Tuesday, March 29, 2016

تقديم لكتاب "تاريخ سوريا الحديث" لعبد اللطيف طيباوي

ولد الكاتب قرب طولكرم عام 1910 و نال درجته في التاريخ من الجامعة الأمريكية في بيروت. ألف كتباً عديدة قبل أن توافيه المنية عام 1981 و نشر كتابه و هو موضوع هذه السطور عام 1969 و هو تاريخ سياسي في مجمله يتناول الفترة بين حملة نابوليون على مصر و جنوب سوريا بداية من عام 1798 و نهاية بحرب حزيران 1967. يتجاوز طول الكتاب 400 صفحة و ليس هدفي محاولة تلخيصه و لا التعليق عليه و إنما نقل أفكار الكاتب من خلال مؤلفه بفتح اللام بأمانة مع التركيز على بعض المواضيع التي يبدي فيها وجهة نظر مغايرة للدراسات التاريخية التقليدية خصوصاً الغربية منها و لن أتعرض للبعض الآخر من المواضيع إلا ضمن أضيق الحدود إذ أهرق فيها من الحبر ما هو أكثر من الكفاية. تجدر الإشارة أن ما يقصده الكاتب بسوريا هو سوريا الجغرافية.






الفصل الأول مخصص لمقدمة مختصرة عن أهمية و ديمومة أثر الفتح العربي في القرن السابع الميلادي و يتطرق إلى الفتح العثماني في مطلع القرن السادس عشر ليدخل بعدها في لب القصيد و هي الفترة التي تستهلها حملة بونابارت عام 1798 و التي أحبطت تحت أسوار عكا بجهد عثماني - إنجليزي لمع فيه نجم أحمد باشا الجزار.

يتعرض الفصل الثاني للحركة الوهابية و التي قضى عليها والي مصر محمد علي ثم يتطرق إلى زيادة نفوذ الأقليات الدينية المسيحية و خصوصاً اليهودية و يفسر ذلك (صفحة 46) أن هذه الأقليات أكثر مطواعية للحكام و الولاة خاصة إذا تعلق الأمر بمواضيع مشبوهة أخلاقياً (كممارسة الربا) مما لا يرضى شيوخ المسلمين التقاة أن يتورطوا فيها و يضرب مثالاً على ذلك حاييم فارحي الذي جمع ثروة ضخمة كمستشار في الأمور المالية. يعرج الكاتب بعدها إلى ثورة اليونان في عشرينات القرن التاسع عشر و التي إفتتحها اليونانيون بذبح المسلمين.

الفصل الثالث عن إحتلال إبراهيم باشا لسوريا و إستغلالها إقتصادياً لصالح محمد علي و فرض الخدمة العسكرية الإلزامية التي أثارت إستياء كثير من السوريين. حابى إبراهيم باشا مسيحيي سوريا خصوصاً و الأقليات عموماً و كان المدعو حنا بحري متنفذاً في مجال المالية. يذكر طيباوي في الصفحة 90 بإختصار غير معهود "قضية دمشق" عندما إختفى الأب توما كبوشي و إتهم اليهود بإستعمال دمه لخبز فطيرهم و يبدوا أنه يسلم ضمناً و إن لم يقل ذلك صراحة بأن بعض اليهود قاموا فعلاً بقتل الراهب بعد سرقته و يستشهد بميخائيل مشاقة الذي قال ما معناه أنه لو تعاونت الطائفة اليهودية عوضاً عن إنكار ذنب بعض الأنذال فيها لما وصلت الأمور لما وصلت إليه.

بعد التطرق إلى الإصلاحات العثمانية المعروفة تحت إسم التنظيمات يتعرض الفصل الرابع إلى بواكير المشاكل الطائفية بين الدروز و الموارنة و صعود نجم الموارنة على حساب الدروز  (أسياد لبنان الإقطاعيين حتى ذلك الحين) ثم هجرة العديد من الدروز من جبل لبنان (الذي كان يدعى وقتها جبل الدروز) إلى حوران هرباً من الإضطهاد. زاد تدخل أوروبا بذريعة حماية الأقليات بالتدريج: الروس للأرثودوكس، فرنسا للكاثوليك، بريطانيا للدروز و اليهود و البروتستانت كما زاد دور البعثات التبشيرية. في عام 1856 صدر عن الباب العالي خط همايون الذي أعلن مساواة كل الرعايا العثمانيين بغض النظر عن دينهم.



 تناول الفصل الخامس الحرب الأهلية عام 1860 أو بالأحرى المجزرة التي يطلق عليها إسم "طوشة النصارى" و يرجع خلفيتها إلى تدخل قوى خارجية و إقليمية. يقول (صفحة 123) أن المصريين نزعوا سلاح الدروز و تركوا للمسيحيين أسلحتهم و أن عملاء البريطانيين قاموا بتوزيع الأسلحة عام 1840 (في إطار خططهم لطرد إبراهيم باشا من سوريا) و يضيف أن أحداث 1860 رويت من وجهة نظر الموارنة من قبل كتاب متحاملين على الدروز و العثمانيين و بالتالي الإسلام مشدداً على أن الدروز كانوا أقل عدداً و عدة من الموارنة و أن بداية سفك الدماء كانت عندما هاجم الموارنة الدروز في قرية عين دارا (صفحة 124) ثم إنتقلت الفتنة إلى دمشق عن طريق بعض المحرضين الدروز و دامت المذبحة أربعة أيام إعتباراً من 9 تموز و شارك فيها العديد من المسلمين و لم يستطع الوالي أحمد باشا إحتواء العنف لعدم توافر قوات كافية تحت تصرفه. يضيف الكاتب أن الدمشقيون إستهجنوا إعدام أحمد باشا بأمر الباب العالي و إعتبروه شهيداً. يتستنتج طيباوي (صفحة 133) أن التشجيع الأوروبي هو الذي غرر بمسيحيي سوريا و حملهم على التطرف بعد أن يقول (صفحة 131) أن أحداً لم يعاقب هولاء على دورهم في إشعال الأزمة و التي بولغ حسب ظنه بدوافعها الطائفية على إعتبار أن المجزرة لم تطل اليهود. يختم المؤلف هذا الفصل بالتقليل من أهمية المطابع اليسوعية و الأمريكية في إحياء التراث اللغوي العربي (صفحة 145) كونها ركزت إهتمامها على التبشير و المواضيع الدينية و الطائفية و بالتالي كانت موجهة للمسيحيين فقط بينما كانت مطابع بولاق و القسطنطينية مقبولة من كل العرب السوريين.
الفصل السادس يسرد قصة تضارب ولاءات السوريين و بحثهم عن هوية ثم ينتقل إلى الوالي مدحت باشا (حكم سوريا 1878-1881) و في زعمه أن شعبية هذا الأخير و إنجازاته في الشام مبالغ فيها (صفحة 157) و أنه كان طموحاً و يلعب على الحبلين. يتطرق الكاتب بعدها إلى بدايات الهجرة اليهودية إلى فلسطين من أربعينات القرن التاسع عشر أو قبلها ثم ينتقل في الفصل السابع إلى علاقة السلطان عبد الحميد  مع سوريا و الإنجازات التي تمت في عهده كشق السكك الحديدية و غيرها و من الواضح تعاطفه مع عبد الحميد و العثمانيين عموماً و الذين عززوا علاقتهم مع ألمانيا (صفحة 188) إعتباراً أواخر القرن و إستمر هذا بعد صعود جماعة الإتحاد و الترقي و تركيا الفتاة صفحة 199.

الفصول 8-10 تتناول الحرب العالمية الأولى و ما يسمى بالثورة العربية الكبرى و وعود بريطانيا للهاشميين ثم ما جرى بعد الحرب و تشمل حوالي 170 صفحة لا مجال للتعرض لها في أسطر قليلة و في كل الأحوال يوجد تيهور من الكتب التي تناولتها بالتفصيل. الفصل الحادي عشر يغطي فترة إنتداب فرنسا و الثاني عشر و هو الأخير عهد الإستقلال مروراً بالإنقلابات العسكرية و الوحدة و الإنفصال و البعث إلى كارثة 1967 حيث يتوقف السرد.

إذا بقي ذرة من شك بعد مطالعة 420 صفحة عن كون الكاتب إسلامي الهوى فستبدد في سطوره الأخيرة: "طالما مشت سوريا خلال تاريخها إلى النصر و المجد تحت راية الإسلام و إلى الآن لم تستطع أن تبرهن على قدرتها  على مجاراة ذلك تحت راية العروبة".



Monday, March 28, 2016

Salon d’une maison de Damas

Dessin de Barclay
D’après une photographie

La Syrie d'aujourd'hui 1875-1878 
Lortet, Louis 1836-1909
Paris Hachette 1880-1882
Le Tour du Monde

"Dans la ville, un grand nombre de palais magnifiques à l’intérieur n’ont l’air, au dehors, que de véritables masures. Ces splendides habitations sont aujourd’hui presques toutes entre les mains des Israélites; quelques-unes sont encore habitées par des familles nobles du pays, à moitié ruinées, depossédées de leurs fiefs par le gouvernement turc, et qui ne peuvent continuer le luxes de leurs ancêtres...

De vaste salons précédés d’un selamlik, c’est-à-dire d’une sorte de vestibule destiné à recevoir les étrangers, s’ouvrent sur la cour et sont séparés d’elles par quelques marches en marbres blanc. Ces salles, très élevées, sont d’une richesse d’ornementation impossible à décrire...."


اللوحة عن صورة لبيت خزنة كاتبي/نظام في سبعينات القرن التاسع عشر و النص ترجمة عن الطبيب و المستشرق الفرنسي لورتيه.

"يوجد في المدينة عدد كبير من القصور البديعة من الداخل و التي تبدو كالأكواخ الحقيرة المتداعية من الخارج. يمتلك اليهود حالياً معظم هذه البيوت الرائعة و لكن لا يزال بعضها في حوزة عائلات من أشراف البلد نصف مفلسين بعد أن إستحوذت الحكومة التركية على إقطاعاتهم و من هنا عجزهم عن مجاراة بذخ أسلافهم.... 

يقود السلاملك (و هو نوع من الممر المعد لإستقبال الزوار الغرباء) إلى قاعات فسيحة مفتوحة على صحن البيت و مفصولة عنه ببضع درجات من المرمر الأبيض. هذه القاعات المرتفعة غنية بزخارف يعجز عن جمالها الوصف...."






Véranda (liwân) d’une maison de Damas

Dessin de Barclay
D’après une photographie

La Syrie d'aujourd'hui 1875-1878 
Lortet, Louis 1836-1909
Paris Hachette 1880-1882
Le Tour du Monde


"Dans la cour de ces riches demeures s’ouvre une vaste véranda, appelée liwân, dont le portique ogival supporte un plafond à caissons très richement fouillés. Les parois sont couvertes d’ornements en entrelacs les plus gracieux, d’incrustations en marbres, de stucs, de peinture. Des larges divans endossés contre les murailles servent à faire le kief, le soir, lorsque la rosée tombe abondamment de ce ciel toujours étincelant."


إيوان أو ليوان بيت دمشقي حسب الطبيب و المستشرق الفرنسي لورتيه

"تطل شرفة واسعة تسمى الليوان على صحن هذه البيوت الباذخة. للليوان رواق ذو قوس قوطية يعلوها سقف شديد الغنى بالزخارف الدقيقة المحفورة. تغطي الجدران زخارف متشابكة في منتهى الجمال ملونة و مرصعة بالمرمر و الجص. تستند على الجدران مقاعد كبيرة مخصصة للإسترخاء و القيلولة في المساء عندما يهطل قطر الندى من هذه السماء الساطعة أبداً.."




Sunday, March 27, 2016

Estrade dans un jardin de Damas



كان لوي شارل إميل لورتيه (1836-1909) طبيباً و مستشرقاً فرنسياً متعدد الإهتمامات بين علوم النبات و الحيوان و غيرها و كتب العديد من المؤلفات أحدها "سوريا اليوم" و الذي صدر بين 1880-1882 و يمكن تحميل نصه الكامل بالمجان على الإنترنت. الصورة المرفقة لمنصة أو دكة في إحدى حدائق دمشق و الأسطر التالية ترجمة لما كتبه عنها. 

"تزين حدائق عامة بعض مناطق المدينة حيث نجد مقاهي بهية الإنارة في المساء تظللها أشجار باسقة و تتخللها جداول صافية المياه.... هذه الحدائق مزودة بالعديد من المنصات المستندة على أوتاد على إرتفاع مترين من الأرض و يسترخي الدمشقيون على هذه المنصات دون مبالاة للتدخين و إحتساء القهوة".









Dessin E. Ronjat
D’après une photographie

La Syrie d'aujourd'hui 1875-1878 
Lortet, Louis 1836-1909
Paris Hachette 1880-1882
Le Tour du Monde

"Certaines parties de la ville sont ornées de jardins publics au milieu desquels se trouvent des cafés brillamment illuminés le soir; ils sont ombragés de grands arbres et sillonnés par des ruisseaux limpides...Les jardins sont pourvus d’estrades établies sur des pieux à deux mètres au-dessus du sol, sur lesquelles les Damasquins s’étendent non-chalamment pour fumer et prendre le café."



Sunday, March 20, 2016

A Street in Late 19th century Damascus

A street in Damascus in 1880. Seen on the right is a man wearing a modern European suit except that he has a fez for a head cover. The fez was an innovation introduced under the Orttoman Sultan Mahmud II 1808-1839 who might as well be considered the Ataturk of the 19th century. Under his reign several reformations were introduced so that the decaying Ottoman Empire could catch-up with the rise of Europe in particular and the West in general. The Janissaries were exterminated, administrative reforms introduced, and the European dress plus the fez encouraged, the latter to replace the traditional turban. Unuckily for Mahumd, his reign witnessed the Wahhabi menace, Greece's independence, and -most alarmingly- the rise of Egyptian power under the leadership of the formidable Muhammad Ali. Cairo was to mutate into a center of gravity at least as important as Constantinople and Egypt became independent in all but name. A century later it was the turn of Ataturk to implement far more drastic measures aimed at reinvigorating a war-torn Turkey. His aim was to make Turkey a part of Europe at the expense of its oriental heritage and for that he spared no measure however draconian. He changed the alphabet from Arabic to Latin, banned the fez that was replaced by the European hat, etc.. Ataturk's relation with Islam was nevertheless ambiguous at best. It is true that he marginalized the role of religion and ulema in modern Turkey to a great extent but it also remains undeniable that his age was to witness the evacuation of the vast majority of Christians (suddenly deemed "Greeks") from Asia Minor. Not to be outdone by "secular" Turkey, Greece rid itself of its Muslim "Turks". 




Saturday, March 5, 2016

فيليب حتي و تاريخ سوريا


لربما كان الراحل فيليب خوري حتي (1886-1978)  أشهر مؤرخي القرن العشرين للشرق الأدنى و العرب عموماً و سوريا خصوصاً و لا تزال كتبه (تاريخ العرب 1937, تاريخ سوريا 1951, خمسة آلاف سنة من تاريخ الشرق الأدنى 1961, و غيرها) مراجع كلاسيكية للمختصين و الهواة حتى يومنا هذا. فيليب حتي ولد في جبل لبنان في آواخر العهد العثماني و درس (مثله في ذلك مثل أخيه يوسف صاحب قاموس حتي الطبي) في "الجامعة الأمريكية في بيروت" عندما كانت تدعى"الكلية السورية البروتستانتية" قبل أن يهاجر إلى الولايات المتحدة الأمريكية و بالنتيجة يستقر فيها إعتباراً من عام 1926 ليكرس بقية حياته المهنية للتدريس و الأبحاث التاريخية المتعلقة بالشرق الأدنى و الإسلام و اللغات السامية. 

صدرت الطبعة الأولى من كتاب "تاريخ سوريا بما فيها لبنان و فلسطين" عام 1951 و أعيد طبع الكتاب عدة مرات لاحقاً كما ترجم ترجمة أمينة إلى اللغة العربية و إن إفتقرت هذه الأخيرة مع الأسف إلى الصور و اللوحات العديدة و الجميلة التي زينت النص الأصلي باللغة الإنجليزية. يمكن إجمالاً تقسيم الكتاب إلى قسمين: الأول و هو الأكبر (أكثر قليلاً من 400 صفحة) يبدأ من العصر الحجري و ينتهي مع نهاية العصر البيزنطي و الثاني (300 صفحة) يغطي الفترة الواقعة بين الغزو العربي في القرن السابع الميلادي إلى منتصف القرن العشرين و في إعتقادي أن هذا التوزيع أكثر من منصف لبلاد يبلغ عمر الحضارة فيها آلاف السنين معظمها قبل الإسلام و العروبة مع الإحترام لآراء العروبيين و الإسلاميين و ما يدرس في سوريا تحت باب العلوم الإجتماعية.

الكتاب شيق و ممتع  و علاوة على سرده للحوادث التاريخية و العلاقات السياسية فهو يغطي بشكل واف الحياة الفكرية و الثقافية و القانونية و الإدارية و الدينية و المعمارية و الفنية ليس فقط في العهود السامية القديمة و إنما أيضاً الفارسية و اليونانية و الرومانية و البيزنطية و التي تهملها أكثر المراجع العروبية كعهود "إستعمارية" ممجوجة و يرتكز منهجياً على النصوص المتوافرة إضافة إلى الآثار الملموسة من الأطلال و الأدوات و الخزف و العملة في سوريا و البلاد المجاورة.  فيما يتعلق بتاريخ سوريا في العهد الإسلامي يركز حتي و بحق على الحقبة الأموية و التي يعتبرها عهداً ذهبياً في تاريخ سوريا رغم الإضطرابات السياسية و الحروب الأهلية بينما كانت القرون العباسية إلى العهد الأتابكي قاسية على دمشق التي فقدت أولويتها مع إنتقال مركز الإمبراطورية إلى الشرق و من ثم مع تفتت هذه الإمبراطورية إلى دويلات متنافسة و متناحرة.

 على عكس الأب هنري لامان لا يمكن إتهام حتي بأي إنحياز ضد الإسلام و العرب و بنفس الوقت فقد إلتزم بشكل مهني و إعتماداً على المصادر الأصلية عربية كانت أم غير عربية برواية يمكن الإعتماد عليها كتاريخ موضوعي و ليس أساطير تمليها العواطف التي تتبنى ما يعجبها و تنكر أو تتجاهل السلبيات على حساب الحقيقة و عل الفصول التي تعالج فترة الحملات الصليبية و من عاصرها بداية من عماد الدين زنكي و نهاية بإنسحاب الإفرنج من جزيرة إرواد بشاهد على ما أقول. ينتهي الكتاب مع سقوط الإمبراطورية العثمانية و لا يتطرق إلى الفترة التي سبقت الإستقلال إلا ضمن أضيق الحدود كموضوع لم تكتب قصته حتى هذا الحين.

لجميع الذين يحبون سوريا و يهتمون بتاريخها و بنفس لا يملكون من الوقت ما يسمح بقراءة أكثر من كتاب عنها و لا التأهيل الأكاديمي للتمييز بين الحقيقة و الدعاية يبقى كتاب حتي بعد 65 من نشره أجمل و أكمل ما كتب عنها بلا منازع.



Tuesday, March 1, 2016

تقديم لكتاب "تاريخ سوريا" لهنري لامنس


كان الأب Henri Lammens 1862-1937 علماً من أعلام المستشرقين الأوروبيين و لربما فاقت معرفته بالنصوص العربية و الإسلامية القديمة (إضافة إلى ما يتعلق بها من النصوص اليونانية و اللاتينية) معظم علماء العرب و المسلمين. ولد لامان في بلجيكا و إلتحق بالكلية اليسوعية في بيروت عندما بلغ من العمر 15 سنة و مات و دفن في المدينة التي أصبحت لاحقاً عاصمة للبنان. ألف الكثير عن الكتب عن محمد و الإسلام و التي كانت نظرته إليهما سلبية في معظمها و إن كانت مستمدة إلى حد كبير من إستقراء عميق و إن كان منحازاً للنصوص الإسلامية الأصلية.

أستعرض في هذه السطور كتابه عن سوريا La Syrie : précis historiqueو الذي نشر عام 1921 و صدر عن المطبعة الكاثوليكية في بيروت. الكتاب موزع في  جزئين و تعداد صفحاته حوالي 550 صفحة. لغة المؤلف بفتح اللام فرنسية و هو موجود بالمجان على الإنترنت و على علمي لم يترجم. لهذا الكتاب أهمية خاصة و لربما كان أول ما صدر عن تاريخ سوريا و السبب بسيط: سوريا ككيان جغرافي سياسي ولدت مع إنتداب فرنسا بينما سوريا الجغرافية مفهوم قديم يتجاوز عمره ألفي سنة. يجدر التنويه أن لامان قام بتأليف الكتاب بناء على طلب الجنرال هنري غورو. 

يتعرض الكتاب لتاريخ سوريا بمنظور عكسي لمعظم ما يدرس في المناهج الحكومية في سوريا. للتوضيح فإن هذه المناهج تعتبر أن سوريا "قطر" في وطن عربي مزعوم و أن تاريخها رسمه في البداية "العرب الساميين" و الذين يشملون بقدرة قادر "العرب الفراعنة" و يستثنى منهم اليهود (رغم أنه لا يمكن إنكار أن اللغة العبرية سامية) . الفرس و اليونان و الرومان و البيزنطيين "غزاة" بينما غزو العرب في القرن السابع الميلادي "فتح" يعود بعده المستعمرون المماليك و العثمانيين و هلم جرا إلى جلاء الفرنسين عام 1946. المنظور الإسلامي عن تاريخ العرب و سوريا أكثر طرافة فهو يعتبر كل ما قبل الإسلام عهود جاهلية لا داعي لإضاعة الوقت بدراستها و لا حتى حماية آثارها (على الأقل فيما يتعلق بالوهابيين المتشددين كداعش). بالنسبة للامان العكس هو الصحيح: تاريخ سوريا الإسلامي برمته إنحطاط من الأمويين إلى العثمانيين دون إستثناء و التدخل الأوروبي بما فيه الصليبي أنعش هذا البلد الرازح تحت النير الإسلامي.

يستهل الكاتب سرده بفصل تمهيدي لا يتجاوز 29 صفحة لخص فيه تاريخ سوريا حتى الغزو العربي بعنوان "القومية السورية" تحدث فيه عن وحدة سوريا الجغرافية و العرقية و حيوية السوريين و كيف إستطاعت سوريا هضم العديد من الغزاة نهاية بالعهد البيزنطي الذي مزقته الخلافات الدينية حول الثالوث و طبيعة المسيح علاوة على الحروب مع الفرس و يختمه بظهور ما أسماه بالخطر العربي في القرن السابع للميلاد. يسلم لامان أن تلخيص آلاف من السنين ببضعة صفحات مبتسر أكثر مما ينبغي و لكنه يتذرع بضيق الوقت الذي منحه إياه الجنرال غورو لإتمام الكتاب.

الفصلان الثاني و الثالث تعريف بالجزيرة العربية و كيف كانت بدايات الإسلام فيها بقيادة محمد. الفصل الرابع يسرد قصة الغزو العربي لسوريا نهاية بتولي مروان إبن الحكم كرسي الخلافة و يتحدث عن إستغلال الفاتحين لسكان سوريا من أهل الذمة الذين أثقلوهم بالضرائب رغم إعتمادهم الشبه كامل عليهم في الإدارة حيث إقتصرت حكومة العرب على الشؤؤن المالية و العسكرية. لا داعي للوقوف على تفاصيل الحروب الخارجية و الأهلية فهي غنية عن التعريف. الفصل الخامس عن سوريا تحت حكم المروانيين و كيف جرى تعريب الإدارة كما يتعرض إلى الإنجازات الفنية و المعمارية كالجامع الأموي و قبة الصخرة و ينتهي بحمام الدم العباسي عام 750 للميلاد. الفصل السادس يفصل الحياة الثقافية تحت الأمويين و إنتشار الإسلام في سوريا ووضع "الأقليات" الدينية و الموالي والعبيد كما يتطرق لزيادة عدد العرب و الترف الذي تنعموا فيه على حساب بقية السوريين. الفصل السابع يروي إذلال سوريا تحت العباسيين ثم تفكك الدولة العباسية و صعود الفاطميين (و هم طبعاً إسماعيليون) و الدروز وصولاً إلى العهد السلجوقي كما يتعرض للصوفية.

يفتتح الكاتب الفصل الثامن و دون مقدمات بالجزم أن مؤلف القرآن هو محمد و يتابع سرده بتفصيل مصادر التشريع الإسلامي و المدارس الفقهية الأربعة ثم يسهب في تعريف الصوفية و منها إلى تقديم نبذات عن مختلف الطوائف الإسلامية الشيعية من إثني عشرية و زيديين و إسماعيليين و دروز و نصيريين نهاية بالوهابيين و البابيين و أتباع البهاء.

الفصل التاسع يتحدث عن توسع النفوذ الفرنسي و علاقات الإفرنج مع المشرق مروراً بشرلمان. الفصل العاشر مخصص للحملات الصليبية و الحادي عشر عن تنظيم الدويلات الصليبية و يسلم الكاتب أن الإفرنج إرتكبوا بعض المجازر و لكنه يستطرد فيقول أن الروايات عنها مبالغ فيها للغاية  أنهم -أي الصليبين- لم يكونوا أكثر دموية من غيرهم و أن الحروب لم تقطع الروابط التجارية بين الغرب و الشرق و لا بين المسيحيين و المسلمين و يشيد بالإزدهار العمراني لسوريا في هذا العهد و الذي لم تعرفه البلاد منذ العهد الروماني و بعدالة الصليبيين مع المسلمين و المسيحيين مستشهداً بذلك بالرحالة الأندلسي المسلم إبن جبير الذي زار سوريا في أواخر القرن الثاني عشر. 

الفصل 12 يتحدث عن الفوضى تحت حكم المماليك و إستباحة دمشق على يد تيمورلنك كما يستعرض بدايات تشكل هوية لبنانية. فصل 13 عن الغزو العثماني و ظهور المعنيين في لبنان. فصل 14 بدايات الشهابيين. رقم 15 مآثر ضاهر العمر و أحمد باشا الجزار و بونابارت. 16 يتعرض لصعود الوهابيين و محمد علي و إحتلال ابراهيم باشا لسوريا إلى مجزرة 1860 التي يطلق عليها البعض إسم "طوشة النصارى" و خلق متصرفية جبل لبنان. 

فصل 17 عهد السلطان عبد الحميد الثاني و بدايات الحركة الصهيونية و التغلغل الثقافي الفرنسي في سوريا. فصل 18 ظهور جمعية الإتحاد و الترقي أو تركيا الفتاة. بداية ظهور الهوية السورية و المطالبة باللامركزية. مذابح الأرمن. الفصول 19 و 20 مخصصة للحرب العالمية الأولى أو ما عرف وقتها بالحرب العظمى و يسخر الكاتب فيهما من تفاهة إسهام "الثورة العربية الكبرى" في المجهود الحربي. 

فصل 21 و هو الأخير يطنب في حب السوريين لفرنسا و عرفانهم لجميلها في تحريرهم من نير الأتراك و يشير أنه في جميع المناطق التي إستطاع سكانها التعبير بحرية أكدت الإستطلاعات تفضيلهم إنتداب فرنسا على حكم الحجازيين. بالنسبة لفيصل فقد كان ألعوبة في يد بريطانيا ووافق على مخططاتها في فلسطين بينما لم يتعاون مع الجنرال غورو النبيل و قام بإستفزاز الفرنسيين بينما أعمل أنصاره المذابح في رقاب المدنيين المسالمين تحت حماية فرنسا و نجم عن هذا إنذار غورو الشهير و معركة ميسلون ثم "إستقلال سوريا" تحت وصاية فرنسا. يبرر الكاتب تقسيم سوريا و خاصة فصل "لبنان الكبير" عنها بضرورة لا مندوحة عنها كون لبنان "عقل سوريا" أكثر تطوراً من بقية الشرق الأدنى إقتصادياً و فكرياً و بالتالي كان لا بد من مراعاة وضع خاص له و أن هذا لا يمنع قيام نوع من التشارك الفيدرالي بين الدويلات السورية على المدى البعيد. 

بغض النظر عن إعتبارات الموضوعية و عن التعرض لتاريخ سوريا قبل الإسلام بجرة قلم فالكتاب سلس القراءة و غني بالمعلومات رغم إفتقاره إلى الصور بل و أزيد فأقول أن إنحيازه يجعله أكثر جدارة بالقراءة بهدف الإطلاع على وجهة نظر مغايرة للكليشيهات التي يدرسها العرب عموماً و السوريين خصوصاً. وجب إنتظار 30 سنة قبل ظهور الكتاب الثاني عن تاريخ سوريا للأستاذ فيليب خوري حتي ولكن لهذا حديث آخر.