Friday, November 30, 2018

سياسات الجامع الأموي

أهميّة الجامع الأموي التاريخيّة كمركز دمشق الديني غنيّة عن التعريف وهي بالطبع استمرار لدور العبادة التي سبقته على نفس الموضع منذ العهد الآرامي. للجامع أيضاً وظائف ثانويّة وإن كانت بالغة الأهميّة بحدّ ذاتها فهو بيت المال الامبراطوري أوّلاً (قبّة الخزنة وهي تقليد سوري وصفه Max Van Berhem أيضاً في حمص وحماة)، ومحلّ السلطة السياسيّة ثانياً إذا أخذنا بعين الاعتبار وجود قصر الحاكم من خضراء معاوية إلى قصر أسعد باشا العظم جنوب الجامع. عن الوظيفة التعليميّة يمكن ذكر المدارس التي تحلّق فيها التلامذة حول أساتذتهم والعلماء الذين اتّخذوا الأموي مقرّاً كالغزالي. 

لخطبة الجمعة أبعاد دينيّة وروحيّة واجتماعيّة وسياسيّة ناهيك عن الإعلانات الدوريّة عن خلع نائب وتعيين آخر وأخبار الانتصارات وهلمّجرّا. جرى نقش المراسيم في العهد المملوكي على لوحات رخاميّة أو على سواري أعمدة الجامع حتّى يشاهدها أكبر عدد ممكن من الناس وخاصّة عندما تتعلّق بإلغاء ضرائب جائرة بهدف إرضاء الناس أو على الأقلّ امتصاص نقمتهم.



يقع العمود في الصورة في الدهليز الغربي والنقش الكتابي مرسوم للسلطان الملك الظاهر سيف الدين جقمق (١٤٣٨-١٤٥٣) بتاريخ رجب ٨٤٤ الموافق كانون ثاني ١٤٤٠ يقيل فيه أحد المشايخ من منصبه.     


http://bornindamascus.blogspot.com/2018/11/blog-post_5.html

Degeorge: La grande mosquée des Omeyyades à Damas

https://gallica.bnf.fr/ark:/12148/bpt6k147418p/f5.image.texteImage

Saturday, November 24, 2018

ساعة باب جيرون

يصف الدكتور عفيف بهنسي في كتابه بالفرنسيّة عن جامع دمشق الأموي (١) ساعة باب جيرون كما يلي:

يوجد غرفة جدارها مبلّط خارج باب جيرون على اليمين تحتوي على ساعة وصفها ابن جبير (رحّالة أندلسي من القرن الثاني عشر للميلاد) كصندوق من النحاس الأصفر على وجهه الأمامي نصف دائرة كبيرة ينفتح تحتها قوسين أصغر منها لهما فجوات يكافىء عددها عدد الساعات وتحت كلاً من هذين القوسين صقر من النحاس الأصفر يعلوا إناءً من نفس المعدن. يغلق مصراع نافذته الموافقة كلّما انقضت ساعة ويسقط من منقار الطيور وزن نحاسيّ في الإناء محدثاً رنيناً. تختلف الآليّة في الليل عندما تدلّ على الساعة مصابيح متوضّعة خلف اثني عشر فتحة دائريّة في نصف الدائرة العلويّة يسدّها زجاج أحمر .



يرفق الدكتور بهنسي الشرح بمخطّط مبسّط للعلّامة محمّد أحمد دهمان مأخوذ من دراسة رضوان ابن الساعاتي قبل ثمانية قرون ويستمرّ فيقول أنّ مخترع الساعة "رائد الفضاء" astronaute (المقصود طبعاً عالم الفلك astronome وهذا أحد أخطاء الترجمة والتهجئة في هذا الكتاب القيّم وهي مع الأسف ليست بالقليلة) ابن الشاطر (القرن الرابع عشر) كان رئيس المؤذّنين في الجامع الكبير وأنّ اختراعه لم يعط ما يستحقّه من الأهميّة لفترة طويلة حتّى أتى الأجانب وزعموا أنّهم أصحابه.

لا أدري كيف وقع العالم الكبير الراحل الدكتور بهنسي في خطأ تاريخي من هذا النوع وبهذا الحجم. أمّا أنّ ابن الشاطر اخترع ساعة لمئذنة العروس في الجامع الأموي (كتب عنها الدكتور عبد القادر الريحاوي رحمه الله) فهذا قطعاً صحيح ولكنّها كانت ساعة شمسيّة لا علاقة لها بساعة باب جيرون الميكانيكيّة التي وصفها ابن جبير لا كثيراً ولا قليلاً (٢). للجامع الأموي ساعة ثالثة وهي الأقدم من عهد الوليد ابن عبد الملك وأرفق أدناه روابطاً لمن يرغب بالتوسّع. 



1. http://bornindamascus.blogspot.com/2018/11/blog-post_5.html

2. http://bornindamascus.blogspot.com/2018/05/blog-post_29.html

3. https://books.google.com/books?id=r5f8kxIyykQC&printsec=frontcover&source=gbs_ge_summary_r&cad=0#v=onepage&q&f=false

Friday, November 23, 2018

مهمّة فؤاد باشا في دمشق ولبنان

دمار الحيّ المسيحي في دمشق


واجهت القسطنطينيّة وضعاً لا تحسد عليه غداة مجزرة ١٨٦٠: آلاف من القتلى والجرحى والأيتام والثكالى وعشرات الآلاف من النازحين ودمار في كلّ حدب وصوب وكلّ هذا خلال أسابيع معدودة. أضف إلى ذلك الخطر الماثل أبداً للتدخّل الأوروبي -خصوصاً فرنسا ونابوليون الثالث- بحجّة حماية الأقليّات وهدف الاستيلاء على أملاك الدولة العثمانيّة في غرب آسيا. لربّما كان من الممكن تجنّب هذا التدخّل لو اقتصر الموضوع على جبل لبنان ولكن امتداده إلى دمشق أدّى إلى سخط الرأي العامّ (أي الصحافة) في أوروبا حتّى في البلاد التي ربطت حكومتها بالباب العالي علاقات ودّية للغاية كبريطانيا العظمى. 

نعيّن على السلطان إذاً أن يعمل بسرعة ليستبق التحرّك الديبلوماسي-العسكري الغربي ولحسن الحظّ وقع الخيار على فؤاد باشا  -سياسي من الطراز الأوّل- كمبعوث استثنائي للمناطق المنكوبة أعطي صلاحيّات مطلقة مع ١٥-١٦ ألف جندي تحت تصرّفه ليحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه. تلخّصت مهمّة فؤاد باشا بإغاثة ضحايا الحرب وإعادة بناء المناطق المدمّرة ومعاقبة المذنبين وأخيراً -خصوصاً- عدم ترك أي عذر للغرب للتدخّل. نجح الرجل في مهمّته إلى حدّ كبير خصوصاً في دمشق التي لم يدّخر وسعاً لإبقاء الفرنسييّن أبعد ما يمكن عنها وعن سوريا الداخليّة بينما كان أقلّ نجاحاً في جبل لبنان ولا عجب فقبضة الدولة على الداخل أقوى بكثير من الساحل تاريخيّاً ولعدّة أسباب (جغرافيّة بالدرجة الأولى) قديمة قدم التاريخ.    

ساعد الباشا والباب العالي إلى درجة كبيرة تناحر القوى الأوروبيّة خصوصاً فرنسا وبريطانيا فالأولى كانت تنادي بالويل والثبور وعظائم الأمور والتدخّل السريع لحماية المسيحييّن بينما الثانية تحاول جهدها الدفاع عن الدروز وتميل إلى تحميل الموارنة قسماً من المسؤوليّة في لبنان أمّا عن فؤاد باشا فقد مال إلى الصرامة في عقاب دمشق -التي كانت حريّة حركة اسطنبول فيها أكثر والحفاظ عليها تحت السبطرة المباشرة للحكومة المركزيّة لا يزال في حيّز الإمكان- واللين مع الدروز في جبل لبنان لاعتبارات عمليّة كثيرة منها نقص موارد الدولة ووعورة الأرض وقرب الأساطيل الأوروبيّة. 

وصل فؤاد باشا إلى بيروت في ١٧ تمّوز ١٨٦٠ ومن ثمّ دخل دمشق بصورة رسميّة مهيبة في ٢٩ منه معلناً استعداده لقصفها في سبيل استتباب الأمن عند الضرورة. أصاب الذعر مسلمي دمشق وتمّ اعتقال المئات من المشبوهين تلاه إعدامات بالجملة في الميدان الأخضر مع أحكام بالنفي والسخرة. بشكل علم عومل أعيان المدينة برفق وأمّا الوالي أحمد باشا فقد حكم عليه بالإعدام وأعدم ولربّما كان هذا لضرورة إيجاد كبش فداء على مستوى رفيع لإحداث انطباع إيجابي لدى الأوروبييّن. فرضت على مسلمي دمشق -باستثناء من ساعد أو حاول مساعدة المسيحييّن خلال المجزرة- غرامة ماليّة وأخليت بيوت في الأحياء الإسلاميّة لوضعها تحت تصرّف المسيحييّن وقطعت ١٣٠٠٠٠ شجرة بهدف إعادة إعمار الحيّ المسيحي. أمر العثمانيّون الجناة بردّ السبايا اللواتي أجبرن على اعتناق الإسلام. 

صدر على سعيد جنبلاط في لبنان الحكم بالإعدام ومات بالنتيجة مريضاً بالسلّ في السجن ولكن أحداً لم يعدم في نهاية المطاف بين الدروز وإن تمّ وضع منازلهم تحت تصرّف المسيحييّن. أرسل الفرنسيّون في آب ١٨٦٠ بعثة عسكريّة بقيادة الجنرال المركيز Charles de Beaufort d'Hautpoul ولكنّه لم يكن ندّاً لفؤاد باشا الذي نجح بأسلوبه التفاوضي الكيّس واللعب على الظروف الإقليميّة والدوليّة في "اقناع" الفرنسييّن بعدم الاقتراب من دمشق وقام هؤلاء بسحب جنودهم من لبنان في حزيران من العام التالي دون إنجازات تستحقّ الذكر رغم تطبيل وتزمبر سياسييّهم ومتسيّسيهم. 

من تداعيات الأزمة على المدى الطويل نزوح كثير من المسيحييّن من دمشق وجبل لبنان إلى الساحل وما ورائه (مصر مثلاً) بينما نزح كثير من دروز جبل لبنان إلى حوران. بالنسبة للبنان بالذات كان خلق المتصرفيّة عام ١٨٦١ أهمّ تبعات الفتنة الطائفيّة وقدّر لها الاستمرار حتّى الحرب العالميّة الأولى إلى أن أتى الفرنسيّون بدولة لبنان الكبير في مطلع عهد الانتداب ولكن لهذا حديث آخر. 


https://books.google.com/books?id=nE7RjS91_E4C&printsec=frontcover&source=gbs_ge_summary_r&cad=0#v=onepage&q&f=false

http://bornindamascus.blogspot.com/2018/11/blog-post_19.html

http://bornindamascus.blogspot.com/2018/11/blog-post_20.html

http://bornindamascus.blogspot.com/2018/11/blog-post_21.html

http://bornindamascus.blogspot.com/2018/11/blog-post_22.html

Thursday, November 22, 2018

طوشة النصارى



تحديد هويّة من اعتدى على من في دمشق عام ١٨٦٠ أسهل بكثير منه في جبل لبنان. تمتّع مسيحيّو لبنان وخصوصاً الموارنة بتفوّق عددي وكانوا مسلّحين شأنهم في ذلك شأن الدروز بغضّ النظر عن هزيمتهم في المعارك وعن دمار قراهم التي هلك فيها كثيرون معظمهم من الأبرياء. بالمقابل مسيحيّو دمشق كانوا أقليّة عزلاء لا ناقة لها ولا جمل في حرب لبنان اقتصرت "ذنوبهم" على معتقداتهم وازدهارهم الاقتصادي النسبي واستياء المسلمين من تنظيمات القرن التاسع عشر العثمانيّة (وقبلها إجراءات ابراهيم باشا في الثلاثينات من نفس القرن) التي أعطتهم حقوقاً كانت في الماضي حكراً على المسلمين وأخيراً -وليس آخراً- حماية الأوروبييّن لهم أو على الأقلّ المتاجرة بحمايتهم. 

بالمقابل لا يوجد دليل  مقنع على تواطؤ أحمد باشا والي دمشق في المأساة وضلوعه في المذبحة رغم كلّ ما كتب في الصحافة الأوروبيّة المولعة دائماً وأبداً بالتقليل من شأن العثمانييّن -جميع العثمانييّن- وتحميلهم مسؤوليّة كلّ بلايا الشرق الأدنى. ما لا شكّ فيه أنّ زمام الأمور أفلت بسرعة غير متوقّعة عن سيطرة أحمد باشا الذي تفاعل إجمالاً مع الأحداث بعد وقوعها عوضاً عن أن يستبقها. يمكن للمراقب المنزّه في أسوأ الأحوال أن يتّهمه بالإهمال وبأنّه -شأن كثير من أقرانه وقتها- كان الرجل الغير مناسب في المكان غير المناسب في الوقت غير المناسب. 

أودّ منذ البداية إيضاح رأيي الشخصي في طبيعة المأساة لإزالة كلّ التباس (١): المجزرة طائفيّة بامتياز بغضّ النظر عن الخلفيّات والعوامل المساهمة. مع خالص احترامي لجميع من ينفي الدوافع الطائفيّة للمجزرة أو يحاول تقليل دورها, عندما ينتمي جميع الجناة لطائفة أو طوائف معيّنة ويكون جميع الضحايا من طائفة أو طوائف ثانية ويكون عددهم بالآلاف فالجريمة طائفيّة ومحاولة تبريرها بغير ذلك مجرّد سفسطة. هل يتقبّل المسلمون -حتّى اليوم- تبرير طرد أسلافهم من إسبانيا بأعذار تنفي العامل الديني؟ّ! يقول المثل الإنجليزي: If it looks like a duck, swims like a duck, and quacks like a duck, then it probably is a duck إذا كان لكائن ما منظر البطّة وإذا سبح كالبطّة وأصدر أصواتاً كالبطّة فعلى الأغلب يكون بطّة. 

فلننظر الآن إلى التسلسل الزمني.

أمّ العديد من اللاجئين المسيحييّن دمشق فراراً من مجازر جبل لبنان بما فيهم أهل الزبداني (١٣ حزيران) الذين أصابهم الهلع والناجون من راشيّا وحاصبيّا ومعظمهم من النساء والأطفال وانضمّ إليهم كثير من الفلّاحين الهاربين من مناطق لم تعد الطرقات المؤدّية إليها آمنة. نتج عن هذا ضائقة في الحيّ المسيحي رغم عون الكنائس والقنصليّات الأجنبيّة وبعض فاعلي الخير من المسلمين وعلى رأسهم الأمير عبد القادر الجزائري. بالنسبة لدهماء المدينة فقد ساء كثير منهم مشهد النازحين البائس في الطرقات عوضاً أن يثير تعاطفهم ولم يخفى التوتّر المتزايد عن ممثلّي أوروبا الذين مارسوا الضغط على أحمد باشا لضمان حماية المسحييّن وطمأنهم هذا الأخير أنّ الأمن مستتبّ وأنّه يستطيع السيطرة على الوضع. أتبع الوالي الأقوال بالأفعال وقام بتعزيز حماية الحيّ المسيحي ونصب المدافع على أسوار القلعة وأمام الجامع الأموي إضافة إلى منع بيع الأسلحة لأطراف النزاع في لبنان. 

اندلعت الشرارة التي أشعلت نيران الفتنة في ٨ أو ٩ تمّوز عام ١٨٦٠ عندما تحرّش بعض الصبية المسلمين بالمسيحييّن بتجاوزات تافهة (كانت كما تبيّن لاحقاً أكثر من كافية في الجوّ المشحون آنذاك) من نوع ربط صلبان في ذيول الكلاب أو تعليقها قلادة على رقبة الحيوانات وهلمّجرّا. تلخّص ردّ فعل المسيحييّن بوفد من وجهائهم (حنّا فريج وأنطون شاميّة ومتري شلهوب) إلى أحمد باشا للشكوى من تصرّف الأولاد واستجاب الوالي بالقبض على الفعلة وتكبيلهم بالأصفاد وإرسالهم مخفورين مع مهمّة سخرة لكنس الحيّ المسيحي. 

ليست معاقبة الصبية بهذا الشكل العلني (اعتبرها المسلمون إذلالاً لا مبرّر له) أو الاكتفاء بتوبيخهم من وراء الكواليس لبّ القصيد. الموضوع كان ببساطة محاولة الباشا ردع الغوغاء وإعطاء عبرة لمن تسوّل له نفسه الإخلال بالأمن عن طريق قصاص الأولاد دون أن يكون لديه القوّة أو الجرأة الكافية لمواجهة تمرّد عامّ وقمعه برباطة جأش ودون رحمة إذا تطلّب الأمر.  سار الجنود مع الأسرى في شوارع دمشق وخلال فترة قصيرة التفّ الناس حولهم وطالبوهم بفكّ أغلال اليافعين وعندما رفضوا ضربوهم وأطلقوا سراح المشاغبين عنوة ورفعوا عقيرتهم بالصراخ لتأليب الحشود ضدّ المسيحييّن. انتشرت الشائعات في المدينة انتشار النار في الهشيم وتدفّق رعاع أحياء الصالحيّة والشاغور والميدان والقرى المحيطة بما فيهم الأكراد ودروز جرمانا على الحيّ المسيحي. لم يستثن السعار الجنود -نظامييّن وغير نظامييّن- الذين انضمّوا إلى أوباش المدينة عندما فقد ضبّاطهم السيطرة عليهم. 

أحرقت الكنيسة المريميّة فأصبحت قاعاً صفصفاً مع بقيّة الحيّ المسيحي الذي قام أشباه البشر "بتعفيشه" قبل أن يضرموا فيه النار. انتهكت البعثات التبشيريّة الغربيّة ودمّرت القنصليّات الروسيّة والفرنسيّة والهولنديّة و النمساويّة والبلجيكيّة والأمريكيّة بينما نجت الإنجليزيّة (شمال الأموي) والبروسيّة (قرب سوق الأروام) لبعدها عن مسرح الأحداث ليس إلّا. عدد القتلى يتفاوت كثيراً حسب المصدر من ٥٠٠ إلى عشرة آلاف ناهيك عن سبي نساء وأطفال أجبروا على "اعتناق" الإسلام. نجا الدكتور ميخائيل مشاقة بأعجوبة ومزيج من غريزة الحياة وسعة الحيلة وعون الأمير عبد القادر أمّا هذا الأخير فقد بذل قصارى جهده لحماية المسيحييّن وفتح لهم بيته الذي طوّقه المخبولون قبل تشتّتهم عندما هدّدهم بطل الجزائر المدعوم بعسكره المغاربة المرهوبيّ الجانب بإطلاق النار. 

احتمى المسيحيّون بالقلعة وهرب بعضهم من دمشق إلى دير صيدنايا الذي هاجمه المتمرّدون دون نجاح. استمرّ القتل والنهب ثمانية أيّام متتالية زال الحيّ المسيحي خلالها من الوجود. طال الدمار كافّة البيوت المسيحيّة عمليّاً باستثناء الواقعة منها خارج الحيّ القديم (قام آل المهايني والعابد على سبيل المثال بحماية مسيحييّ الميدان). 

يستمرّ البعض بعد مرور قرن ونصف على الكارثة بالتوكيد أنّ مجزرة ١٨٦٠ لم تكن في جوهرها طائفيّة وليس هذا في اعتقادي إلّا محاولة محزنة ولربّما لا شعوريّة لإلقاء اللوم على الغير وإفراغ كلمة "طائفيّة" من أي معنى أو مدلول من الناحية اللغويّة. 

للحديث بقيّة. 


1. http://bornindamascus.blogspot.com/2017/06/1860_7.html

2. https://books.google.com/books?id=nE7RjS91_E4C&printsec=frontcover&source=gbs_ge_summary_r&cad=0#v=onepage&q&f=false

3. http://bornindamascus.blogspot.com/2018/11/blog-post_19.html

4. http://bornindamascus.blogspot.com/2018/11/blog-post_20.html

5. http://bornindamascus.blogspot.com/2018/11/blog-post_21.html

  

Wednesday, November 21, 2018

مجزرة ١٨٦٠

كلّما قلّ العدد كلّما زادت العصبيّة. صادفت مثالاً على هذه القاعدة في معسكر التدريب الجامعي في الديماس في أواخر السبعينات عندما قامت حفنة من الطلّاب الشوام بضرب طالب من دير الزور بعد تلاسن لا أدري من بدأه ولا مبلغ تفاهته من جدّيّته. خلال فترة قصيرة تجمّع كلّ الطلّاب من أهل الدير في المعسكر وتسلّح بعضهم بالعصي و"زحفوا" للثأر من المعتدين. في المجابهة القصيرة التي تلت كان المذنبون (؟) وحيدين وأكل على الأقلّ أحدهم ضربة بالعصا دون أن يخفّ أيّ من الطلّاب الشوام الكثر في المعسكر إلى نجدتهم (من نافل القول أنّ عدد الشوام في المعسكر يتجاوز بمراحل عدد الديريّة) والله أعلم بمصيرهم لولا تدخّل قيادة المعسكر التي قامت "بتهريب" الدمشقييّن المقصودين في سيّارة ضبّاط فراراً من نقمة أهل الدير. 



استعر النزاع المسلّح بين الدروز والموارنة في جبل لبنان بين ٢٧ و ٢٩ أيّار ١٨٦٠ بداية بالمتن جنوب كسروان واستمرّ حتّى أواخر حزيران. ساد الاحتقان العلاقات الدرزيّة-المارونيّة لسنوات قبل الحرب وتحديد البادىء بالعدوان من الصعوبة بمكان نظراً لارتكاب الطرفين العديد من أعمال العنف الفرديّة -وإن كانت طائفيّة وعشائريّة الطابع في ثقافة تتميّز بارتباط وثيق بين مفاهيم الشرف والعرض والثأر - في الأشهر السابقة للكارثة. ما هو مؤكّد أنّ الموارنة كانوا بالتأكيد أكثر عدداً (حسب أحد التقديرات وإن كانت على الأغلب مبالغة ٥٠٠٠٠ مسلّح لقاء ١٢٠٠٠ درزي) ولا يقلّون عدّة عن الدروز ولكنّ قيادة الدروز وعصبيّتهم وتنظيمهم كانت أكثر من كافية للتعويض عن نقصهم العددي. بالنسبة للحلفاء تمتّع الموارنة والكاثوليك بعطف فرنسا بينما التمس الدروز عون أو على الأقلّ حياد بريطانيا التي كانت وقتها حامية الدولة العثمانيّة عملاً من أطماع الروس والفرنسييّن. 

ساهم "شيخ الشباب" طانيوس شاهين في تأجيج الفتنة عندما تقدّم على رأس ٢٥٠-٣٠٠ مسلّح إلى بعبدا من كسروان وفسّر الدروز هذا كاستفزاز لهم بينما اعتبر المسيحيّون استفزازاً مجيء القوّات العثمانيّة ومحاولة مكشوفة لمساعدة الدروز وتأليبهم ضدّهم. إذاً هرع مارونيّو كسروان لنصرة أبناء طائفتهم وقابل هذا زحف دروز حوران بقيادة اسماعيل الأطرش (رأس التمرّد الدرزي ضدّ ابراهيم باشا المصري عام ١٨٣٨) إلى وادي التيم لمؤازرة أقرانهم في لبنان. 

تحديد "متى" و"أين" أسهل بكثير من "كيف" و "لماذا" و "من" بفتح الميم. نحن لا نعلم من أطلق الرصاصة الأولى وما نعرفه بالقطع أنّ الموارنة -والمسيحييّن عموماً- منيوا بهزيمة شنعاء وأنّ الدروز -وحلفائهم من المتاولة/الشيعة والبدو والأكراد- نكّلوا بالمغلوبين وأنّ عدد الضحايا كان بالآلاف. يمكن استثناء الساحل من المناطق المنكوبة بفضل قرب الأساطيل الأوروبيّة بينما كانت القوّات العثمانيّة عاجزة عن احتواء الأزمة في الداخل وهناك ما يشير إلى تعاطف إن لم نقل تواطؤ بعض ضبّاطها وعسكرها ضدّ المسيحييّن. في كلّ الأحوال تصوير المأساة على كونها "اعتداء درزي ضدّ ضحايا مسيحييّن" مبالغة في التبسيط وعلّ الصواب أنّ الحرب بدأت كصراع بين خصمين على نفس الدرجة من التصميم والتشنّج وانتهى بتدمير كثير من القرى والمدن المسيحيّة ومقتل العديد من الأبرياء وليس بإمكاننا التكهّن بمصير المدنييّن من الدروز لو انتصر الموارنة وأنصارهم. 

سقطت دير القمر في مطلع حزيران واستباحها الدروز المنتصرون لعدّة أيّام. سلّم مسيحيّو حاصبيّا أسلحتهم والتجأوا للسرايا عملاً بنصيحة عثمان بك قائد الحامية العثمانيّة في وادي التيم الذي وعدهم بالأمان قبل أن يجهز الدروز عليهم بالمئات (حوالي الألف حسب أحد التقديرات) في مذبحة قتل فيها عدد من الأمراء الشهابييّن. لم يكن مصير راشيّا أفضل من سابقتها تحت وطأة هجوم من دروز لبنان مع حلفائهم الحورانة بقيادة اسماعيل الأطرش. هوجمت زحلة في ١٨ حزيران من قبل الدروز والبدو والشيعة ودمّر معظمها رغم مقاومة أهلها العنيدة ثمّ أتى دور بعلبك في البقاع وبعدها دير القمر (للمرّة الثانية). لا داعي لذكر العديد من القرى الأصغر التي ذهبت ضحيّة فورة الكراهية والعنف من الطرفين ولا تفاصيل المعارك المثيرة للغمّ.  

تقاطرت أنباء مذابح جبل لبنان إلى بلاد الشام شيئاً فشيئاً وعندما بلغ دمشق أخيراً خبر سقوط زحلة أشعل سكّانها الفوانيس وزيّنوا بيوتهم احتفالاً إذا قبلنا رواية السيّد محمّد أبو السعود الحسيبي (أحد أعيان المدينة) كما نقلها المؤرّخ كمال صليبي.

للحديث بقيّة.  


https://books.google.com/books?id=nE7RjS91_E4C&printsec=frontcover&source=gbs_ge_summary_r&cad=0#v=onepage&q&f=false





Tuesday, November 20, 2018

لبنان عشيّة ١٨٦٠

انتهى الأمير بشير الثاني الشهابي مع نهاية عهد ابراهيم باشا المصري في سوريا عام ١٨٤٠ ليحلّ محلّه بشير الثالث الذي قدّر له أن يكون آخر حكّام هذه الأسرة في لبنان قبل إقالته في كانون الثاني ١٨٤٢. شهد عام ١٨٤١ بداية سلسلة من الاشتباكات الطائفيّة بين الدروز والموارنة في منطقة الشوف انتشرت منها إلى عدّة أماكن في جبل لبنان.



فلنتفحّص الخريطة الملحقة كنقطة بداية ننطلق منها إلى لبّ الموضوع. للتبسيط يمكن تقسيم جبل لبنان إلى قسمين يفصل بينهما طريق دمشق بيروت أو على الأقلّ خطّ وهمي يصل بين المدينتين. القسم الشمالي -وهو جبل لبنان الأصلي حتّى منتصف القرن الثامن عشر- يمتدّ من كسروان (معقل الموارنة) جنوباً إلى عكّار شمالاً  أمّا القسم الجنوبي -جبل الدروز- فيتألّف من الغرب وعرقوب والشوف إلى آخره. أدّت هجرة الموارنة إلى الجبل لتغيير كبير في التوزيع الديموغرافي لسكّانه وزيادة نسية المسيحييّن إلى ٧٨% مع حلول عام ١٨٤٠ (بالمقارنة لم تتجاوز نسبة الدروز ١٢% والباقي سنّة ومتاولة أي شيعة)  أمّا عن العدد الإجمالي فقد بلغ ٢٠٠٠٠٠ على الأقلّ أي أنّه كان شديد الكثافة بمقاييس ذلك العصر. أكبر مدن الجبل كانت دير القمر -عاصمة المعنييّن والشهابييّن- وهي مسيحيّة رغم أنّها تقع في قلب إقليم الدروز أمّا إذا تجاوزنا جبل لبنان قليلاً في اتّجاه الشرق فلدينا زحلة معقل الروم الكاثوليك على حدود البقاع والجبل. 

حاولت السلطات العثمانيّة في جهدها للمحافظة على ممتلكاتها الآسيويّة -بعد أن خسرت الكثير من أراضيها في شرق وجنوب أوروبا- وبهدف الحدّ من تغلغل القوى الأوروبيّة المتزايد في الشرق الأدنى وتدخّلهم في شؤونها أن تجد حلّاً مقبولاً للنزاع الطائفي المتصاعد في لبنان فقامت عام ١٩٤٢ -أي بعد انتهاء حكم بني شهاب- بتقسيم الجبل إلى قائم مقاميّتين شماليّة تحت إمرة زعيم ماروني وجنوبيّة بزعامة درزي وقدّر لهذا النظام أن يستمرّ مع بعض التعديلات حتّى ١٨٦١. إذا نظرنا للتوزيع الديموغرافي لهاتين القائم مقاميّتين عن كثب نرى أنّ الأغلبيّة الساحقة في الشماليّة كانت مارونيّة (٩١%) يليها الدروز ٤% والباقي سنّة وشيعة. احتوت القائم مقاميّة الجنوبيّة "الدرزيّة" على عدد كبير من المسيحييّن خاصّة في أهمّ مدنها دير القمر التي وصل عدد سكّانها في منتصف القرن التاسع عشر إلى ٧٠٠٠-١٠٠٠٠ نسمة معظمهم من الموارنة والروم الكاثوليك. بالنتيجة القسم الشمالي كان أكثر "انسجاماً" بكثير من الناحية الطائفيّة من نظيره الجنوبي وهناك بالطبع المناطق الحدوديّة المختلطة وكلّ هذا في زمن زادت فيه العصبيّة والقبليّة والتعنّت.

أجرى الباب العالي هذا التقسيم الإداري لعدّة أسباب لربّما كان أهمّها حرمان أوروبا عموماً وفرنسا خصوصاً من ذريعة  للتدخّل في شؤون السلطنة عن طريق استعمال حماية الأقليّات وأهمّها المسيحييّن كقميص عثمان. هل نجح هذا المسعى؟  

للحديث بقيّة.  



https://books.google.com/books?id=nE7RjS91_E4C&printsec=frontcover&source=gbs_ge_summary_r&cad=0#v=onepage&q&f=false

Monday, November 19, 2018

خلفيّة ١٨٦٠



خلافاً لما تروّجه الكتب المدرسيّة السوريّة، تفاوت التعايش بين المذاهب والطوائف على مدى التاريخ بين التسامح النسبي في أحسن الأحوال إلى المذابح الجماعيّة والإبادة عندما يسود التطرّف والتشنّج ولم يكن الحال أبداً جنّة من الوئام والانسجام لا في سوريا ولا في العالم العربي أو الغربي. هذا التعميم ينطبق على العهود المسيحيّة والإسلاميّة ففي العهد البيزنطي مثلاً قتل الأبرياء بالجملة بسبب الخلاف على طبيعة المسيح والثالوث ولا تحتاج حروب السنّة والشيعة اللامتناهية إلى التعريف. هذا عن الاقتتال بين المذاهب أمّا عن الصراع بين الديانات فحدّث ولا حرج. لربّما كانت الديانات النوحيديّة بالذات الأقلّ تسامحاً والأكثر احتكاراً لمفاهيم الحقّ المطلق والباطل المطلق. 

لدينا حالة جديرة بالدراسة ألا وهي ما يسمّيه البعض بالفسيفساء السوريّة. تاريخ بلاد الشام مغرق في القدم وشديد الغنى بتراثه الديني -بحلوه ومرّه- وهو في نهاية المطاف جزء لا يتجزّأ من التراث الفكري. اختارت الدكتورة ليلى طرزي فوّاز  (١) من جامعة Tufts دراسة فتنة ١٨٦٠ بالتفصيل في كتاب (٢) صدر عام ١٩٩٤ في وقت كانت فيه الحرب الأهليّة اللبنانيّة ١٩٧٥-١٩٩٠ حديثة العهد. الكتاب سياسي بالدرجة الأولى ويعتمد إلى حدّ كبير على مصادر معاصرة للأحداث منها المحليّة ومنها (خصوصاً) الغربيّة. قبل الدخول في أحداث هذه المأساة التي بدأت في جبل لبنان وامتدّت إلى دمشق يحسن أن نستعرض خلفيّاتها التاريخيّة والاقتصاديّة.  

ربطت علاقات وديّة السلطان سليمان القانوني مع ملك فرنسا  François الأوّل في النصف الأوّل من القرن السادس عشر نجم عنها نظام الامتيازات Capitulations التي تمتّع بها الفرنسيّون المقيمون في الإمبراطوريّة العثمانيّة بحماية بلادهم القانونيّة ومع مرور الزمن حصلت بقيّة القوى الأوروبيّة على امتيازات مماثلة. كان هدف القسطنطينيّة في البداية تشجيع التبادل التجاري بين الغرب والشرق ونجحت في هذا عندما كانت في عنفوان قوّتها ولكن الوضع اختلف عندما دبّ الضعف في الدولة العثمانيّة وازداد التغلغل الأوروربي إلى درجة منح الأقليّات الدينيّة المحليّة في الشرق الأدنى الامتيازات التي تمتّع بها الأوروبيّون دون سواهم فيما مضى وبالنتيجة زاد ثراء هذه الأقليّات (المسيحيّة خصوصاً) تحت الحماية الأوروبيّة. نصبت فرنسا نفسها مدافعاً عن الكاثوليك والموارنة وروسيا الأورثوذوكس وبريطانيا الدروز والبروتستانت وأمريكا البروتستانت وهلمّجرّا. استاء كثير من المسلمين -بحقّ وبغير حقّ- من صعود الأقليّات السلّم الاقتصادي والسياسي علناً وعلى رؤوس الأشهاد وبمساعدة من اعتبروهم أعدائهم التاريخييّن.    

هذا على الصعيد الدولي فماذا عن المستوى المحلّي؟ 

يشكلّ جبل لبنان (أي سلسلة جبال لبنان الغربيّة وليس كيان لبنان الجغرافي-السياسي كما نعرفه حاليّاً) حالة خاصّة فهو تاريخيّاً معقل الدروز حتّى أنّ فسمه الجنوبي دعي في الماضي جبل الدروز قبل أن تنتقل التسمية إلى جبل حوران. ساد الدروز إذاً جبل لبنان تحت المعنييّن وأشهرهم الأمير فخر الدين المعني الثاني (١٥٩١-١٦٣٥) الذي تعاون مع الموارنة (آل الخازن خصوصاً) وشجّع هجرتهم إلى جبل لبنان هو ومن تلاه من الأمراء. استمرّ التعاون بين الموارنة والدروز (ثمّ السنّة) طوال القرنين السادس عشر والسابع عشر وكانت الخلافات شخصيّة وقبليّة وليست دينيّة ومذهبيّة فعلى سبيل المثال اقتتل القيسيّون واليمانيّون من الدروز في معركة عين دارة عام ١٧١١ التي نجم عنها هزيمة اليمانييّن ونزوحهم إلى جبل حوران الذي أصبح بعدها جبل الدروز الثاني إذا جاز التعبير. 

احتكر المعنيّون إمارة جبل لبنان حتّى عام ١٦٩٧ عندم حلّ محلّهم الشهابيّون وهؤلاء في الأصل مسلمين سنّة ولكن العديد منهم اعتنق لاحقاً الديانة المسيحيّة والمذهب الماروني وأشهرهم بالطبع الأمير بشير الثاني (١٧٨٩-١٨٤٠). تعاون بشير الشهابي في البداية مع الدروز ولكنّه كان يطمح إلى التفرّد بزعامة الجبل ودفعه هذا إلى الغدر بالزعيم الدرزي الشيخ بشير جنبلاط الذي قتل بمكيدة وتدبير بشير الشهابي. الخلاف كان على الزعامة ولا علاقة له بالدين أو المذهب وتصرّف الأمير بشير هو تصرّف جميع بناة الممالك والإمبراطوريّات الذين يحسنون فنّ الحرب والسلم مع المساومة والتسامح إذا اقتضى الأمر والقتل دون رحمة أو وازع من ضمير عند الضرورة. 

ما كان للدروز أن ينسوا أو يغفروا قتل رئيسهم بغضّ النظر عن دوافع الأمير بشير وزاد الطين بلّة لجوء الشهابي لاستعمال قطعات مسيحيّة لقمع تمرّد دروز حوران على حليفه ابراهيم باشا المصري فيما بعد. 

علاوة على كلّ ما سبق لدينا العوامل الديموغرافيّة والاقتصاديّة. مع حلول القرن التاسع عشر ازداد عدد المسيحييّن في جبل لبنان نسبة للدروز وازدادت معه قوّتهم الاقتصاديّة. 

للحديث بقيّة.  

اللوحة على غلاف الكتاب تمثّل الدروز والبدو يسبون النساء ويقتلون كاهناً مارونيّاً.


1. https://ase.tufts.edu/history/faculty/fawaz.asp

2. https://books.google.com/books?id=nE7RjS91_E4C&printsec=frontcover&source=gbs_ge_summary_r&cad=0#v=onepage&q&f=false

Sunday, November 18, 2018

المدرسة الشبليّة



لم يبق من هذه المدرسة الأيّوبيّة الشيء الكثير وعلى ما يبدوا كان الوضع مختلفاً عندما رآها ووصفها المستشرق وعالم الآثار الألماني Ernst Herzfeld في مطلع القرن العشرين كما نرى في الرسوم الملحقة.

الموقع على سفوح قاسيون شمال نهر تورا (نقلت أطلالها من مكانها الأصلي فيما بعد بهدف شقّ الطرق والساحات المحاطة بأبنية سكنيّة حديثة وتجاريّة) وأمّا عن مؤسّسها فهو شبل الدولة كافور الحسامي خصي حسام الدين عمر ابن لاجين ابن ستّ الشام. يعطي ابن شدّاد عام ٦٢٦ للهجرة (الموافق ١٢٢٨ للميلاد) كتاريخ البناء بينما يرتأي Herzfeld أنّ عام ٦١٦ (١٢١٩) هو الأقرب إلى الصواب. 

يزوّدنا النعيمي بمزيد من التفاصيل ومنها أنّ شبل الدولة بنى هذه المدرسة الحنفيّة في موضع خانقاه للصوفييّن كان أيضاً بيته مع تربة وسباط (أو سيباط) وسبيل ومصنع وأنّه شقّ طريقاً من المدرسة الشاميّة إلى عين الكرش (قبل ذلك تعيّن على من اتّجه إلى قاسيون المرور بالعقيبة). دخل شبل الدولة في خدمة ستّ الشام بعد موت حسام الدين عام ٥٨٧ (١١٩١) ودفعها إلى بناء المدرسة الشاميّة ومات عام ٦٢٣ (١٢٢٦).  أطلق عليه ابن كثير لقب الطواشي الكبير والقصري (نسبة لقصر القاهرة) والزنجي (مخالفاً في ذلك ابن شدّاد الذي نعته بالرّومي). أمّا عن ابن خلكان فقال أنّه صاحب المدرسة والخانقاه الشبليّة خارج دمشق على الطريق إلى جامع قاسيون وأنّه خصّص له أوقافاً غنيّة.


لم يعط Herzfeld تفاصيلاً تذكر عن البناء إذا  استثنينا الرسوم والمخطّطات الملحقة وكلّ ما قاله أنّه نموذجيّ بالكامل وأنّ بعض زخارفه الأصليّة الجصيّة وطلائه لا تزال موجودة (الكلام عام ١٩٤٦) وأخيراً أنّه لم يكن متأكّداً فيما إذا كان بناء المثمّن والقبّة من الأجرّ أو الحجر المعمول بشكل الأجرّ.   

الصورة الملوّنة عن Toru Miura عام ١٩٨٩. 


https://archive.org/stream/arsislamica11121946detr#page/52/mode/2up

https://books.google.com/books?id=_t8zDwAAQBAJ&printsec=frontcover&source=gbs_ge_summary_r&cad=0#v=onepage&q&f=false

Saturday, November 17, 2018

حمّام المقدّم



لدينا وصف جيّد لهذا الحمّام من دراسة باللغة الفرنسيّة للمعهد الفرنسي في دمشق للعالمين Michel Ecochard و Claude Le Coeur رأت النور عام ١٩٤٣ بفضل المطبعة الكاثوليكيّة في بيروت. لم يتمكّن المؤلّفان من تحديد تاريخه بدقّة وإن استنتجا من مقارنة شكله وزخارفه مع حمّاميّ القيمريّة والسلطان أنّه يعود على الأغلب للقرن الرابع عشر للميلاد أي العهد المملوكي.

يقع هذا الحمّام في حيّ الصالحيّة على تقاطع عدّة شوارع وكان شغّالاً وبحالة جيّدة عندما وصفه الفرنسيّان في أربعينات القرن الماضي وعلى علمي لا يزال مفتوحاً حتّى اليوم أو على الأقلّ كان مفتوحاً حتّى أمد قريب. 



بالنسبة لواجهاته (الوصف التالي كما كان وضعه عام ١٩٤٣) فإثنان منها مبنيّة بالحجارة الصغيرة وهناك سبيل على واجهته الشرقيّة. كما نرى في المخطّط الملحق المشلح مستطيل الشكل تغطّيه قباب أنيقة (إسقاط المقطع أعلاه) وهناك فتحة مثمّنة الشكل في مركز قبّة الحمّام تزيّنها مقرنصات جميلة. المخطّط يعطي فكرة معقولة تغني عن الوصف المفصّل عن توزيع البرّاني والجوّاني وقد طرأ على هذا التوزيع تغيّرات عبر تاريخ البناء. 

تخديم الحمّام أقرب ما يكون إلى الكمال في الاتّساع  والتنوّع  وإحكام العمار مع مدخل منحدر لدخول العربات الحاملة للمحروقات وإخلاء الرماد المتراكم. 



الصورة الملوّنة تعود لعام ١٩٨٩ وهي مأخوذة من دراسة الأستاذ الياباني Toru Miura عن حيّ الصالحيّة عام ٢٠١٥ (المرجع الثاني أدناه). 



Les bains de Damas: monographies architecturales
Michel Ecochard et Claude Le Coeur
Institut Français de Damas 
1942-1943
Imprimerie Catholique, Beyrouth


https://books.google.com/books?id=_t8zDwAAQBAJ&printsec=frontcover&source=gbs_ge_summary_r&cad=0#v=onepage&q&f=false
   

Friday, November 16, 2018

المدرسة المرشديّة

تنسب هذه المدرسة على نهر يزيد في حيّ الصالحيّة إلى خديجة خاتون ابنة الملك المعظّم عيسى ابن الملك العادل وبنيت بين الأعوام ٦٥٠-٦٥٤ للهجرة الموافق ١٢٥٢-١٢٥٦ للميلاد. خديجة خاتون أخت الملك الناصر داود وقرينة خوارزمشاه وعلّها أيضاً ابنة عزيزة خاتون مؤسّسة المدرسة الماردانيّة على نهر تورا. ماتت خديجة خاتون في بستان الماردانيّة في جمادى الثاني عام ٦٥٠ (آب ١٢٥٢) ودفنت في التربة الوقعة قرب زاوية الشيخ علي الفريثي (١). 

لا يتميّز مخطّط المدرسة بالانتظام نظراً لموقعها على شارع منحنٍ. بقي منها المدخل وقاعة الصلاة وغرفة الضريح مع مئذنة مربّعة بين الردهتين. نقرأ الكتابة التالية في أربع أسطر فوق ساكف الباب:

بسم الله الرحمن الرحيم....هذا ما أوقفت الستّ الجليلة عصمة الدين خديجة خاتون ابنة السلطان المعظّم شرف الدين عيسى ابن السلطان العادل سيف الدين أبو بكر ابن أيّوب وذلك حصّة من حمّام .. خمسة أسهم وخمس وسبع سهم من طاحون الطرب الخمس ودار بجبل الصالحيّة وحصّة بقصر تقيّ الدين سبعة أسهم ونصف سهم وربع سهم وثمن سهم وثلث عشر سهم وحصّة بقرية الطزة ثلثا سهم وثلث سبع سهم وحصّة بخان العاتكة بجبّة عسّال من قصر معلولا ثلث اسهم ومن الجبّة سهم ونصف ومن القرنابية سبعة أسهم وبستان الماردانيّة بكماله وذلك في شهر ذي سنة خمسين وستّمائة رحم الله واقفة هذا المكان.

سبب تسمية المدرسة بالمرشديّة غير واضح اللهمّ إلّا إذا انتسبت مؤسّستها إلى طريقة صوفيّة، 

نأتي الآن إلى الصور. 



التقطت الصورة الملّونة Toru Miura (٢) أعلاه عام ١٩٩٢ ويبدوا فيها من اليمين إلى اليسار:

١. الزاوية الفريثيّة أو الفرنثيّة.
٢. قبّة ثمّ مئذنة المدرسة المرشديّة.
٣. دار الحديث الأشرفيّة (نسبة للأشرف موسى) بالكاد مرئيّة بين مئذنتيّ المرشديّة والأتابكيّة. 
٤. مئذنة المدرسة الأتابكيّة للأميرة تركان خاتون سليلة الأتابك عماد الدين زنكي وقرينة الملك الأشرف موسى ابن الملك العادل.



الصورتان بالأبيض والأسود Ernst Herzfeld (٣) التقطتا بين الأعوام ١٩٠٨ و ١٩٣٠ في نفس شارع المدارس في حيّ الصالحيّة الأولى من الغرب إلى الشرق (على يمين الناظر) والثانية من الشرق إلى الغرب. نلاحظ هنا غياب طاسة قبّة المدرسة المرشديّة. 



http://bornindamascus.blogspot.com/2018/10/blog-post_12.html

https://books.google.com/books?id=_t8zDwAAQBAJ&printsec=frontcover&source=gbs_ge_summary_r&cad=0#v=onepage&q&f=false

https://archive.org/stream/arsislamica11121946detr#page/64/mode/2up

Thursday, November 15, 2018

المدرسة الركنيّة



تقع هذه المدرسة خارج سور مدينة دمشق شرق حيّ الصالحيّة وتاريخ بنائها ٦٢١ للهجرة الموافق ١٢٢٤ للميلاد أي في العهد الأيّوبي وكان هذا بمبادرة الأمير ركن الدين منكورس الفلكي العادلي نسبة لفلك الدين شقيق الملك العادل الذي كان منكورس غلامه (أي عبده الأبيض) ويخبرنا النعيمي عن مناقبه وصدقاته. بنى منكورس على سفح قاسيون تربة ومدرسة وأوقف لها الأوقاف وتنسب إليه مدرسة ثانية شمال الأموي داخل باب الفراديس. مات الأمير عام ٦٣١ للهجرة (١٢٣٣ للميلاد) ودفن في تربته التي نرى فوق نوافذ واجهتها الجنوبيّة نقشاً كتابيّاً من سيعة أسطر نصّه الآتي:

يسم الله الرحمن الرحيم......هذا ما أوقفه العبد الفقير إلى رحمة ريّه الغازي المجاهد ركن الدين منكورس الفلكي العادلي المعظّمي برسم دفنه بها وقد وقف على مصالحها وزيت وشمع وحصر وجمكيّة قيّم ومقرّين جميع الدار التي داخل باب الفراديس ... (يبدأ هنا وصف وتعداد الأوقاف) كلّ ذلك على ما يصرف وشرح في كتاب الوقف لا يحلّ لأحد يؤمن بالله العظيم يغيّر ذلك ويبدله إلخ وذلك في سنة أربع وعشرين وستّمائة (الموافق ١٢٢٦ للميلاد).



ينوّه العالم Ernst Herzfeld أنّ النقش لا يذكر شيئاً عن كون الصرح مدرسة وأنّ بقاياه لا توحي بأنّه كان مدرسة وعلّ هذه التسمية مأخوذة من الحوليّات ويقصد بها التربة. يتكوّن البناء من قسمين يعودان لنفس الفترة الزمنيّة. الأصغر هو التربة وهي نموذجيّة لترب دمشق والأكبر مسجد صغير ١٥ x ١٨ متر في أبعاده الخارجيّة. بقع حرم الصلاة مع المحراب على الجدار الجنوبي ويتّصل مع الصحن بثلاثة أبواب لها ما يناظرها في جدار الصحن الشمالي. الصحن بشكل مربّع صغير طول ضلعه ٦،٨ متر وتغطّيه قبّة. أرفق مخطّط التربة-المسجد مع مقطع طولي عن Herzfeld عساها تغني عن الوصف المطوّل ويمكن الرجوع للرابط إدناه لمن يريد قراءة المقال بالكامل بالإنجليزيّة. الصورة الملّونة أعلاه تعود لعام ١٩٩٢ ودراسة الأستاذ الياباني Toru Miura عام ٢٠١٥.     

 https://library.si.edu/digital-library/book/arsislamica11121946detr

https://books.google.com/books?id=_t8zDwAAQBAJ&printsec=frontcover&source=gbs_ge_summary_r&cad=0#v=onepage&q&f=false

Wednesday, November 14, 2018

جامع ابن العربي

Degeorge August 1992


استقرّ المتصوّف الأندلسي محي الدين ابن عربي (مواليد مرسية عام ١١٦٥) في دمشق عام ١٢٢٣ للميلاد في العهد الأيّوبي ومات فيها عام ١٢٤٠ ودفن على سقوح قاسيون في تربة قاضي دمشق. كانت المدينة وقتها مركزاً إسلاميّاً يستقطب علماء الدين والمتصوّفين من كلّ حدب وصوب ويشير اختيار الشيخ محي الدين الإقامة في دمشق وزيارة ابن جبير لها في القرن الثاني عشر إلى استمرار التواصل بين الشام والأندلس منذ القرن الثامن. 

بني جامع الشيخ محي الدين في الصالحيّة بعد ثلاثة قرون من موت الشيخ المتصوّف وكان أوّل الجوامع العثمانيّة في دمشق. الباني هو السلطان سليم الأوّل الذي أصدر أمراً ببناء الجامع مع تربة وتكيّة (السليميّة ١) وخلال فترة قصيرة تجاوزت أهميّة هذا المجمّع كلّ المباني الدينيّة السابقة له وأصبح مركز الصالحيّة الروحي بامتياز. تم تعيين مؤذّن مع ثلاثين قارئاً للقرآن وأنجز عام ١٥١٨. يتبع البناء النماذج الدمشقيّة بصحنه المحاط بالأروقة وقاعة صلاته أمّا عن المئذنة فهي هجين يمثّل مرحلة انتقاليّة بين الطراز المملوكي بألوانه ومقرنصاته وشرفاته وخليفته العثماني وعلّها أقرب إلى الطراز المملوكي. تقع تربة الشيخ محي الدين شرق الجامع وتغطّيها قبّة تعلوا عنقاً وحيداً وتتميّز بالقاشاني الذي يغطّي الجدران الداخليّة على ارتفاع خمسة أمتار بداية من الأرض. نرى في مركز الجدار الشرقي لوحاً مؤلّفاً من تسع مربّعات يظهر فيه ثلاث أقواس تتدلّى من قمّتها مصابيح مع كتابات الله، محمّد، أبو بكر، عثمان... (لمزيد من التفاصيل المرجع ٢). 

Toru Miura top 1992 & bottom 2010

دفن الأمير عبد القادر الجزائري (١٨٠٨-١٨٨٣) في جوار الشيخ محي الدين  ونقل رفاته إلى الجزائر عام ١٩٦٥ في مطلع عهد استقلالها. 


http://bornindamascus.blogspot.com/2018/11/blog-post_11.html

Degeorge. Damas : des Ottomans à nos jours. L'Harmattan (1994)

https://books.google.com/books?id=cYqCAgAAQBAJ&printsec=frontcover&source=gbs_ge_summary_r&cad=0#v=onepage&q&f=false

https://books.google.com/books?id=_t8zDwAAQBAJ&printsec=frontcover&source=gbs_ge_summary_r&cad=0#v=onepage&q&f=false

Tuesday, November 13, 2018

جامع المظفّري

Toru Miura


يدعى أيضاً جامع الحنابلة. تشكّلت نواة حيّ أو بالأحرى بلدة الصالحيّة في عهد أبو عمر ابن الشبخ أحمد ابن محمّد ابن قدامة عندما بوشر ببناء جامع الحنابلة والمدرسة العمريّة. يخبرنا ابن طولون في القلائد الجوهريّة أنّ مبعث الحاجة إلى هذا الجامع كان بعد الأموي عن قاسيون وأنّ أحدهم رأى أبا عمر فيما يرى النائم وأنّ هذا الأخير حدّثه عن بركات الصلوات في الجامع والأدعية في المدرسة.

استلزم عمار المظفّري مالاً كثيراً لا طاقة لأبي عمر وبني قدامة به وكان التاجر أبو داود محاسن ابن الفامي أوّل المموّلين إلى أن تكفّل مظفّر الدين كوكبوري صاحب إربيل وزوج ربيعة خاتون أخت صلاح الدين بنفقاته. بدأ البناء عام ١٢٠١-١٢٠٢ للميلاد وكان أبو عمر أوّل خطبائه بعد إنجازه واحتفظ الحنابلة بمنصب الخطيب ومنه اسم جامع الحنابلة. يعزى إلى أبي عمر أيضاً فضل بناء المدرسة العمريّة بعد جامع المظفّري بفترة قصيرة وتشير الدلائل أنّ هذا الجامع كان أوّل الأبنية العامّة في الصالحيّة وبفضله أصبح لأهلها دار عبادة مستقلّ يتجمهرون فيه في يوم الجمعة لأداء الصلاة هو بنفس الوقت قبلة حنابلة دمشق بأسرها.  

الصورة العليا لمئذنة المظفّري المربّعة عام ١٩٨٧ والسفلى لحرم الصلاة عام ٢٠١٠. يتبع النموذج العماري الخطوط العريضة للجامع الأموي ويمكن اعتبار جامع الحنابلة نسخة مصغّرة ومتقشّفة له.  


https://books.google.com/books?id=_t8zDwAAQBAJ&printsec=frontcover&source=gbs_ge_summary_r&cad=0#v=onepage&q&f=false

http://bornindamascus.blogspot.com/2018/10/blog-post_16.html

https://bornindamascus.blogspot.com/2018/11/blog-post_10.html

Monday, November 12, 2018

مغارة الدم وهجرة بني قدامة إلى سفوح قاسيون

المسجد ومغارة الدم في قاسيون


قطنت ثمان عائلات فقط سفح جبل قاسيون في موضع الصالحيّة اليوم قبل نزوح بني قدامة في القرن الثاني عشر للميلاد كما يخبرنا ابن كنان في كتاب المروج السندسيّة الفسيحة في تلخيص تاريخ الصالحيّة أمّا عن أهمّ أبنيته حينئذ فكانت المسجد العتيق ودير الحوراني ودير الحنابلة. زار ابن جبير الأندلسي دمشق وجبل قاسيون عام ١١٨٤ (أي بعد هجرة بني قدامة إلى دمشق بداية من ١١٥٦) ولكنّه لم يذكر حيّ الصالحيّة.  

يبقى جبل قاسيون مع ذلك ذائع الصيت منذ القدم لارتباطه بالأماكن المقدّسة والأنبياء من ابراهيم (برزة) مروراً بمريم العذراء والمسيح (الربوة) ناهيك عن قبور الأولياء. مغارة الدم أحد هذه المعالم ويعتقد أنّها المكان الذي قتل فيه قابيل شقيقه هابيل كما ورد في كتاب العهد القديم. دأب الدمشقيّون على زيارة هذه المغارة للدعاء عندما أصابتهم كوارث طبيعيّة كانت كالقحط أم ناجمة عن فعل الإنسان كغلاء الأسعار. باختصار لقاسيون قدسيّة وهو ملاذ العابدين الملتمسين للرحمة الربّانيّة. 

وجود دير الحنابلة كان أحد الأسباب التي دفعت بني قدامة للهجرة إلى سفوح قاسيون إذ بدأوا بترميمه لجعله موائماً للسكن وأمّا عن التاريخ فهو ١١٥٨-١١٥٩ بعد سنتين من وصولهم إلى دمشق. إذاً انتقل الشيخ أحمد ابن محمّد ابن قدامة إلى سفح قاسيون وبدأ سكّان هذه المنطقة بزيارته ثمّ أتى نور الدين زنكي للقائه وأمر بترميم المسجد العتيق المتواجد قرب دير الحنابلة. كانت الأراضي الواقعة يين وحول قناتي يزيد وتورا غنيّة وأنسب ما تكون للزراعة والاستثمار. زادت هجرة الصالحين من بني قدامة وإنشاء بلدة الصالحيّة من قدسيّة الجبل كما حوّلت هجرة النبي محمّد يثرب إلى المدينة وأصبح ضريح أبو عمر (ابن الشيخ أحمد) مزاراً ومصدراً للبركات والكرامات وشفاء المرضى وهلمّجرّا. 



https://books.google.com/books?id=_t8zDwAAQBAJ&printsec=frontcover&source=gbs_ge_summary_r&cad=0#v=onepage&q&f=false

http://bornindamascus.blogspot.com/2018/11/blog-post_9.html

https://books.rafed.net/view.php?type=c_fbook&b_id=2313&page=14

Sunday, November 11, 2018

التكيّة السليميّة

Torru Miura 1989


خلط كثيرون بين التكيّتين السليميّة والسليمانيّة حتّى أمد قريب نسبيّاً.  الكاتب البريطاني Colin Thubron على سبيل المثال (الرابط الثاني) أطلق على التكيّة الصغرى أو الشرقيّة في مجمّع السليمانيّة اسم "المدرسة السليميّة" نسبة لسليم الثاني ويزداد الطين بلّة إذا عدنا إلى مطلع القرن العشرين أو منتصف إلى أواخر التاسع عشر إذ عزى معظم إن لم نقل جميع المستشرقين وقتها بناء التكيّة السليمانيّة في المرج الأخضر على ضفّة بردى إلى السلطان سليم الأوّل. الخطأ مفهوم حيث أنّ سليمان ابن سليم وأبو سليم كما أنّ الحسن أخو الحسين. 

إذا طرحنا جانباً تشابه الأسماء فالتكيّتان مستقلّتان أولاهما (السليميّة) تقع في حيّ الصالحيّة على سوق الجمعة مقابل جامع الشيخ محي الدين ابن عربي والثانية (السليمانيّة) غرب وخارج سوق مدينة دمشق وهي أكير وأجمل وأكثر بذخاً من الأولى التي سبقتها بعشرات السنوات. 

قليلة هي صور السليميّة وقليل ما كتب عنها. ما نعرفه من خلال كتابات ابن طولون الصالحي (الرابط الثالث: مفاكهة الخلّان في حوادث الزمان) وغيره أنّ السلطان العثماني سليم الأوّل (الخنكار حسب ابن طولون) بعد أن هزم جيش المماليك بقيادة قانصوه الغوري في حزيران عام ١٥١٦ دخل دمشق على رأس ٢٠٠٠٠٠ جندي في أيلول ووزّع المال على العاملين بالجوامع والمدارس ثمّ زار ضريح المتصوّف الأندلسي محي الدين ابن عربي (مات ١٢٤٠ للميلاد) في الصالحيّة ووزّع المزيد من المال على أهلها قبل أن يواصل طريقه إلى مصر التي وصل إليها في كانون ثاني ١٥١٧. عاد الخنكار إلى دمشق في أيلول ١٥١٧ وأمر بجرد عدد سكّانها وأملاك أوقافها وبدأ ببناء مسجد جامع على قبر ابن العربي ومن ثمّ (عام ١٥١٨) تكيّة شمال هذا الجامع بهدف إطعام الزوّار وذوي الحاجة والمتصوّفين. احترقت التكيّة عام ١٥٥٥ وجدّدت في عهد سليمان القانوني. التكيّة بناء ذو قبّتين وصفه الدكتور عبد القادر ريحاوي في أكثر من موضع ويمكن الرجوع للرابط الرابع والمرجع الخامس أدناه لمزيد من التفاصيل.   

لوحة للصالحيّة للفنّان خالد معاذ تبدوا فيها مئذنة جامع الشيخ محي الدين ومقابلها قبّتا التكيّة السليميّة

https://books.google.com/books?id=_t8zDwAAQBAJ&printsec=frontcover&source=gbs_ge_summary_r&cad=0#v=onepage&q&f=false

 https://books.google.com/books?id=iDvMHTrnsy8C&printsec=frontcover&source=gbs_ge_summary_r&cad=0#v=onepage&q&f=false

https://archive.org/details/Mofakaht-Khelan/page/n335

http://al-sufia.com/article/%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%83%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%84%D9%8A%D9%85%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%85%D8%B4%D9%82/

A. Q. AI-Rihawi, E. Ouéchek. Les deux "Takiyya" de Damas. La "Takiyya" et la "Madrasa" Sulaymaniyya du Marg, et la "Takiyya" as-Salimiyya de Salihiyya. 
BULLETIN D'ETUDES ORIENTALES. Tome XXVIII - 1975. Damas, 1977,