أجرى العالم عبد القادر ريحاوي عدّة أسبار في صحن الجامع الأموي منذ حوالي ستّين عاماً وقام على إثر ذلك بنشر وتحليل المعطيات التي حصل عليها في بحث مفصّل تحت عنوان "إسهام في دراسة الجامع الأموي" في المجلّد الثالث عشر للحوليّات الأثريّة السوريّة الصادر عام ١٩٦٣.
قارن ريحاوي بين ما صادف وبين وصف النصوص التاريخيّة المتوافرة عن الجامع وأقدمها المقدسي (توفّي عام ٩٩٠ للميلاد) وفيما يلي خلاصة لتاريخ بلاط الصحن واستنتاجات الباحث الراحل وهي على علمي الأولى من نوعها:
أوّلاً: تواجدت سويّة صحن المعبد قبل الاسلام على عمق ٨٢ عشير المتر تحت السويّة الحاليّة وكانت الأرضيّة مرصوفة ببلاط من الحجر الكلسي العواميدي كما في المعابد الرومانيّة عموماً.
ثانياً: ارتفعت هذه السويّة بمقدار ثلاثين عشير المتر في العهد الأموي (أي نصف متر تحت السويّة الحاليّة) وفرشت بالرخام الأبيض (خلافاً للحرم والأروقة التي فرشت بفسيفساء بيضاء بسيطة على غرار الكنائس البيزنطيّة).
ثالثاً: استعمل الأيّوبي الملك العادل أحجار المباني القديمة خصوصاً أحجار قنطرة الباب الشرقي (حسب أبو شامة المنوفّي عام ١٢٦٦) وأضاف إليها أحجار جبال المزّة (التي أسماها العمري (توفّي عام ١٣١٧) "المرمر" عوضاً عن الرخام الأموي.
رابعاً: ارتفعت سويّة الصحن بمقدار ٢٠ عشير المتر في ترميم مملوكي استعمل فيه الأجرّ في الصحن والأروقة بهدف الاقتصاد. لربّما جرى هذا الترميم عام ١٣٥٦ (حسب ابن كثير المتوفّي ١٣٧٣) أو بعد نكبة تيمورلنك في ١٤٠١.
خامساً: جرى آخر ترميم للبلاط في العهد العثماني عام ١٨٨٣.
الصورة الملحقة لإحدى رقعتين من البلاط على طرفيّ البحرة الشمالي والجنوبي تبلغ مساحتهما الإجماليّة خمس وأربعون متراً وفيهما أشكال دوائر وأنصاف دوائر مشغولة من الحجر المزّي تطوّقها إطارات من الحجر الأحمر السمّاقي. يشبه هذا البلاط بلاطاً اكتشف في دار بيزنطيّة في الحريقة (أنوي التعرّض إليها في منشور لاحق) ولربّما كان يعود إلى ذلك العهد اللهمّ إلا إذا جرى نقله من موضع آخر.
No comments:
Post a Comment