Monday, August 31, 2020

من سوق الحميديّة إلى الحريقة

 


تشذّ المنطقة الواقعة جنوب القلعة على الخريطة الملحقة انتباه المتأمّل بتنظيمها المتناظر حول ساحة مركزيّة بخلاف نسيج المدينة العمراني المجاور والمتميّز للوهلة الأولى بالعشوائيّة. لم تكن الحريقة أوّل التعديلات الخارجة على النمط المعهود في دمشق كمدينة شرقيّة الطابع بشوارعها وأزقّتها المتشابكة وعلّ البداية كانت في أعقاب ماساة ١٨٦٠ التي تركت الحيّ المسيحي قاعاً صفصفاً توجّب بعدها البناء من جديد على أنقاض الحارات التقليديّة الدارسة. 


يتعيّن أيضاً أن نأخذ بعين الاعتبار التنظيمات المدروسة والمنفّذة عن سابق إصرار وتصميم كتوسيع الشارع المستقيم على يد مدحت باشا وردم خندق القلعة الجنوبي لحساب سوق الحميديّة وبناء سوق الخجا على طول سورها الغربي وهلمّجرّا.


نأتي الآن إلى الحريقة وهي التسمية الحديثة لحيّ سيدي عامود في أعقاب القصف الفرنسي وأترك الكلمة هنا لمهندس العمارة الفنّان والمصوّر والمؤرّخ الفرنسي Gérard Degeorge:


كانت السياسات العمرانيّة للسلطات كارثيّةً من أكثر وجه وألحقت أضراراً لا يمكن إصلاحها لنسيج المدينة القديم رغم النوايا الحسنة المعلنة منذ خمسينات القرن العشرين. بالنسبة للمدينة داخل السور أعيد بناء حيّ سيدي عامود الذي قصفته فرنسا عام  ١٩٢٥ على عدّة مراحل متتالية على الطريقة الأوروبيّة ممّا لا يمتّ بصلة للعمران الشامي التقليدي: مخطّط شطرنجي وأبنية مؤلّفة من ثلاث أو أربع طوابق وشوارع عريضة متعامدة أضف إليها توسيع الحيّ باتّجاه الشرق.  شيّدت عمارتان مرتفعتان على طول المحور الرئيس في الستّينات كما بنيت منشأة تجاريّة في مواجهة المدرسة النوريّة. قام المسؤولون عام ١٩٦٢ بتغطية بردى على مسافة ستمائة متر بين جسر فيكتوريا وساحة المرجة نحو سور المدينة بعد أن أصبح بمثابة مجرى مفتوح للصرف الصحّي. 







دوروتيه ساك. نتائج المسح الأثري لمدينة دمشق القديمة داخل الأسوار ١٩٧٥-١٩٨٠. تعريب وتلخيص قاسم طوير. الحوليّات الأثريّة العربيّة السوريّة المجلّد الخامس والثلاثون ١٩٨٥. 








Gérard Degeorge. Damas: Des Ottomans à nos jours. L'Harmattan (1994). 


L'incendie


L'incendie


 

En dépit des bonnes intentions affichées dès les années 50, les politiques urbaines des autorités, désastreuses à plus d’un égard, portèrent des coups irréparables au tissu ancien. Intra-muros, la reconstruction par étapes successives du quartier de Sidi ’Amoud bombardé par la France en 1925 (d’où sa nouvelle appellation Hariqa “le Feu”) se fit à “l’européenne”, en rupture complète avec le tissu traditionnel: plan en damier, immeubles à trois ou quatre niveaux, larges rue orthogonales. En outre, le développement du quartier s’est poursuivi vers l’est. Dans las années 60, deux grands immeubles furent construits le long de l’axe principal. Récemment, un bâtiment à vocation commerciale fut édifié en face de la madrasa Nuriya. En 1962, afin de faciliter la circulation automobile, le Barada, devenu un véritable égout à ciel ouvert fut couvert sur une longueur de six cents mètres entre la Takiya Sulaymaniya et la place Mardjé. 



Gérard DegeorgeDamas: Des origines aux Mamluks. L'Harmattan 1997 (texte). 

Annales Archéologiques Arabes Syriennes. XXXV 1985 (carte).

Sunday, August 30, 2020

Madrasa Nuriya al-Kubra


 

Located near the entrance of Suq al-Khayyatin (Taylor's Market), this religious school ocupies according to some authors, the place where caliphs Mu'awiya and Hisham once resided. The door opens into a beautiful portal featuring a hanging key and the lintel still preserves the text of foundation including an inventory of the properties, the revenue of which was designated for the profit of the establishment. The edifice was achieved in April 1172,  towards the end of the reign of Zangid sultan Nureddin Mahmud. 

Despite later adjustments, including a disastrous restoration in 1990, this monument still preserves its original plan and general character. The divers elements of the entrance are laid out in the same manner as those of Nureddin's Hospital (the famous Bimaristan): an external door inside a portal, a narrow passageway, a cross-vaulted hall, a second door, and an iwan. A pond occupies the center of the courtyard and is linked to a fountain in the west iwan via a small canal.  

The south part of the courtyard is occupied by a prayer hall fronted with a portico. Of the great north iwan, more than eight meters long, nothing remains apart from the arch. The burial chamber opens onto the south side of the entrance hall. It has the form of a square and receives light through two vaulted windows opening onto the street. 






Gérard DegeorgeDamas: Des origines aux Mamluks. L'Harmattan 1997. 


Annales Archéologiques Arabes Syriennes. XXXV 1985 (photo).

فندق أسعد باشا



تعكس الأسطر التالية المعرّبة عن الفرنسيّة المشاريع المتعلّقة بالخان سواء من ناحية الترميم أم من الناحية الوظيفيّة كما بدت عام ١٩٩٤:


تغلب التقاليد العماريّة العثمانيّة على هذا البناء التجاريّ الكبير الأوّل من نوعه والذي لا نظير له لا في دمشق ولا سوريا من أقصاها لأقصاها. خان أسعد باشا أكثر بكثير من مجرّد مؤشّر على الازدهار الاقتصادي في دمشق القرن الثامن عشر إذ هو أيضاً - وخصوصاً - مشروع مهيب يهدف من جهة إلى إظهار سلطة وقوّة مؤسّسه على رؤوس الأشهاد ومن جهة ثانية لتوفير العائدات الضروريّة لتمويل العديد من الأوقاف لمصلحة ذريّته.


استعمل الخان إلى أمد قريب كمستودع لتجّار أكياس الخيش والأفاويه والأدوات المنزليّة وهلمّجرّا إلى أن صنّف بمبادرة من المديريّة العامّة للآثار والمتاحف في الخامس من نيسان ١٩٧٣ كآبدة تاريخيّة وتلى ذلك استملاك شاغليه. أرادت وزارة السياحة أن تحوّله إلى فندق دولي وتمّ التخلّي عن هذا المشروع الخيالي مؤخّراً نظراً لعدّة عوامل جعلت تطبيقه متعذّراً أو كادت ومنها موقعه داخل سور المدينة في حيّ تجاريّ مكتظّ يصعب الوصول إليه عن طريق السيّارات. لا يزال ترميمه اليوم مستمرّاً على خطىً وئيدة للغاية. 








دوروتيه ساك. نتائج المسح الأثري لمدينة دمشق القديمة داخل الأسوار ١٩٧٥-١٩٨٠. تعريب وتلخيص قاسم طويرالحوليّات الأثريّة العربيّة السوريّة المجلّد الخامس والثلاثون ١٩٨٥. 




Gérard DegeorgeDamas: Des Ottomans à nos jours. L'Harmattan (1994). 

 Annales Archéologiques Arabes Syriennes. XXXV 1985 (photos). 

Khan As’ad Pacha

Saturday, August 29, 2020

Khan As’ad Pacha


 

Fortement marqué par la tradition ottomane, ce vaste édifice commercial est sans précédent et sans équivalent, ni à Damas, ni dans l’ensemble de la Syrie. Beaucoup plus qu’un signe de la prospérité économique de Damas au dix-huitième siècle, il apparaît surtout comme une entreprise de prestige destinée d’une part à manifester la puissance de son promoteur, d’autre part à assurer des revenus importants aux nombreux waqf qu’il constituait au profit de sa descendance. A une époque récente, il servait encore d’entrepôt aux négociants en sacs de jute, épices, utensiles ménagers, etc. Le 5 avril 1973, à la requête de la Direction des Antiquités, il fut classé monument historique et ses occupants furent expropriés. Le ministère du Tourisme voulut en faire un hôtel de classe internationale. Irréaliste et irréalisable au coeur d’un quartier intra-muros, populeux et commerçant, et de surcroît quasiment inaccessible à la circulation automobile, le projet fut tout récemment abandonné. La restauration de l’édifice se poursuit cependant, mais à très petite vitesse. 




Gérard DegeorgeDamas: Des Ottomans à nos jours. L'Harmattan (1994). 

 Annales Archéologiques Arabes Syriennes. XXXV 1985 (photos). 


خطط دمشق الرومانيّة



كثير من أحجار المدينة الرومانيّة ما أعيد استعماله لاحقاً في العهود الإسلاميّة (المثال الأشهر الجامع الأموي بالطبع) ومزيد منها يرقد عدّة أمتار تحت مستوى الأرض الحالي وهناك بالطبع ما فقد إلى غير عودة. 


سار عدد من المستشرقين اعتباراً من منتصف القرن التاسع عشر على الأنقاض الدارسة وتمكّنوا بالفحص والتمحيص والتصوير من رسم الخطوط العريضة للمدينة الكلاسيكيّة. أستعمل هنا خريطة الدكتورة Sack لوضع النقاط على الحروف وهي بالطبع ليست الأولى ولكنّها مبسّطة ودقيقة بما فيه الكفاية كنقطة بداية للمهتمّين من غير الأخصّائييّن.  


إذا بدأنا بالسور والباب الشرقي متّجهين عكس عقارب الساعة نعاين الأبواب التالية: توما والجنيق والفراديس والجابية والصغير وكيسان (باب بولس على الخريطة). المجموع سبعة. 


محور المدينة الكبير (الشارع المستقيم في الكتاب المقدّس) طولاني يمتدّ من الباب الشرقي إلى باب الجابية ويدعى decumanus maximus. يتعامد هذا المحور مع محور آخر شمالي-جنوبي يدعى cardo ويوافق في قسمه الشمالي شارع باب توما حاليّاً. 


فلنتّجه الآن من الشرق إلى الغرب داخل سور المدينة:


- حيّ النيبطون (الأنباط) شرق cardo أو شارع باب توما أحدث من الأحياء الواقعة غربه ويتواجد بيت حنانيا فيه وليس هذا الأخير ببعيد عن الباب الشرقي. 


- ساحة المدينة (Agora يونانيّة أو Forum في العهد الروماني) ودعيت لاحقاً رحبة خالد بن أسيد أو باختصار رحبة خالد. غطّت الأبنية الساحة لاحقاً.


- طريق معمّد يصل بين ساحة المدينة شرقاً ومعبد المشتري غرباً دعي قديماً Via Sacra أو الطريق المقدّسة نسبة لمرور المواكب الدينيّة عبره. 


- معبد المشتري الهائل الحجم. يوافق قسمه الداخلي أو temenos جامع بني أميّة الكبير حاليّاً على وجه التقريب أمّا القسم الخارجي peribolos الذي يطوّقه (مع إضافة السوق المدعو Gamma على الضلعين الشمالي والغربي) فقد تلاشى لاحقاً وإن بقي لنا منه بعض من مكوّنات المدخل الغربي المهيب propylaeum وإلى حدّ أقلّ نظيره الشرقي. 


- الحصن الروماني castrum مختلف عليه. هناك دلائل قاطعة على وجود قلعة شمال غرب المدينة بداية من العهد السلجوقي وبالمقابل لا نستطيع الجزم فيما يتعلّق بالبنى التي سبقتها (لنا عودة للموضوع). لا شكّ في وجود مكوّنات رومانيّة من الأعمدة وغيرها في القلعة ولكن التفسير الأرجح لهذا هو بكل بساطة استعمال حجارة معبد المشتري الخارجي في بنائها. كلمة  castrum لاتينيّة ومنه اشتقّت "قصر" بالعربيّة و alcazar بالإسبانيّة وهي تعني مقرّ إقامة الحاكم palace (تعرّب هذه الكلمة أيضاً "قصر" ولكن معناها مختلف) + fortress حصن أو "مقرّ إقامة الحاكم المحصّن". 


- السهم المنقّط يشير إلى القناة أو "القنوات" المتّجهة نحو باب الجابية. 


- داخل باب الجابية وجنوب الشارع المستقيم وضعت Sack تصوّراً للمسرح مع علامة استفهام. نعرف اليوم بفصل أعمال المعهد الدانماركي أنّ المسرح كان موجوداً فعلاً كما تشهد بقاياه تحت بيت العقّاد وبيت حورانيّة









دوروتيه ساك. نتائج المسح الأثري لمدينة دمشق القديمة داخل الأسوار ١٩٧٥-١٩٨٠. تعريب وتلخيص قاسم طويرالحوليّات الأثريّة العربيّة السوريّة المجلّد الخامس والثلاثون ١٩٨٥. 


خرائط الدكتورة ساك 

Friday, August 28, 2020

صحن البيت الدمشقي



لا ريب أنّ الصحن مع عناصره (الإيوان والبحرة) يشكّل قسماً كبيراً من مساحة البيت الشامي التقليدي المتمركز حوله وتتفاوت هذه المساحة تبعاً لعدّة عوامل ماديّة وطبوغرافيّة وشخصيّة ولربّما تجاوزت مساحة الفسم المسقوف من البيت في بعض الحالات. 


مع ذلك أشكّك بالرقم الذي اقترحته الدكتورة Dorothée Sack (كما نقل عنها الأستاذ قاسم طوير في الحوليّات الأثريّة العربيّة السوريّة) عندما قدّرت أنّ صحون البيوت الشاميّة مجتمعة تشكّل ٧٠-٨٠٪ من مساحة المدينة! المقال مخصّص للمدينة داخل السور ومع ذلك يبدوا لي أنّ هذا التقدير مبالغ به حتّى إذا أدخلنا بعين الاعتبار صحنيّ الجامع الأموي والقلعة. لربّما قارب الرقم الصواب إذا استثنينا الأسواق والشوارع والأماكن العامّة والتجاريّة عموماً ويجب هنا التوكيد أنّ المعلومة مأخوذة من التعريب المختزل وليس من النصّ الأصلي الألماني.


يمكن مشاهدة أكثر من صحن في البيوت الموسرة وتضيف Sack أنّ بيت المسلم الثري "يتألّف عادة من ثلاث باحات" وأنّ ثلاثاً من بيوت دمشق تحتوي على أكثر من أربع باحات دون تسمية هذه البيوت الثلاثة وعلّها تقصد قصر العظم ومكتب عنبر وبيت فارحي. 


أخيراً تقسم بيوت أغنياء المسلمين لبرّاني (سلاملك) وجوّاني (حرملك) يتمركز كلّ منهما حول صحنه الخاصّ وعادة يتجاوز الجوّاني نظيره البرّاني في الأبّهة والاتّساع أمّا في البيوت المسيحيّة فيندمج الإثنان حول صحن مركزي كبير بينما تخصّص الصحون الإضافيّة إذا وجدت للخدم والمطبخ.   









دوروتيه ساك. نتائج المسح الأثري لمدينة دمشق القديمة داخل الأسوار ١٩٧٥-١٩٨٠. تعريب وتلخيص قاسم طويرالحوليّات الأثريّة العربيّة السوريّة المجلّد الخامس والثلاثون ١٩٨٥. 


خرائط الدكتورة ساك 


نتائج المسح الأثري لدمشق داخل السور


دمشق داخل السور: المباني الجديرة بالإنقاذ والصيانة


نسيج دمشق العمراني من العثمانييّن إلى الفرنسييّن



Thursday, August 27, 2020

نسيج دمشق العمراني من العثمانييّن إلى الفرنسييّن


 

بقيت دمشق حتّى النصف الثاني للقرن التاسع عشر على الأقلّ مدينة شرقيّة الطابع في الوقت الذي شهدت فيه بيروت والقاهرة طفرة عمرانيّة غربيّة الهويّة بكلّ ما لذلك من حسنات وسيّئات. 


لعبت عدّة عوامل دورها في لحاق الشام بركب الحضارة (إذا شئنا) منها مبادهة أهلها ومنها جهود بعض الولاة الطموحين كمدحت باشا وناظم باشا وجمال باشا. أضف إلى هذه وتلك الكوارث كمجزرة ١٨٦٠ وقصف سيدي عامود عام ١٩٢٥ التي محت النسيج العمراني القديم في المناطق المنكوبة أو كادت ممّا استوجب تعديلات جذريّة في التخطيط والعمارة اللاحقة. كلّ هذا قبل عهد الخطط المدروسة الشاملة وأشهرها بالطبع مقترحات الفرنسي Ecochard لتنظيم المدينة. 


بدأ نزوح الشوام عن المدينة القديمة باتّجاه الأحياء السكنيّة الجديدة بالتزايد في عهد الانتداب  ويذكر الجغرافي الفرنسي Richard Thoumin في هذا الصدد أنّ "المقنزعين" من المسلمين أمّوا الضواحي الغربيّة المستحدثة (طريق الصالحيّة والجسر والمهاجرين) بينما هجر "مقنزعوّ" المسيحييّن حيّ باب توما إلى القصّاع. تميّزت المنازل أو بالأحرى الشقق الحديثة بالشرفات والحمّامات والمنافع الأكثر موائمة للحياة العصريّة ومع مرور الزمن فقدت البيوت التقليديّة بعض خصوصيّتها عندما أطلّت الأبنية العالية الملاصقة على صحون الدور الشاميّة الأصيلة وشجّعت هذه الخسارة المزيد والمزيد من أهلها إلى النزوح عنها. 


عالج أحمد جمال باشا معضلة التحديث بطريقة مختلفة عندما أمر بشقّ شارع بين مئذنة الشحم وحيّ اليهود إذ ألزم أصحاب العقارات المطلّة عليه بالبناء حسب التقاليد الموروثة أي باتبّاع خطّة البيت المتمركز حول الصحن بينما سترت نوافذ الطابق الثاني المطلّ على الشارع بمشربيّات خشبيّة جميلة. النتيجة أسلوب هجين جديد وأنيق نجد المزيد عنه مع عديد من الأمثلة في دراسة الدكتور Weber الموسوعيّة. 








دوروتيه ساك. نتائج المسح الأثري لمدينة دمشق القديمة داخل الأسوار ١٩٧٥-١٩٨٠. تعريب وتلخيص قاسم طويرالحوليّات الأثريّة العربيّة السوريّة المجلّد الخامس والثلاثون ١٩٨٥. 


خرائط الدكتورة ساك 


نتائج المسح الأثري لدمشق داخل السور


دمشق داخل السور: المباني الجديرة بالإنقاذ والصيانة





Stefan Weber.  Damascus: Ottoman Modernity and Urban Transformation 1808–1918, Proceedings of the Danish Institute of Damascus V 2009. 


Richard Thoumin. Géographie humaine de la Syrie Centrale. Tours, Arrault, 1936. 

Wednesday, August 26, 2020

دمشق داخل السور: المباني الجديرة بالإنقاذ والصيانة



تدرج اللائحة ١٢٣ مبنى في المدينة القديمة "استثنيت من المباني التاريخيّة المسجّلة في المديريّة العامّة للآثار والمتاحف" واعتبرتها الباحثة الألمانيّة Dorothée Sack مع ذلك "جديرة بالإنقاذ والصيانة". الخريطة الملحقة تبيّن الأحياء التي تتواجد فيها هذه المباني وأذكر في الأسطر التالية بعض هذه المباني نقلاً عن تعريب الأستاذ قاسم طوير في عدد الحوليّات الأثريّة العربيّة السوريّة الصادر عام ١٩٨٥ للمقال الألماني. المعلومات تعكس نتائج الدراسة الميدانيّة التي قامت بها Sack بين الأعوام ١٩٧٥-١٩٨٠. 


فلنبدأ من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب وأقتصر هنا على بعض الأمثلة الشهيرة كما يلي:


باب توما

بيت التاج الإسباني (كان مستخدماً كعيادة طبيب ومشغل لدى صدور الدراسة) وبيت شاميّة (مدرسة) .


الجورة


القيمريّة

جامع وحمّام البكري.


العمارة الجوّانيّة

بيت الجزائري (هناك بيت آخر للجزائري في العمارة البرّلنيّة).


الخراب

مكتب عنبر.


باب البريد

بيت الشيخ قطنا (هدم).


حيّ اليهود

بيت فارحي وبيت لزبونا (مدرسة).


مئذنة الشحم

بيت جبري وبيت السباعي وبيت نظام وبيت القوّتلي (أحد أربع بيوتات لآل القوّتلي في دمشق القديمة).


الشاغور الجوّاني

بيت حورانيّة.






ضربت صفحاً عن الكثير من الأوابد الأقلّ شهرة والتي فصّلها الدكتور Stefan Weber في أشمل دراسة عن دمشق في أواخر العهد العثماني وأذكر منها كأمثلة بيوت شطّا وصارجي وجنّاوي والعجمي وسقّا أميني وما هي إلّا غيض من فيض. 


المدهش في الموضوع كميّة ونوعيّة الأبنية التي اعتبرتها الدكتورة Sack "جديرة بالإنقاذ والصيانة" والمستثناة في نفس الوقت من قائمة "المباني التاريخيّة" للمديريّة العامّة للآثار والمتاحف!! هل يعقل أّنّ قصوراً كمكتب عنبر وبيت نظام وبيت فارحي وبيت شاميّة وبيت السباعي لم تكن "تاريخيّة بما فيه الكفاية" للمديريّة؟! هل كنّا ننتظر الأجانب ليقوموا بدراستها ووصفها وتصويرها ورسم خرائطها وتوثيقها ونشرها نيابةً عنّا؟! 






دوروتيه ساك. نتائج المسح الأثري لمدينة دمشق القديمة داخل الأسوار ١٩٧٥-١٩٨٠. تعريب وتلخيص قاسم طويرالحوليّات الأثريّة العربيّة السوريّة المجلّد الخامس والثلاثون ١٩٨٥. 


خرائط الدكتورة ساك 





Stefan Weber.  Damascus: Ottoman Modernity and Urban Transformation 1808–1918, Proceedings of the Danish Institute of Damascus V 2009. 


  


Tuesday, August 25, 2020

نتائج المسح الأثري لدمشق داخل السور ١٩٧٥-١٩٨٠


بقي المسح العقاري الذي أجري في مطلع ثلاثينات القرن العشرين (في ظلّ الانتداب الفرنسي) دون تعديل لنصف قرن. حاولت الدكتورة Dorothée Sack استئناف ما بدأه السلف بدراسة ميدانيّة أجرتها في المدينة القديمة بين ١٩٧٥ و ١٩٨٠ رصدت ووثّقت فيها ٨٠٠ بناء اعتبرت ٤٢٣ منها جديراً بالمحافظة عليه (١٦٥ بناء عامّ و ٢٥٨ من "المنشآت التجاريّة والبيوت السكنيّة") في حين لم يتجاوز ما سجّلته المديريّة العامّة للآثار والمتاحف كمبان أثريّة وقتها ٧١.


لا أملك الأصل الألماني للمقال ولا أعرف الألمانيّة في كلّ الأحوال ومن حسن الحظّ قام الأستاذ قاسم طوير بتعريب وتلخيص النصّ في المجلد الخامس والثلاثين للحوليّات الأثريّة العربيّة السوريّة كما عرّب سابقاً كتاب Wulzinger و Watzinger المرجعي عن دمشق وكما سيعرّب لاحقاً كتاب الدكتورة Sack عن العاصمة السوريّة. 


هناك بعض المآخذ على التعريب أهمّها النصّ الشديد الاختصار (١٠ صفحات من أصل ٣٦)  والباقي موزّع بين ١٤ صورة و ١١ خريطة دون أي تعليق على هذه الصور والخرائط وعلّ السبب أنّ المعرّب افترض أنّه يوجّه البحث للأخصّائييّن حصراً وبالتالي لا حاجة للشرح والتفسير والحيثيّات. خرائط Sack متوافرة اليوم بدقّة عالية والفضل للعهد المعلوماتي (الرابط أدناه). 


لدينا أيضاً بعض أخطاء التسمية التي نجمت على الأغلب من "ترجمة الترجمة" وعلى سبيل المثال بيت "فوزي غازي" (يرجح أنّ المقصود فوزي الغزّي) وبيت "لنداو" (نيادو؟) وغيرها. 


تكمن أهميّة البحث في صدوره قبيل فورة المطاعم والفنادق التي أنقذت -إذا شئنا- عدداً من هذه البيوت عن طريق تحويلها إلى مطاعم وفنادق في إطار عمليّة gentrification للمدينة التاريخيّة. 


سأتعرّض باختصار لرؤوس أقلام الدراسة في الأيّام القليلة المقبلة.





دوروتيه ساك. نتائج المسح الأثري لمدينة دمشق القديمة داخل الأسوار ١٩٧٥-١٩٨٠. تعريب وتلخيص قاسم طوير. الحوليّات الأثريّة العربيّة السوريّة المجلّد الخامس والثلاثون ١٩٨٥. 


خرائط الدكتورة ساك 



Monday, August 24, 2020

ضريح عمر بن عبد العزيز: البناء

 

لم يصلنا هذا الضريح في حالته الأصليّة بل طرأ عليه تعديلات منذ "بضع عشر سنة" هدفها إفساح المجال لممارسة الشعائر الدينيّة واستيعاب الزوّار الذي يقصدون المكان للتبرّك به. أفاد الأستاذ شحادة -دون خرائط ومخطّطات تبيّن القديم من الحديث- أنّ التعديلات شملت إيوان المدخل الذي شطر إلى قسمين: غربي لإيواء خادم الضريح والزائر المضطّر للمبيت في الماضي (أي عندما كان الترحال على ظهور الدوابّ) والقسم الآخر معبراً للداخل حفرت فيه بئر للسقاية. ألحق بالإيوان المعدّل غرفتان صغيرتان. 


القبر موجود إلى جانب الصحن المكشوف بين الأواوين أبعاده  ٣١٠ x ١٥٠ عشير المتر (الارتفاع غير مذكور)  أمّا عن البناء فهو بالحجر الكلسي مع مؤونة من الكلس والطين وهناك شراريف مملوكيّة الطراز تزيّن أعلى الأواوين. قامت المديريّة العامّة للآثار والمتاحف بترميم البناء (التاريخ غير مذكور  وكل ما يمكن استنتاجه أنّه سابق لنشر المقال عام ١٩٨٥). 




أخيراً هناك مقام الشيخ بحيى أبي زكريّا (الصورة الأولى)  الذي يجاور ضريح عمر على بعد بضعة أمتار إلى الشرق وهو مربّع الشكل ضلعه ٤٧٠ عشير المتر وارتفاعه أربعة أمتار موزّعة على سبعة مداميك. يعلوا المقام قبّة نصف كرويّة وله مدخل من الشمال ونافذة غربيّة ومحراب يتصدّر جداره القبلي. البناء مشيّد من حجارة كلسيّة متقنة الصنع ويرقى حسب المؤلّف إلى أواخر العهد البيزنطي. 





كامل شحادة. عمر بن عبد العزيز وضريحه في دير الشرقي بالمعرّة. الحوليّات الأثريّة العربيّة السوريّة. المجلّد الخامس والثلاثون ١٩٨٥.


ضريح عمر بن عبد العزيز


ضريح عمر بن عبد العزيز: الطبوغرافيا التاريخيّة


ضريح عمر بن عبد العزيز: تاريخ البناء


كامل شحادة

Sunday, August 23, 2020

ضريح عمر بن عبد العزيز: تاريخ البناء‎

 

يقال أنّ عمر شعر بدنوّ أجله فقام بشراء أو بالأحرى اكتراء قطعة أرض في النقيرة (دير الشرقي جنوب شرق معرّة النعمان) ليدفن فيها. قدّر الخليفة الورع أنّ فترة عام كافية لمحي آثار القبر عملاً بالمبدأ القائل بأنّ خير القبور الدارس كي لا يصبح ضريحه مزاراً يلتمس الناس عنده البركات والكرامات.


السؤال إذاً متى شيّد البناء الحالي ولا نملك عليه جواباً شافياً وإن شهد ابن جبير الأندلسي المشهور بدقّته خلال زيارته عام  ٥٨٠ للهجرة (١١٨٤ للميلاد) أنّه مرّ بالمعرّة ورأى بضاحيتها قبر أمير المؤمنين عمر دون خدم له أو زاوية عليه مع أنّه كان مزاراً في القرنين الخامس والسادس للهجرة. 


لدينا من النقوش الكتابيّة في الموقع ثلاثة: الأوّل على ساكف مدخل غرفة يذكر بعد البسملة وآية "إنّما يعمّر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر", أمر بعمارة هذا المكان المبارك العبد الفقير إلى الله تعالى علي بن رجب. لا يوجد ذكر للتاريخ. 


النقش الثاني على حجر في الجانب الغربي للقبر مكوّن من ثلاثة أسطر نافرة مشوّهة إلى درجة تعذّر قرائتها. هناك أيضاً نقش ثالث ولكنّه لا يتجاوز كونه شاهدة قبر منقولة من قبر مجاور خارج المبنى نصّ كتابته: "توفّي في ربيع من سنة أربعة وسبعين وثمانمائة" أي  ١٤٦٩-١٤٧٠ للميلاد.


من المدهش أنّ الرواية الوحيدة التي تشير لبناء يحتوي على قبر عمر متأخّرة للغاية وهي للشيخ راغب الطبّاخ في أعلام النبلاء نقلاً عن عدد جريدة الفرات المؤرّخ في الحادي والعشرين من ربيع الأوّل عام ١٣٠٨ للهجرة (الموافق ١١ تشرين ثاني ١٨٩٠ للميلاد) ونصّها الآتي:


من أخبار المعرّة أنّه رمّم فيها المسجد الكائن في قرية دير الشرقي في قضاء المعرّة المدفون فيه عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وجمعت المصاريف من ذوي الغيرة والحميّة. 


بقي لدينا اللجوء لطراز بناء الضريح لمحاولة تحديد تاريخه ولو بشكل تقريبي ومن المحتمل أن يعود إلى القرن السابع الهجري (الثالث عشر الميلادي) استناداً إلى مسقطه الذي يشكّل أربعة أواوين متعامدة وهو طراز انتشر في العهد الأيّوبي مع استعمال القبّة فوق الضريح ولا يعني هذا بالطبع عدم وجود هذه النماذج (القبّة والأواوين المتعامدة) قبل الأيّوبييّن. 


الصورة للضريح بعد ترميم المديريّة العامّة للآثار والمتاحف. 


أترك وصف البناء لمنشور مستقلّ. 




كامل شحادة. عمر بن عبد العزيز وضريحه في دير الشرقي بالمعرّة. الحوليّات الأثريّة العربيّة السوريّة. المجلّد الخامس والثلاثون ١٩٨٥.


ضريح عمر بن عبد العزيز


ضريح عمر بن عبد العزيز: الطبوغرافيا التاريخيّة


Saturday, August 22, 2020

ضريح عمر بن عبد العزيز: الطبوغرافيا التاريخيّة


وافت المنيّة الخليفة الأموي عمر ابن عبد العزيز عام ٧٢٠  للميلاد في طريق عودته إلى دمشق من خناصرة (أو خناصر: ٤٥ كيلومتراً جنوب شرق حلب) إلى دمشق ليدفن في قرية دير النقيرة أو دير سمعان أو ما يعرف حاليّاً باسم دير الشرقي إلى الجنوب والشرق من معرّة النعمان


من الملفت للنظر أنّ أقدم من ذكر موت عمر ودفنه في هذا الموقع هو المسعودي المتوفّي عام ٣٤٥ للهجرة (الموافق ٩٥٦-٩٥٧ للميلاد) أي بعد موت الخليفة بأكثر من مائتيّ سنة ويطرح هذا الفرق العديد من التساؤلات عن دقّة -إن لم نكن صحّة- المعلومات بيد أنّه لا مفرّ من ثغرات كهذه في أيّ محاولة لتقصّي الحقائق المتعلّقة بتاريخ يتجاوز الألف من السنوات. تلى المسعودي ياقوت وابن شدّاد (كلاهما من القرن الثالث عشر وبالتالي أبعد من المسعودي بثلاثة قرون عن العهد الأموي)  فقال الأوّل أنّ أنّ القبر في دير النقيرة وفي مكان آخر أنّه في دير مرّان قرب المعرّة بينما أفاد الثاني - نقلاً عن ابن العديم - أنّه في دير سمعان أو دير النقيرة وقربه قبر الشيخ أبي زكريّا يحيى بن منصور. ذكر الأستاذ كامل شحادة عدداً من المصادر التاريخيّة اللاحقة التي لا تخرج عموماً عن سابقتها. 


هناك أكثر من دير ينسب إلى القدّيس سمعان العمودي (٣٩٠-٤٥٩) أشهرها بالطبع ما يعرف اليوم بقلعة سمعان وأحدها - بيت القصيد هنا - جنوب المعرّة حيث مرّت الطريق القديمة بين خناصر وحلب شمالاً إلى دمشق مروراً بحماة وحمص جنوباً. عرف الدير بالنقيرة ونسب إلى رئيس له من أتباع سمعان العمودي. ذكر الأستاذ شحادة نصّاً سريانيّاً يشير لموت عمر في دير النقيرة عام ٧٢٠. 


يقع دير سمعان أو بالأحرى أطلاله على مسافة ثلاثمائة متر غرب النقيرة أمّا دير مرّان فتواجد على بعد ثلاثة كيلومترات إلى الغرب وتغطّي بقاياه قمّة مرتفع يدعى تلّ العين. 


إذاً لدينا جنوب المعرّة موقعان باسم الدير: الأوّل دير الشرقي نسبة لدير سمعان والثاني دير الغربي نسبة لدير مرّان. دير الشرقي ملاصق لموقع النقيرة حيث دفن الخليفة (بطل استعمال التسمية الأخيرة منذ القرن التاسع عشر ولكن لدينا دلائل قاطعة على وجودها في سجلّات محكمة حماة الشرعيّة المحفوظة في مديريّة المخطوطات والوثائق بدمشق). 


بقي أن نتعرّض لتاريخ ووصف البناء. 



كامل شحادة. عمر بن عبد العزيز وضريحه في دير الشرقي بالمعرّة. الحوليّات الأثريّة العربيّة السوريّة. المجلّد الخامس والثلاثون ١٩٨٥.


ضريح عمر بن عبد العزيز


Friday, August 21, 2020

ضريح عمر بن عبد العزيز


قارب عمر الحوليّات الأثريّة العربيّة السوريّة (أو الحوليّات الأثريّة السوريّة كما دعيت منذ عددها الأوّل عام ١٩٥١ وحتّى عام ١٩٦٥) السبعين عاماً نشرت فيها آلاف المقالات بالعربيّة والفرنسيّة والإنجليزيّة وغيرها من اللغات مساهمة بذلك في توثيق التاريخ السوري والحضارة السوريّة كتراث للإنسانيّة جمعاء. أدلى العديد من العلماء السورييّن والأجانب المرموقين عالميّاً بدلوهم في هذه المجلّة عبر عشرات السنوات وما زالوا وتبقى الحوليّات من الدوريّات المحترمة التي يستشهد بها الكثير من المؤلّفين والباحثين. 


مع ذلك لا بدّ من الإقرار بأنّ عدداً لا بأس به من مقالاتها العربيّة تحمل دمغة العمل الفردي وكميّة لا يستهان بها من الأخطاء التي كان من السهل تلافيها لو قيّض للمؤلّف الاستفادة من مراجعة وتحقيق وتنقيح رئيس التحرير وكلّ ملمّ بالمنشورات الأكاديميّة في الغرب يعلم أنّ أي مقال يقدّم للنشر يمرّ على محقّق علمي ومحقّق لغوي على أقلّ تقدير الأوّل يمحصّ ويدقّق في صحّة معلوماته وجداوله وأرقامه وخرائطه وصوره (إذا وجدت) والثاني يراجع الصياغة اللغويّة من التصريف والإعراب إلى إضافة الفاصلة والنقطة وهلمّجرّا. 


أضف إلى ذلك الأسلوب العاطفي المنمّق الذي لا مكان له في مجلّة علميّة فإذا أخذنا على سبيل المثال مقال الأستاذ كامل شحادة عن ضريح عمر بن عبد العزيز في عدد الحوليّات الصادر عام  ١٩٨٥ نرى أنّه استهلّه بوصف الخليفة الأموي كرجل "ملأت عظمته الزمان والمكان...وهو الملاك الذي لا يرضى بالثناء عليه والإطراء..تمثّلت بشخصيّته رسالة السماء وحضارة الأمّة..." إلخ إلخ إلخ في خمسة وعشرين سطراً من التبجيل والتعظيم ورصف الكلام  الذي يدغدغ العواطف ولا يضيف إلى ما نعرفه عنه الشيء الكثير.  لو اقتصر المؤلّف على ذكر أفعاله -وهي كثيرة- دون تعليق لكان ذلك خيراً وأبقى. 


هناك أيضاً هفوات تاريخيّة لا يمكن الإغضاء عنها وشدّ انتباهي خصوصاً ما كتبه الأستاذ شحادة صفحة ٥٢٩ بالحرف: "كما أشار المؤرّخ البيزنطي بروكوبيوس إلى وفاة الخليفة عمر هنا في دير سمعان قرب المعرّة". من المعروف أنّ Procopius  (ولد عام ٥٠٠ للميلاد وتوفّي ٥٦٥-٥٧٠) معاصر للإمبراطور Justinian في القرن السادس وبعمليّة حسابيّة بسيطة نستنتج استحالة أن يكتب عن وفاة عمر بن عبد العزيز عام ٧٢٠. إذا كان المقصود بروكوبيوس آخر -وهذا بعيد الاحتمال- فينتظر من المؤلّف أن يذكره ويعرّفنا عليه. الحوليّات ليست مجلّة "الكواكب" ولا جريدة "تشرين" وليس هذا للانتقاص منهما. 


ثالثة الأثافي جملة قصيرة في نهاية المقال نصّها الآتي: "للبحث أكثر من سبعين مصدراً نمسك عن درجها خشية الإطالة". 


عدم ذكر المراجع والمصادر في مقال علمي لا يتجاوز طوله (مع صوره) ١١ صفحة غير مقبول وغير مبرّر. إذا كان ابن عساكر يعتمد الإسناد في كلّ ما كتبه (ويذكر أحياناً أكثر من وجه لنفس الحادثة حسب المصدر) قبل أكثر من ثمانية قرون -ناهيك عن الإسناد الأقدم لجامعيّ الأحاديث النبويّة- فبالأحرى أن يدرج منشور من أواخر القرن العشرين مصادره أو على الأقلّ أن يذكر أهمّها وهذا أضعف الإيمان. 



أخذت هذا المقال كنموذج ليس غير (وهناك كثير على شاكلته) ومع ذلك تبقى حسناته أكثر بكثير من هناته ويبقى جهداً مشكوراً وسعياً مبروراً سأتعرّض لبعض رؤوس أقلامه في الأيّام القليلة المقبلة. 




كامل شحادة. عمر بن عبد العزيز وضريحه في دير الشرقي بالمعرّة. الحوليّات الأثريّة العربيّة السوريّة. المجلّد الخامس والثلاثون ١٩٨٥.