Sunday, April 21, 2019

دمشق الرومانيّة


لا داعي إلى الدخول في متاهات الصراع على السلطة والظروف التي أدّت لضمّ سوريا إلى الإمبراطوريّة الرومانيّة وحسبنا التذكير أنّ القائدين الرومانييّن Lucius Lollius و Metellus Nepos دخلا دمشق عام ٦٦ قبل الميلاد وأنّ سوريا أصبحت تابعة لروما ٦٤ ق.م. وأنّ Pompey (الاسم الكامل Gnaeus Pompeius Magnus) دخل دمشق بصورة رسميّة مهيبة عام ٦٣ ق.م.

اختارت الدكتورة Dorothée Sack في دراستها أن تتعرّض للعهد الروماني في دمشق من عام ٦٦ قبل الميلاد إلى عام ٣٩١ بعد الميلاد وتبنّت التاريخ الأخير كون هذا العام شهد مرسوم الإمبراطور Theodosius الأوّل الذي اعتمد فيه المسيحيّة ديانة رسميّة للدولة ومنع الممارسات الوثنيّة وأمر بتدمير المعابد القديمة أو تحويلها إلى كنائس (كما في معبد جوبيتر الدمشقي) وألغى الألعاب الأولمبيّة وهلمّجرّا.

آثار دمشق الرومانيّة لا تزال متناثرة في المدينة القديمة وحتّى في بعض المواقع خارج أسوارها منها ما لا يزال في مكانه ومنها ما استعملت حجارته في بناء أوابد لاحقة. لدينا باختصار كميّة لا بأس بها أبداً من المعطيات والمعضلة تكمن في تفسير هذه المعطيات وهذا لا يزال موضع جدل إلى اليوم ولا تزال كثير من البراهين بعيدة المنال ترقد عدّة أمتار تحت مستوى المدينة الحاليّة. 

بالنسبة لأسوار المدينة هناك من يقول أنّها شكّلت مستطيلاً تطوّر لاحقاً إلى الشكل البيضوي الذي نعرفه اليوم أمّا عن أهمّ شرايينها فلدينا من الشرق إلى الغرب الشارع المستقيم أو decumanus maximus  الذي يمتدّ من الباب الشرقي إلى باب الجابية (شكّكت دراسة حديثة بوجود هذين البابين ضمن أسوار المدينة في العهد الروماني وقالت أنّها بالأحرى كانت نصباً monuments تبعد عن هذه الأسوار حوالي ٢٠٠ متر) ومن الشمال إلى الجنوب ما يسمّى cardo الذي يوافق شارع باب توما حاليّاً والذي يمتدّ من باب توما شمالاً إلى باب كيسان جنوباً. هناك خلاف لا بأس به على تاريخ بناء هذه الأبواب والأسوار إذ مال المؤرّخون سابقاً إلى تأريخ الباب الشرقي من عهد Septimius Severus وابنه Caracalla بينما يقول البعض اليوم أنّه بالأحرى من حكم Augustus. 

تتبنّى المؤلّفة الآراء السابقة القائلة بوجود معسكر أو حصن castrum روماني شمال غرب المدينة بناه الإمبراطور Diocletian في الموضع الذي تتواجد فيه القلعة اليوم على وجه التقريب وتضيف فتقول أنّ Watzinger و Wulzinger عثرا على أساسات لهذا الحصن في القلعة. هذا الرأي مرفوض من قبل الكثير من الخبراء اليوم وما لا خلاف عليه أنّ القلعة تعود للعهد السلجوقي وأنّ شكلها الحالي أيّوبي من مطلع القرن الثالث عشر وحكم الملك العادل. لا يوجد أدلّة قاطعة أو حتّى مقنعة لوجود حصن في هذا الموقع قبل العهد السلجوقي وإن استعمل المسلمون حجارة معبد جوبيتر القديم في بناء القلعة في العصور الوسطى. 

للعهد الروماني أيضاً يعود المسرح الذي يعزى للحاكم Herod ولم يكن هناك دلائل ملموسة على وجوده لدى صدور دراسة الدكتورة Sack عام ١٩٨٩ وأمّا اليوم فنملك براهيناً لا تقبل الدحض بعد الحفريّات التي أجراها المعهد الدانماركي خلال ترميم بيت العقّاد.  

قام الرومان أيضاً بجرّ المياه العذبة (القنوات) إلى المدينة وإنشاء شبكة للصرف الصحّي.

بقي علينا التعرّض للمعبد وعلى اعتبار أنّه أهمّ معالم المدينة على الإطلاق -تماماً كما هي حال الجامع الأموي حاليّاً- فلنا معه موعد آخر في مقال مستقلّ. 



1.  Dorothée SackDamaskus. Entwicklung und Struktur einer orientalisch-islamischen Stadt. von Zabern, Mainz 1989.




No comments:

Post a Comment