Sunday, January 14, 2024

سوريّة الغد

 


"سوريّة الغد" المعنيّة في كتاب ندرة مطران الصادر عام ١٩١٦ بالفرنسيّة هي في الواقع سوريّا الانتداب الفرنسي وإن لم تكن بالنتيجة كما تصوّرها المؤلف الذي اخترمته المنون قبل أن تكتحل عينيه برؤياها. الكتاب متوافر بالمجّان على الشبكة لمن يرغب في قراءة أربعمائة وستّين صفحة من رؤيا تاريخيّة في فترةٍ مائعةٍ عاشتها بلاد الشام خلال الحرب العظمى ١٩١٤ -١٩١٨ راهن أثناءها مطران ومن تبنّى وجهة نظره على انتصار الحلفاء بينما راهن غيره - وخسروا - على القوى المركزيّة (أي ألمانيا وحلفائها). الأمر الوحيد الذي اتّفقت عليه كافّة الأطراف أنّ مصير سوريّا إن خيراً أو شرّاً تعلّق بنتيجة الحرب. 


وزّع المؤلّف الكتاب إلى أربعة أجزاء شملت خمساً وثلاثين فصلاً. عنوان الجزء الأوّل "سوريّا وفرنسا" وفيه يكيل مطران المديح لفرنسا دون حساب ويحاول قصارى جهده إقناعها أنّ مصلحتها تقتضي احتلال سوريّا ومنه يتضّح أنّ العمل موجّه بالدرجة الأولى للفرنسييّن وفي سبيل دغدغة مشاعرهم استهلك المؤلّف قدراً لا يستهان به من الحبر في شتم الألمان والهزء بهم. الأتراك بالنسبة لمطران شرٌّ مطلق ولا أعلم من أين اقتبس قولاً لعلي بن ابي طالب (صفحة ١٤) يدعوا إلى تجنّب الأتراك وعدم الائتمان لهم (نصّ القول المنسوب لعلي غير مذكور بالعربيّة ولم يجشّم المؤلّف نفسه عناء ذكر المصدر). ذهب مطران (ص ١٩) إلى حدّ اتّهام الأتراك باغتصاب النساء وذبح الرجال والأطفال على مدى ستّة قرون في كافّة أرجاء إمبراطوريّتهم المترامية الأطراف. 



الجزء الثاني من الكتاب تعريف بسوريّا من النواحي الجغرافيّة (الكلام عن "سوريّا الطبيعيّة" التي أمل مطران - دون إصرار على هذه النقطة - أن تشمل أضنة وأورفة). في هذه الجزء معطيات ديموغرافيّة مثيرة للاهتمام عن الأقاليم والمدن وعدد سكّانها. كافّة المدن التي أدرجها المؤلّف "كبيرة" لا يقلّ عدد سكّانها عن ثلاثة آلاف. عمّان (عاصمة الأردن الحاليّة) غير مذكورة على الإطلاق وبالتالي معان (خمسة آلاف) والكرك (أربعة آلاف) والسلط (أربعة آلاف) كانت أهمّ منها آنذاك على الأقلّ عدديّاً. تعرّض مطران في هذا الجزء أيضاً للتاريخ مع تركيز خاصّ على الإسلام ولبنان والحركة الصهيونيّة. 


الجزء الثالث عن تصوّر مطران لحكومة سوريّا وإدارتها واقتصادها وقوانينها والتعليم فيها. سبق القول أنّ الكاتب من الروم الكاثوليك ولكنّه - بعد أن أسهب في الحديث عن البطركيّات والأديان عموماً - أكّد على انتماء المسيحييّن لجالية واحدة هي "الأمّة السوريّة" (ص ٢٤٧).


عنوان الجزء الرابع والأخير "الأديان والأعراق". يستكمل مطران هنا ما بدأه في الجزأين الثاني والثالث مضيفاً معلوماتٍ لا بأس بها عن الوهّابييّن والبابييّن والبهائييّن والطوائف المسيحيّة واليزيدييّن والصوفيّة. "الأعراق" races حسب المؤلّف هم الجزائريّون والأكراد والشركس والتركمان والغجر (النور) وهناك فصل خاصّ عن البدو.





يتبع.

No comments:

Post a Comment