Sunday, December 31, 2017

قرويّو سوريا والشرق الأدنى، تتمّة


رأينا أنّ العلاقة التاريخيّة بين الريف والمدينة غير متوازنة ولربّما لم يكن من المبالغة القول أنّ المدينة في أغلب الحالات طفيليّة تأخذ من الريف أكثر بكثير ممّا تعطيه ومع ذلك ليست كلّ الأرياف سواسية: جبل لبنان مثلاً أكثر استقلاليّة وأغنى من سائر الريف ولعدّة عوامل أهمّها انفتاحه على المتوسّط والبعثات الغربيّة ووعورته التي جعلت إخضاعه للضرائب بشكل منتظم عسيراً إن لم يكن مستحيلاً، فلّاح غوطة دمشق موسر نسبيّاً ويزور العاصمة بانتظام (العكس غير صحيح: سكّان مدينة دمشق يحتاجون لدليل في متاهات الغوطة)، قد يتمتّع الفلّاح في جبال العلوييّن باستقلال نسبي ولكن بظروف معيشيّة متواضعة، أمّا عن فلّاح السهول الداخليّة فحالته يرثى لها وهو موضع استغلال ملّاك الأراضي وتجّار المدن يبيع محاصيله بأبخس الأثمان كي يحصل على الحدّ الأدنى الضروري لإبقائه على قيد الحياة وهو غالباً لا يملك الأرض التي يزرعها وحتّى إذا ملكها فالموضوع موضوع وقت إلى أن يكره على التنازل عنها للمالك أو التاجر الذي أقرضه بذاره أو قوت يومه. المالك لا يزرع والزارع لا يملك. 



بشكل عامّ لا يعرف الريف السوري حتّى منتصف القرن العشرين الإنارة ولا الكهرباء ولا الطرقات المعبّدة ولا وسائل المواصلات الحديثة. النقل على ظهور الدوابّ أمّا العجلات فهي غير معروفة وفي كلّ الأحوال ليس هناك دروب تصلح لها. لغياب المواصلات أثر بالغ الاهميّة في موضوع التسويق إذ الفلّاح مكره أخاك لا بطل مضطرّ لبيع إنتاجه في أقرب سوق ممّا يجهله تحت رحمة الوسطاء. الإنتاج قليل والتبادل أقلّ.  الغالبيّة العظمى من الفلّاحين أميّون والقرى عموماً محرومة من المدارس والمعابد وفي كلّ الأحوال الفلّاح أفلّ تديّناً -بالمعنى التقليدي وخصوصاً من ناحية ممارسة الطقوس- من أهل المدن وإن تعلّق بزيارة الأولياء والعادات الموروثة القديمة قدم التاريخ. الأمراض تفتك بالريف السوري: البرداء، السلّ، الرمد (سبب هامّ للعمى وقتها)، حبّة حلب.... ويساعد على تفشّيها البيوت الأبعد ما تكون عن التهوية والشروط الصحيّة. وفيّات الأطفال مرتفعة للغاية. 

حاولت سلطات الانتداب الفرنسي جهدها لتحسين وضع الريف السوري وكان فرض الأمن أحد أهمّ منجزاتها ولكنّ جهودها اصطدمت بعدّة عوائق أهمّها:

أوّلاً: نقص رؤوس الأموال. افتقرت سوريا في هذا الوقت للتمويل الضخم الضروري لتنفيذ مشاريع ذوي النوايا الحسنة وأحد الأسباب كان طبيعة الانتداب المؤقّتة حسب متطلّبات عصبة الأمم إذ يقتصر دور فرنسا من الناحية النظريّة على الأقلّ على تحضير سوريا للاستقلال وهذا لا يشجّع المستثمرين الأوروبيّين على توظيف أموالهم عندما يجهلون ما قد يحدث غداً على عكس الوضع السائد في المستعمرات خاصّة الاستيطانيّة كالجزائر مثلاً. 

ثانياً. العوائق الاجتماعيّة والسياسيّة وهي أيضاً محكومة بطبيعة الانتداب المؤقّتة التي شجّعت القيادات السوريّة (وأغلبها قيادات مدن) على المطالبة بالاستقلال كواجب وطني وحدّت من قدرة الانتداب على إجراء إصلاحات جذريّة على غرار أتاتورك في تركيّا (الذي ذهب إلى حدّ منع الحجاب واعتماد الأحرف اللاتينيّة) ورضا خان في إيران.

ثالثاً. المطلوب لتنمية فعّالة ليس فقط تحسين البنية التحتيّة وسنّ القوانين وإنّما ثورة اجتماعيّة شبه مستحيلة وغير موجودة في أي مكان في الشرق الأدنى باستثناء فلسطين تحت الانتداب البريطاني وتحديداً المشروع الصهيوني الذي استورد المستوطنين الأوروبيّين بالجملة وإن سلّم الكاتب أنّ الثمن كان فادحاً للغاية وهذا قبل النكبة بعامين! (مات المؤلّف عام ١٩٤٦ بعد نشر الكتاب بفترة لا تتجاوز الأشهر). مع ذلك يقول أنّ نجاح فرنسا في الريف السوري تجاوز ما حقّقته بريطانيا في العراق وشرق الأردنّ. 

خرجت فرنسا وبريطانيا من الحرب العالميّة الثانية مرهقتان واستفاد الشرق الأدنى من ضعفهما النسبي سياسيّاً لتحقيق استقلاله المنشود كما استفاد اقتصاديّاً طوال فترة تواجد الجيوش الأوروبيّة على أراضيه والتي أدّت لزيادة التبادل التجاري لمصلحة الأهالي ولكن التحرّر من الاستعمار أو الانتداب جاء على أيدي نخبة أهل المدن بالذات وهذا التحرّر السياسي لم يترافق بالضرورة مع تحسّن في الحريّات الفرديّة أو تطوّر اجتماعي واقتصادي إيجابي. يضيف الكاتب أنّ ثمن الاستقلال باهظ إذ يتحتّم على الدولة الفتيّة تحمّل الكلفة الفوريّة لجيش وطني وبعثات ديبلوماسيّة وهذا يأتي على حساب مشاريع التنمية الطويلة الأمد. هكذا على الأقلّ بدت الأمور غام ١٩٤٦.

يخنم السيّد Weulersse فيقول أنّ مستقبل الشرق الأدنى إن خيراً وإن شرّاً يتعلّق بمصير الفلّاح.  


قرويّو سوريا والشرق الأدنى

شكلّ أبناء وبنات الأرياف لآلاف السنين وعلى الأقلّ حتّى منتصف القرن العشرين الأغلبيّة الساحقة من سكّان سوريا. ليس ذلك فقط، بل كان الريف (ولربّما لا يزال) مصدر الثروة الرئيس في البلاد وإليه يرجع الفضل في تزويد المدن بحاجاتها الغذائيّة. حتّى مدينة دمشق وغوطتها الغنّاء كانت تعتمد على حوران في تأمين حنطتها وخبزها منذ قرون. مع كلّ هذا وأكثر يعجز المرء عن العثور على ذكر القروييّن في المصادر التاريخيّة أو يكاد. التاريخ بالدرجة الأولى تاريخ المدن التي كانت عماد الغزاة منذ العهد الهلنستي على الأقلّ والتي استمدّت قسماً لا بأس به من مكوّناتها الديموغرافيّة من دماء الفاتحين بينما كان الريف محصوراً بين مطرقة أعيان المدن وسندان التغلغل البدوي. 



حاول المستشرق الفرنسي  Jacques Weulersse  أن يفي الفلاّح السوري بعض حقّه في هذه الدراسة التي صدرت عام ١٩٤٦ وإن كانت تستند إلى معطيات عام ١٩٤٠ وما سبقه. بالطبع تغيّرت سوريا كثيراً منذ ذلك الوقت إذ تضاعف عدد سكّانها خمسة مرّات على الأقلّ وزادت نسبة سكّان المدن وضواحيها إلى ما يكاد لا يمتّ للماضي بصلة. علاوة على ذلك اتّسعت الكثير من القرى لتصبح مدناً بكلّ ما في الكلمة من معنى كما تشهد بذلك غوطة دمشق السابقة على سبيل المثال. يضاف إلى التغيّرات الكميّة تغيّرات نوعيّة في المواصلات والمكننة والحكم والإدارة والتسويق والتوزيع وهلمّجرّا. رغم كلّ هذا التطوّر -بسبيّاته وإيجابيّاته- يبقى هذا الكتاب مرجعاّ ثميناً ويساعد إلى حدّ كبير على فهم خلفيّة الأحداث التي مرّت بها سوريا خلال السبعة عقود التي انصرمت منذ طباعته بحلوها ومرّها. تقتصر الدراسة على سوريا الانتداب بما فيها لواء اسكندرون ولبنان وإن أمكن تعميم الكثير ممّا ورد فيها على سائر الشرق الأدنى (مصطلح أكثر دقّة من "الشرق الأوسط" الدارج). 

لحق ريف سوريا الكثير من الظلم عبر التاريخ هناك اختلاف جذري بين القروي في أوروبا ونظيره في سوريا. النبالة في أوروبا نبالة أرض "دوق Anjou" أو "ملكة قشتالة" أو "أمير Wales" إلخ. بينما النبالة لدى العرب قبليّة أي الانتماء لعشيرة أو أسرة كما نعرف من الأعداد الهائلة ممّن ينسيون بحقّ أو بغير حقّ إلى الحسين لا بل تسمّى الدول "هاشميّة" أو "سعوديّة" حتّى اليوم. العرب على الأقلّ تاريخيّاً يمجّدون البدوي المحارب ويحتقرون الفلّاح والزراعة. الدولة في الغرب هي وحدة أرض + شعب + جهاز سياسي وإداري وهي تقدّم خدمات لمواطنيها لقاء واجبات تطالبهم بها أمّا في الشرق فالدولة بالنسبّة لأبناء الريف شرّ لا بدّ منه وأقصى ما يمكن أن تقدّمه إليهم حمايتهم من البدو ولقاء هذه الحماية (التي لا تتوافر دوماً) يتعيّن عليهم دفع ضرائب باهظة تتجاوز أحياناً مطاليب البدو. فرق آخر جدير بالذكر: تعتمد الجيوش الغربيّة على القروييّن بينما في الشرق الأدنى (إذا استثنينا مصر محمّد علي) الاعتماد على البدو والغرباء. إذاً الدولة العربيّة دولة دون أرض والقروي فيها فلّاح دون وطن

يمكن أن نضيف إلى ما سبق "طلاق" المدينة والريف إذا جاز التعبير وعلى أكثر من صعيد. على سبيل المثال اللاذقيّة سنيّة مسيحيّة بينما ريفها علوي، أنطاكيا تركيّة بينما ريفها علوي عربي، حماة عربيّة وريفها علوي بدوي إلخ. حماة بالذات لها وضع متميّز كأكثر المدن السوريّة محافظة والتي تسيطر عليها وعلى ريفها أربع عائلات (البرازي والكيلاني وطيفور والعظم لمن يهمّه الأمر). علاوة على كلّ ما سبق العلاقة بين أهل المدن عبر المدن أقوى منها بين المدينة وريفها (أي العلاقة بين الحلبي والشامي مثلاً أقوى منها بين الحلبي مع ريف حلب والشامي مع ريف دمشق). الوحدة طائفيّة أكثر منها جغرافيّة

للحديث بقيّة. 

Friday, December 22, 2017

صور تاريخيّة لمعالم سوريّة من العصور القديمة والوسطى


قررّ المندوب لبسامي الفرنسي في سوريا السيّد Henri Ponsot المساهمة بإحياء الماضي السوري وتعريف المهتمّين من السيّاح وغيرهم بالتراث الأثري السوري العريق عن طريق طباعة ونشر مجلّد فاخر عام 1931 يحتوي على مائة وستّين صورة بالأبيض والأسود من نوعيّة عالية لبعض أهمّ الأوابد في البلاد. الكتاب من تأليف العلماء المستشرقين René Dussaud و Paul Deschamps و Henri Seyrig ويمكن الحصول على نبذة عن حياتهم ومنجزاتهم بالضغط على أسمائهم في الوصلات الفائقة المرفقة. 



سوريا هنا تعني سوريا الإنتداب قبل اقتطاع لواء اسكندرون وتشمل بالطبع لبنان وأمّا عن تقسيماتها الإداريّة وقتها فهي "دول" سوريا والعلوييّن والدروز ولبنان وهي لا تشمل فلسطين ولا شرق الأردن كونها تحت الانتداب البريطاني. مصادر الصور متعدّدة على مدى عشرات من السنوات وفيها بعض اللقطات الجويّة البديعة من مطلع عهد الطيران. يرافق كلّ صورة صفحة من الشرح تعطي ببذة تاريخيّة وفنيّة وعماريّة عن الأثر المدروس وكلّ هذا طبعاً باللغة الفرنسيّة. 

بالطبع لا يمكن تغطية بلد شديد الغنى بالآثار كسوريا بمائة وستّين صورة ولا حتّى بألف وستمائة، لا بل ولا يمكن إعطاء حتّى مدينة سوريّة متوسّطة حقّها بهذا العدد الضئيل من الصور. رغم هذا التحفّظ يبقى هذا الكتاب الجميل مرجعاً لا يقدّر بثمن خاصّة وأنّ العديد من المعالم المصوّرة تغيّر شكلها كثيراً في التسعة عقود التي انقضت منذ نشره.

لا يتعرّض المؤلّفون لجميع المدن السورية وهو أمر مستحيل في حيّز محدود من هذا النوع ولكنّهم ركّزوا على ما اعتبروه أهمّ من غيره تاريخيّاً أو جماليّاً أو عاطفيّاً والمقصود هنا حنين الفرنسييّن إلى عهد الحملات الصليبيّة وفخرهم بها إذ هناك تركيز خاصّ على العمارة العسكريّة الصليبيّة وعلى سبيل المثال يحتلّ الحيّز المخصصّ لقلعة الحصن عدداً من الصفحات يعادل تقريباً تلك المخصّصة إلى دمشق. بالنسبة للمدن التاريخيّة الدارسة ومعابدها هناك تركيز خاصّ -وبحقّ- على بعلبك وتدمر. المساحة المخصّصة للآثار الإسلاميّة محدودة مقارنة مع غيرها. 

مسك الختام أنّ كافّة هذه الصور الرائعة مع النصوص المرافقة موجودة بالمجّان على الرابط التالي مع مصدرها وإسم المصوّر ولكن مع الأسف دون تاريخ الصورة وإن كان من الممكن الحصول عليه من مراجعة المجلّات التي نشرتها أصلاً في مطلع القرن العشرين أو من أسماء بعض المصوّرين مثل Bonfils و Sauvaget وغيرهم. 

Sunday, December 17, 2017

العرب في سوريا قبل الإسلام


يقصد العالم الفرنسي  René Dussaud   بالعرب  هنا بدو الجزيرة العربيّة وبادية الشام تحديداً وبالتالي يستثني جميع الحضر في اليمن وسوريا. Dussaud  (١٨٦٨-١٩٥٨) عالم آثار ومستشرق فرنسي وخبير باللغات العربيّة منها والقديمة كاليونانيّة والعبريّة وغيرها وأخصّائي بالخطوط والنقوش التاريخيّة والأديان الساميّة وله العديد من الكتب والمقالات في الدوريّات العلميّة ويعتبر أحد الروّاد في مجاله أو بالأحرى مجالاته. 

رأى كتابه عن  العرب في سوريا قبل الإسلام  النور عام ١٩٠٧ وهو لا يتجاوز ١٧٠ صفحة طولاً ولكنّه عسير القراءة وموجّه بالدرجة الأولى إلى المحترفين ومع ذلك يمكن للهواة أمثالي أن يستخلصوا منه كمّاً لا بأس به من المعلومات قلّ من تطرّق إليها من المؤرّخين وعلماء اللغة المحليّين وأشكّ في وجودهم أصلاً في بيئة لا تعطي العهود السابقة للإسلام حقّها لسبب أو لآخر وتعاني من نقص مزمن في التمويل المخصّص للبحث العلمي. 



يبحث المؤلّف موضوع تغلغل موجات الهجرة إلى سوريا حرباً أو سلماً وعليها أمثلة كثيرة فيقول أنّه سواء في حالة الأنباط أو العبرانييّن أو العرب المسلمين بدأ الدخول من شرق الأردن قبل الاتّجاه شمالاً وغرباً ولكن المعلومات المتوافرة عن كافّة هذه القبائل جرى جمعها من كتابات وسجلّات دوّنت بعد أن انتقلت هذه الشعوب من مرحلة البداوة إلى مرحلة التحضّر باستثناء وحيد ويتمحور الكتاب حول هذا الاستثناء. 

تتركّز الدراسة على  القبائل الصفائيّة  أو الصفويّة (لا علاقة بإيران طبعاً) نسبة  لتلول الصفا  الواقعة شرق اللجاة في حوران حيث تمّ العثور على كتابات ونقوش على الأحجار باللغة الصفائيّة تركها هذا الشعب عندما كان لا يزال في مرحلة البداوة وفبل أن يتمّ "هضمه" مع لغته وديانته وآلهته من قبل القرى والمدن المضيفة. 

هناك شبه إجماع أنّ الأبجديّة الأولى في التاريخ فينيقيّة (بالأحرى كنعانيّة إذ أنّ الفينيقييّن هي التسمية التي أطلقها الإغريق على الكنعانييّن) ومنها اشتقّت العبريّة والإغريقيّة وحتّى الذين يشكّكون في الأصل الكنعاني للأبجديّة يسلّمون أنّهم على الأقلّ من نشرها وعمّمها وأنّها أقدم الأبجديّات الساميّة إطلاقاً. باختصار نتدرّج من الأبجديّة الكنعانيّة إلى الإغريقيّة القديمة إلى اليمنيّة السبئيّة (مملكة سبأ) إلخ وأمّا عن الكتابة الصفائيّة فهي الأكثر "شماليّة" من كلّ النماذج العربيّة الجنوبيّة وتمتلك كالعربيّة ٢٨ حرفاً.  

ذاب الصفائيّون في المجتمع السوري في القرن الرابع الميلادي وتحوّلت نقوشهم وكتاباتهم إلى اليونانيّة ولكنّهم تركوا لنا من القرون السابقة لانصهارهم معلومات لا تقدّر بثمن لغويّاً ودينيّاً وقد خصّص الكاتب ٤٠ صفحة لآلهتهم منها ما ذكر في القرآن مثل  اللّات  والتي مثلّت لاحقاً الزهرة و Athena في العهد الهلنستي. بالنسبة  للعزّى ومناة اعتبرها Dussaud أقانيماً للّات ولكنّ النقطة الأكثر أهميّة هي أنّ  الله  كإله سبق الإسلام بخمسة أو ستّة قرون ولكن لا دليل أنّ الصفائيّون أو غيرهم مثّلوه بصنم كغيره وإن ارتأى المؤلّف أنّه من الممكن أنّ البعض اعتبر  الحجر الأسود  في الكعبة رمزاً لله bétyle وعلّ هذا يفسّر الاهتمام الخاصّ الذي أحاط به محمّد والمسلمون من بعده هذا الحجر. 

بالطبع ليس كلّ ما كتبه Dussaud قرآناً منزلاً فمثلاً خصّص ١٥ صفحة من الكتاب يؤكّد فيها أنّ قصر المشتى (الأردن حالياً) يعود إلى القرن الخامس الميلادي على أبعد تقدير مع أنّ كافّة الأخصّائييّن اليوم يحمعون أنّه أموي من منتصف القرن الثامن وما ينطبق على قصر المشتى ينطبق على غيره.

قدّر للمؤلّف أن يعيد كتابة هذا العمل ويراجعه ويوسّعه بعد خمسين سنة من نشره استناداً إلى خضمّ من المعطيات والمكتشفات الجديدة ولكن لهذا حديث آخر. 

Thursday, December 14, 2017

البلاذري وفتوح البلدان


رأينا كما سبق أنّ الفضل يرجع للبلاذري في أحد أهمّ وأقدم الكتب التي تؤرّخ الفتوحات الإسلاميّة كما رأينا أنّه مات عام ٨٩٢ للميلاد أي إمّا في نهاية خلافة المعتمد على الله أو بداية عهد المعتضد بالله العبّاسيّين. ماذا عن الفترة الزمنيّة التي يغطّيها كتاب فتوح البلدان؟ 



يبدأ البلاذري من دخول محمّد إلى المدينة (أي بداية التقويم الهجري) ويعطي تفاصيل محدودة ولكنّها ثمينة عن بناء مسجد النبي في يثرب-المدينة وتوسّعاته في العهود اللّاحقة ولكنه لا يتعرّض لغزوتي بدر وأحد بل ينتقل بغتة دون مقدّمات إلى طرد يهود قينقاع الذين "نقضوا عهدهم" دون أيّة تفاصيل عن كيف ولماذا وإن وجب أن نذكر (المقال السابق) أنّ ما لدينا نسخة مختصرة لمخطوط البلاذري. هناك تفاصيل أكثر عن طرد يهود النضير ومن ثمّ قتل وسبي يهود قريظة ومع ذلك بقي هناك وجود يهودي في خيبر ومسيحي في نجران إلى أن طردهم عمر إبن الخطّاب. 

آخر أحداث فتوح البلدان تدور في عهد الخليفة العبّاسي الثالث عشر أي المعتزّ بالله (٨٦٦-٨٦٩) وبالتالي يغطّي الكتاب حوالي ٢٥٠ سنة وعمليّات عسكريّة امتدّت من الجزيرة العربيّة جنوباً إلى تخوم آسيا الصغرى شمالاً ومن السند وتركستان شرقاً إلى شمال إفريقيا وإسبانيا غرباً ولكنّه لا يتعرّض للغارات على فرنسا و"بلاط الشهداء" ولا إلى محاولات الأموييّن المتكرّرة والفاشلة لأخذ القسطنطينيّة. بالنسبة لحروب الفتنة فلا معلومات عنها تستحقّ الذكر باستثناء الردّة ومسيلمة الملقّب بالكذّاب وإذا ذكرت أحداث كوقعة الجمل (بين علي من جهة وعائشة مع طلحة والزبير من جهة ثانية) أو معركة صفّين (علي ضدّ معاوية) أو كربلاء (مقتل الحسين) أو إبادة الأموييّن على يد أبي العبّاس وصحبه أو القتال بين الأمين والمأمون فهي تذكر بشكل عابر وفي سياق لا علاقة مباشرة له بها (أحياناً لا تذكر على الإطلاق).  هناك بالمقابل تيهور من المعلومات عن الأمور الفقهيّة المتعلّقة بتوزيع الأراضي والمياه وغنائم الحرب وأموال الجزية والخراج بين المسلمين حسب قربهم من النبي وإسهامهم في المجهود الحربي. 

يستحيل أن يلخّص المرء بصفحتين أو ثلاثاً أحداثاً كان مسرحها رقعة جغرافيّة بهذا الاتّساع وامتدادها الزمني بهذا الطول وبالتالي أقتصر على بعض الاستنتاجات على الهامش رأيتها جديرة بالذكر والذكرى:

أوّلاً: يخلط الكثيرون بين الفتوحات العربيّة وأسلمة جنوب وغرب آسيا وشمال إفريقبا. الفتوحات العربيّة كانت -على الأقلّ خارج الشرق الأدنى- ذات طبيعة مؤقّتة وكانت أشبه بالغارات منها إلى الفتوحات إذ كثيراً ما اضطر العرب المسلمون إلى "فتح" نفس المكان مثنى وثلاث عندما شقّ عصا الطاعة ورفض دفع الأتاوة-الجزية. النتيجة المنطقيّة أنّ الإمبراطوريّة العربيّة العظمى كانت مهابتها على الورق أكثر من قوّتها الحقيقيّة والعهد الأموي الذي بلغت فيه رقعة هذه الإمبراطوريّة أقصى اتّساعها كان في واقع الأمر زاخراً بالفتن الأهليّة كالتي أشعلها عبد الله إبن الزبير وأخوه مصعب قبل أن يخمدها الحجّاج إبن يوسف الثقفي وقد اضطرّ عبد الملك إبن مروان إلى دفع الجزية لإمبراطور بيزنطة (كما فعل قبله معاوية) كي يتفرّغ لحرب إبن الزبير. ما أنهى الدولة االأمويّة هو فرط التمطّط الإمبراطوري (Paul Kennedy) عندما عجزت مواردها على ضخامتها عن حماية المساحات الشاسعة التي أصبحت عبئاً على الدولة بعد أن كانت مصدر رزق للعسكر الغزاة وذويهم. امتداد الإسلام للهند وإندونيسيا وإفريقيا وغيرها كان لاحقاً وعلى يد التجّار والمتصوّفين (مغامرة الإسلام للمستشرق Marshall Hudgson) الذين نجحوا في تكييف العقيدة لتتلائم مع الأعراف والتراث المحلّي وليس على يد الفاتحين. 

ثانياً: موضوع شهامة وتجرّد الفاتحين المسلمين و"ما عرف التاريخ فاتحاً أرحم من العرب" مبالغ فيه للغاية. كان نصيب سوريا أفضل بما لا يقاس من غيرها -على الأقلّ حتّى مجيء العبّاسييّن- لأنّها كانت مركزاً للإمبراطوريّة ونقطة الانطلاق لكثير من الفتوحات ولكنّ الأقاليم النائية عانت الأمرّين من الفاتحين الذين لم يتورّعوا عن ضرب أعناق القادة وذبح الرجال في سنّ حمل السلاح وسبي النساء والأطفال في العديد من الأمكنة حتّى عندما استسلم "المشركين" وفتحوا أبوابهم. هذا ليس رواية أعداء المسلمين بل روايتهم هم  والبلاذري يذكرها كأمر مسلّم به ونظرته لها أبعد ما تكون عن السلبيّة. عندما قبل العرب الجزية نقداً أو عيناً لجأت بعض الشعوب التي تفتقر إلى المال إلى القبول باستعباد شبابها وفتياتها من قبل العرب الفاتحين كطريقة للدفع. بالطبع عندما خسر المسلمون معركة عاملهم "العجم" و"المشركون" بالمثل. 

ثالثاً: رواية البلاذري أشبه ما تكون بالسجلّات المسماريّة الآشوريّة أو الفرعونيّة القديمة من عدّة نواح منها المبالغة إلى درجة الكاريكاتوريّة في عدد وعدّة الأعداء ويتبع هذا وصف جبن الخصم وبطولات العرب وإن خسروا بعض الشهداء ثمّ وصف مفصّل للأسلاب وكيف تمّ تحصيصها بين الغزاة. يقول الكاتب بكل صراحة أنّ بعض محاربي الفاتحين كانوا يطمعون بالشهادة بينما البعض الآخر انضمّ إلى القتال طمعاً بالغنيمة.

رابعاً: ما يقرّر هدم المعابد "الوثنيّة" أو الإبقاء عليها وقتل "المشركين" أو حقن دمائهم عوامل نفعيّة وعمليّة بالدرجة الأولى إذ قبل الفاتحون في عدّة أماكن الجزية من المجوس وسمحوا لهم بالإبقاء على معابد النار وطبّقوا نفس المنهج مع بعض البوذييّن. أي أنّهم عاملوهم كما عاملوا "أهل الذمّة" المسيحييّن واليهود. 

أخيراً الكتاب منجم ذهب لهواة اللغة العربيّة فمثلاً تعلّمت منه معنى كلمة "العلوج" أو "الأعلاج" حمع علج (من يذكر الصحّاف) والتي ترجمها الدكتور حتّي بالرجل الأغلف (أي غير المختون). وهناك أيضاً بعض التفاصيل الساخنة بلغة شبه إباحيّة عندما اتّهم بعضهم المغيرة إبن شعبة بالزنا ولكن عمر أمر بجلد ثلاث شهود لأنّ الرابع لم ير الجماع بأمّ عينه وهناك أيضاً نادرة عمر عندما صادر أموال "عدوّ الله والمسلمين أبو هريرة" متّهماً إيّاه بالاختلاس.





أصول الدولة الإسلاميّة

يعتبر كتاب فتوح البلدان لأحمد إبن يحيى البلاذري (مات ٨٩٢ للميلاد) أحد أهمّ وأقدم المؤلّفات التي نملكها عن العهد الإسلامي الأوّل إذا سلّمنا أنّه بدأ مع محمّد وانتهى مع نهاية العصر العبّاسي الذهبي في منتصف القرن التاسع. المقصود بالعصر الذهبي طبعاً عصر القوّة السياسيّة وليس الازدهار الفكري والأدبي والفنّي. ترجم هذا الكتاب إلى الإنجليزيّة في مطلع القرن العشرين على دفعتين كما سنرى ويفيد العالم Richard Gottheil (١٨٦٢-١٩٣٦ وهو أكاديمي أمريكي صهيوني من مواليد إنجلترا) في مقدّمة الكتاب أنّ ما نملكه حاليّاً ليس كتاب فتوح البلدان الأصلي الذي اختفى بعد القرن السابع عشر وإنّما مختصر له. 



يعود الفضل في ترجمة هذا السفر النفيس إلى الإنجليزيّة لشخصين: الأوّل الدكتور فيليب خوري حتّي (١٨٨٦-١٩٧٨) الذي نقل ثلثي الكتاب من العربيّة إلى الإنجليزيّة ونشرت Columbia University هذا العمل عام ١٩١٦ أمّا الثاني فهو الدكتور Francis Clark Murgotten أستاذ اللغات في University of Nevada ولم أنجح في الحصول على معلومات تذكر عنه. قامت جامعة Columbia بنشر الجزء الثاني والأخير من الترجمة عام ١٩٢٤. 



ترجمة الجزء الثاني على مهنيّتها والحهد الكبير المبذول فيها لا ترقى إلى ترجمة الجزء الأوّل ولسبب وجيه: ندر من الكتّاب الشرقييّن أو المستشرقين من تملّك اللغتين العربيّة والإنجليزيّة كما فعل الدكتور حتّي الذي أتقن فنّ الرواية والكتابة إلى أقصى الحدود وكان أبعد ما يكون عن اللغة الأكاديميّة الجافّة كما تشهد بذلك كتبه العديدة السهلة المتناول للهواة كما هي للإخصّائييّن. في كلّ الأحوال يبقى القسم الذي ترجمه الدكتور Murgotten رغم أخطائه (التي يمكن تحرّيها دون عناء مع المقارنة بالأصل) أسهل متناولاً  -ويا للأسف- للقارىء من النصّ العربي والسبب هو افتقار هذا الأخير إلى الحدّ الأدنى من الهوامش الضروريّة لفهم نصّ كتب بلغة عمرها أحد عشر قرناً ونيّف. تبقى المخطوطات التاريخيّة الغير مدقّقة والغير معلّقة عاصية على الإنسان المعاصر إذ أنّ حاجتها إل "إخراج" حديث سهل المتناول لا تقلّ عن حاجة القرآن أو الكتاب المقدّس إلى التفسير والشرح اللغوي والتاريخي لوضعها في السياق المناسب. 

يشارك البلاذري أقرانه من مؤرّخي المسلمين الدينييّن والدنيوييّن في إعطاء مكان الصدارة للإسناد "عن فلان إبن فلان عن فلان أبي فلان أنّ فلاناً قال" ويشترك مع كثير منهم في ذكر عدّة أوجه للرواية الواحدة إذا اختلفت سلاسل الإسناد ولكنّ العلميّة والموضوعيّة تتوقّف عند هذا الحدّ ولا يوجد محاولة تذكر للتحليل والنقد ناهيك عن التبرير. 

المؤلّف إيراني من بغداد وبشكل عامّ دور العرب في التدوين والتأريخ وحتّى في العلوم الدينيّة واللغويّة محدود اللهمّ إذا استثنينا قرض الشعر والخطب البليغة وما شابه. يمكن أن نضيف أنّ البلاذري كان عبّاسي الهوى بدلالة استعماله مصطلح "الدولة المباركة" عندما يتكلّم عن السلالة العبّاسية ولكن هذا يمكن تفسيره بأسباب نفعيّة وليس فقط موضوعيّة أو عاطفيّة. 

بالنسبة لمصادر التاريخ العربي كما تعرفه فهي التالية:

أوّلاً: أقاصيص وأساطير العهد السابق للإسلام أو ما يسمّى الجاهليّة.
ثانياً: سير النبي محمّد والصحابة.
ثالثاً: كتب التاريخ ومنها التراجم والمغازي والأنساب والطبقات

بالنسبة لكتب السيرة فأقدمها "سيرة رسول الله" لإبن إسحق (مات ٧٦٧ للميلاد) ولكنّنا لا نعرف هذه السيرة مباشرة وإنّما من خلال إبن هشام (مات ٨٣٤) أمّا بالنسبة للمغازي فأسبقها ما كتبه الواقدي (مات ٨٢٢ م) وفيما يتعلّق بالطبقات فهناك عمل إبن سعد كاتب الواقدي (مات حوالي عام ٨٤٤). 

"فتوح البلدان" للبلاذري إذاً أحد أقدم المصادر الموجودة وهو يستشهد بإبن إسحق مباشرة (أي دون ذكر إبن هشام ) وفيما يلي أسماء أبرز مؤرّخي الفتوحات العربيّة:

- الطبري (مات ٩٢٣ للميلاد) وهو أوّل مؤرّخ حوليّات وأهمّ من كتب التاريخ بعد البلاذري ولكنّه لا يستشهد بهذا الأخير ولا يذكره. 
- إبن الأثير (مات ١٢٣٣). 
- أبو الفداء (مات ١٣٣١). 

إذا كان الطبري لم يستشهد بالبلاذري فكثير من المؤلّفين اللاحقين المؤرّخين منهم والجغرافييّن استشهدوا به كالمسعودي (مروج الذهب) وياقوت (معجم البلدان) والمقدسي (أحسن التقاسيم) والهمذاني (كتاب البلدان). الخلاصة البلاذري مصدر أساسي لا غنى عنه لكل من يهتمّ بالغزوات والفتوحات العربيّة الإسلاميّة وتجدر الإضافة هنا إلى أنّه كغيره يركّز على التاريخ السياسي دون سواه. 

للحديث بقيّة. 


Friday, December 1, 2017

Qasr al-Hayr al-Ghrabi, the Internal façade

Located northeast of Damascus between al Qaryatayn and Palmyra, this 8th century C.E. Omayyad desert palace was constructed during the reign of Caliph Hisham ibn Add al-Malik. It is square shaped 70 x 70 meters and made of two stories with semi-circular towers at the angles and the sides.

The excavation works started in 1936 by the General Directorate of Antiquities and Museums were completed in 1950 and crowned with restoring and reassembling a wing -the most luxurious- that had constituted the central part of the eastern side of the edifice. It includes the façade, the entrance, two apartments, a portico, and a part of the internal courtyard. This complex has found a permanent residence at the National Museum of Damascus since.

Though less elaborate than the external façade, the internal one (attached photo) still represents a milestone in the history of Arab-early Islamic art. Seen is a 16.70 x 2.75 meters wall dominated by six windows of sculpted stucco with figures in relief in-between.



كنوز متحف دمشق الوطني: الواجهة الداخليّة لقصر الحير الغربي

بدأت عمليّة التنقيب في أطلال قصر الحير الغربي عام ١٩٣٦ بمبادرة من المديريّة العامّة للآثار والمتاحف وانتهى ترميم وإعادة تجميع الجناح الأفخم منه (القسم المركزي لجانبه الشرقي) في متحف دمشق الوطني عام ١٩٥٠. يشمل هذا القسم الواجهة والمدخل وشقّتين ورواق وقسم من الصحن الداخلي. بالنسبة للقصر فهو مربّع الشكل يبلغ طول ضلعه ٧٠ متراً وأمّا عن موقعه فهو شمال شرق دمشق بين تدمر والقريتين. بني كما هو معروف في القرن الثامن الميلادي في عهد الخليفة الأموي هشام إبن عبد الملك.

الصورة للواجهة الداخليّة للقصر وهي بطول ١٦٬٧ متر وارتفاع ٢٬٧٥ متر وأبرز ما فيها ستّة نوافذ من الجصّ المنحوت بزخارف متناغمة. 

Monday, November 27, 2017

دمشق عام ١١٢٩: إبادة الطائفة الإسماعيليّة

من العبث إنكار مجزرة ١٨٦٠ أو ما يدعى "بطوشة النصارى" في دمشق إذ أنّها حصلت في عهد التصوير الفوتوغرافي والصحافة المطبوعة وتدخّل أوروبا في شؤون الإمبراطوريّة العثمانيّة في زمن كان أهمّ أسباب بقاء هذه الأخيرة تنازع القوى الغربيّة بعضها مع البعض الآخر. كلّ ما يمكن عمله لمن يرفض تسمية الأمور بمسمّياتها أن يعمد للتفسير والتأويل ولوم الغرب والاستعمار وحتّى اليهود إذا لزم الأمر في محاولة بائسة لتبرير ما لا يمكن تبريره لا منطقيّاً ولا أخلاقيّاً. 

بيت القصيد هنا أنّ هذه المذبحة لم تكن أوّل فتنة طائفيّة تشهدها المدينة وأنّه سبقها في أواخر العقد الثالث للقرن الثاني عشر الميلادي مذبحة تضاهيها أن لم تكن تقوقها وحشيّة واتّساعاً كما سنرى.

من البدهي أنّ الوجود الفاطمي في دمشق لفترة تجاوزت القرن لا بدّ وأن يخلّف عدداً لا بأس به من معتنقي المذهب الإسماعيلي في المدينة. باختصار شديد مؤسّس السلالة الفاطمية شخص يدعى عبيد الله المهدي من السلميّة في سوريا ولكنّ بدايات هذه الدولة كانت في شمال غرب إفريقيا قبل أن تمتدّ إلى مصر في عهد المعزّ لدين الله وعامله جوهر الصقلي بناة القاهرة. جرى نزاع على الخلافة بعد موت المستنصر بالله بين المستعلي وأخيه الأكبر نزار. خسر هذا الأخير وهرب إلى الإسكندريّة ثمّ قتل عام ١٠٩٥ وانشقّ الإسماعيليّون بعدهذه الأحداث إلى حزبين: الأوّل فاطميّو مصر (ومنها إلى الهند واليمن) والثاني النزاريّون (إلى إيران وسوريا) ومنهم من عرفوا بعدها بالحشّاشين

يبدوا أنّ المؤرّخ الدمشقي إبن القلانسي على غزير علمه وحصافة عقله لم يجد قاسماً مشتركاً بين الفاطمييّن في مصر (والذين كال لهم الثناء بحساب ودون حساب) والإسماعيلييّن في سوريا والذين أطلق عليهم لقب الباطنيّة وكتب عنهم بسلبيّة إلى أبعد الحدود. 



فلنستعرض بعد هذه المقدّمة الطويلة ما جرى عام ١١٢٩ في عهد تاج الملوك بوري. يبدأ إبن القلانسي باستعراض خلفيّة الفتنة فيخبرنا أنّ داعية الباطنيّة بهرام نجح في غواية العديد من أبناء الأقاليم الجهلة وحثالة الفلّاحين واللصوص من عديمي الضمائر الذين لا يخافون الله ولا يردهم وازع عن الشرّ والأذى ويضيف أنّ عقيدتهم السريّة ظهرت بكلّ نقائصها في وضح النهار عندما مارسوا العنف وقطع الطرقات والظلم وساعدهم في مخطّطاتهم الوزير أبو طاهر المزدقاني. عيل بالنتيجة صير تاج الملوك وعزم على التخلّص من الباطنيّة "أعداء الله" مرّة وإلى الأبد وبالنتيجة قتل بهرام وانتقلت الزعامة بعده للمدعو إسماعيل الفارسي الذي تعاون معه المزدقاني إلى أن قطعت رأس هذا الأخير ومزّق جسده بالسيوف وأحرقت جثّته جزاءً وفاقاً على شروره وآثامه. يرفق ابن القلانسي مع سرده استشهاداً بالآيات القرآنيّة التي تسوّغ -في نظره- كلّ ما جرى كعقاب ربّاني حقّ على المفسدين في الأرض.

أذيع خبر ذبح المزدقاني في دمشق وكانت هذه بمثابة إشارة للأحداث والرعاع للانتشار في المدينة كالنار في الهشيم مسلّحين بالسيوف والخناجر وقتل كلّ من صادفوه من الباطنيّة ومشايعيهم بما فيهم من طلب الأمان ورغم محاولة البعض التشفّع لهم ومع حلول الصباح تمّ تنظيف الأزقّة والساحات من جثثهم التي تنازعتها الكلاب وكلّ هذا طبعاًَ "عبرة لذوي الألباب". 

لا يورد القلانسي أرقاماً على الأقلّ في المخطوط الذي ترجمه Le Tourneau وتتفاوت الأرقام حسب المصدر من ستّة آلاف ضحيّة (إبن الأثير) إلى عشرة آلاف (سبط إبن الجوزي) وحتّى تصل بعض التقديرات إلى عشرين ألفاً وعلّ هذه الأرقام مبالغ بها ولكن لا خلاف على حصول المجزرة ولا على هويّة ضحاياها وممّا يزيد من مصداقيّة الرواة أنّهم دون استثناء من أعداء الإسماعيلييّن وأنّهم يفتقدون إلى الحدّ الأدنى من الشعور بالذنب أو الشين لا بل هم يفخرون بالقضاء على الباطنيّة كما يفخر العبّاسيون بإبادة الأموييّن وهناك كثير من الأمثلة المشابهة لمن يريد التوسّع. 

يدّعي البعض (إبن الأثير) في محاولة لتسويغ المذبحة أنّ المزدقاني اتّفق مع الباطنيّة على تسليم دمشق للصليبييّن ولكنّ إبن القلانسي صامت عن هذا الموضوع على الأقلّ قبل المذبحة لا بل ويضيف كمسك الختام أنّ إسماعيل الفارسي مات لاحقاً في بانياس وتخلّصت المنطقة من "الباطنيّة ونجسهم". في كلّ الأحوال حتّى إذا سلّمنا أنّ بعض الإسماعلييّن تعاون مع الصليبييّن فلا يمكن أن يبرّر هذا ذبح جميع الإسماعيلييّن ولا يعقل أنّ الآلاف منهم تعاونوا مع الصليبييّن.

من نافل القول أنّ التعصّب الديني في العصور الوسطى لم يكن وقفاً على دمشق ولا سوريا ولا أي بلد إسلامي. تاريخ أوروبا مفعم بالمجازر والفتن الدينيّة ولربّما كان سجلّ العالم الإسلامي في الماضي أفضل من نظيره المسيحي. الفرق أنّ العرب اليوم -مقارنة مع الغرب العلماني- يتّبعون إحدى سياستين في الأمور المتعلّقة بما لا يشرّف في ماضيهم: الأولى إلقاء اللوم على الغير (مجزرة ١٨٦٠) والثانية تجاهل الموضوع بالكليّة كما في مأساة ١١٢٩. 

دمشق من بداية العهد السلجوقي حتّى دخول نور الدين

نعود إل تاريخ دمشق لإبن القلانسي ويعتمد منهجه كما سبقت الإشارة على سرد التسلسل الزمني للأحداث حسب السنة الهجريّة وسأقوم بهدف الإيجاز من جهة وجعل المعلومات أسهل وأسلس تناولاً من جهة أخرى، باللجوء إلى تصنيف يتمركز حول من تولّى دمشق في هذه الفترة التي قاربت الثمانين عاماً. 

هزم السلاجقة بقيادة ألب أرسلان عام ١٠٧١ للميلاد البيزنطييّن في معركة منزيكرت أو ملازيكرت الفاصلة والتي غيّرت خارطة الشرق الأدنى وكانت بداية تتريك وأسلمة آسيا الصغرى الذي أنجز في أعقاب الحرب العظمى (أي الحرب العالميّة الأولى) عندما طرد كافّة "اليونان" (المقصود المسيحييّن) من دولة تركيّا الفتية وكافّة "الأتراك" (أي المسلمين) من اليونان. 

موضوع البحث بالطبع دمشق فلنستعرض ما جرى فيها وحولها من خلال من حكمها كما أورده إبن القلانسي وسأضيف الحدّ الأدنى التفاصيل في بعض الروابط حسب الحاجة.



* كانت نهاية العهد الفاطمي في دمشق عام ١٠٧٦ للميلاد على يد أتسيز إبن أوق الخوارزمي (أحد عمّال ملك شاه إبن ألب أرسلان السلجوقي). لم يعن هذا بالطبع نهاية الوجود الفاطمي الذي دام أكثر من قرن في سوريا خاصّة على الساحل وفي الجنوب ولكنّه عنى صعود العناصر التركيّة ومعها المذهب السنّي وتمدّدها بالنتيجة إلى مصر في عهود لاحقة.

* تولّى تاج الدولة تتش إبن ألب أرسلان دمشق عام ١٠٧٨ وأمر في بداية عهده بأستز فخنق ولاحقاً (عام ١٠٩٥) بقسيم الدولة آق سنقر (أبو عماد الدين زنكي) فقطعت رأسه. بالنتيجة قتل تتش في صراع على السلطة بينه وبين إبن أخيه في نفس العام الأخير (١٠٩٥) وأرسلت رأسه إلى بغداد. كان قطع الرؤوس وجمعها كغنائم حرب ورفعها على الحراب وعرضها ليتملّى ويستمتع بمنظرها الهمج والدهماء في ذلك الوقت القاعدة وليس الاستثناء.

* خلف تتش في دمشق عام ١٠٩٥ إبنه شمس الملوك دقاق الذي بنى البيمارستان المعروف بإسمه (اندثر) وشهد عهده الحملة الصليبيّة الأولى واستيلاء الإفرنج على القدس في صيف ١٠٩٩. تزوّج الأتابك ظهير الدين طغتكين صفوة الملك أمّ دقاق ومات هذا الأخير عام ١١٠٤ (يفيد إبن عساكر أنّه قتل بأمر من أمّه التي أوعزت لجواريها بدسّ السمّ في طعامه ولكن إبن القلانسي لا يورد أي إشارة لهذا). في كلّ الأحوال دفن دقاق خارج سور المدينة ولاحقاً أمّه (ماتت ١١١٩) في ضريح صفوة الملك (الخانقاه الطواوسيّة) الذي صوّره ووصفه Jean Sauvaget قبل هدمه بقليل قبيل منتصف القرن العشرين. على علمي كان الأثر السلجوقي الوحيد في دمشق وام يتجشّم أحد عناء تصويره ناهيك عن دراسته باستثناء المستشرق الفرنسي الشهير.  

* أصبح ظهير الدين طغتكين مؤسّس السلالة البورية الحاكم الفعلي لدمشق بعد موت (أو اغتيال إذا قبلنا رواية إبن عساكر) دقاق عام ١١٠٤ وكان عهده ميموناً على المدينة في نظر إبن القلانسي وإن رافقه توسّع الوجود الصليبي على الساحل السوري إلى طرابلس وجبلة وبانياس (١١٠٩)، حصن الأكراد (أي قلعة الحصن) وبيروت وصيدا (١١١٠)، وأخيراً صور (١١٢٤). 

* مات طغتكين عام ١١٢٨ وخلفه إبنه تاج الملوك بوري الذي أبيد إسماعيليّو دمشق في عهده (١١٢٩) وسأخصّص لهذه المأساة مقالاً خاصّاً. 

* مات بوري عام ١١٣٢ وخلفه على أمر دمشق إبنه شمس الملوك إسماعيل. أمرت صفوة الملك زمرّد خاتون (أخت دقاق وزوجة بوري وهي غير صفوة الملك أمّ دقاق) عبيدها بقتل إبنها شمس الملوك في مطلع عام ١١٣٥ وإذا قبلنا بعض الروايات (نقلها المعلوف) فالدافع للجريمة كان التستّر على فضيحة تتلخّص أنّه كان لزمرّد خاتون عشيق هو الحاجب يوسف إبن فيروز الذي دبّرت فراره من إبنها إلى تدمر قبل أن تخلّص على هذا الأخير.   

* نأتي الآن إلى عهد شهاب الدين محمود وهو إبن آخر لزمرّد خاتون. تميّزت هذه الفترة بصعود نجم الأتابك عماد الدين زنكي سيّد الموصل وقاهر الصليبييّن (طردهم من أورفة-الرها أو Edessa عام ١١٤٤). توسّع زنكي إلى حلب وغيرها وإن بقيت جائزة دمشق مبتغاه وفي هذا السبيل تزوّج زمرّد خاتون عام ١١٣٨ أملاً أن يفتح له الدمشقيّون أبواب المدينة طواعية ولكنّ الدمشقيّون رفضوا لا بل وطلبوا معونة الصليبييّن ضدّه. 

* اغتيل شهاب الدين محمود عام ١١٣٩ وآلت الولاية إلى أخيه جمال الدين محمّد ولكن عهده لم يطل إذ مات ١١٤٠.

* كان مجير الدين أبق (إبن جمال الدين محمّد) آخر حكّام دمشق البورييّن ولكنّ الحاكم الفعلي للمدينة من ١١٤٠ إلى ١١٤٩ كان معين الدين أنر الذي حالفه الحظ عندما اغتيل عماد الدين زنكي عام ١١٤٦ وإن استأنف إبن هذا الأخير نور الدين محمود (أو نور الدين زنكي أو نور الدين الشهيد) سياسة أبيه ومحاولاته لضمّ دمشق ولم يتردّد في هذا الصدد في الزواج بإبنة أنر (١١٤٧) كما تزوّج زنكي زمرّد خاتون قبله وأيضاً دون جدوى. حاول الصليبيّون الإستيلاء على دمشق في صيف ١١٤٨ خلال الحملة الصليبيّة الثانية بقيادة Louis VII ملك فرنسا و Conrad III أوّل ملوك سلالة Hohenstaufen في ألمانيا. بائت هذه المحاولة الخرقاء بالفشل وأقول الخرقاء لأنّ علاقة أنر مع الصليبييّن -على مدّها وجزرها- كانت وديّة عموماً إذ لم يتردّد الأتابك في التحالف مع الإفرنج ضدّ إخوته المسلمين عندما رأى ذلك في مصلحته. 

* مات أنر في صيف ١١٤٩ وأصبح مجير الدين أبق الحاكم الحقيقي وليس فقط الإسمي في دمشق ورافق ذلك تزايد عزم وتصميم نور الدين على إدخال دمشق في إمبراطوريّته فقام بمحاصرة المدينة عندما استنجد أبق بالصليبييّن الذين هرعوا لإسعافه عام ١١٥١ (نخوة منهم ما في ذلك من شكّ) وبعد أخذ وردّ نجح نور الدين في دخول المدينة في ربيع ١١٥٤ وسط مشاهد البهجة والحبور (أو على الأقلّ تنفّس الصعداء) بين أهاليها. 

The Treasures of the National Museum of Damascus: Tell Um Hauran

Two 24-25 cm bronze helmets from the beginning of the second century C.E. were illicitly dug at the site of Tell Um Hauran (Daraa Governorate north of Nawa) back in 1955. They were promptly seized by the General Directory of Antiquities and Museums to be transferred to the National Museum of Damascus where they've resided ever since. Further excavations -this time legally and  professionally-  have subsequently taken place and yielded a substantial number of valuable artifacts. 






Seen at the center of the first helmet is a Roman warrior surrounded on both sides with an eagle, a symbol of the Solar God. Posteriorly on the lateral view are two identical groups representing horses pulling a chariot on their way to heaven. The mask itself is that of a bearded face. 




The second helmet has a gorgone occupying its summit. Below is an eagle dominating a sacrificial scene with its stretched wings. The occiput features a battle between the Romans and the Parthians. Finally, The artist -a certain Mactorius Barbarus- was kind enough to leave his name inscribed on the right temple. 


جرت أعمال تنقيب غير شرعيّة عام ١٩٥٥ في تلّ أم حوران (شمال نوى في محافظة درعا) اكتشفت خلالها خوذتان برونزيّتان من مطلع القرن الثاني الميلادي بارتفاع ٢٤-٢٥ سم. انتقالت ملكيّة هاتين الخوذتين إلى متحف دمشق الوطني الذي قام بإجراء المزيد من الحفريّات (المهنيّة) في هذا الموقع. 

نرى في وسط الخوذة الأولى محارباً رومانيّاً وعلى جانبيه نسرين يرمزان للإله الشمس وفي القسم الخلفي للقطة الجانبيّة عربة تقودها الخيول في طريقها إلى السماء. يمثّل القناع تحت الخوذة رجلاً ملتحياً.

تحتلّ طاسة الصورة الثانية رأس  Gorgone وتحتها نسر يبسط جناحيه فوق مشهد قربان. يشغل قفا الصورة تمثيل لمعركة بين الرومان والبارثييّن. ترك الفنّان Mactorius Barbarus لنا اسمه منقوشاً على الصدغ الأيمن. 

Sunday, November 26, 2017

تاريخ مدينة دمشق ١٠٧٥-١١٥٤ للميلاد

يغطّي ذيل تاريخ دمشق لإبن القلانسي (١٠٧٣-١١٦٠) فترة طويلة تنتهي بسنة وفاته ولكنّ المترجم الفرنسي Roger Le Touneau (وهو تلميذ المستشرق الكبير Jean Sauvaget) اختار منه الفترة التي تبدأ مع نهاية الهيمنة الفاطميّة وبداية تسلّط الأتراك السلاجقة وتنتهي بدوال الدولة البوريّة عندما تقلّد الأتابك نور الدين زنكي زمام الأمور في دمشق. لهذه الفترة أهميّة خاصّة كونها شهدت بداية العهد الصليبي في سوريا (الحملتين الأولى والثانية) واصطدام الغرب مع الشرق. 




أصدر المعهد الفرنسي في دمشق هذا الكتاب الذي يقارب طوله ٤٠٠ صفحة عام ١٩٥٢ وللمهتمّين بالفترة السابقة (أي الفاطميّة) يوجد كتاب آخر موزّع على جزئين يغطّيها بشكل واف لنفس المعهد وأمّا عن العهود اللاحقة (نور الدين فالعهد الأيّوبي فالمملوكي وهلمّجرّا) فالمعلومات عنها أكثر غزارة في العديد من المصادر المحليّة والأجنبيّة. 

إبن القلانسي عالم دمشقيّ أرستقراطي ومتديّن وعلّه أكثر موضوعيّة من غيره ولكنّ رأيه بالأقليّات (خصوصاً الإسماعيلييّن كما سنرى) وأهل الأرياف سلبي عموماً وهذا في وقت اعتمدت فيه دمشق في إمدادها الغذائي على حبوب حوران والبقاع رغم غوطتها الغنيّة ومواردها المائيّة. المؤلّف يقصر سرده على الأحداث السياسيّة ودسائس البلاط ووفيّات الأعيان وذكر الفيضانات والزلازل والأوبئة وغيرها من الكوارث. التركيز على دمشق ولكنّ مسرح الأحداث يمتدّ إلى سوريا بكاملها وآسيا الصغرى والعراق وحتّى إيران وخراسان بدرجات تتناسب عكساً مع البعد عن المدينة. بالنسبة لوصف المدينة فليس هناك الشيئ الكثير وإن أمكن لنا أن نستنتج أنّ قلعتها كانت موجودة وهامّة (أعيد بناؤها لتأخذ شكلها الحالي في عهد الأيّوبي الملك العادل) وهناك إشارات لبعض مواضعها ودور عبادتها وأبوابها ولكنّها بشكل عامّ محدودة للغاية.

بالنسبة لمنهج إبن القلانسي فهو يتبّع التسلسل الزمني حسب السنة الهجريّة واختار السيّد Le Tourneau العام ٤٦٨ كنقطة البداية ليختم سرد إبن القلانسي عام ٥٤٩ أي قبل موته بست سنوات. 

للحديث بقيّة.  
  

A Mosaic from Philippopolis

Shahba's golden age is closely associated with the Roman Empire and Emperor Philip the Arab, whence its Classical name: Philippopolis. Gracing the National Museum of Damascus is a giant (337 cm x 276 cm) mosaic from that city and the 3rd century C.E. featuring, in bright colors, themes and allegories from Greco-Roman Mythology. The persons, divinities and otherwise, are designated by their names. Now let's analyze this heavenly beauty part by part:


Occupying the bottom center is a woman personifying Gaia, the Mother Earth Goddess, surrounded by four kids. Identified above her shoulders are Georgia (meaning Agriculture), and Triptolemus (inventor of agriculture), Familiar figures in Greek fables.

Bottom right we see a bearded man sitting artist-like before a painting. He is none other than Prometheus, about to create the first man out of clay. Right above him is Hermes, the Messenger God who, among other tasks, commutes between the World of the Divine and that of the Immortals. He is surrounded by three women: the topless one is of course Aphrodite, Goddess of Beauty & Love; another one would be Psyche, symbolizing the Soul.

Bottom left is Aion, the God of Time carrying a ring in his right hand. Above and behind him are four winged ladies personifying the Four Seasons.

topmost on both sides are four heads emerging from the clouds and representing the Four Winds as follows:

- Boreas: the north wind bring forth the cold winter air.
- Zephyrus: the west wind and harbinger of spring and early summer breezes.
- Notos: south wind announcing storms of late summer and fall.
- Eurus: southeast wind not associated with any of the Greek Seasons.



The top photo forms the cover of the book (link below) and is therefore deformed at the spine. The bottom one, from inside the same book, elucidates the details of the center but is of an inferior quality. I therefore included both.

https://bornindamascus.blogspot.com/2017/02/the-treasures-of-national-museum-of.html
http://bornindamascus.blogspot.com/2017/11/blog-post_26.html

Aiôn et Philippe l'Arabe



فسيفساء شهبا

يرتبط تاريخ شهبا وعهدها الذهبي بالإمبراطوريّة الرومانيّة وفيليب العربي ومنه اسمها الثاني Philippopolis. حظي متحف دمشق الوطني باقتناء لوحة فسيفساء عملاقة ٣٣٧ سم في ٢٧٦ سم من هذه المدينة تعود للنصف الثاني للقرن الثالث الميلادي وتمثّل مشاهداً رمزيّة من الأساطير الكلاسيكيّة (الإغريقيّة-الرومانيّة) وأشخاصاً مع أسمائهم. 



تحتل مركز وأسفل الصورة امرأة تمثّل Gaia وهي تجسيد للأرض يتحلّق حولها أربع أطفال ويحيط بها من الأعلى Georgia التي ترمز للزراعة و Triptolemus الذي ابتكر هذه الزراعة حسب الإغريق القدماء. 

على يمين الناظر في الأسفل نرى رجلاً ملتحياً جالساً كالفنّان أمام لوحته يمثّل Prometheus في سبيله لخلق أوّل رجل من الصلصال وفوقه الربّ Hermes رسول الآلهة الذي يتنقّل بين عالمهم وعالم المخلوقات الفانية (البشر) ونشاهد حوله ثلاثة إناث إحداهنّ الزهرة إلهة الحبّ (العارية الصدر) وثانية Psyche التي تمثّل الروح. 

على يسار الناظر نرى Aion ربّ الزمن يحمل طوقاً في يده اليمنى وخلفه في الأعلى أربعة سيّدات مجنّحات يرمزن للفصول الأربعة. 

الرؤوس في أعلى الصورة من الطرفين تمثّل  الرياح الأربع: Boreas (ريح الشمال وهواء الشتاء البارد)، Zephyrus (رياح الربيع وباكورة الصيف الغربيّة)، Notos (ريح الجنوب وعواصف أواخر الصيف والخريف)، و Eurus (من الجنوب الشرقي).   


الصورة العليا غلاف الكتاب المصدر (الرابط أدناه) ومن هنا التشويه في منتصفها. الصورة السفلى نفس اللوحة بالطبع من داخل الكتاب ولكن نوعيّتها متوسّطة على أحسن تقدير وإن كانت توضح التفاصيل في المركز ولهذا أرفقت الصورتين. 

https://bornindamascus.blogspot.com/2017/02/the-treasures-of-national-museum-of.html

Saturday, November 25, 2017

An Emesan Treasure

A sensational discovery of a royal necropolis was made back in 1940 near the city of Homs (Classical Emesa).  It yielded a number of artifacts from the reign of Augustus Caesar or his immediate successors. Featured among the objects are ornaments of a sarcophagus including gold leaves with several patterns related to Greco-Roman Mythology, golden rings, a bracelet, and a neck piece. Those treasures and some more have graced the National Museum of Damascus ever since.



At the center of this assortment is a 24.5 cm Ht helmet with a mask dating, according to the French archaeologist Henri Seyrig (1895-1973), from the the first century C.E. and crafted by a Syrian jeweler.



The item in question has two components: the upper one or helmet is made of  a single piece of iron decorated with silver. The lower part or mask is also made of iron but is in addition laminated with silver in its entirety. Likely this set had been the pride of a private collection of a wealthy owner.


https://bornindamascus.blogspot.com/2017/02/the-treasures-of-national-museum-of.html



كنوز متحف دمشق الوطني

اكتشفت مقبرة ملكيّة تعود للقرن الأوّل الميلادي غرب مدينة حمص عام ١٩٤٠. حوت هذه المقبرة عدداً من الحلي الذهبيّة منها خاتمين وإسورة وقلادة إضافة لزخارف تابوت ملبّسة بالذهب. الصورتان المرفقتان لخوذة وقناع من هذه المجموعة بارتفاع ٢٤،٥ سم وهي استناداً لعالم الآثار الفرنسي Henri Seyrig (١٨٩٥-١٩٧٣) من صنع صائغ سوري من عهد الإمبراطور الروماني Augustus Caesar أو بعده بقليل. تتألّف طاسة الرأس من قطعة واحدة من الحديد مزخرفة بالفضّة أمّا القناع فهو أيضاً حديدي ولكنّه مغطّى بالكامل بصفيحة من الفضّة.    

Saturday, November 18, 2017

The Synagogue of Dura Europos

The National Museum of Damascus

A fresco from the famous Dura Europos Synagogue representing a niche designating the direction of Jerusalem and surmounted by an entablature featuring from left to right the following themes from the Torah:



1. A menorah. 
2. The Temple of Solomon.
3. Abraham in the process of immolating Isaac. 

Dura Europos is a Hellenistic city erected in 303 B.C. and destroyed by the Sassanid in 256 C.E. Its ruins are located south of the Euphrates River and northwest of Abu Kamal near the modern village of Salhiyé. A collaborative effort of Yale University and the Academy of Inscriptions and Letters led to the excavation of the above synagogue in the first half of the twentieth century. The synagogue was probably constructed in the year 250 C.E.m shortly before the fall of the city. It was restored and re-assembled at the National Museum of Damascus in 1936.The archaeological site fell to the humanoid hordes known as the Islamic State in 2014 to be looted and ravaged in yet another orgy of modern madness.  

https://bornindamascus.blogspot.com/2017/02/the-treasures-of-national-museum-of.html
http://bornindamascus.blogspot.com/2017/08/blog-post_7.html
http://bornindamascus.blogspot.com/2017/08/dura-europos.html

كنوز متحف دمشق الوطني

لوحة جداريّة من كنيس مدينة دورا أروبوس تمثّل مشهداً توراتيّاً نرى فيه محراباً باتجاه القدس وفوقه من اليسار إلى اليمين الشمعدان اليهودي السباعي يليه هيكل سليمان ثمّ مشهد إبراهيم وهو يباشر بتضحية إبنه إسحق. دورا أوروبوس بالأصل مدينة هلنستيّة بنيت عام ٣٠٣ قبل الميلاد ودمّرها الساسانيّون عام ٢٥٦ للميلاد. تقع أنقاضها هذه المدينة جنوب نهر الفرات وشمال غرب أبو كمال قرب قرية الصالحيّة. أجرت بعثة من جامعة Yale الأمريكيّة حفريّات فيها في مطلع القرن العشرين تمّ خلالها إكتشاف الكنيس المذكور.  يعتقد أنّ هذا الكنيس بني عام ٢٥٠ للميلاد أي قبل سقوط المدينة بسنوات قليلة وتمّت عمليّة ترميمه مع  إعادة تجميعه في متحف دمشق الوطني عام ١٩٣٦. استولى أشباه البشر من داعش على الموقع الأثري عام ٢٠١٤ وقاموا بنهب وتدمير ما استطاعوا من بقاياها وأشلائها.