لا بدّ للمراقب المنصف من الإقرار بأسبقيّة المستشرقين في دراسة وتحقيق وترجمة ونقل المخطوطات التاريخيّة الإسلاميّة في الشرق الأدنى. يعتبر كتاب الدارس في تاريخ المدارس لعبد القادر النعيمي أحد أهمّ المؤلّفات التي نملكها عن خطط دمشق ولكنّه وصلنا للمرّة الأولى في نهاية القرن التاسع عشر عن طريق ترجمة العالم الفرنسي Sauvaire لمختصر الدارس كما وضعه عبد الباسط العلموي (الروابط أدناه). يتعيّن هنا التنويه أنّ ما فعله Sauvaire يتجاوز بكثير ترجمة العلموي إذ قام أيضاً بالشرح والتعليق والتصحيح في حواشٍ شديدة الغنى بالمعلومات تشهد بضلوعه باللغة العربيّة وتمكّنه في الدراسات الإسلاميّة. فلنأخذ هنا المدرسة البدريّة على سبيل المثال.
أدرج العلموي هذه المدرسة ضمن المدارس الحنفيّة وقال ما مختصره الآتي:
تقع هذه المدرسة في الجبل مقابل الشبليّة قرب جسر كحيل الذي يدعى اليوم جسر الشبليّة. بناها عام ٦٣٨ (*) -١٢٤٠-١٢٤١ للميلاد- الأمير بدر الدين المعروف بلالا ابن الداية (**) وكان من أكابر أمراء نور الدين محمود بن زنكي.
تحوّلت المدرسة إلى جامع عام ٧٤٠ (١٣٣٩-١٣٤٠).
سكنها سبط ابن الجوزي (***) مؤلّف مرآة الزمان.
يعرف الأهالي البدريّة كجامع وقد تغيّرت حالتها كثيراً إذ انهار سقفها واستعملت مواد بنائها وأصبحت خراباً بين الخرائب. إنّا لله وإنّا إليه راجعون. أمّا عن وقفها فقد جمع مع وقف جامع المظفّري المعروف بجامع الجبل.
نأتي الآن إلى بعض تعليقات Sauvaire على النصّ أعلاه.
(*) التاريخ ٦٣٨ مأخوذ من ابن شدّاد ومن الواضح أنّه خاطىء رغم كون ابن شدّاد أقرب المؤرّخين لتاريخ بناء المدرسة والدليل أنّ النعيمي ينقل عن ابن كثير للعام ٦١٥ (١٢١٨-١٢١٩ للميلاد) أنّ الملك المعظّم عيسى فوّض النظر في التربة البدريّة تجاه المدرسة الشبليّة قرب جسر كحيل على تورا. إذاً المدرسة كانت موجودة قبل أكثر من عشرين عاماً من التاريخ الذي حدّده ابن شدّاد لينائها.
(**) ذكر بدر الدين حسن ابن الداية تحت العام ٥٧٠ (١١٧٤-١١٧٥ للميلاد) في تاريخ الحروب الصليبيّة أمّا تسمية ابن الداية فقد أتت من كونه ابن مرضعة نور الدين أي أخيه بالرضاعة. من المعروف أنّ نور الدين مات عام ١١٧٤ ومن غير المحتمل أن تاريخ موت بدر الدين أتى بعد ٦٦ سنة من وفاة الأتابك.
(***) درّس سبط ابن الجوزي في الشبليّة وقطن البدريّة ومات في التاسع من كانون ثاني عام ١٢٥٧.
الخلاصة التاريخ الدقيق لبناء البدريّة غير معروف وعلى الأرجح يعود لأواخر القرن الثاني عشر للميلاد.
الموقع اليوم في دوّار الميسات شمال الحافظيّة وشرق الجسر الأبيض. ألحقت بالمنشور صورتان إحداهما من الزينة داخل التربة عن Degeorge والثانية لمظهرها الخارجي عن الحوليّات الأثريّة.
أحمد فائز الحمصي العظماء الذين دفنوا في دمشق أو ماتوا فيها. الحوليّات الأثريّة العربيّة السوريّة المجلّد الخامس والثلاثون ١٩٨٥.
أكرم حسن العلبي. خطط دمشق ١٩٨٩.
No comments:
Post a Comment