شَغَلَت المدينةُ الآراميّة مساحةً أصغر بكثير من خليفَتِها الرومانيّة، ومن المُحْتَمَل أنّها وَقَعَت على بعدِ بضعةِ مئاتٍ من الأمتار جنوب بردى. نستطيع، بمعاينةِ تضاريسِ الأرض، تحديدَ أربعةٍ من التلال الاصطناعيّة يبلغ ارتفاعُ كلٍّ منها ١٠ - ٢٠ متراً، أولُّها في حيّ باب توما، والثاني في حيّ اليهود حنوب الشارع المستقيم وشرق المدينة، والثالث في حيّ الشاغور جنوب الشارع المستقيم وغرب المدينة، والرابع جنوب شرق الجامع الأموي؛ هذا الأخير على الأغلب أقدم مستوطَنَةٍ في دمشق، وعلّه يوافق المدينة الآراميّة. يعزّزُ هذه الفرضيّة قربُهُ من النهر وجوارُهُ للهيكل. التنقيبُ بهَدَفِ تأكيد أو نفي هذا الطرح متعذّرٌ في مدينةٍ مأهولةٍ منذ آلاف السنين، تعجّ بالسكّان والأبنيةِ التاريخيّة التي قامَت على أطلالِ ما سَبَقَها.
تطوَّرَت ترويةُ المدينةِ عبر العصور. تستَمِدُّ دمشق التي نَعْرِفُها مياهَ شربِها من عين الفيجة، بينما اعتمَدَت المدينةُ التاريخيّةُ على بردى وفروعِهِ، ولربّما كان بانياس أقدَمَها إذا قبلنا رأي Sauvaget الذي تَرْجَمَ أبانا وفرفر في كتاب العهد القديم إلى بردى وبانياس. زَوَّدَ هذا الأخير، مع نهر القنوات الروماني لاحقاً، دمشق بمعظمِ احتياجاتِها. يدخل بانياس المدينةَ من القلعة ليتفرّع منه نهر قليط باتّجاه الجنوب. يحظى الجامع الأموي بعنايةٍ خاصّة يتلقّى يموجِبِها مياهَهُ من بانياس والقنوات.
Richard Thoumin. Géographie humaine de la Syrie centrale 1936. Toursو Arnault et Cie, Maîtres imprimeurs 1936.
No comments:
Post a Comment