Friday, August 11, 2023

حملة شهبا

 


منتصف أيّار - مايو ١٩٢٦


تحسّن الوضع في المقرن الشمالي (١) مع هبوب رياح الاستسلام للقوّات الفرنسيّة في ربوعه في الأيّام الثمانيّة الماضية باستثناء حراك عصابتين من المتمرّدين ترأّس متعب بك الأطرش إحداهما بينما قاد الثانية المدعو عزّ الدين الحلبي، أحد الإقطاعييّن في وادي اللواء.   


بالمقابل لا يزال التمرّد في المقرن الجنوبي، معقل آل الأطرش، متأجّجاً كما كان في بدايات الانتفاضة. تمركز نشاط العصاة في صلخد ويمكن اعتبار الإقليم ككلّ مكان تواجد أفضل محاربيّ الدروز وأكثرهم تعصّباً. علينا قبل البدء في إخضاع المقرن القبلي، أن ننجز ما بدأناه في الشمالي. 


انطلق رتلٌ من السويداء فجر الخامس عشر من أيّار عام ١٩٢٦ باتّجاه القنوات. عماد هذا الرتل سبعٌ من كتائب المشاة مع فوج خيّالة وبطّاريّتان للمدفعيّة. عُزِّزَت الميمنة بكتيبتين من قوّات المناوشة عوضاً عن واحدة (كما جرت العادة) تحسّباً لوجود العصابات في الجبل. 


وصل الرتل بعد عناءٍ إلى أعالي قرية عتيل حيث أعلمنا أربعة من القروييّن يحملون الأعلام البيضاء بأنّ المتمرّدين باتوا في الموقع الليلة الفائتة وأجبروا الأهالي على سدّ الطريق بالأحجار لتعطيل تقدّمنا ثمّ غادروا في الصباح نحو قمّة الجبل مصطحبين شيخ الضيعة معهم رهينةً. 


تأكّدنا من صحّة هذه المعلومات عبر رسالةٍ أسقطتها إحدى الطائرات ثمّ سمعنا في نفس الوقت تقريباً، إلى اليمين، دويّ انفجار قنابل الطائرات وقذائف مدافع عيار ١٢٠ آتيةً من السويداء التي أُخْطِرَت عن طريق الجوّ بتحرّكات العصاة المختبئين بين الأشجار شرق عتيل.


أبلى أنصارنا الدروز البلاء الحسن في المقدّمة عندما توقّفوا أمام نتوءٍ جبليّ تمركز فوقه العصاة. ترجلّ البعض من أفراد المفرزة وشرعوا بإطلاق النار على العدوّ بينما ركض البعض الآخر نحو اليسار في محاولةٍ لتطويق المتمرّدين بيد أنّ هؤلاء فهموا المناورة وانسحبوا باتّجاه شهبا.


توقّف تراشق الرصاص ودخلت المقدّمة سليم حيث سيمضي الرتل الليلة إلى أن تجدّد القصف المدفعي في الخلف والميمنة. وجدت إحدى فصائل الجناح التي وصلت حتّى عتيل، المحاطة بالبساتين والآجام الكثيفة، نفسها بغتةً وجهاً لوجه مع المتمرّدين واشتبكت معهم في معركةٍ ضارية تبادل فيه الطرفان الرصاص.


كانت هذا الاشتباك عنيفاً على قصر مدّته وأكّد مجدّداً سعة حيلة الدرزي في الهجوم وقدرته على المبادهة. 






   


       






(١) المقرن في جبل الدروز هو المنطقة أو الإقليم (مع خالص الشكر للصديق العزيز الأستاذ منيب أبو ترابة). هناك أربعة مقارن كما يلي: 

- المقرن الشمالي: عاصمته شهبا وفيه أيضاً القنوات. أهمّ عشائره آل عامر ثمّ آل الحلبي

- المقرن الشرقي: جبلي وعر وآخر ما سقط بيد الفرنسييّن. مركزه سالة وهناك من يلحق به صلخد. زعامته لآل نصّار. من عشائره آل درويش (الحريسة والهويّا) وصحناوي (دوما) والقلعاني (نمرة) وسلام (طربا) وكيوان (ميماس).  

- المقرن الجنوبي أو القبلي: هو الأكبر وزعامته لآل الأطرش. فيه السويداء وعرى والقريّا ويمكن أن تحتسب صلخد ضمنه. 

- المقرن الغربي: فيه ريمة الفخور (آل أبو فخر) والمجدل (آل الهنيدي) وصميد (آل شلغين) وداما (آل قنطار) وعريقة (آل عزّام).










Édouard Andréa. La Révolte druze et l'insurrection de Damas, 1925-1926. Payot, Paris 106 Boulevard St. Germain, 1937. 

No comments:

Post a Comment