يغطّي ذيل تاريخ دمشق لإبن القلانسي (١٠٧٣-١١٦٠) فترة طويلة تنتهي بسنة وفاته ولكنّ المترجم الفرنسي Roger Le Touneau (وهو تلميذ المستشرق الكبير Jean Sauvaget) اختار منه الفترة التي تبدأ مع نهاية الهيمنة الفاطميّة وبداية تسلّط الأتراك السلاجقة وتنتهي بدوال الدولة البوريّة عندما تقلّد الأتابك نور الدين زنكي زمام الأمور في دمشق. لهذه الفترة أهميّة خاصّة كونها شهدت بداية العهد الصليبي في سوريا (الحملتين الأولى والثانية) واصطدام الغرب مع الشرق.
أصدر المعهد الفرنسي في دمشق هذا الكتاب الذي يقارب طوله ٤٠٠ صفحة عام ١٩٥٢ وللمهتمّين بالفترة السابقة (أي الفاطميّة) يوجد كتاب آخر موزّع على جزئين يغطّيها بشكل واف لنفس المعهد وأمّا عن العهود اللاحقة (نور الدين فالعهد الأيّوبي فالمملوكي وهلمّجرّا) فالمعلومات عنها أكثر غزارة في العديد من المصادر المحليّة والأجنبيّة.
إبن القلانسي عالم دمشقيّ أرستقراطي ومتديّن وعلّه أكثر موضوعيّة من غيره ولكنّ رأيه بالأقليّات (خصوصاً الإسماعيلييّن كما سنرى) وأهل الأرياف سلبي عموماً وهذا في وقت اعتمدت فيه دمشق في إمدادها الغذائي على حبوب حوران والبقاع رغم غوطتها الغنيّة ومواردها المائيّة. المؤلّف يقصر سرده على الأحداث السياسيّة ودسائس البلاط ووفيّات الأعيان وذكر الفيضانات والزلازل والأوبئة وغيرها من الكوارث. التركيز على دمشق ولكنّ مسرح الأحداث يمتدّ إلى سوريا بكاملها وآسيا الصغرى والعراق وحتّى إيران وخراسان بدرجات تتناسب عكساً مع البعد عن المدينة. بالنسبة لوصف المدينة فليس هناك الشيئ الكثير وإن أمكن لنا أن نستنتج أنّ قلعتها كانت موجودة وهامّة (أعيد بناؤها لتأخذ شكلها الحالي في عهد الأيّوبي الملك العادل) وهناك إشارات لبعض مواضعها ودور عبادتها وأبوابها ولكنّها بشكل عامّ محدودة للغاية.
بالنسبة لمنهج إبن القلانسي فهو يتبّع التسلسل الزمني حسب السنة الهجريّة واختار السيّد Le Tourneau العام ٤٦٨ كنقطة البداية ليختم سرد إبن القلانسي عام ٥٤٩ أي قبل موته بست سنوات.
للحديث بقيّة.
No comments:
Post a Comment