يجمع المؤرّخون أنّ عمر مدينة دمشق يتجاوز ثلاثة آلاف سنة. قد لا تكون أقدم مدن العالم كما يزعم البعض، وإن سلّمَ الكثيرون أنها أقدم عاصمة مأهولة باستمرار. ماذا عن معبدها؟ هل بإمكانِنا التوكيد أنّ هذا الحرم الذي عاصر الآراميّين واليونان والرومان والعرب والأتراك، وتربّع على عرشه نفرٌ من الآلهة هو أقدم الهياكل التي ارتادها المؤمنون بشكلٍ متواصل، بدايةً من الإله حدد ونهايةً بالقرن الحادي والعشرين؟
لا أعرف الجواب، وإن أمكن لمحبّي دمشق وجامِعِها أن ينهلوا كمّاً وفيراً من المعلومات من كتابين عن هذا الصرح العتيد أحدهما بالعربيّة للدكتور طلال العقيلي (٢٠٠٧، أُعيدَت طباعتُهُ ٢٠١٥، وتُرْجِم إلى الإنجليزيّة والألمانيّة)، والثاني بالفرنسيّة للفنّان العالِم جيرار دو جورج (٢٠١٠). ليس الهدف من هذه السطور إجراء مقارنةٍ تثير النفور عن أيٍّ منهما "أفضل" وعلّ الأقرب إلى الصواب القول أنّهما متكاملان، ويعالجان الموضوع من زوايا مختلفة تمام الاختلاف. أضف إلى ذلك أنّ المؤلّفَيْن زميلان من أخصائيّي العمارة، إن لم يكونا صديقين. علاوة على هذا وذاك، صورة غلافيّ الكتابين - بعدسة دوجورج - هي نفسها.
لمن يهمه الإسقاطات الهندسية والرسوم الدقيقة والتواريخ المتسلسلة والمقارنة التفصيليّة لتحوّلات المعبد عبر القرون، استناداً إلى وصف الكتّاب والرحّالة واللوحات الزيتيّة والصور الضوئيّة التاريخيّة، فعليه بكتاب العقيلي.
لمن يهوى الصور الملوّنة العالية الدقّة، خصوصاً للفسيفساء الرائعة، فسيطيب نفساً ويقرّ عيناً بكتاب دوجورج المزيّن بتيهورٍ من مختارات اللقطات الفنيّة الميدانيّة للمؤلّف. عني دوجورج أيضاً بتقديمٍ مختصر للدين الإسلامي، ومقارنة الأموي مع المعابد المماثلة التي سبقته وعاصرته، وخصّص العديد من الصفحات للدفاع عن الإسلام ضدّ ما اعتبره هجوماً مغرضاً من الغربييّن، المتديّنين منهم والعلمانييّن. يترتّب على ذلك أنّ كتاب العقيلي أكثر تركيزاً على الجامع بحدّ ذاتِهِ.
يمكن، لمن يرغب في المزيد، الرجوع إلى الحواشي والإسناد وثبت المراجع في الكتابين. مع الأسف لا يحتوي هذا ولا ذاك على فهرسٍ أبجدي يسهّل مراجعتهما على الباحثين والهواة.

No comments:
Post a Comment