Tuesday, May 2, 2017

سياسات دمشق في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر

رأى هذا العمل باللغة الإنجليزية النور عام 1985 في منشور ألماني للدراسات الإسلامية. عدد صفحات الكتاب حوالي 250 يضاف إايها بضعة خرائط وقليل من الصور وأشجار عائلة أسر دمشقية معينة. يحتوي الكتاب على كم ضخم من المعلومات خاصة عن أبرز الأسر الدمشقية وقد ألحقت السيرة المهنية لمؤلفته الدكتورة Linda Schatkowski Schilcher وهي كما يبدو طليقة باللغات العربية والفرنسية والإنجليزية والألمانية علاوة على مؤهلاتها المهنية والأكاديمية. 



ترجم الكتاب السيد والسيدة عمرو ودينا الملاح إلى العربية عام 1998 ومن حسن الحظ أن الحصول على هذه الترجمة أسهل بكثير من النص الأصلي وقد أرفقت رابطها أدناه مع التحفظ أنه كقاعدة عامة يبقى الأصل أفضل من الترجمة (مع كامل احترامي لعمالقة المعربين ومنهم منير البعلبكي وسامي الدروبي وخيري حماد وكثير غيرهم) ولكن في حالة كتاب الدكتورة Schilcher  بالذات بذل المعرب والمعربة مشكورين جهداً كبيراً في التنقيح والتحقيق وليس فقط نقل العمل من لغة إلى لغة. 


تبدأ المؤلفة بالنعريف بمدينة دمشق من الناحية الجغرافية والبشرية والتاريخية والإقتصادية والتركيز طبعاً على دمشق العثمانية والتي قسمتها من الناحية الطبوغرافية إلى عدة "مناطق" متمايزة أهمها:

1. المستطيل المركزي الذي يقع شمال غرب المدينة القديمة داخل السور وهو مركز العائلات السنية والحياة التجارية والمدارس الدينية ويشمل بالطبع الجامع الأموي وقصر العظم. 
2. المنطقة العثمانية وتقع خارج سور وشمال غرب المدينة وفيها السرايا أو دار الوزارة والمشيرية وهي موضع تمركز الإنكشارية السلطانية.
3. المنطقة المحلية وتقع جنوب المدينة في حي الميدان وملحقاته وهي ممر ومخزن الحبوب الآتية من حوران إلى المدينة أو عبرها وتتمركز فيها الإنكشارية المحلية أو اليرلية والصوفيين. 

تركز المؤلفة على تضارب المصالح الإقتصادية بين المستطيل المركزي الذي يقع تحت هيمنة آل العظم وحلفائهم وبين المنطقة المحلية في الجنوب فمصلحة زعماء المستطيل تقتضي تأمين الحبوب الضرورية لتغذية المدينة وتعزيز تجارتها بثمن رخيص بينما يصدرون منتجات صناعة النسيج إلى الأسواق الخارجية أما مصلحة الجنوب فتكمن طبعاً في الحصول على أغلى ثمن ممكن لحنطتهم. ترجمت هذه الخلافات الإقتصادية بين الحين والآخر إلى مواجهات دامية أو على الأقل ساهمت فيها وعلى سبيل المثال تلك بين الوالي أسعد باشا العظم وفتحي أفندي الدفتردار والتي انتهت بقتل هذا الأخير و"إنتصار" المستطيل المركزي في أربعينات القرن الثامن عشر. مثال آخر في الإتجاه المعاكس تمرد عام 1831 عنما قتل الوالي سليم باشا على يد المحليين. 

المستطيل المركزي ونرى إلى الشمال والغرب المنطقة العثمانية وإلى الجنوب والغرب المنطقة المحلية
تعتبر المؤلفة صعود آل العظم نقطة علام في تاريخ سوريا الحديث وأنه ساهم ولو بشكل محدود في تكوين الهوية السورية وتعزو ذلك إلى ضعف القوة المركزية في قسطنطينية القرن الثامن عشر ولكن مع نهاية هذا القرن أفل نجم هذه العائلة ولو مؤقتاً ودخلت عوامل جديدة منها بروز نجم أحمد باشا الجزار والتغلغل الأوروبي ومع حلول القرن التاسع عشر أضيف إلى كل ذلك الغزو المصري بقيادة إبراهيم باشا في الثلاثينات.

شهدت الفترة التي تلت جلاء القوات المصرية عهد التنظيمات ومحاولة الدولة العثمانية لتعزيز السلطة المركزية وتزامنت مع أزمة إقتصادية ناجمة إلى حد كبير عن منافسة المصنوعات الأوروبية وهيمنة الصيرفة والتجارة ووسائل النقل الغربية. خصصت الكاتبة 20 صفحة لمجزرة عام 1860 وحاوات تحليل خلفيتها الإقتصادية ودون الدخول بالتفاصيل كان لهذه المأساة نتائج في منتهى الأهمية على المدى البعيد منها هجرة الكثير من مسيحيي دمشق إلى لبنان الذي اكتسب وضعاً خاصة تحت نظام المتصرقية وتغير من الناحية الديموغرافية والتجارية والقانونية.

على الصعيد الإقتصادي تزايدت أهمية "المحليين" في الجنوب وحي الميدان كنتيجة لهيمنة تجارة الحبوب على صادرات دمشق على حساب الصناعات النسيجية التي عجزت عن منافسة المنتوجات الغربية وتزامن هذا مع تعزيز قوة السلطة المركزية العثمانية بعد 1860 وتعين على أعيان دمشق بغض النظر عن خلفيتهم أن يلتمسوا الوظائف المغرية في البيروقراطية العثمانية وحماية أجهزة الدولة ومؤسساتها بهدف الحفاظ على مصالحهم وامتيازاتهم والتأقلم مع الوضع الجديد والأزمنة المتغيرة.

النصف الأخير من الكتاب مخصص للطبقات والعائلات الدمشقية فبالنسبة للطبقات تقسمها المؤلفة إلى سبعة: 1. الميليشيات وآغواتهم 2. العلماء ورجال الدين 3. الأشراف (الذين ينسبون إلى النبي محمد) 4. الصوفيين 5. الحرفيين وهم الأكثر عدداً والأهم من الناحية الإقتصادية على الأقل تاريخياً 6. التجار 7. المهاجرين للمدينة من القرى والبادية. الفصل الأخير والأطول من الكتاب مخصص لتفصيل أصول وأفراد وسيرة عائلات الطبفات الثلاث الأولى على اعتبار أنه يوجد معلومات كافية عن هذه الطبقات وليس الحال كذلك في الطبقات الأربعة المتبقية.

يرأس طبقة الآغوات بالطبع آل العظم وينتمي إليها أيضاً آل البارودي وشمدين واليوسف والعابد وكأمثلة من طبقة العلماء هناك عائلات البكري والمرادي والغزي والسيوطي والشطي والأسطواني وتحرص الكاتبة على فرزهم حسب المذاهب الفقهية التي يمثلونها: الحنفي (وهو مذهب العثمانيين) والشافعي (مذهب أغلب الدمشقيين قبل العهد العثماني) والحنبلي (معقله الصالحية من الناحية التاريخية) والمالكي. أما عن الأشراف فعلى سبيل المثال وليس الحصر هناك آل الكيلاني والعجلاني والكزبري. أضافت الكاتبة في النهاية من أسمتهم بالقادمين الجدد وهم آل مردم وآل الجزائري (الأمير عبد القادر). 

يبقى هذا العمل الضخم مجهوداً فردياً وبالتالي فيحتوي عل عدد من الأخطاء في التواريخ والطبوغرافية مما كان من السهل تلافيه بمراجعة وتدقيق الكتاب وعلى سبيل المثال صفحة 143 تورد تاريخ وفاة خالد العظم عام 1970 والصحيح عام 1965. قمت بمراجعة الصفحات الموافقة من الترجمة العربية 177-178 كي أتحقق إذا صحح المترجمان هذه الهفوة ومع الأسف اكتشفت أنهما عوضاً عن ذلك قاما بحذف الفقرة المتعلقة بخالد بك بالكامل وعلى ما يبدو كان للرقابة دور في هذا الصدد. 

إضافة إلى ذلك يجب التوكيد على أن هذا العمل على اتساعه ليس شاملاً إذ كافة العائلات المذكورة عملياً مسلمة سنية وإذا ذكر أشخاص مسيحيون أو يهود فهذا بشكل عابر وثانوي ولشخصيات لا يمكن تجاهلها مثل حاييم فارحي وحنا بحري. حتى العائلات السنية البارزة ليست جميعها بالضرورة مفصلة ومبوبة  وعلى سبيل المثال آل القوتلي. 

مع هذه التحفظات يبقى هذا المرجع القليل الشهرة والإنتشار أساسياً إن لم يكن فريداً. للمؤلفة بالدرجة الأولى وللمترجمين بعدها الفضل والشكر والتقدير. 

http://home.earthlink.net/~schilchersupport/id1.html

https://drive.google.com/file/d/0B1ifv83-qBTyajI0RUVrNi12VUE/view

4 comments:


  1. Lara-Amr Mallah
    Lara-Amr Mallah · 3 mutual friends
    1/3
    الدكتور هيثم قدح المحترم

    تحية وتقديراً،

    قرأت باهتمام بالغ مدونتكم القيمة التي تناولتم فيها كتاب المؤرخة الدكتورة ليندا شيلشر المعنون في أصله الإنكليزي بـ (Families in Politics: Damascene Factions and Estates of the 18th and 19th Centuries).

    والواقع أني كنت أتمنى عليكم، وأنتم فيما أعلم ممن يحرصون على الأمانة العلمية والموضوعية، أن تكونوا أكثر إنصافاً في تقويمكم للترجمة العربية للكتاب المذكور، التي كنت قد نهضت وشقيقتي دينا الملاّح بأعبائها، وأصدرناها بدمشق في العام 1998 بعنوان "دمشق في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر".

    ولعلي أشير إلى أن عملنا في تعريب هذا الكتاب لم يقتصر على النهج الذي عادة ما يأخذ به المترجمون، إذ يكتفون بنقل النصوص من لغة إلى أخرى، وإنما كان أقرب إلى التحقيق والتوثيق، وتضمن مقدمة وشروحاً على النص المترجم. وذلكم هو أمر لمسته مؤلفة الكتاب الدكتورة شيلشر بنفسها، والتي قرظت الترجمة العربية في سيرتها الذاتية المتاحة على الشابكة، منوهة بأن "المراجعات التي تضمنتها الطبعة العربية توفر الأساس لطبعة إنكليزية ثانية للكتاب" [http://home.earthlink.net/~schilchersupport/id1.html].

    وأحسب أن قولكم "يبقى هذا العمل الضخم مجهوداً فردياً وبالتالي فيحتوي عل عدد من الأخطاء في التواريخ والطبوغرافية مما كان من السهل تلافيه بمراجعة وتدقيق الكتاب" (انتهى الاقتباس من مدونتكم)، إنما يوحي للقارئ العادي أن ضبط أسماء الأعلام والأنساب والأماكن، وما أكثرها في هذا الكتاب، إنما هو أمر يسير.

    ولا يخفى عليكم، أستاذنا الفاضل، وأنتم ممن يهتمون بالدراسات التاريخية، أن ضبط الأسماء إنما هو علم قائم بذاته وله أصوله وقواعده. فضلاً عن أن قيامنا بضبط الأسماء الواردة في الكتاب كان أمراً شاقاً ودونه صعوبات جمة عملنا على تجاوزها وتذليلها بعد جهد، وحسبكم أن تعلموا أنه في التسعينيات لم تكن هناك مراجع متاحة إلكترونياً، ناهيكم عن الافتقار إلى إمكانية الوصول إلى المكتبات الرقمية والبحث فيها؛ وذلك بخلاف ما هي عليه الحال في يومنا هذا.
    Dr. Schilcher's Vita
    Dimashq fi Qarnain al-Thamin-ashara wa-l-Tisa-ashara.Der Nahe Osten in der Zwischenkriegszeit 1919-1939. Die Interdependenz von Politik, Wirtschaft und IdeologieThe Middle East in the Inter-War Period 1919-1939. The Interdependence of Politics, Economy and IdeologyFamilies in Politics. Damascene Est...
    HOME.EARTHLINK.NET

    ReplyDelete
  2. Lara-Amr Mallah · 3 mutual friends
    2/3
    وكم كنت أتمنى، وقد تجشمتم مشكورين عناء مقابلة النص الأصلي للكتاب بالترجمة العربية، أن تشيروا إلى الجهد الواضح الذي بذلناه في الطبعة العربية في الاستعانة بالعديد من الكتب المرجعية التي لم تكن متاحة للمؤلفة الدكتورة شيلشر حينما صدر كتابها الأصلي، وهو أمر تمثل في جلائنا لبعض الأوهام التي وقعت فيها، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، خلطها بين موظف عثماني يدعى عثمان بك كان يشغل منصب رئيس مجلس إدارة الولاية بدمشق في أعقاب حوادث العام 1860، وعثمان بك مردم بك أحد أعيان المدينة في الفترة ذاتها، واعتبارها لهما شخصاً واحداً، مستعينين في ذلك بمذكرات الشيخ محمد سعيد الأسطواني التي حققها حفيده الدكتور أسعد الأسطواني وأصدرها بدمشق في العام 1994 بعنوان "مشاهد وأحداث دمشقية في منتصف القرن التاسع عشر" [الترجمة العربية، ص 127-128، 249].

    ومما تجلى أيضاً في تصويبنا للمخططات الطبوغرافية للمدينة، مستعينين في ذلك بأعمال مؤرخين وآثاريين مرموقين، من أمثال النعيمي، وطلس، والمنجد، وطوير، والريحاوي، والشهابي، والعلبي [الترجمة العربية ص 279-295]. والأمر ذاته ينسحب على مشجرات الأسر المنشورة في الكتاب التي كان بعضها في الأصل الإنكليزي أشبه بمخططات أولية؛ فحرصنا على ضبطها واستكمال ما فيها من نواقص بالرجوع إلى كتب التراجم العربية، وما وصل إلينا من مشجرات مخطوطة تفضلت بعض الأسر الكريمة بإطلاعنا عليها، من أمثال آل العظم، والمهايني، والأسطواني، والكيلاني، وتقي الدين الحصني، ومردم بك.

    ReplyDelete
  3. Lara-Amr Mallah · 3 mutual friends
    3/3
    وأما قولكم "ومن حسن الحظ أن الحصول على هذه الترجمة أسهل بكثير من النص الأصلي وقد أرفقت رابطها أدناه مع التحفظ أن الأصل يبقى أفضل من أي ترجمة" (انتهى الاقتباس من مدونتكم)، ووقوفكم على الخطأ الذي وقعت فيه المؤلفة في تحديد تاريخ وفاة دولة الرئيس خالد بك العظم، فما كان منكم إلا القيام على حد وصفكم "بمراجعة الصفحات الموافقة من الترجمة العربية 177-178 كي أتحقق إذا صحح المترجمان هذه الهفوة ومع الأسف اكتشفت أنهم عوضاً عن ذلك حذفوا الفقرة المتعلقة بخالد بك بالكامل وعزز هذا قناعتي التي أشرت إليها أعلاه أن الأصل يبقى في أغلب الأحوال أفضل من أحسن ترجمة" (انتهى الاقتباس من مدونتكم)، فإنما يوحي للقارئ أن الطبعة العربية لهذا العمل تتضمن ترجمة حرة ومتصرفة، ويلقي ظلالاً من الشك على مدى حرص المترجمين على نقل النص المصدر بأمانة.

    في حين أن المشتغل في الترجمة أو الأخصائي فيها لا يملك إلا أن يلحظ مبلغ توخينا الدقة في ترجمة متن الكتاب، حتى إننا تركنا بعض الأخطاء التي وقعت فيها المؤلفة الدكتورة شيلشر في تحديد مواقع بعض معالم المدينة على حالها، ووضعنا الوجه الصحيح إما مباشرة بالمتن ضمن حاصرتين حرصاً منا على عدم إثقال النص بالهوامش، أو نبهنا إلى ذلك في الحواشي حيثما اقتضى الأمر ذلك، متوخين الإيجاز والاختصار مع ذكر المصادر مذيلة بعبارة "المترجم ع. م"، على نحو ما تقتضيه أصول الترجمة وقواعد تحقيق النصوص.

    وأما بعض الفقرات والجمل التي اضطررنا مكرهين إلى حذفها في الطبعة العربية بناء على طلب من "الرقيب"، فهي محدودة جداً وتتناول وقائعاً وأحداثاً من التاريخ القريب، ومتأخرة زمنياً عن الفترة موضوع البحث.

    وختاماً، لا يسعني إلا أن أؤكد أن ترجمة هذا الكتاب المرجعي قد استغرقت منا الكثير من الوقت والجهد لكي تأتي في بيان عربي سليم، وحرصنا على أن يكون عملنا فيها أقرب إلى التحقيق والتوثيق قدر استطاعتنا؛ فإن أصبنا فلنا أجران وإن أخطأنا اكتفينا بأجر واحد.

    مع أصدق التمنيات لشخصكم الكريم،،

    عمرو عبدالإله مرعي الملاّح

    ReplyDelete
  4. Hayssam Kadah
    سيدي الكريم. تبقى أنت والسيدة شقيقتك أصحاب فضل وأسبقية ومما لا شك فيه أن النقد (كما فعلت أنا) أسهل بكثير من الإبداع (كما فعلت الدكتورة ششلر وفعلتم) ومن المؤكد أنكم صرفتم من الوقت والجهد في هذا العمل على ترجمة الكتاب أضعاف مضاعفة مما فعلت أنا في مراجعته. شكراً لك جزيلاً على ردك الجميل وشرحك الوافي ورحابة صدرك وسأقوم بعد إذنك بإضافته كتعليق على مدونتي. دمتم لدمشق وسوريا مع تقديري واحترامي.

    ReplyDelete