Friday, December 16, 2016

عن الدعوة للإصلاح الديني في العالم الإسلامي


كان رد فعل الغرب عموماً والولايات المتحدة خصوصاً على مجزرة 11 أيلول 2001 مزيجاً من الصدمة والأسى والغضب الشديد. تصاعدت الأصوات من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار تندد بالجريمة الشنعاء التي أزهقت أرواح الآلاف من الأبرياء في لحظات معدودة وتطالب برد فعل فوري وحازم بكون جديراً بأقوى وأغنى دول العالم في مطلع القرن الواحد والعشرين.

منهم من طالب وبحق بمطاردة المجرمين ومن يؤويهم ويدعمهم أنى كانوا ومحاكمتهم وإن تعذر ذلك فقتلهم دون رحمة ومنهم من طالب العالم الإسلامي برمته أن يتبرأ من الإرهابيين ويعتذر بإسم الإسلام وآخرون رفعوا عقيرتهم ينادون أنه قد آن الأوان لحركة إصلاح ديني تلحق الإسلام والمسلمين بالعالم المتمدن والحضارة والتنوير.

قبل التعرض للمناداة بالإصلاح يحسن التوكيد أن العالم الإسلامي لا يدين للغرب بأي اعتذار لا على 11 أيلول ولا غيره. مسؤولية المسلم العادي عن 11 أيلول كمسؤولبة المسيحي عن الحروب الصليبية أو مسؤولية اليهودي عن قصف اسرائيل لغزة. المجرم فقط يحاسب وليس كل من شاركه لغته أو لون بشرته أو بعض معتقداته ودون التفصيل في نفاق الغرب الذي لا يجد غضاضة في دعم التطرف الديني طالما كان موجهاً ضد أعدائه كما دعمت الولايات المتحدة السعودية منذ أربعينات القرن العشرين على مبدأ "حكلي لحكلك".

ماذا عن الدعوة للإصلاح الديني؟ هل الإسلام بحاجة ماسة إليه فعلاً كما يزعم البعض من المسلمين وغير المسلمين؟ هل يمكن لهكذا إصلاح أن يتمخض عن "عصر نهضة" ومن ثم "ثورة صناعية" وحتى "معلوماتية" أسوة بالغرب؟

لربما يفاجأ الكثيرون أن الدعوة للإصلاح الديني في العالم الإسلامي ليست جديدة على الإطلاق ولا أقصد هنا أمثال جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده. دون العودة إلى القرون الوسطى أحب هنا أن أنوه أن أحد أهم وأشهر وأنجح حركات "الإصلاح" هي الحركة الوهابية التي رأت النور في القرن الثامن عشر وأستشهد هنا بالكتب المدرسية السورية في عهد حزب البعث على الأقل عندما كنت أنا طالباً. للتذكرة هذه الكتب تقول أن الوهابية تدعوا للإقتداء بالسلف الصالح (السلفية) والعودة إلى أصول الإسلام (لم يكن "الإسلام الأصولي" مسبة تلك الأيام حتى في الغرب) ونبذ البدع التي أدت لانحراف الدين عن صراطه المستقيم وهذا بالضبط ما أدى إلى ضعف وانحطاط الأمة. صدق أو لا تصدق كانت نظرة المناهج السورية "التقدمية" في ذلك الوقت للوهابية إيجابية أو على الأقل حيادية!

لربما قال البعض أن فشل الإصلاح الديني في البلاد ذات الأكثرية الإسلامية سببه أن هذا الإصلاح "لم يطبق كما يجب" أو أن بعضهم استغله لتحقيق مصالح دنيوية وأنانية وأن النصوص الدينية يجب أن تفسر بشكل مختلف وأنه يجب اتباع بعض حركات الإصلاح دون سواها وأنه وأن…. وإلا ما سبب "نجاح" الإصلاح الديني في الغرب؟

هل نجح الإصلاح الديني في الغرب فعلاً؟ هل يعزى تفوق الغرب إلى الإصلاح الديني؟ هل المسيحية في الغرب أكثر تسامحاً من الإسلام في الشرق؟ أعتقد أن الجواب للأسئلة الثلاثة لا ولا ولا.

حركة الإصلاح الديني في أوروبا شديدة التعقيد ومتباينة الأسباب وبالتالي لا يمكن الإحاطة بها في أسطر قليلة وسأقتصر على مثالين يختلفان عن بعضهما اختلاف الليل عن النهار:

الأول في إنجلترة في عهد هىري الثامن (1509-1547). استقل هذا الملك عن الكنيسة الكاثوليكية لسببين: الأول كي يبطل زواجه من كاثرين آراغون ويتزوج آن بولين التي كان يشتهيها (والتي أمر لاحقاً بقطع رأسها ليتزوج بعدها أربع مرات إضافية) والثاني كي يصادر أموال الكنيسة الكاثوليكية لمصلحة التاج البريطاني.

الثاني إصلاح الفرنسي جان كالفين (1509-1564) مؤسس الكلفينية التي تضاهي الإسلام الأصولي أو بالأحرى تفوقه في التزمت والتي تعبد إلهاً أشبه "برب الجنود" في العهد القديم منه بالمسيح المخلص في العهد الجديد.

لا داعي للخوض في الحروب الدينية لا في الغرب ولا في الشرق ويكفي القول أن الإنسان المتدين مثله مثل غير المتدين يمكن أن يكون قديساً ويمكن أن يكون شيطاناً وأكتفي بالقول أن تسامح الغرب اليوم وتفوقه يعزى لعوامل لا علاقة للدين بها لا من قريب ولا من بعيد.

كي نصلح ديناً -أي دين- يجب أن نختار النصوص المقدسة التي تعجبنا أو التي يمكن تفسيرها "على الموضة" وأن نتجاهل تلك التي لا تعجبنا وإذا أحرجنا أحدهم واضطرنا إى التعرض إلى هذه النصوص لجئنا إلى التعليل والتأويل بأغرب التفسيرات وأكثرها منافاة للعقل بحيث نجرد الكلمات من معانيها ويصبح الموضوع مجرد تلاعب بالألفاظ وتضليل للنفس قبل الغير.

ليس إسلاميو سوريا من "يتسامح" مع الأقليات المسيحية أو الغير" مسلمة بما فيه الكفاية" (كلمة "تسامح" بحد ذاتها إهانة ضمنية للأقليات ومعاملة فوقية) وبنفس المحاكمة ليس مسيحيو الغرب من "يتسامح" مع أقلياته الكثيرة بما فيها الإسلامية.

يعرًف كثير من سياسيي أوروبا أنفسهم كلا دينيين ولكن حتى في الولايات المتحدة الأمريكية والتي لا يجرؤ زعمائها على المجاهرة "بكفرهم" نظراً لكثرة الأمريكيين المتدينين وقوتهم ينص الدستور صراحة على فصل الدين عن الدولة. هذا الفصل هو سبب التسامح الديني في الغرب ولربما كان أحد عوامل تفوقه العلمي والتكنولوجي وإن لم يكف بحد ذاته لتفسير هذا التفوق.













No comments:

Post a Comment