Saturday, June 10, 2017

دمشق في عهد المماليك

كتيب أنيق وصغير الحجم 13 سم في 19 سم يبلغ عدد صفحاته بما فيها المقدمة والفهارس 160 صدر عن جامعة أوكلاهوما عام 1964 والمؤلف هو الدكتور نقولا زيادة 1907-2006 وهو دمشقي المولد وله عدة مؤلفات بالعربية والإنجليزية. 


حكم المماليك سوريا ومصر بين عام 1250 إلى عام 1516 أو 1517 (في حالة مصر) أي الفترة الواقعة بين نهاية العهد الأيوبي وبداية العهد العثماني. تعني كلمة المملوك بالطبع "عبد" وتستعمل عادة للعبيد البيض والمماليك بالأصل عبيد تم شراؤهم في أسواق النخاسة أو أسرهم في حروب ضد "الكفار" حيث أن استعباد المسلمين (على الأقل من الناحية النظرية) من المنكرات. قام سلاطين الأيوبيين وغير الأيوبيين بتدريب مماليكهم في فنون الحرب واستعمالهم كعسكر وضباط إلى أن اكتشف هؤلاء -كما حصل للحرس البريتوري Praetorian Guard في عهد الرومان مثلاً- أن الحل والربط بالنتيجة بين يديهم فمن يحمي السلطان يستطيع إذا أراد أن يدعم سلطاناً آخر أو حتى يحل محل هذا السلطان وهكذا ولدت إحدى أغرب امبراطوريات القرون الوسطى المحكومة من الملوك-المماليك أو بتعبير آخر الملوك-العبيد. 

بعد أن سقطت بغداد وقضى المغول على الخلافة العباسية عام 1258 للميلاد، قام السلطان الظاهر بيبرس 1260-1276 (وهم المؤسس الحقيقي لإمبراطورية المماليك) بجلب أحد سليلي آل عباس إلى القاهرة وأعلنه خليفة لإضفاء الشرعية على ملكه. بالطبع كان هذا الخليفة "رجل كرسي" في أحسن الأحوال مهما أحاطه السلطان بالتعظيم والتبجيل. 

يغطي الكتاب رغم صغر حجمه فترة أطول من حكم المماليك إذ يتطرق لتطوردمشق وأحيائها منذ البدايات وتزيد كثافة التغطية اعتباراً من عهد نور الدين مروراً بالأيوبيين ويعتمد في وصفه على روايات الرحالة المسلمين (ابن جبيرالأندلسي الذي زار دمشق عام 1184 أدقهم على الإطلاق وهناك أيضاً ابن بطوطة في القرن الرابع عشر)  والأوروبيين إضافة إلى كتابات المؤرخين ويركز ليس فقط على تجارة المدينة وأسواقها ومعابدها ومدارسها ومعالمها ومشافيها وإنما أيضاً على الكوارث التي أصابتها عندما هاجمها المغول  بقيادة غازان (أول من اعتنق الإسلام من أباطرة المغول) عام 1299-1300 في عهد ابن تيمية ومن ثم تيمورلنك الورع 1400-1401 (كان ابن خلدون موجوداً في دمشق وقتها) مع كل ما رافق هذا وذاك من قتل وتدمير ونهب وانتهاك حرمات.


بعد المقدمة يتوزع الكتاب على سبعة فصول: الأول للتعريف بالمماليك، الثاني يتحدث عن عهد صلاح الدين مع التركيز على زيارة ابن جبير، الثالث عما قاله الرحالة الأوروبيون عن المدينة مثلاً Niccolo of Poggisboni في منتصف القرن الرابع عشر و Giorgio Gucci الفلورنسي بعده بقليل وBertrandon de la Brocquière في مطلع القرن الخامس عشر وغيرهم، الفصل الرابع يصف المدبنة وضواحيها، الفصل السادس يتحدث عن الشؤون الإدارية.

الفصل السابع والأخير يتحدث عن الحياة الفكرية والتي لا يمكن فصلها في هذا العهد عن الحياة الدينية. للتذكرة يعتبر الكثيرون القرن العاشر الميلادي "قرناً شيعياً" إذا جاز هذا التعبير إذ لدينا البويهيين في العراق وإيران، الحمدانيين في حلب، والفاطميين (أي الإسماعيليين)  في سوريا الجنوبية ومصر وشمال أفريقيا. يعترض البعض أن أغلبية المسلمين ظلت مع ذلك سنيّة وإن كان الحكام من الشيعة وفي كل الأحوال شهد القرن الحادي عشر ردة فعل سنيّة تحت السلاجقة وتابع الأتابك نور الدين مكافحة "الرافضة" قبل أن يجهز الناصر صلاح الدين على الخلافة الفاطمية في مصر ويعيد الدعاء على المنابر للخليفة العباسي المغلوب على أمره. استمر المماليك في هذه السياسة  وشهد عهدهم صعود نجم ابن تيمية الدمشقي 1263-1328 الفقيه الحنبلي. يختم الدكتور زيادة  فيقول أن وضع الحنابلة في دمشق تدهور بعد الغزو العثماني (باعتبار أن العثمانيين يتبعون مذهب أبي حنيفة) وظل ابن تيمية منسياً أو كاد في مدينته وبلده حتى أواسط القرن الثامن عشر عندما شهدت نجد ولادة الحركة "الإصلاحية" التي بشّر بها محمد ابن عبد الوهاب وساعده على نشرها آل سعود وبعدها بقرن من الزمن أسّس محمد ابن علي السنوسي في ليبيا حركة اصلاحية مماثلة وأخيراً وليس آخراً أعلن السلفي رشيد رضا ناشر ومحرّر مجلة المنار نفسه وريثاً لأفكار ابن تيمية الذي يمكن دون مبالغة أن نعتبر الأثر الذي تركه بعد مماته أهم وأخطر من الذي مارسه في حياته. 



نقولا زيادة



No comments:

Post a Comment