Thursday, April 30, 2020

عرض الآثار


لطريقة عرض الآثار أهميّة بالغة لا تقلّ عن أهميّة ننظيمها وتبويبها والهدف لفت نظر الزائر أوّلاً وإعطاء شرح مختصر وفي نفس الوقف كافٍ للتعرّف على التحفة المعروضة مع إمكانيّة الرجوع إلى دليل كتابيّ لمقتنيات المتحف لمزيد من التفاصيل للمهتمّين من غير الأخصّائييّن. 

هناك دور لخزانة العرض والقاعدة التي يرتكز عليه الأثر المعروض (أو الخيوط التي تعلّقه) ولربّما استلزم الأمر رسوماً توضبحيّة مكبّرة (كما في حال النقوش على العملة) واستعمال الألوان مع إيضاح للهدف من القطعة المعروضة وطريقة استعمالها. 

بعض مخلّفات الماضي التي لا تقدّر بثمن وصلتنا ناقصة وهنا يتعيّن دراسة العيّنة بدقّة ومقارنتها مع مثبلاتها المصوّرة في الكتب المرجعيّة للوصول إلى أقرب تخيّل ممكن لشكلها الأصلي ويمكن بعد ذلك إكمال النواقص بواسطة الجصّ أو المواد الصنعيّة مثل plexiglass أو كليهما كما في النموذج أعلاه ولهذا مزايا جماليّة وعلميّة وعمليّة وفي نفس الوقت يمكن للناظر التمييز بسهولة بين العناصر الأصليّة والعناصر المضافة. 




أبو الفرج العشّ. تنظيم فرع الآثار العربيّة الإسلاميّة في المتحف الوطني بدمشق. الحوليّات الأثريّة السوريّة المجلّد السابع عشر ١٩٦٧.


Wednesday, April 29, 2020

مبادىء تصنيف الآثار


روعي في تصنيف مقتنيات متحف دمشق الوطني عدّة اعتبارات الهدف منها تسهيل مهمّة البحّاثة والأخصّائييّن من جهة وجعل زيارة الهواة والسيّاح أكثر سلاسة ويسراً ومتعة من جهة ثانية. هناك أكثر من طريقة للتنظيم والتصنيف ولكن المرونة واجبة فليس تبنّي منهج واحد دون سواه عمليّاً -أو حتّى ممكناً- في متحف شديد الغنى كمتحف دمشق (يلعب محافظ المتحف دوراً حوهريّاً في هذا الصدد). فلنستعرض بسرعة ألفباء التصنيف.

التصنيف الزمني
يتبع هذا التصنيف التسلسل التاريخي من الأقدم إلى الأحدث فمثلاً يدخل السائح أو الزائر من قصر الحير الغربي (أموي) إلى قاعة الرقّة (عبّاسيّة) وهكذا دواليك. 

التصنيف الإقليمي
حسب الموقع الذي اكتشفت فيه الآثار: دمشق أو دورا أوروبوس (من نافل القول أنّ كنيسها الشهير سابق للعهد الإسلامي) أو الرصافة أو الرقّة أو حماة وهلمّجرّا.

التصنيف الموضوعي Thematic
أي حسب الموضوع: نقود أو حلي أو أسلحة أو مخطوطات أو آنية وما إلى ذلك.

التصنيف المادّي
 حسب المادّة Material Composition خشب أو زجاج أو فخّار أو معدن أو زجاج....

التصنيف التقني 
أي حسب التقنيّة Technique المستعملة: فخّار بسيط مصنوع بالدولاب أو فخّار مصنوع بالقالب ومزيّن بموضوعات motifs نباتيّة أو هندسيّة أو كتابيّة. هناك أيضاً أكثر من تقنيّة للزجاج والمعادن. 

غالباً ما يتعيّن اعتماد أكثر من طريقة للتصنيف إحداهما أساسيّة والثانية ثانويّة (فرعيّة)  وعلى سبيل المثال عندما يتعلّق الأمر بالنقد يكون التصنيف الأساسي موضوعيّاً يتمّ فيه جمع كافّة النقود في بهو أو أكثر ومن ثمّ يأتي التصنيف الزمني ثانويّاً يبدأ من النقود الأقدم إلى الأحدث. ما ينطبق على النقود ينطبق على الفخّار والمخطوطات وغيرها. بالمقابل يمكن جمع المقتنيات حسب مصدرها اعتماداً على التصنيف الإقليمي كتصنيف أساسي (مثلاً قاعة الرقّة)  ثمّ يأتي ضمن القاعة نفسها تصنيف ثانوي أو جتّى ثالثي حسب الموضوع والتسلسل الزمني كما يرتأي محافظ المتحف ومساعدوه.    






أبو الفرج العشّ. تنظيم فرع الآثار العربيّة الإسلاميّة في المتحف الوطني بدمشق. الحوليّات الأثريّة السوريّة المجلّد السابع عشر ١٩٦٧.

Tuesday, April 28, 2020

توسّع متحف دمشق الوطني


رأينا كيف تأسّس المتحف الوطني في المدرسة العادليّة الكبرى عام ١٩١٩ قبل انتقاله إلى مقرّه الدائم على ضفّة بردى غرب التكيّة السليمانيّة عام ١٩٣٦. فلنستعرض بسرعة مراحل توسّعه بداية من هذا التاريخ الأخير ونهاية بعام ١٩٦٧ عندما نشر الأستاذ أبو الفرج العشّ مقاله (المرجع أدناه).

التوسّع الأوّل جرى عام ١٩٥٠ عندما أنجز إنشاء قسم من قصر الحير الغربي بما فيه واجهته الفخمة في المتحف. استغرقت هذه العمليّة سنوات وشارك فيها العديد من الخبراء والمهنييّن المحلييّن والأجانب (آمل أن أتعرّض لها في منشورات مقبلة).

التوسّع الثاني عام  ١٩٥٢ عندما نقلت المكاتب الإداريّة من الجناح الجنوبي بهدف إقامة أوّل معرض للمكتشفات الأثريّة (خصوصاً في الرقّة) وتجلّت خلال هذه العمليّة مواهب الأستاذ شفيق إمام في التصنيف والإخراج.

التوسّع الثالث عام ١٩٥٤ عندما رفع الجناح الغربي على ثلاث طبقات الأرضيّة للآثار العربيّة الإسلاميّة والثانية للفنّ التشكيلي والثالثة خصّصت للمعارض الفنيّة والأثريّة المؤقّتة. نتيجة لذلك أصبح للتحف العربيّة الإسلامية فرع خاصّ شمل فصر الحير ومكتشفات الرقّة ورواق للنقود والمجوهرات والأسلحة وقاعة للخشب وثانية للفخّار والخزف وثالثة للآثار الحجريّة ورابعة للنحاسيّة وخامسة للزجاجيّة وسادسة للمخطوطات. دشّن هذا الفرع قي الثامن عشر من أيلول لهذا العام أثناء افتتاح معرض دمشق الدولي الأوّل.

التوسّع الرابع ١٩٥٥ أقيم فيه المعرض الثاني للمكتشفات الأثريّة في الطبقة لعليا للجناح الجنوبي لقسم المتحف القديم.

التوسّع الخامس ١٩٥٦-١٩٦٢ أضيف رواق ثاني وثلاث قاعات كبيرة والقاعة الشاميّة (تعرّضت لها سابقاً) وضمّ رواق من الملعب البلدي نقل إليه فرع الآثار السوريّة القديمة وأضيفت قاعة حماة وتوسّعت الأروقة والقاعات عموماً. 

وصل المتحف مع هذا التوسّع الأخير إلى أقصى حدود استيعابه أو قاربها ومنه توصيّة الأستاذ العشّ بإنشاء متحفين مستقلّين أحدهما للفنّ الحديث والثاني للآثار السوريّة القديمة وبذلك يصبح المتحف الحالي وقفاً على الآثار العربيّة والإسلاميّة وما أغنى سوريا بالآثار! مضى على هذه التوصية أكثر من نصف القرن فهل يقدّر لها أن ترى النور في مسقبل منظور؟ 


أبو الفرج العشّ. تنظيم فرع الآثار العربيّة الإسلاميّة في المتحف الوطني بدمشق. الحوليّات الأثريّة السوريّة المجلّد السابع عشر ١٩٦٧.




Monday, April 27, 2020

تنظيم فرع الآثار العربيّة والإسلاميّة في متحف دمشق الوطني


نشر مقال للأستااذ أبو الفرج العشّ (محافظ المتحف الوطني سابقاً) بطول ٤٧ صفحة في المجلّد السابع عشر للحوليّات الأثريّة السوريّة الصادر عام ١٩٦٧ بفصّل في تاريخ فرع الآثار العربيّة والإسلاميّة في متحف دمشق منذ البدايات ومروراً بعدد من التوسّعات التي سيأتي ذكرها. ألحق بهذا المقال عدد من الصور للسيّدين مروان مسلماني وأحمد القرملي

أسّس المتحف الوطني عام  ١٩١٩ خلال العهد الفيصلي متّخذاً المدرسة العادليّة مقرّاً له وشاطره فيها المجمع العلمي العربي. 

ازدادت مقتنيات المتحف عبر السنوات وفاقت قدرة استيعاب البناء الأيّوبي العريق وهكذ تقرّر إنشاء بناء جديد خاصّ به غرب التكيّة السليمانيّة صمّمه المهندس الفرنسي الشهير Michel Ecochard وروعي في هذا التصميم إفساح المجال لتوسيعه لاحقاً حسبما تقتضي الحاجة. انتقل المتحف إلى بيته الجديد الأنيق عام ١٩٣٦ وكانت حصّة الآثار الإسلاميّة في بدايته قليلة ولكنّها تزايدت بسرعة لربّما كانت غير متوقّعة فرضت تحدّيات لا بأس بها على القيّمين على تصنيف وتوزيع وتوسيع المتحف سيتمّ التعرّض لها وللحلول التي تمّ إنجازها أو اقتراحها في الأيّام القليلة المقبلة. 

Sunday, April 26, 2020

المدرسة السليمانيّة أو التكيّة الصغرى


وصف الدكتور عبد القادر ريحاوي هذا المجمّع الواقع إلى شرق التكيّة السليمانيّة في عدد الحوليّات الأثريّة السوريّة الصادر عام ١٩٥٧ ودرس المعطيات المتعلّقة بتاريخها مفنّداً الزعم الذي يعزوا بنائها للسلطان سليم (الأوّل أو الثاني) وهو خطأ شائع في كثير من المراجع وإلى اليوم. 

تقع المدرسة شرق التكيّة السليمانيّة وهي أصغر من هذه الأخيرة وأقلّ بذخاً وإن اتّفقت معها في الخطوط العامّة.

تتوزّع صفوف من الغرف الصغيرة على أضلاع المجمّع الأربعة (المخطّط الملحق) وتفصل بينها وبين الصحن المركزي أروقة مسقوفة بقبيبات محمولة على أعمدة قصيرة. تتوسّط بركة مستطيلة الصحن ونرى على ضلعه الجنوبي بناءً مربّعاً تعلوه قبّة كبيرة صممّت لتكون مصلّى للمدرسة. 

لهذه التكيّة أو المدرسة باب رئيس واحد يقع في الشمال وأربعة أبواب ثانويّة في جهات أخرى. تبعد هذه العمارة عن نظيرتها الغربيّة خمسة عشر متراً على وجه التقريب وهي ليست مسوّرة. نعاين على ضلعها الشمالي الخارجي نسقاً من الدكاكين على طول خمسة وثمانين متراً يقابله ويوازيه في الشمال نسق آخر يتوسّطه باب واسع يواجه باب المدرسة الرئيس. يشكّل هذان الصفّان من الدكاكين سوقاً هدم جانب من جناحه الشمالي ليحلّ محلّه بناء حديث لوزارة التربية والتعليم. 



باستقراء المصادر التاريخيّة توصّل ريحاوي إلى النتائج التالية:

أوّلاً: جميع الروايات القديمة تتفّق أنّ سليمان القانوني بنى في دمشق تكيّة وجامعاً ومدرسة.   

ثانياً: المدرسة السليمانيّة بناء مستقلّ عتن التكيّة. 

ثالثاً: المدرسة السليمانيّة هي البناء المستقلّ الواقع شرق التكيّة بدلالة ورود اسمها في المصادر القديمة وغياب اسم المدرسة السليميّة من هذه المصادر. 

الخلاصة بنيت التكيّة السليمانيّة (الغربيّة) بين الأعوام  ٩٦٢-٩٦٧ للهجرة (١٥٥٤-١٥٥٩ للميلاد) بأمر من سليمان القانوني الذي أصدر تعليماته لاحقاً ببناء المدرسة إلى الشرق منها ليتمّ إنجاز هذه الأخيرة عام ٩٧٤ (الموافق ١٥٦٦) وهي السنة التي توفّي فيها ليتولّى ابنه سليم الثاني مقاليد الحكم. سمّي البناء الشرقي المدرسة السليمانيّة ومع مرور الزمن نسيت هذه التسمية ونسب الناس المجمّع الغربي للسلطان سليمان والشرقي لأبيه (أو ابنه) سليم ووقع كثير من كبار العلماء في تاريخ ليس بالبعيد بهذا الخطأ منهم Jean Sauvaget وخالد معاذ وسليم عبد الحقّ (مشاهد دمشق الأثريّة) وغيرهم. 



المزيد من التفاصيل في الروابط والمراجع أدناه.  








A. Q. AI-Rihawi, E. Ouéchek. Les deux "Takiyya" de Damas. La "Takiyya" et la "Madrasa" Sulaymaniyya du Marg, et la "Takiyya" as-Salimiyya de Salihiyya. Bulletin d'Etudes Orientales Volume 28 - 1975. 



Saturday, April 25, 2020

التكيّة والمدرسة السليمانيّتان


صادفت هذا البحث للمرّة الأولى في مقال للدكتور عبد القادر ريحاوي والأستاذة إميلي عويشق بالفرنسيّة نشر في العدد الثامن والعشرين مجلّة الدراسات الشرقيّة الصادر عام ١٩٧٥. تبيّن لي لاحقاً أنّ هذا البحث لا يعدوا كونه صياغة فرنسيّة لمقال سابق لريحاوي رأى النور في عدد عام ١٩٥٧ للحوليّات الأثريّة السوريّة بعنوان الأبنية الأثريّة في دمشق: التكيّة والمدرسة السليمانيّتان. من المؤكّد أنّ هذا العدد طبع ووزّع عام ١٩٥٨ بدلالة الإشارة إلى المجلّة التي "تصدرها مديريّة الآثار العامّة في الإقليم الشمالي من الجمهوريّة العربيّة المتّحدة". التركيز في هذه الدراسة على هويّة باني التكيّة الشرقيّة إذ من المعروف أنّ مجمّع السليمانيّة يتمركز حول بنائين أحدهما غربي لا لبس في كونه شيّد في عهد سليمان القانوني والثاني شرقي تحديد المسؤول عنه أكثر إشكاليّة.

الموقع شرق سور مدينة دمشق على الضفّة الجنوبيّة لنهر بردى وهو أشهر من نار على علم لكلّ من سكن دمشق أو حتّى زارها. شغله قديماً القصر الأبلق الذي بناه السلطان المملوكي الظاهر بيبرس (النصف الثاني للقرن الثالث عشر للميلاد) وذكر الغزّي في الكواكب السائرة أنّ السلطان سليم الأوّل -فاتح سوريا ومصر-  نزل فيه خلال إقامته في المدينة في العام ٩٢٢ للهجرة (١٥١٦-١٥١٧ للميلاد). هدم هذا القصر لاحقاً ليحلّ محلّه مجمّعان أو عمارتان عثمانيّتان إحداهما غربيّة والثانية شرقيّة (المخطّط الملحق). 



المجمّع الغربي هو الأكبر ويتبع نماذج القسطنطينيّة ضامّاً تكيّة وجامعاً يحيطها سور ذو ثلاثة أبواب الرئيس منها الشمالي تتقدّمه قبّة صغيرة على أعمدة وثاني شرقي وثالث غربي. يقسم الخطّ الواصل بين البابين الشرقي والغربي عبر الصحن السماوي المركزي المجمّع إلى قسمين شمالي وجنوبي. تحيط بالقسم الجنوبي أروقة مسقوفة بقبيبات ويحتلّ الجامع مع مئذنتيه الضلع القبلي وتواجهه بحرة مستطيلة من جهة الشمال بينما نرى على كلّ من الضلعين الشرقي والغربي ستّة غرف مربّعة يتقدّمها من الداخل رواق معمّد يفصل بينها وبين الصحن. هذه الغرف مخصّصة لنزلاء التكيّة (متصوّفة وحجّاج وزوّار). القسم الشمالي فيه مستودعات ومطبخ في الوسط وقاعتين كبيرتين إحداهما على الضلع الشرقي والثانية على الغربي. 

تتركزّ الزخرفة في الجامع من الرخام والقاشاني والنوافذ الجصيّة المطعّمة بفصوص الزجاح الملوّن والمقرنصات والمحراب وما إلى ذلك بينما تزيّن الحدائق الجانبيّة بين السور والأبنية بقيّة هذه الآبدة العريقة. 



بوشر بناء التكيّة الغربيّة عام ٩٦٢ للهجرة (١٥٥٤-١٥٥٥ للميلاد) وانتهى بعد ثلاث سنوات. 

للحديث بقيّة. 

A. Q. AI-Rihawi, E. Ouéchek. Les deux "Takiyya" de Damas. La "Takiyya" et la "Madrasa" Sulaymaniyya du Marg, et la "Takiyya" as-Salimiyya de Salihiyya. Bulletin d'Etudes Orientales Volume 28 - 1975. 

Friday, April 24, 2020

الكنز الذهبي الأموي


عنوان مقال في عدد الحوليّات الأثريّة السوريّة الصادر عام ١٩٥٤-١٩٥٥ بقلم الأستاذ أبو الفرج العشّ مجافظ فرع الآثار العربيّة والإسلاميّة في متحف دمشق الوطني وقتها.

بدأت القصّة في الحادي عشر من كانون ثاني عام ١٩٥٥ خلال حفريّات أجريت في أرض السیّد أنور ملص قرب البیمارستان النوري عندما اكتشف إناء فخّاريّ مھشّم على عمق ٤،٣٥ متر تحت مستوى الأرض يحتوي على ٥٤٦ قطعة ذھبیّة تعود للعھد الأموي.


بلغ الوزن الإجمالي للنقود ٢٣٢٧ غراماً ووسطي وزن القطعة ٤،٣ غرام. تاريخ أقدم قطعة ٧٨ للهجرة (٦٩٧-٦٩٨ للميلاد) أي عندما بدأ عبد الملك بضرب النقود العربيّة بالشكل الذي بقيت عليه بعدئذ على وجه التقريب (استعملت قبل هذا التاريخ النقود البيزنطيّة والساسانيّة التي سكّت للعرب بإضافة عبارة "لا إله إلّا الله" وسنة الضرب باللغة العربيّة وهناك أيضاً بعض النقود الفضّيّة التي سكّت في البصرة في عهد علي بن أبي طالب - ٤٠ هجري =  ٦٦٠-٦٦١ ميلادي - وإن لم يدرج تداولها). 

تعود أحدث قطع هذا الكنز لعام ١٠٣ للهجرة (الموافق ٧٢١-٧٢٢ للميلاد) وعهد يزيد بن عبد الملك أو يزيد الثاني. النقود إجمالاً في حالة جيّدة وتحمل كتابات كوفيّة. يقارب عيار العملة الذهب الخالص ويظهر عليها نصّ كتابيّ لا يذكر اسم الخليفة (بدأ ذكر اسم الخليفة مع العبّاسي المهدي وقلّده عدد من الحكّام غير الخلفاء بعد تفكّك الإمبراطوريّة).



النقد الذهبي صغير الحجم (مقارنة مع الفضّي) ولربّما كان هذا سبب عدم ذكر مكان السكّ على القطع المكتشفة وفي كلّ الأحوال دفنت هذه الثروة في العهد الأموي بدلالة تاريخ أكثرها حداثة لتصبح من مقتنيات المتحف الوطني بعيد منتصف القرن العشرين. 

Thursday, April 23, 2020

الباب الشرقي: القوس المركزيّة



لم يبق من أقواس فتحات الباب الشرقي الرومانيّة الأصليّة إلّا القوسين الجانبيّتين والفقرتين claveaux السفليّتين من القوس المركزيّة الكبيرة وكلّ ما نراه  عدا ذلك اليوم أضيف خلال حملات متعدّدة للترميم اعتباراً من خمسينات القرن الماضي (حسب الدراسة الفرنسيّة في الرابط أدناه بينما يقول الأستاذ المهندس عدنان مفتي أنّ الترميم بدأ عام ١٩٦١ والصورة الملحقة تعود للعهد الذي أجري فيه هذا الترميم). 

أوّل من قدّم تصوّراً ومخطّطاً للباب الشرقي (أو القوس/النصب التذكاري إذا شئنا) كما كان زمن الرومان هما العالمان الألمانيّان  Wulzinger و Watzinger في دراستهما عن دمشق القديمة التي رأت النور ١٩٢١ (تمّ جمع معطيات هذه الدراسة خلال أعوام الحرب العالميّة الأولى).  ارتأى المستشرقان أنّ المستوى الأصلي للشارع القديم الذي يبدأ من الباب الشرقي متّجهاً إلى الغرب موجود على عمق ثلاثة أمتار تحت المستوى الحالي وأكّدت المقاسات التي أخذت خلال أعمال حفريّات قامت بها البلديّة عام  ٢٠٠٨ صحّة هذه الفرضيّة وكشفت بنفس الوقت العديد من آثار الرواق الشمالي (قطع من أعمدة وتيجان وما إلى ذلك). 


رأينا كيف تمّ سدّ الفتحتين الوسطى والجنوبيّة في القرون الوسطى وكان ذلك على ارتفاع بلغ حوالي أربعة أمتار باستعمال ثلاثة إلى أربعة مداميك من الأحجار الكبيرة (المدماك السفلي مكوّن من قطع أعمدة) ومن ثمّ على ارتفاع قارب التسعة أمتار استعملت لسدّ الفراغ فيه لبنات moellons صغيرة. 



عدنان مفتي. مشروع ترميم الباب الشرقي بدمشق. الحوليّات الأثريّة العربيّة السوريّة المجلّد السادس عشر (١٩٦٦).



Jean-Michel MoutonJean-Olivier Guilhot et Claudine PiatonPortes et murailles de Damas

Wednesday, April 22, 2020

الباب الشرقي: الرواق الشمالي


تعود هذه اللقطة لحوالي منتصف القرن العشرين وهي للرواق الشمالي للباب الشرقي (الوحيد السالك وقتها) من الغرب إلى الشرق (أي من داخل سور المدينة). الرواق porche صغير لا يتجاوز عرضه الخمسة أمتار وعمقه المترين ويستند بقوسه المدبّب en berceau brisé إلى الآبدة العتيقة. 

يعتبر هذا الرواق آخر التعديلات التي طرأت على الباب الشرقي في القرون الوسطى تحت حكم الأيّوبي الملك المعظّم (١٢١٨-١٢٢٧ للميلاد) بدلالة النقش الكتابي فوق قوس الباب من الداخل. أوّل من أشار إلى وجود هذا النقش von Kremer عام ١٨٥٤ ولكنّه لم يستطع أن يقرأه. ترجم Sauvaire الكتابة إلى الفرنسيّة عام ١٨٩٤مستعيناًُ بالعالم Max van Berchem ونشر Élisséeff النصّ للمرّة الأولى بالعربيّة في منتصف خمسينات القرن الماضي كما يلي:


بسم الله الرحمن الرحيم لا إله إلّا الله ومحمّد رسول الله

وما النصر إلّا من عند الله العزيز الحكيم. أمر بتجديد

هذا الصور المبارك والخندق مولانا السلطان 

الملك المعظّم العادل العالم المجاهد شرف

الدنيا والدين سلطان الإسلام والمس(لمين)

محيي العدل في العالمين عيسى بن المولى السلطا

ن الشهيد الملك العادل أبي بكر بن أيّوب خلّد الله 

ملك(ه)تقرّباً إلى الله وابتغاء مرضاته بتولّي العبد الفقير 

إلى رحمة ربّه محمّد بن قرسق المعظّمي وذلك في سنة ثلا(ثة وعشرين) وستمائة 





عدنان مفتي. مشروع ترميم الباب الشرقي بدمشق. الحوليّات الأثريّة العربيّة السوريّة المجلّد السادس عشر (١٩٦٦).



Jean-Michel MoutonJean-Olivier Guilhot et Claudine PiatonPortes et murailles de Damas

Tuesday, April 21, 2020

مئذنة الباب الشرقي


يقارب عمر الباب الشرقي كما رأينا ألفاً وثمانمائة عاماً مرّ خلالها بالعديد من التطوّرات بداية من العهد الروماني عندما طغت عليه الاعتبارات الجماليّة مروراً بالعصور الوسطى وتركيرزها على النواحي الدفاعيّة ووصولاً إلى ترميم ما تبقّى منه اعتباراً من مطلع ستّينات القرن الماضي. اندثرت نتيجة لهذا الترميم كثير من الإضافات التي تراكمت عليه عبر القرون وأصبحت جزءاً لا يتجزّأ من تاريخه ولكن من حسن الحظّ لدينا العديد من الصور والرسومات التاريخيّة توضح لنا ما كان وما صار بكثير من الدقّة.

شكّلت أقواس ثلاثة الباب الشرقي قديماً, وسطاهما كبيرة والجانبيّتان صغيرتان تعرّضت لأبعادهما في منشور سابق. أحاط بالقوس المركزيّة دعامتان (pile بالفرنسيّة أو pier بالإنجليزيّة). اندثرت الدعامة الجنوبيّة أمّا الشماليّة (حوت قديماً درجاً مؤدّياً إلى سطح القوس) فباقية إلى اليوم والسبب يعود لاستعمالها في حمل المئذنة (مئذنة عيسى حسب كتبة الفضائل). يمكن الصعود إلى المئذنة عن طريق درج حجري وهناك فرجات fentes de jour في جدار الدعامة تسمح بنفوذ النور. 

بالتأمّل في القوس الشمالي (الفتحة تحته هي الوحيدة النافذة حتّى خمسينات القرن العشرين) نرى أنّ الجدار فوقه مؤلّف من لبنات صغيرة moellons. تبلغ سماكة هذا الجدار حوالي المترين وارتفاعه ثلاثة عشر متراً وطوله (من الشمال إلى الجنوب)  ستّة أمتار. كان هذا الباب محاطاً ببرجين الحنوبي منهما يحمل المئذنة المربّعة (الضلع ٣،٨ متر) والشمالي قاعدته مستطيلة (٤ متر x ٥٫٥ متر) ويبرز أربعة أمتار خارج الجدار. نعاين في هذا البرج سبعة مداميك من الحجارة الكبيرة في الأسفل تعلوها مداميك من الحجر البازلتي أصغر أبعاداً.



تواجد برج جنوبيّ نصف دائري مناظر للبرج الشمالي وملاصق للقوس الصغيرة الجنوبيّة (التي كانت مسدودة) بدلالة إحدى الصور التي تعود إلى نهاية القرن التاسع عشر (اللقطة الملوّنة) ويرحج أنّ قاعدته الأقدم كانت مستطيلة الشكل. 


عدنان مفتي. مشروع ترميم الباب الشرقي بدمشق. الحوليّات الأثريّة العربيّة السوريّة المجلّد السادس عشر (١٩٦٦).



Jean-Michel MoutonJean-Olivier Guilhot et Claudine PiatonPortes et murailles de Damas




Monday, April 20, 2020

ترميم الباب الشرقي‎


جميع المعلومات والصور مأخوذة مع الحدّ الأدنى من التصرّف من مقال للأستاذ المهندس عدنان مفتي نشر في المجلّد السادس عشر للحوليّات الأثريّة العربيّة السوريّة (١٩٦٦). 


بدىء بأعمال الكشف بإزالة البيوت الملاصقة للباب في القسم الجنوبي (الصورة الأولى) ولدى إزالة الأنقاض تبيّن أنّ هناك عناصر كثيرة مفقودة منه كما أنّ الفتحة الجنوبيّة متصدّعة وأحجارها متفكّكة أدّت إلى تباعد جانبيها عن بعضهما بمقدار اثني عشر عشير المتر. أدّى هذا التباعد بين رجليّ القوس إلى تدلّي أحجارها العلويّة من مكانها الأصلي (الصورة الثانية) إضافة إلى أنّ الواجهة الشرقيّة لهذه الفتحة مائلة بسبعة من عشيرات المتر. كان لا بدّ من تجديد النواقص في الجهة الغربيّة وتأمين الترابط والتوازن بين مكوّناتها (الصورة الثالثة). 



قمنا بعد ذلك بإكمال القوس الدائري arc en berceau للفتحة الوسطى وإعادة بناء عدّة مداميك على جانبيّ هذه الفتحة لمعالجة الضغط الجانبي للعقد ونحقيق التوازن للقسم العلوي لهذا الباب ثمّ جمعت قطع الأعمدة التي اكتشفت في الجوار والتي تبيّن أنّها تعود للأروقة الجاببيّة وجرت دراستها وإعادتها إلى مكانها. هكذا أخذت الحياة تدبّ في هذه الآبدة التي نفضت عن كتفيها غبار عشرات القرون والتي كادت أن تغيب وتندثر من عالم الوجود. 


Sunday, April 19, 2020

مشروع ترميم الباب الشرقي‎



أخذت المعلومات التالية كما هي (باستثناء التنقيط وبعض التعديلات اللغويّة الطفيفة) من مقال المهندس العماري عدنان مفتي المنشور في المجلّد السادس عشر (١٩٦٦) للحوليّات الأثريّة العربيّة السوريّة بعنوان "مشروع ترميم الباب الشرقي بدمشق" والصور من نفس المصدر. 

شوّه عبء ثمانية عشر قرناً معالم هذا الباب وأثقل كاهله وامتدّت إليه يد التخريب والتهديم وراحت أجزاؤه تتفكّك وتندثر تحت البيوت التي لاصقته وطغت عليه وبدأت معالمه تضيع شيئاً فشيئاً بحيث لم يبق منه لدى المباشرة بكشفه وترميمه سوى فتحة واحدة. أصبح معظم الناس يتسائلون عن سبب وجود هذه الفتحة التي تعرقل مرور السيّارات وتعيق مختلف وسائل النقل ممّا دعى جدّيّاً للتفكير بإنقاذ الباب وترميمه وإعادة بنائه كما كان في العصر القديم. باشرت فعلاً مديريّة الأبنية الأثريّة في المديريّة العامّة للآثار والمتاحف بمشروع الترميم وأجرت أمانة العاصمة دراسات واسعة لتنظيم تلك المنطقة.



كشف الباب

بوشر كشف جميع عناصر البناء أوائل عام ١٩٦١ حيث أزيلت البيوت والمنشآت التي تغطّي وتعلوا الأقسام الجنوبيّة والوسطى منه وبدأت الحفريّات للتحرّي عن هذه الأقسام وجمع أنقاضها. لسوء الحظّ تبيّن أنّ هناك أقساماً كبيرة مفقودة استعملت أحجارها -كما هو الحال في معظم الأبنية الأثريّة- في بناء بعض البيوت وكان لا بدّ من المضي في الترميم وإعادة بناء الأقسام الناقصة من أحجار جديدة بنفس مقاييس وأبعاد الأحجار القديمة وزخرفتها وطرازها وتجاوز وزن بعضها عشرة أطنان.

أثار موضوع الترميم وإعادة الأقسام الناقصة من الباب جدلاً حادّاً عند المباشرة بالدراسة بين المهندسين والمختصّين بالآثار حول كيفيّة الترميم الواجب اتّباعها وهل يجب إعادة الأقسام الناقصة وتجديدها أم ترك الباب على ما هو عليه بعد كشفه وفي كلّ الأحوال لا يزال النقاش مستمرّاً في الوقت الذي باشرنا به بتدعيم الأقسام المتداعية وتجديد الأقسام الضروريّة ولا يزال المجال مفتوحاً للحكم على نتائج الأعمال.

للحديث بقيّة.  

Saturday, April 18, 2020

نبذة عن تاريخ الباب الشرقي


الصورة والرسم مأخوذة عن مقال مهندس العمارة عدنان مفتي في عدد الحوليّات الأثريّة العربيّة السوريّة الصادر ١٩٦٦ أمّا المعلومات أدناه فمعظمها مقتبسة بإيجاز عن دراسة الفريق الفرنسي Mouton و Guilhot و Piaton (الرابط أدناه).  

لم بكن الأصل الروماني للباب الشرقي خافياً عن المؤرّخين العرب حتّى المتأخّرين منهم كابن كثير (توفّي ١٣٧٣) الذي دعاه القنطرة الرومانيّة. كرّس هذا الباب قديماً -على غرار باب الاسكندريّة الشرقي- للشمس

ذكر الباب الشرقي وباب الجابية في إطار الفتح العربي للمدينة في السنة الرابعة عشرة للهجرة (٦٣٥ للميلاد) ويميل معظم المؤرّخين إلى الرواية القائلة بأنّ خالد ابن الوليد أخذ دمشق عنوة من الباب الشرقي بينما أخذها أو عبيدة بن الجرّاح صلحاً من باب الجابية في الغرب (هناك قلّة ترتأي عكس ذلك أي أنّ الدمشقييّن فتحوا الباب الشرقي لخالد بينما دخلها أبو عبيدة بقوّة السلاح من الغرب). إذا فبلنا رأي الأغلبيّة تعيّن على خالد وعسكره أن يتجاوزوا خندقاً مليئاً بالماء قبل الوصول إلى الباب المسدود بالأحجار وتسلّق الجدران مستعينين بالسلالم. 

يظهر الباب الشرقي مجدّداً عام ١٣٢ (٧٤٩ للميلاد) خلال حصار دمشق بالرايات السوداء تحت قيادة عبد الله بن علي (عمّ أبي العبّاس السفّاح) ممّا يدلّ أنّ هذا الباب كان هدفاً محبّباً للغزاة وبمثابة كعب أخيل المدينة بأقواسه الفخمة الثلاثة. استباح الجيش العبّاسي الظافر عاصمة أميّة العريقة لمدّة ثلاثة أيّام وهدم أسوارها حجراً حجراً ونبش قبور خلفائها واستعمل صحن جامعها الكبير اسطبلاً لدوابّه لمدّة سبعين يوماً. 

نأتي إلى العهد الفاطمي وعام ٤١٠ (١٠٢٠ للميلاد) عندما قام محمّد بن أبي طالب (رئيس الأحداث) بسدّ فرجات الباب الثلاث بهدف دفاعي وإن قام الدمشقيّون بإعادة فتحها لاحقاً.

دخل نور الدين دمشق من الباب الشرقي في ٥٤٩ (١١٥٤ للميلاد). ما كان لأمير بحنكته أن يغفل عن نقطة ضعف هذا المدخل وبناء عليه أمر بسدّ فرجته المركزيّة الكبيرة والجنوبيّة الأصغر تاركاً الشماليّة التي بنى أمامها باشورة ذات بابين (أقدم من ذكرها ابن عساكر) وكان هذا عام ٥٥٩ (١١٦٣-١١٦٤ م).

فقد هذا الباب-القوس وظيفته الجماليّة اعتباراً من هذا العهد وأصبح بالدرجة الأولى جزءاً لا يتجزّأ من تحصينات المدينة ممّا حدا الوزير ابن شكر عام ٦٠٢ (١٢٠٦ م) أي عهد الملك العادل الأيّوبي إلى هدم ما تيسّر منه واستعمال الحجارة لتبليط صحن الجامع الأموي.

طرأت المزيد من التعديلات في عهد الملك المعظّم (١٢١٨-١٢٢٧) وكانت واسعة المدى بيد أنّها استهدفت بالدرجة الأولى السور والخندق وليس الباب بحدّ ذاته.      



تحديد تاريخ المئذنة التي تعلوا الفرجة الشماليّة أكثر إشكاليّة إذ من الممكن أن تكون هي المذكورة في "فضائل الشام ودمشق" للربعي (٤٣٥ للهجرة الموافق ١٠٤٣ للميلاد) ولكن لا جدال في وجودها عام  ٥٨٠/ ١١٨٤ عندما وصفها ابن جبير الأندلسي -من أكثر الكتّاب مصداقيّة ودقّةً بالملاحظة- دون التباس بما يوائم حالتها اليوم.   


محمّد كرد علي. خطط الشام الجزء الأوّل



Jean-Michel MoutonJean-Olivier Guilhot et Claudine PiatonPortes et murailles de Damas


  

Friday, April 17, 2020

وصف الباب الشرقي


شكّكت دراسة فرنسيّة حديثة كما رأينا بكون الباب الشرقي باباً في العهد الروماني وطرحت افتراض أنّ الهدف الأصلي منه كان جماليّاً بحتاً كقوس نصر أو نصب تذكاري وقع أصلاً على بعد مائتي متر شرق سور المدينة ولم يضمّ إلى هذا السور حتّى العهد البيزنطي. 

في كلّ الأحوال لا خلاف أنّ هذا "الباب" شكّل البداية الشرقيّة للشارع المستقيم decumanus maximus كما شكّل باب الجابية (اللهمّ إذا كان -بدوره- في الأصل باباً) نهايته الغربيّة ولا شكّ في كونه آية من آيات العمارة والتخطيط والفنّ لدى بنائه ولربّما لعدّة قرون لاحقة. يتواجد الشارع المستقيم الروماني تحت مستوى الشارع الحالي أو السوق الطويل بثلاثة أمتار وتجدر الإشارة إلى أنّه ليس "مستقيماً" تماماً إذ يغيّر اتّجاهه لدى قوس -بالأحرى أقواس- التراتيل. 

 توافق فنحة الباب المركزيّة الكبرى القسم الأوسط من الشارع المستقيم الروماني Via Recta ولربّما كان مخصّصاً للعربات أمّا عن الفتحتين الجانبيّتين فتستمرّ كلّ منهما في رواق معمّد على طول محور المدينة الطولي من الشرق إلى الغرب. وصف الدكتور Porter الشارع بأقسامه الثلاثة للمرّة الأولى في منتصف القرن التاسع عشر.



فصّل المهندس العماري عدنان مفتي أبعاد الباب الشرقي وأدرج في مقاله الذي نشرته الحوليّات الأثريّة العربيّة السوريّة عام  ١٩٦٦ تصوّراً لهذا الباب reconstruction كما كان وقت إنشائه كما يلي:

يتألٌف الباب من ثلاث فتحات تعلوها أقواس نصف دائريّة وهو بطول ٢٧،٤٨  متر (أي عرض الشارع المستقيم الأصلي) وعرض ٤،١٨ متر. يبلغ ارتفاع الفتحة الوسطى ١٠،٩١ متر من سويّة البلاط حتّى ذروة القوس من الداخل intrados أمّا بالنسبة للفتحتين الجانبيّتين فهما بارتفاع ٥،٩٨ متر وعرض ٣،٣٦ متر.

يتواجد برجان مربّعان داخليّان إلى جانب الفتحة الوسطى بصعد منهما إلى أعلى الباب بهدف الحراسة والدفاع (استعمل البرج الشمالي كقاعدة للمئذنة فيما بعد). جعلت الأبراج ضمن الركائز على جانبيّ الفتحة الوسطى بشكل لا يكاد يلحظ مراعاة للاعتبارات الجماليّة. 

بنيت جميع عناصر الباب من الحجر الأبيض الصخري القاسي أو ما يسمّى "العواميدي".

للحديث بقيّة.