المؤلّف إيتامار رابينوڤيتش، إسرائيلي من مواليد القدس عام ١٩٤٢، والكتاب من مطبوعات الجامعات الإسرائيليّة عام ١٩٧٢. تخرّج رابينوڤيتش من الجامعة العبريّة عام ١٩٦٤، وحاز على ماجستير من جامعة تلّ أبيب عام ١٩٦٩، ثمّ دكتوراة من جامعة كاليفورنيا لوس أنجلس في الولايات المتّحدة عام ١٩٧١. خدم الباحث في الجيش الإسرائيلي ١٩٦٣-١٩٦٦، وأصبح أستاذاً في جامعة تلّ أبيب اعتباراً من ١٩٧١. شغل منصِب سفير إسرائيل في الولايات المتّحدة في تسعينات القرن الماضي وترأّس الوفد الإسرائيلي في المفاوضات مع سوريّا ١٩٩٣-١٩٩٦. الدكتور رابينوڤيتش ذو إلمام أكثر من كافٍ باللغة العربيّة ممّا أتاح له الاطّلاع على الكثير من المراجع المحليّة، وإن لم يستطع مقابلة أو محادثة سياسيّي العرب في الفترة التي يغطّيها الكتاب لأسباب واضحة.
يبدأ الكتاب بمقدّمةٍ عن تاريخ سوريّا السياسي في مطلع عهد الاستقلال، أي بين الأعوام ١٩٤٥-١٩٥٤، ينتقل بعدها إلى التعريف بحزب البعث منذ تأسيسه عام ١٩٤٧ على يد ميشيل عفلق وصلاح الدين البيطار - كلاهما دمشقيّان. لا يفوت المؤلِف طبعاً ذكر دور حركة البعث العربي العائدة إلى العام ١٩٤٠ وزكي الأرسوزي، ومن ثمّ اندماج البعث مع حزب أكرم الحوراني العربي الإشتراكي، وولادة حزب البعث العربي الإشتراكي. نأتي عد ذلك إلى استعراض الأحداث التي قادت إلى الوحدة في شباط ١٩٥٨، ودور الجيش والبعث فيها، وخيبة أمل البعثييّن عندما اكتشفوا لاحقاً عزوفَ عبد الناصر عن مشاركتهم جديّاً بالحكم. الخطوة التالية كانت تشكيل اللجنة العسكريّة في مصر بمبادرة من محمّد عمران وصلاح جديد وحافظ الأسد وغيرهم. انتهت تجربة الوحدة مع انقلاب عبد الكريم النحلاوي في الثامن والعشرين من أيلول عام ١٩٦١، وانتهى عهد الإنفصال بدوره مع انقلاب - أو ثورة إذا شئنا - الثامن من آذار ١٩٦٣.
بغضّ النظر عمّا يعتقده الكثيرون، لم يكن انقلاب ٨ آذار بعثيّاً صرفاً، وإّنما شارك فيه الناصريّون والمستقلّون ومنهم منفّذ العمليّة زياد الحريري، الذي هُمِّشَ لاحقاً. بالنتيجة برز البعث إلى المقدمة وتمكّن من التخلّص من حلفاءِهِ بالتدريج. حاول البعض إعادة التقارب مع مصر، الذي يفترض أن يأتي نتيجةً طبيعيّةً لإنهاء ما سُمّي "بعهد الانفصال"، وفشلت هذه المحاولات فشلاً ذريعاً مع السقوط المؤقّت لبعث العراق، الذي تولّى مقاليد الحكم في الثامن من شباط ١٩٦٣، ونُحّي عن السلطة في ١٨ تشرين الثاني لنفس العام. كان هناك أيضاً مشروع وحدة أو اتّحاد بين مصر والعراق وسوريّا، بيد أنّ مآثِرَهُ اقتصرت على اعتماد علم الوحدة في سوريا و العراق في الأوّل من أيّار ١٩٦٣، ولكن بثلاث نجوم خضر عوضاً عن نجمتيّ الوحدة السوريّة المصريّة.
بمجرّد استتباب الأمر للبعث في سوريّا، بدأ النزاع بين الجناح "اليميني" للحزب بزعامة عفلق والبيطار وأمين الحافظ و"القيادة القوميّة" مع العديد من المدنييّن من جهة، والجناح اليساري أو الراديكالي الممَثَّل في "القيادة القطرية" التي طغى عليها الجيش عموماً واللجنة العسكريّة خصوصاً. أدار صلاح جديد سياسات اليسارييّن من وراء الكواليس وكان قليل الاهتمام بالمظاهر وشديد التركيز على نشر نفوذه في الجيش عن طريق تعيين محاسيبه وأنصاره في مواقعٍ مفتاحيّة. تحوّلت جرائد الحزب وقتها إلى منابر للصراع على السلطة على الأقل برصف الكلام، إذ نطقت جريدة "البعث" باسم "القومييّن" بينما دافعت "الثورة" عن وجهة نظر "القطرييّن". أصبح وضع عفلق والبيطار حرجاً وهناك ما يشير إلى رغبتهما بالحدّ من تدخّل الجيش بالسياسة، بيد أنّ معضلتهما تمثّلت بكل بساطة بأنّ الجيش شرٌّ لا بدّ منه، وبالفعل ما كان للبعث أن يستلم السلطة أصلاً دون العسكرييّن. توهّم مؤسسّا الحزب لوهلةٍ بإمكانيّة استعمال الجيش أداةً لكبح جماح الراديكالييّن، ولكن دعم الحافظ في الجيش كان أقلّ بكثير ممّا يلزم لاحتواء صلاح جديد ومؤيّديه. بالنتيجة وصل عفلق إلى مرحلة القرف واستقال من منصبه كأمين عامّ للحزب في ربيع عام ١٩٦٥ ليحلّ محلَّهُ الدكتور منيف الرزّاز.
تزامنت هذه الأحداث على الساحة السوريّة بالمنافسة البعثيّة الناصريّة على الصعيد العربي، وتكرّرت محاولات البعث لإحراج عبد الناصر والتشديد على عدم جديّتِهِ في محاربة الرجعيّة العربيّة وإسرائيل. هناك على سبيل المثال مؤتمر القمّة العربيّة في القاهرة في كانون الثاني ١٩٦٤، عندما ترأّس أمين الحافظ الوفد السوري بهدف المزايدة في موضوع محاولة إسرائيل تحويل مياه نهر الأردنّ. زايد البعثيّون أيضاً على الزعيم المصري عندما حاول إيجاد مخرج من أزمة اليمن، وأيضاَ في قمّة الدار البيضاء أيلول ١٩٦٥ عندما طالب السوريّون بوضع خطّة لتحرير فلسطين. المضحك المبكي أن مزايدات الحافظ على مصر لم تنفعه كثيراً إذ أدان الراديكاليّون في سوريّا بقيادة صلاح جديد حوارَهُ مع "الرجعيّة" العربيّة واستعداده للتعايش معها، و زايدو عليه كما زايد على عبد الناصر وأكثر.
استطاع جديد بالنتيجة استمالة من تبقّى في الجيش من "أهل الحل و الربط"، ومنهم حمد عبيد وسليم حاطوم ومصطفى طلاس، ونجح في إسقاط الحافظ في ٢٣ شباط ١٩٦٦. كرّسَ هذا الانقلاب انتصار العسكرييّن على المدنييّن وأقصى مدّ اليسار السوري في أواخر الستّينات. مع كلّ هذه الصراعات على السلطة، وما رافقها من تطهير وراء تطهير في الجهاز الحاكم عموماً والجيش خصوصاً، أو لربمّا كنتيجةٍ لها، تمكّن البعث من الاحتفاظ بالسلطة رغم هزيمة ١٩٦٧. علّ السبب يعود إلى خلو الساحة من الأقران والمزاحمين في هذه المرحلة. يختم الكاتب سرده باستعراضٍ سريع للمنافسة بين صلاح جديد وحافظ الأسد والتي انتهت كما هو معروف في تشرين ثاني ١٩٧٠ بانتصار هذا الأخير.
Itamar Rabinovich. Syria Under the Ba'ath 1963-1966: The Army Party Symbiosis. Israel Universities Press, 1972.

No comments:
Post a Comment