Monday, June 12, 2017

الحكم العثماني في دمشق 1708-1758

ينظر كثير من المؤرخين -لربما معظمهم-  في الشرق والغرب إلى العهد العثماني بعد موت سليمان القانوني عام 1566 كعهد انحطاط تدهورت فيه الإمبراطورية وبشكل مستمر من سيء إلى أسوأ إلى أن سقطت مع نهاية الحرب العالمية الأولى. من العدل أن يقال أن هذا التقييم مجحف ومبسط أكثر من اللزوم إذ اقتضت وفاة "الرجل المريض" -وهو تعبير استعمل للمرة الأولى في القرن التاسع عشر- 350 سنة بعد موت السلطان سليمان وبالتالي لربما لم يكن مريضاً لهذه الدرجة وعلاوة على ذلك لم تكن الإمبراطورية العثمانية هي الوحيدة التي سقطت عام 1918 ففي نفس العام سقطت ثلاث امبراطوريات غيرها: أعدائها التاريخيين في روسيا والنمسا وحليفها في الحرب العظمى ألمانيا. 

لا يجادل أحد أن أوج الإمبراطورية العثمانية كان في القرن السادس عشر عندما كانت ليس ققط أقوى الإمبراطوريات الإسلامية الثلاث (الأخريتان الإمبراطورية الصفوية في فارس والمغولية أو التيمورية في الهند) وإنما أيضاً أقوى ممالك أوروبا خاصة بعد احتلالها المجر في أعقاب معركة Mohacs عام 1526 ومن ثم حصار Vienna الأول عام 1529. تزايدت التحديات لسلطة القسطنطينية في القرن السابع عشر ولكنها ظلت تحكم أراض شاسعة في أوروبا وشمال أفريقيا وجنوب غرب آسيا واستطاع العثمانيون حصار Vienna للمرة الثاتية عام 1683 ولكن جهودهم تكللت بالفشل وتلى ذلك عدد من الهزائم كرستها معاهدة Karlowitz عام 1699 وخسر بها العثمانيون المجر إلى غير رجعة. 

يركز المؤرخ الأستاذ Karl Barbir في هذا الكتاب الصادر عن Princeton University Press عام 1980 على دمشق تحت العثمانيين في القرن الثامن عشر ويقول -على عكس أغلب الأخصائيين- أن هذا القرن أو على الأقل النصف الأول منه لم يكن بهذه الدرجة من السوء فعلى الصعيد الدولي هزم العثماتيون بطرس الأكبر الروسي وجمهورية البندقية ونجحوا في استعادة بلغراد وأما فيما يخص دمشق وهو موضوع الكتاب فقد أجروا مجموعة من الإصلاحات لتقوية السلطة المركزية واحتواء الجماعات المحلية (الأعيان والإنكشارية والبدو) وتنظيم قافلة الحج لتعزيز مكانة السلطان "كخادم الحرمين". 



كان إسهام دمشق في حروب الإمبراطورية التي لا نهاية لها محدوداً جداً فعلى سبيل المثال أرسلت المدينة 500 جندي للمساهمة في الحملة الأوروبية وحصار Vienna عام 1683 بينما بلغ تعداد الجيش العثماني ككل 350,000 جندي ونتيجة لذلك قررت السلطة المركزية في مطلع القرن الثامن عشر أن تعفي حاكم دمشق من المساهمة في الحروب وتحمله عوضاً عن ذلك مسؤولية الإشراف على قوافل الحج وتزويدها بما تحتاجه عن طريق جمع الضرائب اللازمة وحمايتها وخصوصاً من غارات البدو ونجح الولاة في القيام بهذه المهمة الشديدة الأهمية من الناحية المعنوية اعتباراً من عام 1708 عندما تولى نصوح باشا مقاليد الأمور وحتى 1757 عندما هلك الألوف من الحجاج من الحر والعطش وهجمات البدو وشّك الباب العالي بضلوع أسعد باشا العظم في هذه الكارثة مما كلفه رأسه. 

ولاة دمشق في النصف الأول للقرن الثامن عشر

هيمن آل العظم على ولاية دمشق لسنوات عديدة في مطلع ومنتصف القرن الثامن عشر مما حدى بالكثير من المؤلفين أن يربطوا بين صعود نجمهم وتدهور السلطة المركزية ولكنهم في الحقيقة كانوا ينفذون سياسات رسمت خارج دمشق في الأستانة وإن عززوا تفوذهم وجمعوا الثروات في نفس الوقت وهنا تجدر الإشارة أن سوريا -خلافاً لمصر- لم تستطع أن تستقل عن القسطنطينية لا إسماً ولا فعلاً إلا لفترات قصيرة وتحت ظروف معينة  ولكن عاصمة الإمبراطورية فقدت المبادرة مع نهايات القرن الثامن عشر تحت الضغوط الخارجية (الحرب مع روسيا القيصرية ومن ثم حملة بونابارت) والداخلية (تمرد المغامرين من أمثال ظاهر العمر)  وأعطت المزيد من حرية التصرف للولاة وعل أشهرهم الجزار باشا. قصة القرن التاسع عشر وعهد التنظيمات ودمشق قبل وبعد 1860 تخرج عن نطاق هذه الدراسة. 



No comments:

Post a Comment