تتعذّر على غير الأخصّائي قراءة المخطوطات التاريخيّة القديمة والإستفادة منها إذ الغالبيّة العظمى من الوثائق العربيّة مكتوبة بخطّ اليد بتنقيط منقوص وتحتوي على العديد من المصطلحات التي نسيها الناس ناهيك عن الأخطاء والهفوات الناجمة عن النسخ والسهو وأحياناً عدم الإحاطة الشاملة بالموضوع قيد البحث. أضف إلى كلّ هذا وذاك أنّ كثيراً من هذه المخطوطات وصلتنا ناقصة وإن أمكن أحياناً تدارك هذا النقص بمقارنة أكثر من نسخة لنفس الكتاب وبالطبع لنا أن نتوقّع أنّه ليس بالضرورة أن تتطابق نسخ مختلفة لنفس الكتاب لنفس المؤلّف.
الخلاصة تبقى هذه النصوص مستعصية على أغلب الناس ومحدودة الفائدة إلى أقصى الحدود ما لم يتمّ تدقيق وشرح هذه النصوص وطباعتها بشكل واضح مع التعليقات والشروح عند اللزوم من قبل خبراء وأخصائييّن تماماً كما هو الحال في التعليق على وشرح الكتب المقدّسة ليس فقط لفهمها من الناحية اللغويّة وإنّما أيضاً لوضعها في سياقها التاريخي والنفسي.
لربّما كانت أهمّ الكتب عن مدينة دمشق وأكثرها تفصيلاً ثلاثة:
١. خطط دمشق للحافظ إبن عساكر (القرن الثاني عشر للميلاد) : حقّقه الدكتور صلاح الدين المنجّد ونشره المجمع العلمي العربي عام ١٩٥٤ وترجمه المستشرق Elisséeff للفرنسيّة عام ١٩٥٩ مع خريطة لدمشق في القرن الثاني عشر الميلادي بناء على معطيات إبن عساكر (الرابط الأوّل أدناه).
٢. الأعلاق الخطيرة في ذكر أمراء الشام والجزيرة لإبن شدّاد (القرن الثالث عشر للميلاد) حقّقه الدكتور سامي الدهّان ونشره المعهد الفرنسي للدراسات العربيّة عام ١٩٥٦: الرابط الثاني.
٣. تنبيه الطالب أو إرشاد الدارس في تاريخ المدارس لأبي المفاخر محيي الدين النعيمي الدمشقي (مات عام ١٥٢١) وهو موضوع بحث اليوم.
تعود الأسبقيّة للعالم الفرنسي Henri Sauvaire (ولد ١٨٣١ وتوفي ١٨٩٦) في تدقيق وتمحيص وشرح ما وصلنا من عمل النعيمي والتعليق عليه ونشره في المجلّة الآسيويّة Journal Asiatique بين الأعوام ١٨٩٤ و ١٨٩٦ وقد وصف بالتفصيل المنهج الذي اتّبعه لتحقيق هذه الغاية كما يلي:
اعتمد Sauvaire كنقطة انطلاق ليس على مخطوط النعيمي الذي لم يكن في متناوله وقتها وإنّما على "مختصر الدارس" لعبد الباسط العلموي (١٥٠١-١٥٧٣) كما وصله عن طريق القاضي الشيخ محمود العدوي (مات ١٦٢٠) الذي نقل "المختصر" وأضاف عليه ونسخ مخطوطه رمضان إبن موسى العطيفي (مات ١٦٨٣) ونسخ مخطوطه عام ١٨٦٨ الشيخ محمّد سعيد وأرسلان إبن حامد وإبن هذا الأخير أديب. أي أنّ Sauvaire ترجم عن نسخة من القرن التاسع عشر عن العطيفي (القرن السابع عشر) عن العدوي عن العلموي أنّ النعيمي (مطلع القرن السادس عشر) قال!
لحس الحظّ نجح Sauvaire في مقارنة المخطوط المذكور بمخطوط النعيمي الوحيد الموجود في أوروبا والذي أتاح له الإطّلاع عليه المستشرق Schefer وعلى ما يبدو كان يوجد نسخة ثانية رآها المستشرق السويسري Max Van Berchem في إحدى المكتبات ولكن ليس عليها أي تفاصيل.
يبقى "مختصر الدارس" على "اختصاره" عملاً موسوعيّاً يغطّي مئات الصفحات ومرجعاً لا غنى عنه لكلّ من يهتمّ بتاريخ دمشق ولكن عمل Sauvaire المهني (موجود بالمجّان على الرابط الثالث) يشكو على شموليّته واتسّاعه من عدم وجود فهرس للمواضيع أو الأبجديّة وقدّ تمّ تلافي هذا النقص بعد حوالي ستين عاماً من نشره -تحديداً عام ١٩٥٤- على يد الآنسة إميلي عويشق ومعهد دمشق الفرنسي.
للحديث بقيّة.
http://bornindamascus.blogspot.com/2017/03/blog-post_21.html
http://bornindamascus.blogspot.com/2017/01/blog-post_25.html
https://archive.org/stream/in.ernet.dli.2015.69523/2015.69523.Description-De-Damas#page/n3/mode/2up
No comments:
Post a Comment