Wednesday, June 7, 2017

دمشق التاريخية الحديثة

هجرت كثير من العائلات الدمشقية المدينة القديمة وبيوتها الشامية التقليدية باتجاه الضواحي والشقق الحديثة قبيل منتصف القرن العشرين وبالنتيجة أصبحت هذه المدينة موطناً للمهاجرين من أبناء الأرياف ومقصداً للسياح والمتسوّقين وأصبحت رغم أهميتها التاريخية والعاطفية والتراثية مترادفة لا شعورياً مع "الماضي المتخلف" وظل هذا الوضع سائداً حتى أواخر الثمانينات.

المطبخ الشامي غني عن التعريف ومع ذلك يبقى أقل شهرة من نظيره اللبناني أو التركي ولربما كان أحد الأسباب تفضيل الدمشقيين وإلى أمد قريب تناول الطعام في بيوتهم أما عن المطاعم فكان "أرقاها" موجوداً في ضواحي دمشق الحديثة وحتى خارج المدينة وكثير من هذه المطاعم كانت تقدم أطباقاً غربية كأفضل ما لديها.  

تغير هذا الوضع اعتباراً من بداية التسعينات عندما شرع الكثير من الدمشقيين "باكتشاف" المدينة القديمة عن طريق المطاعم التي غزت البيوت العربية (من أقدمها بيانو بار في باب توما) ونجحت الفكرة إلى حد كبير وتلت هذا المطعم مطاعم ركزت على الجو الشرقي والأطباق الشرقية إلى درجة أن إدارة شيراتون على سبيل المثال تبنت في النتيجة هذا النمط الشرقي الذي أثبت نفسه وكانت المسألة مسألة وقت قبل أن ينتشر هذا الطراز بمأكولاته وجوّه وأراكيله انتشار النار في الهشيم. تجدر هنا الإشارة أن "العودة إلى دمشق" لم تقتصر على المطاعم إذ امتدت أيضاً للنشاطات الثقافية المختلفة من التلفزيون والمسلسلات والأفلام "الوثائقية" إلى كتب نصر الدين البحرة وسهام ترجمان وناديا خوست وهلمجرا.  

الكتاب إصدار 2004 عن Indiana University Press والكاتبة الدكتورة Christa Salamandra وهي أخصائية بالعلوم الإنساتية Anthropology من جامعة Oxford. أمضت الدكتورة Salamandra سنة في دمشق عام 1987 لدراسة اللغة العربية وكان هذا بعد حصولها على إجازة في لغات وآداب الشرق الأدنى أما عن كتابها فقد استندت معلوماته إلى دراسة ميدانية أجرتها خلال إقامة سنتتين في العاصمة السورية من 1992 إلى 1994 قابلت فيها الكثير من وجوه المجتمع السوري مثل صادق العظم ونجاة قصاب حسن واستشهدت بآخرين: عفيف بهنسي ورنا قباني وخالد معاذ وكثير غيرهم. تتوزع فصول الكتاب الخمسة على 200 صفحة يتخللها عدد لا بأس به من الصور بالأبيض والأسود. 


غني عن الذكر أن ارتياد المطاعم والمقاهي لا يعني العودة فعلاً إلى دمشق القديمة و لا نرى لدى حتى أكثر محبي المدينة التاريخية الغيورين على تراثها أي رغبة في السكن فيها فالبيت العربي بالنسبة لهم لا يناسب الحياة الحديثة والمحافظة عليه في حالة جيدة عملية مكلفة للغاية وبالتالي تقتصر هذه "العودة" على "استهلاك اصطفائي" لتقاليد وأجه ثقافية معينة في سبيل "بناء هويّة" عن طريق الشراء والثياب والطعام ومراسم الخطبة والزواج وكيفية صرف أوقات الفراغ (صفحة 2) وحتى جمعية أصدقاء دمشق (تأسست عام 1977) اضطرت أن تعير الكثير من وقتها واهتمامها للمشاريع الثقافية والسياحية (صفحة 80) عوضاً عن التركيز على هدفها الأصلي ألا وهو الحفاظ على المدينة إذ وجدت الصراع مع سماسرة العقارات ومهندسي محافظة دمشق عملية صعبة ومضنية وبالطبع كان هناك من لجأ بكل بساطة إلى لوم حزب البعث وهنا (صفحة 84) يتهم أحد "الناشطين"  -بعد أن يؤكد أنه ليس طائفياً والعياذ بالله على الإطلاق- المسؤولين بتدمير الأحياء المسلمة عن قصد أو جهل  في الوقت الذي يحافظون فيه على الحي المسيحي وهذا وفقاً لمخطط Ecochard "المسيحي".   

علّ أحد أسباب هذه الطريقة التجارية الاستهلاكية في العودة إلى القديم تغير نخبة Elite  (أو على الأقل طبيعتها) السوريين في زمن لم يعد التعليم فيه بالضرورة علامة على مكانة المثقف الإجتماعية ولا وسيلة مضمونة لتحسين وضعه social mobility وأصبحت هذه  النخبة تعرض ثروتها في الفنادق الفاخرة والمطاعم والأعراس وملابس النساء والمآتم بل وحتى في شهر الصيام رمضان عن طريق مآدب الفطور والسحور.  





No comments:

Post a Comment