Saturday, May 28, 2016

حافظ الأسد أبو الهول دمشق

تم نشر سيرة الرئيس الراحل حافظ الأسد كما رواها الأكاديمي الإسرائيلي موشيه ماوز عام 1988 أي قبل  أقل من  عام واحد من كتاب باتريك سيل الأكثر شهرة "الأسد: الصراع على الشرق الأوسط". كتاب ماوز مهدى إلى أحد أساتذته ألبرت حوراني 1915-1993 المؤرخ البريطاني من أصول لبنانية أما عن الكاتب فهو من مواليد تل أبيب عام 1935 و قد خدم في الجيش الإسرائيلي بين 1952-1955 و حصل على ماجستير من الجامعة العبرية في القدس عام 1961 ثم دكتوراه من أكسفورد و كان مستشاراً للحكومة الإسرائيلية و هو حالياً أستاذ متقاعد في الجامعة العبرية ويعتبر خبيراً في الشؤون العربية و الإسلامية عموماً و السورية خصوصاً.




تتعرض المقدمة إلى أصول العلويين و قبائلهم و الإضطهاد الذي لحق بهم سابقاً ثم أسرة الأسد و حزب البعث و دخول الشاب حافظ الأسد إلى الكلية الحربية 1952-1955 ليتخرج منها كضابط طيار و اللجنة العسكرية لحزب البعث إلى آخره كل هذا معروف و هناك مصادر أغنى تبحث به تفصيلاً.



ينتقل ماوز بعدها إلى تقديم شخصية الأسد "الرجل و القائد" و يستهل الفصل (صفحة 41) بالقول أنه حتى الذين يكرهون الأسد و يخشونه لا يملكون إلا أن يعجبوا به و يستشهد في هذا الصدد بأمثال حسنين هيكل و هنري كيسنجر و كريم بقرادوني (من حزب الكتائب اللبنانية) و يصفه كرجل لا يدخن و لا يشرب و يمارس المطالعة والسباحة و التنس و يستمع للموسيقى الغربية الكلاسيكية. الأسد شديد الذكاء و ذو أعصاب حديدية و يتكلم بهدوء و لكن بحزم و لا يسرف في العبارات. إنه ملتزم فكرياً بالوحدة العربية أو بالأحرى سوريا الكبرى و الصراع ضد إسرائيل و يعتبر نفسه إستمراراً لصلاح الدين و عبد الناصر.



إستطاع الأسد بعد وصوله إلى سدة الحكم أن يقضي على التناحر المزمن بين الضباط السوريين و نجح ليس فقط في تعزيز الجيش السوري عدة و عدداً و لكنه أيضاً خلق قوة مقاتلة فعالة كما أثبتت حرب تشرين 1973 و هكذا وللمرة الأولى في تاريخ سوريا أصبح الرئيس يسيطر على الجيش و ليس العكس. سياسات الأسد تميزت بالواقعية وعلى سبيل المثال قبلت سوريا بتوجيهه قرار مجلس الأمن 242 و الذي رفضه صلاح جديد سابقاً كما قام الأسد بالتقارب مع الدول العربية "الرجعية" بغية توحيد الصف في مواجهة إسرائيل و إنهاء عزلة سوريا. في مقابلة له مع جريدة نيوزويك بعد حرب تشرين و تحديداً في شباط 1975 أبدى الأسد إستعداده للإعتراف بإسرائيل إذا تحققت شروط معينة. 

قصة إختيار السادات مسار الصلح المنفرد مع إسرائيل معروفة و أطول من أن تغطيها سطور قليلة و قد حاول الأسد جهده أن يخلق بديلاً "شرقياً" لمصر كعمق إستراتيجي لسوريا و كان هذا عن طريق محاولة للتقارب مع لبنان و الأردن و العراق و منظمة التحرير الفلسطينية و بنجاح متفاوت: تفجرت الحرب الأهلية في لبنان و تحول شهر العسل مع الأردن إلى عداء علني عندما ساند الملك حسين الإخوان المسلمين و العراق (كان في فترة السبعينات يزاود على سوريا كما كانت سوريا تزاود على مصر في الستينات) بعد أن ساند سوريا في معارضتها للسلام المصري الإسرائيلي طرد السفير السوري من بغداد عام 1980 ثم هاجم إيران عوضاً عن إسرائيل "لحماية البوابة الشرقية للأمة العربية" فيما دعي "بقادسية صدام" أما منظمة التحرير بقيادة ياسر عرفات فقد حاولت أن تنتهج طريقاً مستقلاً مما حدى الأسد أن يدعم أبو موسى و الفصائل المعارضة لعرفات.

وصف ماوز الفترة 1970-1976 "بسنوات الخير" و لكن النصف الثاني للسبعينات شهد علاوة على تأزم الوضع الإقليمي تدهور الوضع الداخلي و تصعيد العنف عندما باشر الإسلاميون المتطرفون حملة من الإغتيالات تناولت أشخاص محسوبين على السلطة (يذكر المؤلف على سبيل المثال رئيس الجامعة محمد الفاضل و أضيف إليه الطبيب يوسف صايغ مدرس الغدد الصم في كلية الطب جامعة دمشق و هناك غيرهم) و عل حادثة مدرسة المدفعية عام 1979 كانت نقطة اللاعودة في الصراع بين الحكومة و الإسلاميين المتشددين و الذي حسم في الأحداث الدامية التي شهدتها حماة في مطلع عام 1982 عندما قام العصاة بمهاجمة المراكز الحكومية و قتل 250 من الناس معظمهم من الموظفين و إعلان "الجهاد ضد نظام الأسد الملحد" (الكاتب يتعرض بالتفصيل لجهود الأسد للتركيز على الهوية الإسلامية للعلويين و كيف إستصدر فتوى من الإمام موسى الصدر عام 1973 في هذا الصدد). ردت القوات الحكومية العنف أضعافاً و يقدر الكاتب عدد القتلى في حماة 10,000-30,000 و يزعم بعدها أن 800,000 سوري هاجروا البلد بعد المجزرة و هو رقم غير معقول إذا أخذنا بعين الإعتبار أن عدد السكان الإجمالي وقتها لم يكن يتجاوز العشرة ملايين. 

غزت إسرائيل لبنان في حزيران 1982 و أسقطت عشرات من الطائرات السورية بينما عجز الجيش السوري عن حماية بيروت. بدا وقتها أن الأسد و سوريا في الحضيض بين الأزمة الداخلية و العزلة العربية و الدولية و التهديد الإسرائيلي وجاء مرض الأسد الذي يعاني من الداء السكري ليزيد الطين بلة عندما أصيب بأزمة قلبية في تشرين الثاني 1983 وحصل لديه إرتكاس نجم عنه دخوله إلى المشفى مجدداً في مطلع 1984 عندما إعتقد شقيقه رفعت أن الأوان قد آن ليحل محل أخيه (أذكر وقتها مشاهدة لافتات في دمشق بعنوان "رفعت الفارس في قلب كل فارس") و لكن الأسد تعافى بما يكفي لأن يستنفر الجيش السوري و يعزل رفعت عن قيادة سرايا الدفاع التي جرى حلها و بعد ذلك تم تعيين رفعت نائب رئيس جمهورية و إحالته إلى الإستيداع. في هذه الأثناء قام الرئيس اللبناني أمين الجميل (بعد إغتيال أخيه بشير في أيلول 1982) بتوقيع إتفاقية مع إسرائيل في 17 أيار 1983 و التي عارضتها سوريا بكل الوسائل بما فيها "الإرهاب" حسب تعبير الكاتب حتى أحبطت و على هذا كان أكبر إنتصار للأسد في تاريخه. 

كان "التوازن الإستراتيجي" مع إسرائيل شغل الأسد الشاغل بالذات بعد توقيع معاهدة السلام بين مصر و إسرائيل في آذار ١٩٧٩ و قد رد الأسد بمحاولة خلق "جبهة الصمود و التصدي" (و التي وصفها رئيس الوزراء الأردني المزاود مضر بدران "بالجحود و التردي" عندما غزت إسرائيل لبنان و شمت الأردنيون أو بالأحرى حكومتهم بسوريا كما هي العادة بين الإخوة العرب) و أيضاً بتوقيع معاهدة مع الإتحاد السوفيتي عام 1980.

يختم الكاتب بأنه رغم جميع إنجازات الأسد فقد عجز عن بناء أمة سورية بسبب إعتماده على ولاء العسكر العلويين وأن سياساته الإقليمية (كدعم الموارنة في لبنان عام 1976 و الوقوف مع إيران في حرب الخليج) أثارت نقمة الكثيرين من العرب و السوريين و يشكك بأن يستطيع من يخلفه في الحكم أن يحافظ على المكانة غير المسبوقة لسوريا كقوة إقليمية و التي تحققت على يد حافظ الأسد. 


No comments:

Post a Comment