Sunday, June 23, 2024

Enrico Macias

 


نشرت الطبعة البلجيكيّة لمجلّة tintin قصّةً مصوّرة من أربع صفحات عن هذا المطرب المعروف في العدد الخامس والثلاثين من عام ١٩٦٥ الصادر في الحادي والثلاثين من آب أغسطس. الحوار بقلم Yves Duval (تحت الاسم الفنّي Michel Deverchin) والرسوم للفنّان Lucien Colsoulle


ولد غاستون غريناسيا Gaston Ghrenassia المعروف باسم Enrico Macias في قسنطينة (الجزائر) عام ١٩٣٨. اخترت مشاركة هذه النبذة عنه للأسباب التالية:


- صوته جميل للغاية أو هكذا على الأقلّ رأيي.

- يعتبر Macias نفسه وجهاً معاصراً للغناء والموسيقى الأندلسيّة في القرون الوسطى ويعتبر ذلك العهد عهداً ذهبيّاً للتعايش السلمي بين الأديان. لا شكّ أنّ هذا التصوّر مبالغٌ به ومع ذلك يشعر الكثيرون - وأنا منهم - بالحنين لدى سماعه يغنّي للأندلس ويتأوّه على دوال دولتها.   

- ماسياس مثال على الأوجه المتعدّدة للإنسان: جزائريّ المولد، فرنسيّ الجنسيّة، أندلسيّ الهوى. غنّى لفرنسا وقسنطينة والقدس وكثيرٍ غيرها. لا مناص أن يعترض البعض على ميوله السياسيّة وهذا مفهوم ولكنّه ليس محارباً أو ممتهناً للسياسة وإن تضاربت ولاءاته. 


ألخّص القصّة نقلاً عن تان تان خلال تعليقاتي على مختاراتٍ من صورها.



نرى في مجموعة الصور الأولى أستاذ المدرسة Macias يربت بمنتهى الحنوّ على خدّ تلميذه علي ثمّ يعزف القيثارة ويغنّي مع طلّابه الجزائرييّن بعد انتهاء الدوام. 

لم يقدّر لهذا الحلم الجميل الاستمرار إذ "تدهور الوضع السياسي في الجزائر" واندلع القتال بين الثوّار (المتمرّدين من وجهة نظر فرنسا) والقوّات النظاميّة (الاستعماريّة من وجهة نظر معظم الجزائرييّن). أصابت المأساة Macias شخصيّاً عندما قُتِلَ "الشيخ ريمون" أبو زوجته سوزي ليريس Suzy Leyris في الثاني والعشرين من حزيران يونيو عام ١٩٦١ في سوق العصر في قسنطينة. اعتقدت عائلة غريناسيا إثر ذلك باستحالة بقائها في الجزائر على اعتبار أنّها محسوبة على الفرنسييّن وهاجرت إلى فرنسا في التاسع والعشرين من تمّوز يوليو في نفس السنة أي قبل نهاية الحرب بحوالي العام. 



تسلّق Macias - بفضل موهبته الفنيّة - سلّم المجد والشهرة والثراء في فرنسا بسرعة صاروخيّة وتردّدت أغانيه على كل شفة ولسان (معظم ما غنّاه بالفرنسيّة طبعاً وإن كان البعض منها بالعربيّة). ختم الكاتب القصّة بمشهد ولادة ابنة المطرب العاطفي عندما سألته حليلته:


- هل أنت سعيدٌ الآن بعد النجاح الذي حقّقتَهُ والثروة التي جمعتها؟ 


أجابها Enrico: 


- معك ومع صغيرتنا بالتأكيد وكلّ ما عدا ذلك أتخلّى عنه عن طيبةِ خاطر لقاء استعادة الشمس في أرض ميلادي. 


لا شكّ عندي أنّ شوق Macias إلى الجزائر حقيقي (أغنية الرحلة الرائعة) ولكن الملفت للنظر أنّ القصّة المصوّرة لا تذكر خلفيّة المطرب الدينيّة على الإطلاق بل تكتفي بالإشارة إلى انتماءه إلى "الأقدام السوداء" وهي التسمية التي أُطْلِقَت على المستوطنين الأوروپييّن في الجزائر. 


هذا الكلام غير دقيق. أسرة ماسياس، وكثيرٌ غيرها من يهود الجزائر، من السفاردييّن الذين عاشوا في شمال إفريقيا والشرق الأدنى لمئات من السنوات إثر طردهم من شبه جزيرة إيبريا في أعقاب سقوط غرناطة في أواخر القرن الخامس عشر. ما حصل أنّ فرنسا - عن طريق وزيرها Adolphe Crémieux - أصدرت قانوناً عام ١٨٧٠ يقضي بمنح اليهود الجزائرييّن الجنسيّة الفرنسيّة ولم يكن هذا برضى الأقدام السوداء Pieds-noirs عموماً الذين استاء بعضهم من مساواتهم مع المحلييّن يهوداً كانوا أم لا. 


ليس تفسير دوافع المبادرة الفرنسيّة بالأمر العسير ولا أعتقد من ناحيتي أنّها كانت إنسانيّةً محضة. ما حصل بالنتيجة - سواءً توخّى الفرنسيّون ذلك وأرادوه أم لا - هو زرع بذور الريبة والجفاء بين يهود الجزائر وسائر سكّانها الأصلييّن وتُرْجِمَ ذلك إلى مأساةٍ حَرَمَت البلد الحديث الاستقلال من إحدى مكوّناته البشريّة الهامّة.

No comments:

Post a Comment