تربّع نيرون على عرش الإمبراطوريّة الرومانيّة من ٥٤ إلى ٦٨ للميلاد ولا يزال بعد قرابة ألفين من الأعوام مضرب المثل في الطغيان والاستبداد والفجور والفسق إلى درجة الجنون.
رسم الأديب البولندي Henryk Sienkiewicz في روايته الشهيرة Quo Vadis عام ١٨٩٦ صورة الإمبراطور المعتوه الذي أحرق رومية عسى أن تلهمه النيران المستعرة في نظم قصيدته عن حريق طروادة ثمّ ألقى اللوم على المسيجييّن وقام بصلبهم وإطعامهم إلى الوحوش ليغطّي على الجريمة. اقتبست Hollywood القصّة في فيلم صدر عام ١٩٥١.
ليست رواية كوفاديس تاريخاً وإن استندت إلى أحداث تاريخيّة حقيقيّة - مثلاً حريق رومية عام ٦٤ - وأشخاص حقيقييّن مثل Petronius الحكم الأبيقوري في الذوق و Seneca الفيلسوف و Tigellinus قائد الحرس البريتوري و Poppaea قرينة نيرون وأخيراً نيرون نفسه.
تستند رواية اضطهاد المسيحييّن على يد نيرون واتّهامهم بحرق رومية على شهادة يتيمة وقصيرة في تاريخ Tacitus (٥٦-١٢٠ للميلاد) الذي كتب بعد الحريق بنصف قرن الكلام التالي:
"أراد نيرون أن ينهي الشائعات القائلة بأنّه المسؤول عن إحراق المدينة وعثر على من أسماهم عامّة الناس المسحييّن Chrestiani نسبة إللى المسيح Christus الذي أعدمه الوكيل بيلاطس البنطي خلال حكم طيباريوس. تفنّن نيرون في معاقبة المسيحييّن المكروهين بسبب أفعالهم المشينة".
المؤرّخ Tacitus موضع ثقة الكثير من الدارسين وإن شكّك البعض مؤخّراً بأنّ المقطع أعلاه مدسوس لاحقاً وتحديداً في القرن الرابع للميلاد نظراً لغياب أي مصادر معاصرة أو قريبة من المعاصرة تربط بين حريق رومية والمسيحييّن أو تشير إلى وجود مسيحي يستحقّ الذكر في عاصمة الإمبراطوريّة. لا شكّ أنّ كتاب كوفاديس يحتوي على مبالغات تفوق حدود التصوّر.
ننتقل الآن من الأساطير التاريخيّة إلى التاريخ ومن المتّفق عليه أنّ النقد أحد أكثر المصادر التاريخيّة مصداقيّةً. ماذا عن نيرون ودمشق؟
ضربت عملة برونزيّة باسم نيرون في دمشق عام ٦٢ للميلاد يحمل وجهها نقشاً لرأس الأمبراطور مكلّلاً بالغار وقفاها ربّة الحظّ والرخاء Tyché جالسة على صخرة مادّة يمناها وممسكة قرناً للوفرة corne d’abondance بيسراها بينما يجري نهر بردى عند قدميها. يبلغ وزن القطعة ١٢،٤٤ غراماً وعثر عليها في تلّ سكّا (٢٥ كيلومتراً جنوب شرق دمشق في ناحية الغزلانيّة منطقة دوما).
مسكوكات دمشق الرومانيّة: أغسطس فيصر
مسكوكات دمشق الرومانيّة: طيباريوس
Khaled Kiwan. Les émissions monétaires de Damas à l’époque classique. Annales archéologiques arabes syriennes 41-54. LI-LII 2008-2009.
No comments:
Post a Comment