Saturday, December 31, 2016

جامع بني أمية الكبير







يجمع المؤرخون أن عمر مدينة دمشق يتجاوز ثلاثة آلاف سنة ولربما كان من المبالغة وصفها كأقدم مدن العالم وإن قبل الكثيرون أنها أقدم عاصمة مأهولة باستمرار ولكن ماذا عن معبدها؟ هل نستطيع القول أن هذا الحرم الذي عاصر الآراميين واليونان والرومان والعرب والأتراك وتربع على عرشه العديد من الآلهة هو أقدم دار للعبادة ارتاده المؤمنون بشكل متواصل بداية من الإله حدد ونهاية بالقرن الواحد والعشرين؟

لا أعرف الجواب وإن أمكن لمحبي دمشق وجامعها أن ينهلوا كماً وفيراً من المعلومات من كتابين صدرا مؤخراً عن هذا الصرح العتيد أحدهما بالعربية لطلال عقيلي عام 2007 (أعيد طبعه عام 2015 وترجم للإنجليزية والألمانية) والثاني بالفرنسية لجيرار دو جورج عام 2010. ليس الهدف مقارنة تثير النفور عن أي منهما "أفضل" ولعل الكتابين متكاملان إذ أنهما يعالجان الموضوع من زوايا مختلفة. أضيف أن المؤلفان (أخصائيان في هندسة العمارة) زميلين إن لم يكونا صديقين وعلاوة على هذا فصورة غلافي الكتابين متطابقتان وكلاهما بعدسة دوجورج وإن اختلف المضمون اختلافاً كبيراً.

لمن يهمه الإسقاطات الهندسية والمرسمات الدقيقة والتواريخ المتسلسلة والمقارنة التفصيلية لتحولات المعبد عبر القرون إعتماداً على وصف الكتَاب والرحَالة واللوحات الزيتية والصور الفوتوغرافية التاريخية فعليه بكتاب عقيلي.

لمن يحب الصور الملونة خاصة للفسيفساء الرائعة سيطيب نفساً ويقر عيناً بكتاب دوجورج الذي تزينه صور عديدة التقطها شخصياً بحب ومهنية. عني المؤلف الفرنسي أيضاً بتقديم مختصر للدين الإسلامي ومقارنة الأموي مع المعابد المماثلة التي سبقته وعاصرته وخصص العديد من الصفحات للدفاع عن الإسلام ضد ما اعتبره هجوماً مغرضاً من الغربيين المتدينين منهم والعلمانيين وبالتالي لربما كان كتاب عقيلي أكثر تركيزاً على الجامع إذا جاز هذا التعبير.


الكتابان غنيان بالحواشي والشروح والإسناد وعلهما أجمل وأكمل ما كتب عن هذا الحرم الخالد حتى اليوم وإذا كان لي أن أبدي ملاحظة -ومن البدهي أن النقد أسهل بما لا يقاس من الإبداع- فهي خلو الدراستين من فهرس أبجدي يسهل مراجعتهما للباحث والهاوي.






http://www.arabicbookshop.net/main/details.asp?id=191-398

https://www.amazon.fr/Grande-Mosqu%C3%A9e-Omeyyades-Damas/dp/2742790322/ref=sr_1_1?ie=UTF8&qid=1483206598&sr=8-1&keywords=La+Grande+Mosqu%C3%A9e+des+Omeyyades

https://www.youtube.com/watch?v=gmNk81ooUKk

Saturday, December 17, 2016

The Azm Palace and the French Mandate


The entrance to the Azm Palace (now the Museum of Popular Arts and Traditions). As is the case with traditional Damascene homes, it is carefully designed so that no one can see the courtyard from the door thereby maximizing privacy and protecting the ladies of the house from covetous eyes and would be voyeurs



The mansion was constructed in the middle of the 18th century and had remained in the possession of the Azm family until it was bought by the French Government from 68 heirs in 1922 (that is under the French Mandate) for the then substantial sum of 22,000 gold livres. Subsequently, L'Institut Français d'Archéologie et d'Art Musulmans moved into its haramlik (family quarter) whereas General Sarrail, the French High Commissioner made his residence in the salamlik (guest quarter). The latter choice proved disastrous as it made the house -located in the heart of intra-muro Damascus- a natural target for the rebels during the 1925 Great Syrian Revolution. The mansion was attacked in force but the mob, failing to find the general, proceeded to looting to eventually set fire to the building. The palace burnt for 2 days and in the process priceless treasures were irretrievably lost including thousands of rare photographs. Shortly afterwards, restoration work started in earnest at the initiative of Monsieur Lorey, the Director of the Institute with results that we can still admire 90 years after the catastrophe. The government of the newly independent Syria was to take possession of this landmark in 1946, following the French evacuation.


Damascus: Hidden Treasures of the Old City
Brigid Keenan & Tim Beddow
Thames & Hudson May 2000

Friday, December 16, 2016

عن الدعوة للإصلاح الديني في العالم الإسلامي


كان رد فعل الغرب عموماً والولايات المتحدة خصوصاً على مجزرة 11 أيلول 2001 مزيجاً من الصدمة والأسى والغضب الشديد. تصاعدت الأصوات من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار تندد بالجريمة الشنعاء التي أزهقت أرواح الآلاف من الأبرياء في لحظات معدودة وتطالب برد فعل فوري وحازم بكون جديراً بأقوى وأغنى دول العالم في مطلع القرن الواحد والعشرين.

منهم من طالب وبحق بمطاردة المجرمين ومن يؤويهم ويدعمهم أنى كانوا ومحاكمتهم وإن تعذر ذلك فقتلهم دون رحمة ومنهم من طالب العالم الإسلامي برمته أن يتبرأ من الإرهابيين ويعتذر بإسم الإسلام وآخرون رفعوا عقيرتهم ينادون أنه قد آن الأوان لحركة إصلاح ديني تلحق الإسلام والمسلمين بالعالم المتمدن والحضارة والتنوير.

قبل التعرض للمناداة بالإصلاح يحسن التوكيد أن العالم الإسلامي لا يدين للغرب بأي اعتذار لا على 11 أيلول ولا غيره. مسؤولية المسلم العادي عن 11 أيلول كمسؤولبة المسيحي عن الحروب الصليبية أو مسؤولية اليهودي عن قصف اسرائيل لغزة. المجرم فقط يحاسب وليس كل من شاركه لغته أو لون بشرته أو بعض معتقداته ودون التفصيل في نفاق الغرب الذي لا يجد غضاضة في دعم التطرف الديني طالما كان موجهاً ضد أعدائه كما دعمت الولايات المتحدة السعودية منذ أربعينات القرن العشرين على مبدأ "حكلي لحكلك".

ماذا عن الدعوة للإصلاح الديني؟ هل الإسلام بحاجة ماسة إليه فعلاً كما يزعم البعض من المسلمين وغير المسلمين؟ هل يمكن لهكذا إصلاح أن يتمخض عن "عصر نهضة" ومن ثم "ثورة صناعية" وحتى "معلوماتية" أسوة بالغرب؟

لربما يفاجأ الكثيرون أن الدعوة للإصلاح الديني في العالم الإسلامي ليست جديدة على الإطلاق ولا أقصد هنا أمثال جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده. دون العودة إلى القرون الوسطى أحب هنا أن أنوه أن أحد أهم وأشهر وأنجح حركات "الإصلاح" هي الحركة الوهابية التي رأت النور في القرن الثامن عشر وأستشهد هنا بالكتب المدرسية السورية في عهد حزب البعث على الأقل عندما كنت أنا طالباً. للتذكرة هذه الكتب تقول أن الوهابية تدعوا للإقتداء بالسلف الصالح (السلفية) والعودة إلى أصول الإسلام (لم يكن "الإسلام الأصولي" مسبة تلك الأيام حتى في الغرب) ونبذ البدع التي أدت لانحراف الدين عن صراطه المستقيم وهذا بالضبط ما أدى إلى ضعف وانحطاط الأمة. صدق أو لا تصدق كانت نظرة المناهج السورية "التقدمية" في ذلك الوقت للوهابية إيجابية أو على الأقل حيادية!

لربما قال البعض أن فشل الإصلاح الديني في البلاد ذات الأكثرية الإسلامية سببه أن هذا الإصلاح "لم يطبق كما يجب" أو أن بعضهم استغله لتحقيق مصالح دنيوية وأنانية وأن النصوص الدينية يجب أن تفسر بشكل مختلف وأنه يجب اتباع بعض حركات الإصلاح دون سواها وأنه وأن…. وإلا ما سبب "نجاح" الإصلاح الديني في الغرب؟

هل نجح الإصلاح الديني في الغرب فعلاً؟ هل يعزى تفوق الغرب إلى الإصلاح الديني؟ هل المسيحية في الغرب أكثر تسامحاً من الإسلام في الشرق؟ أعتقد أن الجواب للأسئلة الثلاثة لا ولا ولا.

حركة الإصلاح الديني في أوروبا شديدة التعقيد ومتباينة الأسباب وبالتالي لا يمكن الإحاطة بها في أسطر قليلة وسأقتصر على مثالين يختلفان عن بعضهما اختلاف الليل عن النهار:

الأول في إنجلترة في عهد هىري الثامن (1509-1547). استقل هذا الملك عن الكنيسة الكاثوليكية لسببين: الأول كي يبطل زواجه من كاثرين آراغون ويتزوج آن بولين التي كان يشتهيها (والتي أمر لاحقاً بقطع رأسها ليتزوج بعدها أربع مرات إضافية) والثاني كي يصادر أموال الكنيسة الكاثوليكية لمصلحة التاج البريطاني.

الثاني إصلاح الفرنسي جان كالفين (1509-1564) مؤسس الكلفينية التي تضاهي الإسلام الأصولي أو بالأحرى تفوقه في التزمت والتي تعبد إلهاً أشبه "برب الجنود" في العهد القديم منه بالمسيح المخلص في العهد الجديد.

لا داعي للخوض في الحروب الدينية لا في الغرب ولا في الشرق ويكفي القول أن الإنسان المتدين مثله مثل غير المتدين يمكن أن يكون قديساً ويمكن أن يكون شيطاناً وأكتفي بالقول أن تسامح الغرب اليوم وتفوقه يعزى لعوامل لا علاقة للدين بها لا من قريب ولا من بعيد.

كي نصلح ديناً -أي دين- يجب أن نختار النصوص المقدسة التي تعجبنا أو التي يمكن تفسيرها "على الموضة" وأن نتجاهل تلك التي لا تعجبنا وإذا أحرجنا أحدهم واضطرنا إى التعرض إلى هذه النصوص لجئنا إلى التعليل والتأويل بأغرب التفسيرات وأكثرها منافاة للعقل بحيث نجرد الكلمات من معانيها ويصبح الموضوع مجرد تلاعب بالألفاظ وتضليل للنفس قبل الغير.

ليس إسلاميو سوريا من "يتسامح" مع الأقليات المسيحية أو الغير" مسلمة بما فيه الكفاية" (كلمة "تسامح" بحد ذاتها إهانة ضمنية للأقليات ومعاملة فوقية) وبنفس المحاكمة ليس مسيحيو الغرب من "يتسامح" مع أقلياته الكثيرة بما فيها الإسلامية.

يعرًف كثير من سياسيي أوروبا أنفسهم كلا دينيين ولكن حتى في الولايات المتحدة الأمريكية والتي لا يجرؤ زعمائها على المجاهرة "بكفرهم" نظراً لكثرة الأمريكيين المتدينين وقوتهم ينص الدستور صراحة على فصل الدين عن الدولة. هذا الفصل هو سبب التسامح الديني في الغرب ولربما كان أحد عوامل تفوقه العلمي والتكنولوجي وإن لم يكف بحد ذاته لتفسير هذا التفوق.













Sunday, December 11, 2016

ما هو الإسلام الحقيقي ومن هم المسلمون الحقيقيون؟

ينعت الخطاب الرسمي بشكل عام والسوري خصوصاً منظملت داعش والنصرة ومشتقاتها وعن حق بالتكفيرية إذ أنها ترفض التعددية وتعتبر كل الفئات التي تختلف عنها مارقة عن الإسلام وملحدة من الإثني عشرية "الروافض" إلى الصوفيين مروراً بالعلويين "النصيريين" والدروز والاسماعيليين وهلم جرا.

كلام لا غبار عليه ولكن وللإنصاف لا بد من التعرض لما يمكن تسميته "التكفير المعاكس" وما أكثره! من منا لم يقرأ على صفحات التواصل الاجتماعي عبارات من نوع "لو كان هذا الداعشي أو النصروي مسلماً أو يعرف الإسلام لما قال كذا وكذا ولما فعل كذا وكذا"؟

هذا التحليل مفهوم ولكنه ليس منطقياً. يمكن أن نتهم موتوري الدولة الإسلامية بالكثير ولكنهم مسلمون دون أدنى شك ولسبب بسيط: أنهم يعرفون أنفسهم كمسلمين ويؤمنون بإسلامهم كما يفهمونه ويمكن بنفس المحاكمة أن نصل إلى نفس النتيجة فيما يتعلق بالكثير من السفاحين عبر التاريخ من أبي العباس (الذي لا يخجل أحد من وصفه بالسفاح) مروراً بتيمورلنك الورع ونهاية بكثير من سلاطين آل عثمان الذين استهلوا حكمهم بذبح جميع الذكور من إخوتهم.

لكل إنسان كامل الحق بتحديد هويته وكما لا يوجد "مسيحية واحدة" (مع احترامي للكاثوليك) فلا يوجد "اسلام واحد"وكما نعترف بعروبة من عرف نفسه "عربياً" فيتحتم علينا أن نسلم باسلام من عرف نفسه كمسلم.

قبولنا هوية زيد أو عمر لا علاقة لها بحب أو كراهية ولا بصداقة أو عداوة. من حاربني أحاربه ومن سالمني أسالمه بغض النظر عن هويته كما يحددها هو دون سواه ومن العبث إضاعة الوقت كي أثبت له أو كي يثبت لي من منا أكثر فهماً للنصوص الدينية ومن منا هو المسلم الحقيقي.

المسلم "المعتدل" مسلم والمسلم "المتطرف" مسلم أيضاً شئنا أم أبينا والجميع على الرأس والعين طالما مارسوا اسلامهم في بيوتهم وجوامعهم وطالما احترموا حريات الآخرين مسلمين كانوا أو غير مسلمين.


مكان الدين الطبيعي في المنازل والمعابد وبعيداً عن السياسة والقانون والمدارس العامة.  

Wednesday, November 23, 2016

البيت الدمشقي والحية الألفية

بيوت مدينة دمشق قديمة قدم التاريخ ولربما بلغ عمر البعض منها آلاف السنين أو هكذا كانت تعتقد جدتي رحمها الله. سكنت مخلوقات كثيرة هذه المنازل على مر الزمن معظمها بشكل عابر يطول أو يقصر حسب طول أو قصر حياة الإنسان والحيوان والنبات ولكن وضع الأفاعي يختلف تماماً والسبب بسيط: الأفعى أطول عمراً من جميع الكائنات الحية دون استثناء ويمكن لها مع قليل من الحظ أن تحيا إلى الأبد. 

هذا ما تعلمته عن الحيايا بفضل جدتي طيب الله ثراها:

اولاً: الحية لا تموت إلا قتلاً وبالتالي إذا لم يستهدفها عدو فلا حدود لعدد سنين عمرها.

ثانياً: ينبت قرن للحية متى أتمت من العمر ألف سنة وقرن ثاني في عيد ميلادها الألفين وثالث في عمر ثلاثة آلاف وهكذا دواليك. يزيد حجم وطول الحية عبر العصور وبالتالي يزيد خطرها أما عن قرونها فتفوح منها رائحة في غاية الجمال.

ثالثاً: القط أعدى أعداء الحية وأي مجابهة بينهما لا بد أن تسفر عن موت الواحد أو الآخر.

رابعاً: رغم كل خبرة جدتي في علم الحيايا ورغم أنها رأت بأم عينها عدداً لا بأس به منهن بحكم أن دمشق التي ولدت فيها كانت لا تزال مطوقة بأراضي الغوطة الزراعية الشديدة الخصوبة فهي لم ترى حية ألفية بأم عينها في حياتها وإن كادت في إحدى المرات والقصة التي روتها هنا أنها كانت تشم بين الفينة والفينة في أحد البيوت التي سكنتها رائحة زكية مجهولة المصدر وفي أحد الأيام ارتقت السلم لتجلب الحطب من السقيفة عندما أصبحت الرائحة فجأة أقوى بكثير (وهي من قرن الحية بطبيعة الحال) ومن ثم نفخت على جدتي الحية الألفية لتسبب لها أكبر ذعر عرفته في حياتها.

خامساً: لست متأكداً أن أي إنسان شاهد حية ألفية بعينه ولربما كان السبب أنها خجولة تعتصم بالأماكن المظلمة ولا "تتحركش" بالبشر إذا تركوها وِشأنها ولكن كثير من يعتقد جازماً بوجودها ويقسم على ذلك بأغلظ الأيمان.

سادساً وهذا اجتهاد من عندي: لا تبحث عن الحية الألفية إذا كنت تسكن في شقة حديثة فهذه المخلوقات حكر على البيوت الشامية العتيقة دون سواها.




Sunday, October 9, 2016

Assad and Saladin




The newly restored western fortifications of the Citadel of Damascus with a modern equestrian statue of Saladin, an iconic figure in Syria's history. Those who are familiar with the late President Hafiz Assad' negotiating style recall the lengthy sessions endured by his American interlocutors in which he would inaugurate the exchange with an elaborate history of the land and its age-old experience with foreign invaders. Let's review -to quote but one example- what Mr. George Shultz, US Secretary of State under President Reagan had to say in his memoirs entitled "Turmoil and Triumph" about his meeting with Syria's leader in the early 1980's: 

"President Assad received me in his audience room at the modest presidential palace... The Syrians sat in a row along one wall; the Americans, in a row along the other. The room was devoid of decoration other than a painting depicting the victory of Saladin against the crusaders. The paintaing hung on the wall against the visitors: point taken". 

James Baker, US Secretary of State under Bush I was to be treated to a similar experience in the early 1990's. Mr. Assad's exchanges with Dr. Henry Kissinger in the 1970''s are quite famous (or notorious depending on one's view point), needless to say. But I digress...


Damascus: Hidden Treasures of the Old City
Brigid Keenan & Tim Beddow
Thames & Hudson May 2000

Wednesday, October 5, 2016

ما عرف التاريخ فاتحاً أرحم من العرب


عبارة تنسب تارة إلى البريطاني أرنولد توينبي وطوراً إلى الفرنسي غوستاف لوبون ورددتها الكتب المدرسية السورية لسنوات وسنوات وحفظتها أجيال من الطلاب السوريين كحقيقة لا شك فيها ولم لا؟ كثير من الشرقيين إن لم يكن معظمهم يحترمون آراء الغربيين -خاصة إذا حابتهمويعتبرونها القول الفصل في أي جدال وقد ساهم القيمون على التدريس في المشرق العربي شعورياً أو لا شعورياً في نشر أساطير معينة روج لها بعض المستشرقين الفرنسيين والإنجليز والألمان (أخص بالذكر هنا سيغريد هونكه وكتابها "شمس الله تسطع على الغرب"). خلاصة الكلام إذا مدح بعض الأوروبيين العرب فهذه حجة دامغة ودليل لا يقبل الدحض (من البدهي أن الكثير من المستشرقين يرون الشرق من منظور سلبي أو على الأقل لديهم تحفظاتهم وهنا الحل إما تجاهلهم أوعزو كتاباتهم لدوافع شريرة ومغرضة).



ما الفرق بين الفتح والعدوان؟
الأمر بسيط: الفتح عندما يهاجم الطيبون (نحن) بلاد الأشرار (هم) أما العدوان فيحدث عندما يهاجم الأشرار بلاد الطيبين.

وقد اختلف العلماء في تفسير الغزو...


يصعب لمن ينظر لهكذا موضوع بتجرد أن يتفبل مفهوم "الفاتح الرحيم". الفتح هو استحواذ على أرض بالقوة وإن اختلفت الذرائع وأما عن حقن دم النساء والأطفال فهذه سياسة معظم الفاتحين ليس عن إنسانية منهم ولكن لأن النساء (خاصة الشاباتوالأطفال غنائم حرب ثمينة والفاتح الذكي يستملك (أي يسبيالبشر والحجر ولا يدمر عشوائياً. “الغزو الرحيممثل ضرب المرأة "برقةوالذي لا يجرؤ رجال الدين على التنصل منه لوجود نص قرآني صريح وكلنا نعلم أنه "لا اجتهاد في النصوبالتالي فالحل أن لا نضرب المرأة ضرباً مبرحاً ولا نضربها على وجهها ولا نكسر عظامها ولا نشوه خلقها وأن نضربها بالمسواك وهلمجرا.


أخيراً وليس آخراً المستشرقون المعجبون بالعرب ليسوا بالضرورة موضوعيين أو معصومين عن الخطأ أو منزهين عن الأفكار العنصرية ويحسن أن نقرأ مباشرة ماذا قالوا فعلاً لا ما قال أولياء أمرنا أنهم قالوا وعلى سبيل المثال هكذا كتب حبيب العرب غوستاف لوبون في مؤَلفه "حضارة العرب" دفاعاً عن العبودية في الإسلام:


يعامل العبيد برقة متناهية في كل البلاد التي تخضع لقوانين الإسلام. حتى إذا تناولنا للموضوع من وجهة نظر الزنوج فمن الواضح أن العبودية أمر ممتاز لكائنات متخلفة إلى هذا الحد. أفضل حل لهذه المخلوقات الغير ناضجة والضعيفة والمحدودة الرؤيا هو سيد تقتضي مصلحته أن يوفر لها حاجاتها.




les esclaves sont traités avec la plus grande douceur; il en est de même dans tous les pays soumis à la loi de l’islam....En ne se plaçant même qu’au point de vue du nègre, il est clair que pour une créature aussi inférieur, l’esclavage est chose excellente. Rien ne peut valoir pour ces natures enfantines, faibles et imprévoyantes, un maître que son intérêt oblige à prévoir tous leurs besoins. 


Dr Gustave Le Bon 1841-1931

La Civilisation Des Arabes

1884 publiée à Paris par Firmin-Didot



Friday, September 30, 2016

هل ينطبق فرض الصلاة على المرأة المسلمة؟

الجواب قطعاً بالنفي إذا قبلنا شهادة الدكتور لورتيه عميد كلية الطب في جامعة ليون ومبعوث وزير التعليم الفرنسي إلى سوريا في سبعينات القرن التاسع عشر. شملت العلوم التي ضلع فيها الدكتور لورتيه الجغرافيا والنبات والحيوان والعمارة وكغيره من المستشرقين الغربيين كان ىعتقد جازماً بتفوق الغرب عموماً وفرنسا خصوصاً على كل ما هو شرقي مسيحياً كان أم مسلماً وبالذات كان يحتقر الأتراك إلى أقصى الحدود ويحملهم مسؤولية فساد وتخلف الشرق الأدنى.

على ما يبدو كان الدكتور لورتيه يعتبر نفسه خبيراً بالأديان ومنها الإسلام وبناء عليه اخترت الفقرة التالية من كتاب "سوريا اليوم" كمثال وهنك كثير غيرها عن العديد من الطوائف السورية:

النساء لا يصلين بهذا الشكل أبداً فهذه الصلوات مقصورة حصراً على الرجال لأن المسلمين لا يعتقدون أن للنساء روح خالدة وبالتالي فالصلاة فيما يخص المرأة لا فائدة منها على الإطلاق لأن هذه الكائنات الدنيا (النساء) محتوم عليها الفناء على هذه الأرض.”

Les femmes ne font jamais ces sortes de prières, exclusivement réservées aux hommes, car les musulmans considèrent leurs compagnes comme n'ayant pas même une âme immortelle; par conséquent la prière est  un acte absolument inutile pour elles, puisque ces êtres inférieurs sont destinés à périr entièrement sur cette terre.


Lortet, Louis (1836-1909)
La Syrie d'aujourd'hui 
1875-1878
Paris : Hachette
1880-1882


قبل التسرع في إدانة المؤلف تجدر الإشارة أن "اللباقة السياسية" كانت معدومة أو تكاد قبل القرن العشرين في الشرق والغرب على حد سواء وكل من قرأ كتاب ألف ليلة وليلة يعلم يقيناً درجة عنصرية من كتبوه واستعمالهم المتواتر لتعابير ممجوجة مثل "أعطي ابنتي للنصارى واليهود ولا أعطيها لك" و"العبد الأسود الخبيث" و"عجوز النحس" إلخ. أزيد فأقول أن هذه العنصرية لم تكن وقفاً على الأدبيات ولا حتى على الأحياء إذ كانت سجلات دمشق العثمانية ولقرون تدرج المسلم المتوفي "المرحوم" فلان أما المسيحي واليهودي فكان يوصف ب"الهالك" لأنه -على غرار نساء المسلمين حسب الدكتور لورتيه- تفنى روحه بعد الموت اللهم إذا خلدت في الجحيم.


أخيراً وليس آخراً يبقى "سوريا اليوم" رغم النقد أعلاه من أجمل مل كتب عن سوريا (بما فيها لبنان وفلسطين أي سوريا الجغرافية)  في حينه وتزينه العديد من اللوحات الرائعة. يمكن تحميل الكتاب بالمجان لمن يهمه الأمر.

Tuesday, August 23, 2016

مشروع مصاهرة بين صلاح الدين وريتشارد قلب الأسد


لا تكفي سطور قليلة لسرد مآثر صلاح الدين قاهر الصليبييّن في حطّين وموحّد سوريا ومصر على أنقاض الخلافة الفاطميّة وورثة الأتابك نور الدين.

السجال بين الملك الناصر وملك انجلترا ريتشارد قلب الأسد معروف ومطروق ويكفي القول أنّه انتهى بالتعادل السلبي أي فشل صلاح الدين في طرد الصليبييّن من الساحل السوري كما فشل هؤلاء في استعادة القدس فما العمل؟ 

تفتّق ذهن قلب الأسد على حلّ لا يخلوا من الطرافة ولا تذكره على علمي كتب التاريخ العربيّة: لم لا يحاول الحصول عن طريق خاتم زواج على ما عجز مناله في ساحات الوغى؟ وبناء عليه عريض يد أخته جوّانا على الملك العادل أخي  صلاح الدين على أن يكون مهرها مدينة القدس مفتوحة للمسلمين والمسيحييّن. 


ليس من المؤكّد أنّ صلاح الدين حمل هذا العرض على محمل الجدّ وفي كلّ الأحوال "حساب السرايا ما طبق على حساب الجرايا" كما يقول المثل الشامي وكانت العقبة الكأداء جوّانا التي غضبت غضبت مضريّة وتشاجرت مع أخيها الذي تجرّأ أن يساوم على زواجها من "كافر" أي مسلم وهالها احتمال أن تنضمّ إلى "حريم" الملك العادل. حاول ريتشارد تجاوز هذه المشكلة عن طريق محاولة إقناع الملك العادل باعتناق المسيحيّة وكان مصير هذه المحاولة الفشل بالطبع وعاد قلب الأسد إلى أوروبا خاوي الوفاض. 


تصوير مروان مسلماني

Monday, August 15, 2016

ضريح نور الدين في دمشق


 تصوير مروان مسلماني




فتح الأتابك نور الدين زنكي دمشق عام 1154 للميلاد ووافته المنية ليدفن فيها عام 1174. لنور الدين إنجازات عديدة أسهب في وصفها وأطنب معاصره المؤرخ الدمشقي إبن عساكر (1105-1176) وعلى سبيل المثال تقى نور الدين وورعه وغيرته على الدين وعلمه الغزير ورعايته للعلماء وإهتمامه بالصحة الجسدية والعقلية لرعاياه وإلغائه للضرائب الجائرة والمكوس وحمايته للأيتام والفقراء وزهده وتقشفه وجهاده ضد الإفرج (أي الصليبيين) وكل ذلك وأكثر ما هو إلا غيض من فيض على حد تعبير إبن عساكر.

علاوة على كل ما سبق لا يغفل المؤلف دور نور الدين في "قمع الرافضة" والبدع وفرض علامات مميزة لليهود والمسيحيين أي خلاصة الكلام محاولة توحيد الإسلام تحت راية السنة ومذاهبها الفقهية الأربعة.

شهد العالم الإسلامي ما إعتبره البعض عصراً شيعياً إعتباراً من القرن العاشر الميلادي مع صعود البويهيين في العراق وإيران والحمدانيين في حلب والفاطميين (أي الإسماعيليين) في شمال إفريقية والمغرب ومنها إلى مصر ومن ثم ظهور الدروز ولربما وصل المد الشيعي إلى أوجه تحت الخلافة الفاطمية في القاهرة.

بدأت ردة الفعل السنية في منتصف القرن الحادي عشر مع الأتراك السلاجقة الذين ألحقوا بالبيزنطيين هزيمة شنعاء تحت قيادة زعيمهم ألب أرسلان وطردوهم من معظم آسيا الصغرى (مما أدى لأن يستنجد البيزنطيون بالصليبيين وهكذا إنتقلوا "من تحت الدلف لتحت المزراب") و أعادوا للخليفة العباسي السيادة الإسمية على العالم الإسلامي.


بعد السلاجقة أتى الأتابكة ثم الأيوبيون وقام عاملا نور الدين الأميران الكرديان أسد الدين شيركوه وإبن أخيه صلاح الدين بالقضاء على الدولة الفاطمية وبذلك تحول الأزهر وهو أقدم جامعة إسلامية في العالم من مؤسسة إسماعيلية إلى سنية وقدر له أن يستمر كذلك حتى يومنا هذا.

Tuesday, August 9, 2016

الهاجرية وولادة العالم الإسلامي

من هم الهاجريون؟


صدر كتاب أقل ما يمكن القول عنه أنه مثير للجدل عن مطابع جامعة كامبردج عام 1977 للأكاديميين باتريشيا كرون (1945-2015) ومايكل كوك (1940-) يتناول أصول الإسلام من وجهة نظر مختلفة جذرياً عن الدراسات التقليدية التي تعتمد في تأريخ الإسلام على النصوص الإسلامية. يقول المؤلفان في المقدمة ودون مواربة أنه لا يمكن لأي مسلم مؤمن ان يتقبل آرائهما وأن الكتاب "كتبه كفار وهو موجه لقراء كفار".

وجهة نظر المؤلفين ببساطة أن المصادر الإسلامية مغرضة أولاً وأنها دونت بالشكل الذي نعرفه حالياً بعد أجيال من الأحداث التي تصفها ثانياً وكان الحل الذي لجأ إليه الكاتبان بناءً عليه هو البحث في المصادر الغير عربية التي عاصرت اللأحداث التي غيرت تاريخ الشرق الأدنى والبشرية في القرن السابع للميلاد والمقصود هنا المصادر السريانية والعبرية واليونانية واللاتينية والأرمنية وهلمجرا.

كلمة "الهاجرية" مشتقة من هاجر جارية إبراهيم وأم إسماعيل وللمؤلفين تفسير آخر يربط الكلمة بالهجرة والمقصود هنا خروج العرب من الجزيرة العربية لغزو الهلال الخصيب والشرق الأدنى وليس الهجرة من مكة إلى المدينة والتي لا ذكر لها خارج المصادر الإسلامية. يترتب على ذلك نتائج لعل أهمها تلبس محمد لدور موسى كمخلص قاد شعبه إلى أرض الميعاد وبالتالي نستطيع أن ننظر لبداية الإسلام كدمج للقيم اليهودية مع القوة البربرية وهنا يشير الكاتبان أن مصطلحات "إسلام" و"مسلمين" ظهرت للمرة الأولى (أو على الأقل حسب ما نعرفه حالياً) في قبة الصخرة عام 691 للميلاد. شهدت العقود اللاحقة بالطبع تطور الإسلام من ديانة قبلية وإله الإسلام من إله قبلي على غرار اليهودية إلى دين ذي طموحات كونية مثله في ذلك مثل المسيحية وإن اختلفت الأساليب.

رفض معظم الأكاديميين النتائج التي توصل إليها المؤلفان وبالنتيجة تراجع الكاتبان نفسهما ولم يعد طبع الكتاب ولكن لحسن الحظ يمكن تحميله بالمجان على الشبكة.

تجدر الإشارة هنا إلى مقال هام للسيدة كرون عام 2008 يمكن إعتباره مسك الختام و أختصر أهم ما ورد فيه كما يلي:

1.لا شك بكون محمد شخصية تاريخية فهو مذكور في مصدر يوناني خلال سنتين من التاريخ المفترض لوفاته على أبعد تقدير كنبي دجال ظهر بين العرب مسلحاً بسيف ومزوداً بعربة.

2. رسالة محمد واضحة من خلال القرآن والذي لا يخبرنا الكثير عن حياة محمد وإن أعطانا فكرة اكثر من وافية عن فكره والعقيدة التي بشر بها.

3. مكان الدعوة بعيد عن الوضوح إذ ليس هناك ذكر لمكة قبل الفتوحات خارج المصادر العربية ولربما استطاع علماء الآثار في المستقبل ان يجدوا أدلة في هذا الصدد وإن كان التنقيب في الأماكن المقدسة حالياً من المحرمات.



https://www.opendemocracy.net/faith-europe_islam/mohammed_3866.jsp







Wednesday, July 20, 2016

سوريا الكبرى، قصة طموح



عنوان كتاب صدر عن جامعة أكسفورد عام 1990 لمؤلفه دانيل بايبس و هو أمريكي من مواليد 1949 و حائز على دكتوراة من جامعة هارفارد. تعلم العربية و درس القرآن و يعتبر من الخبراء في قضايا الشرق الأدنى و له في هذا الخصوص عدد كبير من المؤلفات. الكاتب يميني الإتجاه و عدو لدود "للإسلام المحارب". كان علاوة على ذلك من أشد المتحمسين "لتحرير" الولايات المتحدة للعراق عام 2003 و عل هذا كان أحد الأسباب التي حملت جورج بوش على تعيينه مديراً لمعهد الولايات المتحدة للسلام رغم معارضة الكثيرين. 


يستعرض بايبس مفهوم سوريا الكبرى منذ البدايات و هو مفهوم أو بالأحرى إصطلاح (و هناك مرادفات له كما هو مبين أدناه) سبق الحزب القومي السوري الإجتماعي و أنطون سعادة و إن لم يكن بالضرورة متطابقاً 100% من الناحية الجغرافية. ينوه بايبس منذ البداية لإزالة كل إلتباس بأنه لا يعتقد بوجود أمة سورية و لا أمة عربية و هو في هذا الصدد يتفق مع كثير من المستشرقين و منهم لورانس و جرترود بل.



سوريا كمفهوم جغرافي و ليس جيوسياسي قديمة للغاية و أما فكرة "الأمة السورية" فهي وليدة القرن العشرين أو نهاية القرن التاسع عشر على أبعد تحديد و قد إتخذت أكثر من شكل حسب الشخص أو الجهة التي تبنتها و على سبيل المثال: 
أولاً: شريف مكة حسين طالب بدولة (بالأحرى إمبراطورية) عربية تشمل سوريا و العراق و الجزيرة العربية و بالنتيجة حكم إبنه فيصل سوريا ثم العراق بعد أن طرده الفرنسيون من دمشق و إبنه الثاني عبد الله شرق الأردن. تقتضي الموضوعية الإقرار بأن الهاشميين كانوا يبحثون عن مملكة أو ممالك دون إلتزام فكري أو وطني و قد حصلوا على هذه الممالك فعلاً بغض النظر عن شكواهم ليلاً نهاراً أن الإنجليز "خدعوهم". بالطبع كانت حصة عبدالله (الأول) في الأردن أقل بكثير من غنيمة فيصل في العراق و عل هذا كان وراء مشروع "سوريا الكبرى" كأحد بنات أفكار حاكم عمان. 


ثانياً: الأمير عبد الإله (الوصي على عرش بغداد) أتى بمشروع "الهلال الخصيب" بمساهمة من السياسي المخضرم نوري السعيد. هذا المصطلح و خلافاً لما يعتقده الكثيرون حديث نسبياً و قد أتى به المؤرخ الأمريكي جيمس برستد في مطلع القرن العشرين. 




ثالثاً: سوريا الكبرى كما عرفها الحزب القومي السوري و سعادة. 



في النهاية يصل الكاتب إلى نتيجة مفادها أن الراحل حافظ الأسد وبغض النظر عن المسميات كان الأكثر نجاحاً في محاولة تحويل حلم سوريا الكبرى إلى حقيقة و يبني رأيه بالطبع على وضع الشرق الأدنى في منتصف إلى أواخر الثمانينات: النفوذ السوري في أوجه في لبنان، منظمة التحرير الفلسطينية (أو على الأقل عديد من فروعها) موالية لسوريا، و حتى ملك الأردن حسين بدا وكأنه يتقارب مع دمشق بعد أن نبذ الإخوان المسلمين عام 1985 و الذين إكتشف فجأة أنهم خدعوه واستغلوا طيبة قلبه وحسن نواياه. الكتاب طبعاً سبق غزو العراق للكويت و سقوط الإتحاد السوفيتي و إتفاقية أوسلو ثم تبادل العلاقات الدبلوماسية بين الأردن وإسرائيل.

Monday, May 30, 2016

حافظ الأسد والصراع على الشرق الأوسط

 تبقى كتب باتريك سيل "الصراع على سوريا" الذي صدر في منتصف الستينات و "الأسد" أفضل ما أنتجه في حياته المهنية الغنية. تفصل بين الكتابين فترة تتجاوز العشرين عاماً تحولت فيها سوريا بقيادة الأسد (كما يبدو من العناوين) من جائزة تتصارع عليها القوي الإقليمية و العالمية إلى طرف في الصراع الإقليمي في الشرق الأدنى.

  المؤلف بريطاني من مواليد 1930 و توفي عام 2014. كان من تلامذة ألبرت حوراني (1915-1993) مثله في ذلك مثل كاتب سيرة الأسد الإسرائيلي موشيه ماوز و صدر كتابيهما عن الأسد في نفس العام أي 1988 و يسبق كتاب ماوز عمل سيل ببضعة أشهر و لكن كتاب سيل أغنى مادة و يبقى بعد ثلاثة عقود أكمل و أفضل سيرة للرئِيس الراحل وعل أحد الأسباب أن سيل كان يستطيع مقابلة المسؤولين السوريين و في مقدمتهم الأسد نفسه إضافة لأولاده  بشرى و باسل مما يتعذر تحقيقه على أكاديمي إسرائيلي.








أهدى سيل الكتاب إلى قرينته السابقة السيدة رنا قباني إبنة الدكتور صباح قباني شقيق شاعر دمشق و سوريا العظيم نزار قباني. يقسم الكتاب إلى قسمين: الأول يغطي خلفية الأسد و طريقه إلى السلطة و الثاني قيادته من 1971 و حتى منتصف الثمانينات و مع الأسف لم تصدر طبعة ثانية تغطي الفترة حتى وفاة الرئِيس السوري عام 2000 والتي شهدت أحداثاً جساماً أهمها على الصعيد الدولي سقوط الإتحاد السوفيتي في نهاية عام 1991 و هو العام الذي بدأ بحرب الولايات المتحدة ضد العراق فيما عرف "بعاصفة الصحراء". من نافل القول أن سيل إستمر في الكتابة عن العرب عموماً و سوريا خصوصاً إلى النهاية بمهنية و إخلاص و عاصر الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 (و كان معارضاً له من الألف إلى الياء) كما عاصر بدايات ما يسمى بالربيع العربي في سوريا و كان لا مناص أن يتهمه البعض بالتشبيح و من سخرية الأقدار أن السيدة رنا قباني و التي ساعدته في تنقيح مسودة كتابه عن الأسد أصبحت من الثوار (المعتدلين طبعاً) مع كثير من المثقفين السوريين المغتربين.


رئِيس الجمهورية الدكتور نور الدين الأتاسي مع وزير الدفاع حافظ الأسد



الأسد مع قرينته السيدة أنيسة مخلوف و إبنته بشرى



الدكتور هنري كيسنجر حبيب العرب



الأسد مع ميخائيل غورباتشوف في موسكو عام 1987. غير سقوط الإتحاد السوفيتي الكثير في الشرق الأدنى


Saturday, May 28, 2016

حافظ الأسد أبو الهول دمشق

تم نشر سيرة الرئيس الراحل حافظ الأسد كما رواها الأكاديمي الإسرائيلي موشيه ماوز عام 1988 أي قبل  أقل من  عام واحد من كتاب باتريك سيل الأكثر شهرة "الأسد: الصراع على الشرق الأوسط". كتاب ماوز مهدى إلى أحد أساتذته ألبرت حوراني 1915-1993 المؤرخ البريطاني من أصول لبنانية أما عن الكاتب فهو من مواليد تل أبيب عام 1935 و قد خدم في الجيش الإسرائيلي بين 1952-1955 و حصل على ماجستير من الجامعة العبرية في القدس عام 1961 ثم دكتوراه من أكسفورد و كان مستشاراً للحكومة الإسرائيلية و هو حالياً أستاذ متقاعد في الجامعة العبرية ويعتبر خبيراً في الشؤون العربية و الإسلامية عموماً و السورية خصوصاً.




تتعرض المقدمة إلى أصول العلويين و قبائلهم و الإضطهاد الذي لحق بهم سابقاً ثم أسرة الأسد و حزب البعث و دخول الشاب حافظ الأسد إلى الكلية الحربية 1952-1955 ليتخرج منها كضابط طيار و اللجنة العسكرية لحزب البعث إلى آخره كل هذا معروف و هناك مصادر أغنى تبحث به تفصيلاً.



ينتقل ماوز بعدها إلى تقديم شخصية الأسد "الرجل و القائد" و يستهل الفصل (صفحة 41) بالقول أنه حتى الذين يكرهون الأسد و يخشونه لا يملكون إلا أن يعجبوا به و يستشهد في هذا الصدد بأمثال حسنين هيكل و هنري كيسنجر و كريم بقرادوني (من حزب الكتائب اللبنانية) و يصفه كرجل لا يدخن و لا يشرب و يمارس المطالعة والسباحة و التنس و يستمع للموسيقى الغربية الكلاسيكية. الأسد شديد الذكاء و ذو أعصاب حديدية و يتكلم بهدوء و لكن بحزم و لا يسرف في العبارات. إنه ملتزم فكرياً بالوحدة العربية أو بالأحرى سوريا الكبرى و الصراع ضد إسرائيل و يعتبر نفسه إستمراراً لصلاح الدين و عبد الناصر.



إستطاع الأسد بعد وصوله إلى سدة الحكم أن يقضي على التناحر المزمن بين الضباط السوريين و نجح ليس فقط في تعزيز الجيش السوري عدة و عدداً و لكنه أيضاً خلق قوة مقاتلة فعالة كما أثبتت حرب تشرين 1973 و هكذا وللمرة الأولى في تاريخ سوريا أصبح الرئيس يسيطر على الجيش و ليس العكس. سياسات الأسد تميزت بالواقعية وعلى سبيل المثال قبلت سوريا بتوجيهه قرار مجلس الأمن 242 و الذي رفضه صلاح جديد سابقاً كما قام الأسد بالتقارب مع الدول العربية "الرجعية" بغية توحيد الصف في مواجهة إسرائيل و إنهاء عزلة سوريا. في مقابلة له مع جريدة نيوزويك بعد حرب تشرين و تحديداً في شباط 1975 أبدى الأسد إستعداده للإعتراف بإسرائيل إذا تحققت شروط معينة. 

قصة إختيار السادات مسار الصلح المنفرد مع إسرائيل معروفة و أطول من أن تغطيها سطور قليلة و قد حاول الأسد جهده أن يخلق بديلاً "شرقياً" لمصر كعمق إستراتيجي لسوريا و كان هذا عن طريق محاولة للتقارب مع لبنان و الأردن و العراق و منظمة التحرير الفلسطينية و بنجاح متفاوت: تفجرت الحرب الأهلية في لبنان و تحول شهر العسل مع الأردن إلى عداء علني عندما ساند الملك حسين الإخوان المسلمين و العراق (كان في فترة السبعينات يزاود على سوريا كما كانت سوريا تزاود على مصر في الستينات) بعد أن ساند سوريا في معارضتها للسلام المصري الإسرائيلي طرد السفير السوري من بغداد عام 1980 ثم هاجم إيران عوضاً عن إسرائيل "لحماية البوابة الشرقية للأمة العربية" فيما دعي "بقادسية صدام" أما منظمة التحرير بقيادة ياسر عرفات فقد حاولت أن تنتهج طريقاً مستقلاً مما حدى الأسد أن يدعم أبو موسى و الفصائل المعارضة لعرفات.

وصف ماوز الفترة 1970-1976 "بسنوات الخير" و لكن النصف الثاني للسبعينات شهد علاوة على تأزم الوضع الإقليمي تدهور الوضع الداخلي و تصعيد العنف عندما باشر الإسلاميون المتطرفون حملة من الإغتيالات تناولت أشخاص محسوبين على السلطة (يذكر المؤلف على سبيل المثال رئيس الجامعة محمد الفاضل و أضيف إليه الطبيب يوسف صايغ مدرس الغدد الصم في كلية الطب جامعة دمشق و هناك غيرهم) و عل حادثة مدرسة المدفعية عام 1979 كانت نقطة اللاعودة في الصراع بين الحكومة و الإسلاميين المتشددين و الذي حسم في الأحداث الدامية التي شهدتها حماة في مطلع عام 1982 عندما قام العصاة بمهاجمة المراكز الحكومية و قتل 250 من الناس معظمهم من الموظفين و إعلان "الجهاد ضد نظام الأسد الملحد" (الكاتب يتعرض بالتفصيل لجهود الأسد للتركيز على الهوية الإسلامية للعلويين و كيف إستصدر فتوى من الإمام موسى الصدر عام 1973 في هذا الصدد). ردت القوات الحكومية العنف أضعافاً و يقدر الكاتب عدد القتلى في حماة 10,000-30,000 و يزعم بعدها أن 800,000 سوري هاجروا البلد بعد المجزرة و هو رقم غير معقول إذا أخذنا بعين الإعتبار أن عدد السكان الإجمالي وقتها لم يكن يتجاوز العشرة ملايين. 

غزت إسرائيل لبنان في حزيران 1982 و أسقطت عشرات من الطائرات السورية بينما عجز الجيش السوري عن حماية بيروت. بدا وقتها أن الأسد و سوريا في الحضيض بين الأزمة الداخلية و العزلة العربية و الدولية و التهديد الإسرائيلي وجاء مرض الأسد الذي يعاني من الداء السكري ليزيد الطين بلة عندما أصيب بأزمة قلبية في تشرين الثاني 1983 وحصل لديه إرتكاس نجم عنه دخوله إلى المشفى مجدداً في مطلع 1984 عندما إعتقد شقيقه رفعت أن الأوان قد آن ليحل محل أخيه (أذكر وقتها مشاهدة لافتات في دمشق بعنوان "رفعت الفارس في قلب كل فارس") و لكن الأسد تعافى بما يكفي لأن يستنفر الجيش السوري و يعزل رفعت عن قيادة سرايا الدفاع التي جرى حلها و بعد ذلك تم تعيين رفعت نائب رئيس جمهورية و إحالته إلى الإستيداع. في هذه الأثناء قام الرئيس اللبناني أمين الجميل (بعد إغتيال أخيه بشير في أيلول 1982) بتوقيع إتفاقية مع إسرائيل في 17 أيار 1983 و التي عارضتها سوريا بكل الوسائل بما فيها "الإرهاب" حسب تعبير الكاتب حتى أحبطت و على هذا كان أكبر إنتصار للأسد في تاريخه. 

كان "التوازن الإستراتيجي" مع إسرائيل شغل الأسد الشاغل بالذات بعد توقيع معاهدة السلام بين مصر و إسرائيل في آذار ١٩٧٩ و قد رد الأسد بمحاولة خلق "جبهة الصمود و التصدي" (و التي وصفها رئيس الوزراء الأردني المزاود مضر بدران "بالجحود و التردي" عندما غزت إسرائيل لبنان و شمت الأردنيون أو بالأحرى حكومتهم بسوريا كما هي العادة بين الإخوة العرب) و أيضاً بتوقيع معاهدة مع الإتحاد السوفيتي عام 1980.

يختم الكاتب بأنه رغم جميع إنجازات الأسد فقد عجز عن بناء أمة سورية بسبب إعتماده على ولاء العسكر العلويين وأن سياساته الإقليمية (كدعم الموارنة في لبنان عام 1976 و الوقوف مع إيران في حرب الخليج) أثارت نقمة الكثيرين من العرب و السوريين و يشكك بأن يستطيع من يخلفه في الحكم أن يحافظ على المكانة غير المسبوقة لسوريا كقوة إقليمية و التي تحققت على يد حافظ الأسد.