا إلى جامعة Yale الأمريكيّة حتّى العام ١٩٣٣. ليس ذلك فحسب، بل لم ينشر أي شيء عنهما في الدراسات العديدة عن الكنيسة حتّى عام ١٩٦٧ و"التقرير النهائي".    


يمكن في ضوء هذه المقدّمة فهم ما قاله Seston في صدد هذه اللوحة عام ١٩٣٦ (أي كونه لم يتعرّض للجزأين الأوّل والثاني والجدار الشرقي) والذي سأبدأ بالتعرّض له قبل العودة إلى رأي Kraeling والاختتام بتفسير Peppard:   


جدار بيت المعموديّة الشمالي يقع في مواجهة المدخل وكان مغطّىً بلوحات لم يبق إلّا نصفها. تقسم شرائط بيضاء أو رسم أخرق إلى أبعد الحدود يفترض أن يمثّل طنف corniche هذا الجدار إلى نسقين نفّذ الأسفل منهما بعنايةٍ أكبر ونرى فيه ثلاثة نساءٍ يحملن شموعاً كبيرةً وآنيةً ويتفدّمن باتّجاه قبرٍ ناصع البياض على خلفيّة المشهد الحمراء الداكنة. تمثّل اللوحة زيارة النساء للقبر المقدّس بعيد قيامة الربّ. هذه الزيارة بدعة خارجة عن المألوف وليست موجودة في سراديب رومية وناپولي ولا نراها في الفنّ الغربي على الإطلاق حتّى القرن الخامس أو السادس إذ هي من ابتكار فنّانيّ الشرق الذين طالما رسموها على جدران الكنائس القبدوكيّة وهوامش المخطوطات. مع ذلك لا يمكن تصنيف لوحة دورا هذه مع أيّ من النماذج المعروفة التي انتشرت اعتباراً من القرن الخامس على إثر موجات الحجّ الكبرى إلى الديار المقدّسة إذ لا نرى فيها الملاك ولا الحارس النائم. هيئة ضريح المسيح فريدة أشبه بناووس على الأرض مزيّن بالأكاليل ولا يوحي بالقبر الذي نحته يوسف الرامي ولا بالبناء الدائري الذي سيمثّل لاحقاً القبر المقدّس اعتباراً من قسطنطين الكبير. هناك نجمة ذهبيّة ذات إثني عشر شعبةً على زوايا الناووس العلويّة ومن المعروف أنّ الأضرحة على النقد الروماني أيضاً متوّجة بنجوم بعد تأليه العاهل. هناك تفسير آخر أكثر احتمالاً فيما يتعلّق بالقبر المقدس ويستند إلى الأدبيّات المسيحيّة: من المحتمل أنّ علماء اللاهوت في الشرق - في مسعىً يهدف إلى إضفاء صفةٍ كونيّةٍ على الحدث - ربطوا بين تجلّي النجمة وقيامة المسيح. يحسن هنا أن نتذكّر أنّ عيد الغطاس في الشرق هو أيضاً المناسبة التي يحتفل خلاها بتعميد المسيحييّن الجدد وعيد الأنوار إذ ينشد المنشدون مدائح العالم الذي عمّه الضياء. لربّما رمزت النجوم على القبر إلى شعائر العبادة بكل بساطة. 


يتبع.






William SestonL'église et le baptistère de Doura-Europos.

Carl Hermann Kraeling. The Excavations at Dura-Europos. Final Report. Volume VIII, part 2. The Christian Building 1967. 

Michael Peppard. The World's Oldest Church. Yale University Press 2016. 

Tuesday, April 25, 2023

Visitatio Sepulchri

 


 Le mur nord de la salle (*), celui qu'on avait devant soi en entrant, était couvert de peintures dont il ne subsiste guère que la moitié. Des bandes blanches où un dessin très gauche veut mettre une corniche de pierre sculptée, les divisaient en deux registres. Dans celui du bas, qui paraît avoir été peint avec le plus de soin, trois femmes, qui portent chacune un cierge allumé et un pot, s'avancent vers un tombeau resplendissant de blancheur sur le fond rouge foncé de la scène. C'est la visite des saintes Femmes au Tombeau, peu après la résurrection du Seigneur. Cette Visitatio Sepulchri est une extraordinaire nouveauté. Inconnue aux catacombes de Rome et de Naples et dans l'art de tout l'Occident jusqu'au  cinquième ou sixième siècle, elle est une création des artistes orientaux qui l'ont souvent peinte sur les murs des églises cappadociennes ou dans les marges des manuscrits. Cependant, telle qu'elle est à Doura, elle ne peut être rangée dans aucun des types connus qui, à partir du cinquième siècle se multiplient à la suite des grands pèlerinages de Terre-Sainte: l'ange n'y figure pas, ni le garde endormi. Le tombeau du Christ a l'aspect singulier d'un sarcophage décoré de guirlandes, posé à même le sol; il ne fait songer ni à la tombe que Joseph d'Arimathée creusa dans le sol de son jardin, ni à l'édifice rond qui sera plus tard le Saint-Sépulcre constantinien. Une étoile d'or à douze branches est posée sur chacun des angles supérieurs. Sur les monnaies romaines, la sépulture impériale est ainsi couronnée d'étoiles après l'apothéose. Pourtant pour le Saint-Sépulcre, une autre explication paraîtra plus vraisemblable si nous allons la chercher dans la littérature chrétienne. Il est possible que les spéculations des théologiens d'Orient, pour donner un caractère cosmique à l'événement, aient associé l'apparition d'un astre à la Résurrection de Jésus. Souvenons nous encore qu'en Orient, le jour de l'Épiphanie, qui était aussi celui du baptême des nouveaux chrétiens, était la fête des Lumières et que, selon les hymnes chantés ce jour-là, le monde n'était alors que clarté. Peut-être les étoiles accrochées au tombeau rappellent-elles simplement une cérémonie du culte.


(*) On est immédiatement frappé par l'omission totale du mur est dans la description ci-dessus.



William SestonL'église et le baptistère de Doura-Europos.

مشهد القيامة

 


لا مبالغة في اعتبار هذا المشهد أهمّ لوحات كنيسة دورا أوروپوس (باستثناء مشهد الراعي الصالح الذي يحتلّ مكان الصدارة فوق وخلف الجرن في الجدار الغربي)  وأفضلها تسلسلاً. 



تمثّل الصورة حسب Kraeling مشهد القيامة ولكن هذا مختلف عليه كما سنرى في الأيّام القليلة المقبلة. أكتفي اليوم بوصف المشهد نقلاً عن نفس المصدر. 



المكان على النسق الأدنى من الجدارين الشرقي والشمالي لبيت المعموديّة. يمتدّ المشهد على طول خمسة أمتار من يمين الناظر إلى اليسار بدايةً بالجدار الشرقي ويمكن تقسيمه إلى ثلاثة أجزاء أو مكوّنات كما يلي:



١. يحتلّ الجزء الأوّل النسق السفلي من الجدار الشرقي ويستمرّ قليلاً على الجدارين الجنوبي والشمالي. لم يبق من هذا الجزء إلّا شريط من الجصّ على ارتفاع متر فوق أرض الردهة أمّا عن طوله فيكافىء طول الجدار الشرقي أي ٣,١٦ متر. لا يتعدّى ارتفاع ما تبقّى من المشهد ٢٨ من عشيرات المتر أمّا القسم العلوي فتالف بالكامل. مع ذلك لا يوجد انقطاع في الشريط الزخرفي الباقي الذي يمتدّ لمسافة ٢٤ عشير المتر على الجدار الشمالي و ٥١ على الجنوبي. بلغ ارتفاع المشهد (القسم الباقي + القسم التالف وينطبق هذا أيضاً على استمرار المشهد على الجدار الشمالي) ٩٧٥ من معاشير المتر. نميّز في اللوحة خمسة أزواج من الأقدام لا ريب أنّها لنساءٍ استناداً إلى طراز الأحذية الطريّة والسراويل + تتمّة المشهد على الجدار الشمالي.  



٢.  القسم الثاني في القطعة الشرقيّة الصغيرة من الجدار الشمالي (على يمين الناظر) وهو كما نرى مؤطّر على جانبيه. لم يبق من الإطار العمودي الشيء الكثير ولكنّه على الأرجح امتدّ على كامل ارتفاع النسق. امتدّ هذا القسم على مسافة ٨٨ من عشيرات المتر. يمثّل هذا المشهد القسم السفلي من باب ذو مصراعين. 



٣. القسم الثالث على امتداد بقيّة الجدار الشمالي باتّجاه الغرب متجاوزاً واجهة الجرن والمظلّة فوقه. هذا القسم أوّل ما كشفه التنقيب ممّا سبّب إشكالات في تفسير المشهد كما سنرى. ما تبقّى من هذا القسم هو القطع الآتية:


- قطعة صغيرة أبعادها العظمى ٢٣ x ١٢ من عشيرات المتر.

- قطعة كبيرة تمتدّ على ٢,٨١٥ من الأمتار (ارتفاعها = ارتفاع النسق أي ٩٧٥ من معاشير المتر).   

- قطعة ثالثة  (٣٥ x ٢٧ من عشيرات المتر).



يمثّل المشهد نساءً يحملن مشاعلاً ويمشين إلى يسار الصورة حيث نرى ناووساً (*) جملونيّاً يشغل مسافة ١,٤٢ متر تخترق ذروته إطار النسق العلوي (كما سبق ورأينا في لوحة داود وجليات). زخرفة غطاء الناووس أشبه بالكرمة ونرى على طرفيه العلوييّن نجمتين قطر كلٍّ منهما ثلاثة من أعشار المتر.



بقي من طابور النساء ثلاث، اثنتان منهما متّصلتان مع مشهد الناووس وثالثة في قطعة مستقلّة. فقد رأس المرأة الثانية ولم يبق من الثالثة إلّا خصرها وإحدى ذراعيها. التصوير جباهي (كسائر لوحات الكنيسة) ويلفت النظر فيه قامة النساء التي تتراوح بين ٨٦ ٨٨ من معاشير المتر مقارنةً مع طول الأشخاص في لوحات الكنيسة عموماً وكما رأينا لم يزد طول المسيح عن ٢٩ إلى ٣٢ من عشيرات المتر. ترتدي النساء زيّاً يونانيّاً (خيتون) ويعتمرن وشاحاً سابلاً أبيض اللون. تشبه طريقة تصفيف الشعر الزيّ الذي أدخلته جوليا ماميا كما نرى في منحوتات عصرها. أخيراً تحمل النساء في أيديهنّ قصعةً لا ريب أنّها احتوت الزيت أو الدهن المستعمل في الشعائر. 


من الملفت للنظر تلوين المشاعل وخصوصاً لهبها بالأسود. ما السبب؟


بقي علينا أن نحاول تفسير المشهد. 




(*) تحفّظ Peppard على هذا التفسير كما سنرى لاحقاً.







William SestonL'église et le baptistère de Doura-Europos.

Carl Hermann Kraeling. The Excavations at Dura-Europos. Final Report. Volume VIII, part 2. The Christian Building 1967. 

Michael Peppard. The World's Oldest Church. Yale University Press 2016.