Wednesday, June 7, 2017

ماذا جرى في دمشق عام 1860 ومن كان المسؤول؟

لكل إنسان حق بإبداء رأيه وليس بتقديم هذا الرأي كحقيقة لا شك فيها. هذه ترجمة تقريبية لقول مأثور باللغة الإنجليزية "Every one is entitled to his own opinion, but not his own facts" يعزى لعضو مجلس الشيوخ الأمريكي الراحل Daniel Patrick Moynihan. جميعنا نعلم أن الآراء الفيسبوكية تقدم بمناسبة وغير مناسبة كحقائق وتتم مشاركة هذه "الحقائق" على أوسع نطاق في وسائل التواصل الاجتماعية دون تفكير ناهيك عن التحقق والتدقيق وفي النهاية تصبح أي رواية متواترة بما فيه الكفاية قرآناً منزلاً يستشهد به القاصي والداني لإثبات وجهة نظره وإفحام الخصوم والأقران والمزاحمين بسعة علمه وطول باعه وفضله. 

الخطوط العريضة لما يسمى طوشة النصارى (والتسمية الأدق مذبحة أو مجزرة) معروفة ولا داعي لتكرارها في هذه السطور القليلة وبالتالي سأقتصر على اقتباس "بوست فيسبوكي" بحذافيره  ودون تسمية صاحبه أو صاحبته ثم التعليق عليه من منظور شخصي هو بالنهاية ليس أكثر من رأي ضمن العديد من الآراء.

فلنبدأ بالإقتباس:

 تؤكد المؤرخة الأميريكية ليندا شيلشر صاحبة كتاب "دمشق في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر" في نهاية الفصل الذي كتبت فيه عن أحداث عام 1860 في دمشق أن تلك الأحداث لم تكن على أساس ديني أبداً حيث تقول:
(((ثمة الكثير من الإحتمالات التي يمكن أن تحمل المرء على اعتبار حوادث 1860 في دمشق من الحوادث التاريخية المحكمة. ومع ذلك، لا بد لنا من مواصلة البحث عن آلية "أو آليات" معينة ومركزية أطلقت شرارة أعمال الشغب صبيحة ذلك اليوم من تموز"9 تموز". ويتوجب علينا أن نوضح أمراً واحداً: إن ما لدينا هنا هو  انفجار صراع اجتماعي واجتماعي - اقتصادي واجتماعي - نفسي وسياسي، وليس حرباً طائفية. وهذا ما تؤكده حقيقتان أولاهما، ان جماعة معينة من المسيحيين فقط قد تعرضت للهجوم، بينما ترك المسيحيون الآخرون في سلام. وثانيهما، ان بعض المسلمين فقط قد قاموا بالهجوم، بينما قام المسلمون الآخرون بحماية المسيحيين وتقديم العون لهم)))
(الصفحة 126 من كتاب دمشق في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر للمؤرخة الاميريكية ليندا شيلشر، وهذا الكتاب يعد من المراجع المهمة وربما 
من أهمها في تاريخ سوريا الحديث ومازال يحتل مكانه فريدة بين الكتب التي تبحث في التاريخ الحديث لبلاد الشام)"

 انتهى الإقتباس


هنا أريد أن أبدي الملاحظات أو بالأحرى التحفظات التالية: 

أولاً. أعجب هذا البوست الكثيرين وكانت التعليقات عليه إيجابية إلى درجة العاطفية. ألم تقل خبيرة غربية في كتاب "يحتل مكانة فريدة" أن هذه "الأحداث" الأليمة "لم تكن على أساس ديني أبداً؟!"  شهد شاهد من أهله وقضي الأمر الذي كنتم فيه تختلفون! بالطبع لم تكن الدكتورة شيلشر المستشرقة الوحيدة التي أبدت هذا الرأي (إذا أردنا توخي الدقة فرأيها لم يكن بهذه الدرجة من الوضوح إذ كتبت فصلاً كاملاً عن مأساة 1860 اختار منها صاحب البوست أعلاه بضعة سطور أعجبته)  وأما عن الكتاب المحلييّن فحدّث ولا حرج. ما فات كاتب البوست والمعجبين الكثر بهذا البوست أن أغلب المستشرقين يركّزون على الخلفيّة الطائفيّة ولكننا كالعادة نختار منهم من يعجبنا ونضرب بآراء البقية عرض الحائط. 

ثانياً. كون "جماعة معينة من المسيحييّن فقط تعرضت للهجوم" وأن "بعض المسلمين فقط قاموا بالهجوم" لا ينفي أن جميع الضحايا عملياً كانوا مسيحيين وأن الأيدي التي تلوثت بدمائهم كانت بالدرجة الأولى أيدي مسلمة. الذي يبرّر تدمير الحي المسيحي بهذه الطريقة يمكن له أن يستعمل نفس الحجّة -ولربما بقوة أكثر- لتبرير القصف الفرنسي لسيدي عامود (الحريقة) عام 1925. نعم كانت الدول الأوروبية تبحث عن مصالحها ولربما شرحت بعض ممارساتها خلفية الفتنة ونعم استغلت هذه الدول المأساة لتعزيز نفوذها ولكن من قتل ونهب وحرق هم السوريون. 

ثالثاً. من المؤكد أن مسلمي اليوم أبرياء 1000% مما جرى قبل أكثر من قرن ونصف ومن المؤكد أن مسيحيي اليوم ليسو ضحايا هذه الأحداث: مات الجناة والمجني عليهم بل حتى أبنائهم وأحفادهم منذ أجيال فلم لا نحاول النظر إلى تاريخنا بقليل من الموضوعية والتجرد؟ هذا يشبه إنكار الأتراك لمذابح الأرمن في مطلع القرن العشرين أو محاولة تسويغها بأغرب التبريرات.  

رابعاً. قد يشير البعض أن تاريخ الغرب مليء بالمجازر الدينية وهذا قطعاً صحيح ولكن الغربيين اليوم لا يحاولون تبرئة ساحة محاكم التفتيش في إسبانيا والفتك بالبروتستاتت Huguenot في فرنسا واضطهاد الكاثوليك في انجلترا بذريعة تدخل الاستعمار والإمبريالية في شؤونهم.  

خامساً. هل يجادل عاقل أن العقلية القبلية والعشائرية والإقليمية والطائفية لا تزال متفشية في أبشع مظاهرها حتى يومنا هذا في سوريا و"العالم العربي"؟ كيف يمكن حل أي مشكلة لا نعترف بوجودها أصلاً؟ التدخل الأجنبي كان ولا يزال وسيبقى موجوداً ولكنه ممكن لأننا ضعفاء أولاً ولأننا نرفض النظر في المرآة ثانياً. 

سادساً. ليس ما حدث عام 1860 المثال الوحيد على مذبحة طائفية في تاريخ سوريا (ودون التطرق لما يحصل اليوم). إذا كان تاريخنا قبل "تدخل الإستعمار" سلسلة متصلة من التعايش الودي بين الطوائف فلم اعتصمت الكثير من الأقليات بالجبال منذ قرون وقرون؟ 

كل هذا لا ينتقص من أهمية كتاب الدكتورة Schilcher والذي يمكن مطالعة ترجمته بالمجان على الرابط أدناه ولكن مع كامل احترامي لوجهة نظرها فهي بالنتيجة إحدى العديد من وجهات النظر التي يجدر بنا مراجعتها إذا أردنا تسمية الأمور بمسمياتها عوضاً عن تحميل المسؤولية الكاملة للآخرين. 


http://home.earthlink.net/~schilchersupport/id1.html

https://drive.google.com/file/d/0B1ifv83-qBTyajI0RUVrNi12VUE/view

http://bornindamascus.blogspot.com/2017/05/blog-post.html



No comments:

Post a Comment