ليست أوابد دمشق الإسلاميّة أكثر من المسيحيّة بكثير فحسب، بل أنّها أيضاً أقدم منها! لا مناص من أن يعترض البعض على التوّ أنّ هذا مستحيل مع أنّ تفسير هذه المقولة الجريئة سهلٌ للغاية: من المباني المسيحيّة ما أصبح إسلاميّاً (المثال الأشهر دون منازع جامع بني أميّة الكبير) ومن المسيحييّن من اعتنق الإسلام بالنتيجة على مدى مئات السنوات ولعدّة عوامل. أضف إلى ذلك تدمير الحيّ المسيحي عام ١٨٦٠ عن بكرة أبيه ممّا يعني حكماً أنّ كافّة الأبنية التي يكتنفها اليوم - بما فيها الكاتدرائيّة المريميّة العريقة بهيئتها الحاليّة - لاحقةٌ لهذا التاريخ.
لدينا مع ذلك بعض الأمثلة على معالم نجت بقدرة قادر، خصوصاً ما تواجد منها خارج السور وعلى سبيل المثال الضريح المفترض للقدّيس جاورجيوس (أو جورج) البّواب إلى الجنوب من باب كيسان في مقبرة الروم الأورثوذوكس. كتب الأستاذ الياس بولاد عن هذا القبر باختصار وأفرد له الأستاذ عماد الأرمشي ڤيديو تتجاوز مدّته الربع ساعة فيه الكثير من المتعة والفائدة. الأسطر التالية محاولة متواضعة منّي للإضافة إلى ما أورده الصديقان الكبيران.
من هو جاورجيوس البّواب؟ الجواب غير موجود في أعمال الرسل (في سياق الحديث عن بولس الطرسوسي) أو في الكتاب المقدّس بعهديه القديم أو الجديد على الإطلاق. حاولت البحث تحت جورج وجرجي وجرجس وجاورجيوس بالعربيّة والإنجليزيّة فلم أصل إلى نتيجة. أقرب ما وجدته "الجرجسييّن" (متّى) و"جرجياس" (المكابييّن الأوّل) بيد أنّ السياق والاشتقاق اللغوي لكليهما مختلفان تمام الاختلاف. باختصار اسم جورج - وكافّة طرائق لفظه وتهجئته - غير موجود في الكتاب المقدّس.
جورج إسم يوناني قديم يعني عامل الأرض (للتبسيط الفلّاح): الأرض γῆ + عمل ἔργον ولربّما أمكننا مقاربتها من الكرّام γεωργός أو georgos كما في الآية الأولى من الإصحاح الخامس عشر في إنجيل يوحنّا: "أَنَا الْكَرْمَةُ الْحَقِيقِيَّةُ وَأَبِي الْكَرَّامُ." تفسير معقول وعلى الرغم من ذلك كُتِبَت كلمة كرّام في النسخة الإنجليزيّة من إنجيل يوحنّا gardener أو husbandman وليس جورج.
هناك أيضاً من يعتبر جورج وإيليّا (الخضر لدى المسلمين) إسمان أو تقمّصان لشخصٍ واحد. إيليّا مذكور في الكتاب المقدّس بالطبع ولكن لا يوجد إشارة إلى جورج تحت هذه التسمية ولا من يحزنون.
عودةّ على من نُسِبَ إليه الضريح: القدّيس جورج أو جاورجيوس البّواب (يفترض أنّ البوّاب بالسريانيّة "كبّوجي") الذي يُروى أنّه ساعد القدّيس بولس على الفرار من دمشق وبالتالي الكلام هنا عن القرن الأوّل الميلادي. يترتّب على ذلك أنّ الشخص قيد الحديث ليس القدّيس جورج الأشهر (مار جرجس) شهيد مطلع القرن الرابع للميلاد.
الصورة الملحقة من بطاقة من توزيع مؤسّسة متري طرزي.
يتبع.
No comments:
Post a Comment