Friday, August 21, 2020

ضريح عمر بن عبد العزيز


قارب عمر الحوليّات الأثريّة العربيّة السوريّة (أو الحوليّات الأثريّة السوريّة كما دعيت منذ عددها الأوّل عام ١٩٥١ وحتّى عام ١٩٦٥) السبعين عاماً نشرت فيها آلاف المقالات بالعربيّة والفرنسيّة والإنجليزيّة وغيرها من اللغات مساهمة بذلك في توثيق التاريخ السوري والحضارة السوريّة كتراث للإنسانيّة جمعاء. أدلى العديد من العلماء السورييّن والأجانب المرموقين عالميّاً بدلوهم في هذه المجلّة عبر عشرات السنوات وما زالوا وتبقى الحوليّات من الدوريّات المحترمة التي يستشهد بها الكثير من المؤلّفين والباحثين. 


مع ذلك لا بدّ من الإقرار بأنّ عدداً لا بأس به من مقالاتها العربيّة تحمل دمغة العمل الفردي وكميّة لا يستهان بها من الأخطاء التي كان من السهل تلافيها لو قيّض للمؤلّف الاستفادة من مراجعة وتحقيق وتنقيح رئيس التحرير وكلّ ملمّ بالمنشورات الأكاديميّة في الغرب يعلم أنّ أي مقال يقدّم للنشر يمرّ على محقّق علمي ومحقّق لغوي على أقلّ تقدير الأوّل يمحصّ ويدقّق في صحّة معلوماته وجداوله وأرقامه وخرائطه وصوره (إذا وجدت) والثاني يراجع الصياغة اللغويّة من التصريف والإعراب إلى إضافة الفاصلة والنقطة وهلمّجرّا. 


أضف إلى ذلك الأسلوب العاطفي المنمّق الذي لا مكان له في مجلّة علميّة فإذا أخذنا على سبيل المثال مقال الأستاذ كامل شحادة عن ضريح عمر بن عبد العزيز في عدد الحوليّات الصادر عام  ١٩٨٥ نرى أنّه استهلّه بوصف الخليفة الأموي كرجل "ملأت عظمته الزمان والمكان...وهو الملاك الذي لا يرضى بالثناء عليه والإطراء..تمثّلت بشخصيّته رسالة السماء وحضارة الأمّة..." إلخ إلخ إلخ في خمسة وعشرين سطراً من التبجيل والتعظيم ورصف الكلام  الذي يدغدغ العواطف ولا يضيف إلى ما نعرفه عنه الشيء الكثير.  لو اقتصر المؤلّف على ذكر أفعاله -وهي كثيرة- دون تعليق لكان ذلك خيراً وأبقى. 


هناك أيضاً هفوات تاريخيّة لا يمكن الإغضاء عنها وشدّ انتباهي خصوصاً ما كتبه الأستاذ شحادة صفحة ٥٢٩ بالحرف: "كما أشار المؤرّخ البيزنطي بروكوبيوس إلى وفاة الخليفة عمر هنا في دير سمعان قرب المعرّة". من المعروف أنّ Procopius  (ولد عام ٥٠٠ للميلاد وتوفّي ٥٦٥-٥٧٠) معاصر للإمبراطور Justinian في القرن السادس وبعمليّة حسابيّة بسيطة نستنتج استحالة أن يكتب عن وفاة عمر بن عبد العزيز عام ٧٢٠. إذا كان المقصود بروكوبيوس آخر -وهذا بعيد الاحتمال- فينتظر من المؤلّف أن يذكره ويعرّفنا عليه. الحوليّات ليست مجلّة "الكواكب" ولا جريدة "تشرين" وليس هذا للانتقاص منهما. 


ثالثة الأثافي جملة قصيرة في نهاية المقال نصّها الآتي: "للبحث أكثر من سبعين مصدراً نمسك عن درجها خشية الإطالة". 


عدم ذكر المراجع والمصادر في مقال علمي لا يتجاوز طوله (مع صوره) ١١ صفحة غير مقبول وغير مبرّر. إذا كان ابن عساكر يعتمد الإسناد في كلّ ما كتبه (ويذكر أحياناً أكثر من وجه لنفس الحادثة حسب المصدر) قبل أكثر من ثمانية قرون -ناهيك عن الإسناد الأقدم لجامعيّ الأحاديث النبويّة- فبالأحرى أن يدرج منشور من أواخر القرن العشرين مصادره أو على الأقلّ أن يذكر أهمّها وهذا أضعف الإيمان. 



أخذت هذا المقال كنموذج ليس غير (وهناك كثير على شاكلته) ومع ذلك تبقى حسناته أكثر بكثير من هناته ويبقى جهداً مشكوراً وسعياً مبروراً سأتعرّض لبعض رؤوس أقلامه في الأيّام القليلة المقبلة. 




كامل شحادة. عمر بن عبد العزيز وضريحه في دير الشرقي بالمعرّة. الحوليّات الأثريّة العربيّة السوريّة. المجلّد الخامس والثلاثون ١٩٨٥.



No comments:

Post a Comment