Monday, November 27, 2017

دمشق عام ١١٢٩: إبادة الطائفة الإسماعيليّة

من العبث إنكار مجزرة ١٨٦٠ أو ما يدعى "بطوشة النصارى" في دمشق إذ أنّها حصلت في عهد التصوير الفوتوغرافي والصحافة المطبوعة وتدخّل أوروبا في شؤون الإمبراطوريّة العثمانيّة في زمن كان أهمّ أسباب بقاء هذه الأخيرة تنازع القوى الغربيّة بعضها مع البعض الآخر. كلّ ما يمكن عمله لمن يرفض تسمية الأمور بمسمّياتها أن يعمد للتفسير والتأويل ولوم الغرب والاستعمار وحتّى اليهود إذا لزم الأمر في محاولة بائسة لتبرير ما لا يمكن تبريره لا منطقيّاً ولا أخلاقيّاً. 

بيت القصيد هنا أنّ هذه المذبحة لم تكن أوّل فتنة طائفيّة تشهدها المدينة وأنّه سبقها في أواخر العقد الثالث للقرن الثاني عشر الميلادي مذبحة تضاهيها أن لم تكن تقوقها وحشيّة واتّساعاً كما سنرى.

من البدهي أنّ الوجود الفاطمي في دمشق لفترة تجاوزت القرن لا بدّ وأن يخلّف عدداً لا بأس به من معتنقي المذهب الإسماعيلي في المدينة. باختصار شديد مؤسّس السلالة الفاطمية شخص يدعى عبيد الله المهدي من السلميّة في سوريا ولكنّ بدايات هذه الدولة كانت في شمال غرب إفريقيا قبل أن تمتدّ إلى مصر في عهد المعزّ لدين الله وعامله جوهر الصقلي بناة القاهرة. جرى نزاع على الخلافة بعد موت المستنصر بالله بين المستعلي وأخيه الأكبر نزار. خسر هذا الأخير وهرب إلى الإسكندريّة ثمّ قتل عام ١٠٩٥ وانشقّ الإسماعيليّون بعدهذه الأحداث إلى حزبين: الأوّل فاطميّو مصر (ومنها إلى الهند واليمن) والثاني النزاريّون (إلى إيران وسوريا) ومنهم من عرفوا بعدها بالحشّاشين

يبدوا أنّ المؤرّخ الدمشقي إبن القلانسي على غزير علمه وحصافة عقله لم يجد قاسماً مشتركاً بين الفاطمييّن في مصر (والذين كال لهم الثناء بحساب ودون حساب) والإسماعيلييّن في سوريا والذين أطلق عليهم لقب الباطنيّة وكتب عنهم بسلبيّة إلى أبعد الحدود. 



فلنستعرض بعد هذه المقدّمة الطويلة ما جرى عام ١١٢٩ في عهد تاج الملوك بوري. يبدأ إبن القلانسي باستعراض خلفيّة الفتنة فيخبرنا أنّ داعية الباطنيّة بهرام نجح في غواية العديد من أبناء الأقاليم الجهلة وحثالة الفلّاحين واللصوص من عديمي الضمائر الذين لا يخافون الله ولا يردهم وازع عن الشرّ والأذى ويضيف أنّ عقيدتهم السريّة ظهرت بكلّ نقائصها في وضح النهار عندما مارسوا العنف وقطع الطرقات والظلم وساعدهم في مخطّطاتهم الوزير أبو طاهر المزدقاني. عيل بالنتيجة صير تاج الملوك وعزم على التخلّص من الباطنيّة "أعداء الله" مرّة وإلى الأبد وبالنتيجة قتل بهرام وانتقلت الزعامة بعده للمدعو إسماعيل الفارسي الذي تعاون معه المزدقاني إلى أن قطعت رأس هذا الأخير ومزّق جسده بالسيوف وأحرقت جثّته جزاءً وفاقاً على شروره وآثامه. يرفق ابن القلانسي مع سرده استشهاداً بالآيات القرآنيّة التي تسوّغ -في نظره- كلّ ما جرى كعقاب ربّاني حقّ على المفسدين في الأرض.

أذيع خبر ذبح المزدقاني في دمشق وكانت هذه بمثابة إشارة للأحداث والرعاع للانتشار في المدينة كالنار في الهشيم مسلّحين بالسيوف والخناجر وقتل كلّ من صادفوه من الباطنيّة ومشايعيهم بما فيهم من طلب الأمان ورغم محاولة البعض التشفّع لهم ومع حلول الصباح تمّ تنظيف الأزقّة والساحات من جثثهم التي تنازعتها الكلاب وكلّ هذا طبعاًَ "عبرة لذوي الألباب". 

لا يورد القلانسي أرقاماً على الأقلّ في المخطوط الذي ترجمه Le Tourneau وتتفاوت الأرقام حسب المصدر من ستّة آلاف ضحيّة (إبن الأثير) إلى عشرة آلاف (سبط إبن الجوزي) وحتّى تصل بعض التقديرات إلى عشرين ألفاً وعلّ هذه الأرقام مبالغ بها ولكن لا خلاف على حصول المجزرة ولا على هويّة ضحاياها وممّا يزيد من مصداقيّة الرواة أنّهم دون استثناء من أعداء الإسماعيلييّن وأنّهم يفتقدون إلى الحدّ الأدنى من الشعور بالذنب أو الشين لا بل هم يفخرون بالقضاء على الباطنيّة كما يفخر العبّاسيون بإبادة الأموييّن وهناك كثير من الأمثلة المشابهة لمن يريد التوسّع. 

يدّعي البعض (إبن الأثير) في محاولة لتسويغ المذبحة أنّ المزدقاني اتّفق مع الباطنيّة على تسليم دمشق للصليبييّن ولكنّ إبن القلانسي صامت عن هذا الموضوع على الأقلّ قبل المذبحة لا بل ويضيف كمسك الختام أنّ إسماعيل الفارسي مات لاحقاً في بانياس وتخلّصت المنطقة من "الباطنيّة ونجسهم". في كلّ الأحوال حتّى إذا سلّمنا أنّ بعض الإسماعلييّن تعاون مع الصليبييّن فلا يمكن أن يبرّر هذا ذبح جميع الإسماعيلييّن ولا يعقل أنّ الآلاف منهم تعاونوا مع الصليبييّن.

من نافل القول أنّ التعصّب الديني في العصور الوسطى لم يكن وقفاً على دمشق ولا سوريا ولا أي بلد إسلامي. تاريخ أوروبا مفعم بالمجازر والفتن الدينيّة ولربّما كان سجلّ العالم الإسلامي في الماضي أفضل من نظيره المسيحي. الفرق أنّ العرب اليوم -مقارنة مع الغرب العلماني- يتّبعون إحدى سياستين في الأمور المتعلّقة بما لا يشرّف في ماضيهم: الأولى إلقاء اللوم على الغير (مجزرة ١٨٦٠) والثانية تجاهل الموضوع بالكليّة كما في مأساة ١١٢٩. 

دمشق من بداية العهد السلجوقي حتّى دخول نور الدين

نعود إل تاريخ دمشق لإبن القلانسي ويعتمد منهجه كما سبقت الإشارة على سرد التسلسل الزمني للأحداث حسب السنة الهجريّة وسأقوم بهدف الإيجاز من جهة وجعل المعلومات أسهل وأسلس تناولاً من جهة أخرى، باللجوء إلى تصنيف يتمركز حول من تولّى دمشق في هذه الفترة التي قاربت الثمانين عاماً. 

هزم السلاجقة بقيادة ألب أرسلان عام ١٠٧١ للميلاد البيزنطييّن في معركة منزيكرت أو ملازيكرت الفاصلة والتي غيّرت خارطة الشرق الأدنى وكانت بداية تتريك وأسلمة آسيا الصغرى الذي أنجز في أعقاب الحرب العظمى (أي الحرب العالميّة الأولى) عندما طرد كافّة "اليونان" (المقصود المسيحييّن) من دولة تركيّا الفتية وكافّة "الأتراك" (أي المسلمين) من اليونان. 

موضوع البحث بالطبع دمشق فلنستعرض ما جرى فيها وحولها من خلال من حكمها كما أورده إبن القلانسي وسأضيف الحدّ الأدنى التفاصيل في بعض الروابط حسب الحاجة.



* كانت نهاية العهد الفاطمي في دمشق عام ١٠٧٦ للميلاد على يد أتسيز إبن أوق الخوارزمي (أحد عمّال ملك شاه إبن ألب أرسلان السلجوقي). لم يعن هذا بالطبع نهاية الوجود الفاطمي الذي دام أكثر من قرن في سوريا خاصّة على الساحل وفي الجنوب ولكنّه عنى صعود العناصر التركيّة ومعها المذهب السنّي وتمدّدها بالنتيجة إلى مصر في عهود لاحقة.

* تولّى تاج الدولة تتش إبن ألب أرسلان دمشق عام ١٠٧٨ وأمر في بداية عهده بأستز فخنق ولاحقاً (عام ١٠٩٥) بقسيم الدولة آق سنقر (أبو عماد الدين زنكي) فقطعت رأسه. بالنتيجة قتل تتش في صراع على السلطة بينه وبين إبن أخيه في نفس العام الأخير (١٠٩٥) وأرسلت رأسه إلى بغداد. كان قطع الرؤوس وجمعها كغنائم حرب ورفعها على الحراب وعرضها ليتملّى ويستمتع بمنظرها الهمج والدهماء في ذلك الوقت القاعدة وليس الاستثناء.

* خلف تتش في دمشق عام ١٠٩٥ إبنه شمس الملوك دقاق الذي بنى البيمارستان المعروف بإسمه (اندثر) وشهد عهده الحملة الصليبيّة الأولى واستيلاء الإفرنج على القدس في صيف ١٠٩٩. تزوّج الأتابك ظهير الدين طغتكين صفوة الملك أمّ دقاق ومات هذا الأخير عام ١١٠٤ (يفيد إبن عساكر أنّه قتل بأمر من أمّه التي أوعزت لجواريها بدسّ السمّ في طعامه ولكن إبن القلانسي لا يورد أي إشارة لهذا). في كلّ الأحوال دفن دقاق خارج سور المدينة ولاحقاً أمّه (ماتت ١١١٩) في ضريح صفوة الملك (الخانقاه الطواوسيّة) الذي صوّره ووصفه Jean Sauvaget قبل هدمه بقليل قبيل منتصف القرن العشرين. على علمي كان الأثر السلجوقي الوحيد في دمشق وام يتجشّم أحد عناء تصويره ناهيك عن دراسته باستثناء المستشرق الفرنسي الشهير.  

* أصبح ظهير الدين طغتكين مؤسّس السلالة البورية الحاكم الفعلي لدمشق بعد موت (أو اغتيال إذا قبلنا رواية إبن عساكر) دقاق عام ١١٠٤ وكان عهده ميموناً على المدينة في نظر إبن القلانسي وإن رافقه توسّع الوجود الصليبي على الساحل السوري إلى طرابلس وجبلة وبانياس (١١٠٩)، حصن الأكراد (أي قلعة الحصن) وبيروت وصيدا (١١١٠)، وأخيراً صور (١١٢٤). 

* مات طغتكين عام ١١٢٨ وخلفه إبنه تاج الملوك بوري الذي أبيد إسماعيليّو دمشق في عهده (١١٢٩) وسأخصّص لهذه المأساة مقالاً خاصّاً. 

* مات بوري عام ١١٣٢ وخلفه على أمر دمشق إبنه شمس الملوك إسماعيل. أمرت صفوة الملك زمرّد خاتون (أخت دقاق وزوجة بوري وهي غير صفوة الملك أمّ دقاق) عبيدها بقتل إبنها شمس الملوك في مطلع عام ١١٣٥ وإذا قبلنا بعض الروايات (نقلها المعلوف) فالدافع للجريمة كان التستّر على فضيحة تتلخّص أنّه كان لزمرّد خاتون عشيق هو الحاجب يوسف إبن فيروز الذي دبّرت فراره من إبنها إلى تدمر قبل أن تخلّص على هذا الأخير.   

* نأتي الآن إلى عهد شهاب الدين محمود وهو إبن آخر لزمرّد خاتون. تميّزت هذه الفترة بصعود نجم الأتابك عماد الدين زنكي سيّد الموصل وقاهر الصليبييّن (طردهم من أورفة-الرها أو Edessa عام ١١٤٤). توسّع زنكي إلى حلب وغيرها وإن بقيت جائزة دمشق مبتغاه وفي هذا السبيل تزوّج زمرّد خاتون عام ١١٣٨ أملاً أن يفتح له الدمشقيّون أبواب المدينة طواعية ولكنّ الدمشقيّون رفضوا لا بل وطلبوا معونة الصليبييّن ضدّه. 

* اغتيل شهاب الدين محمود عام ١١٣٩ وآلت الولاية إلى أخيه جمال الدين محمّد ولكن عهده لم يطل إذ مات ١١٤٠.

* كان مجير الدين أبق (إبن جمال الدين محمّد) آخر حكّام دمشق البورييّن ولكنّ الحاكم الفعلي للمدينة من ١١٤٠ إلى ١١٤٩ كان معين الدين أنر الذي حالفه الحظ عندما اغتيل عماد الدين زنكي عام ١١٤٦ وإن استأنف إبن هذا الأخير نور الدين محمود (أو نور الدين زنكي أو نور الدين الشهيد) سياسة أبيه ومحاولاته لضمّ دمشق ولم يتردّد في هذا الصدد في الزواج بإبنة أنر (١١٤٧) كما تزوّج زنكي زمرّد خاتون قبله وأيضاً دون جدوى. حاول الصليبيّون الإستيلاء على دمشق في صيف ١١٤٨ خلال الحملة الصليبيّة الثانية بقيادة Louis VII ملك فرنسا و Conrad III أوّل ملوك سلالة Hohenstaufen في ألمانيا. بائت هذه المحاولة الخرقاء بالفشل وأقول الخرقاء لأنّ علاقة أنر مع الصليبييّن -على مدّها وجزرها- كانت وديّة عموماً إذ لم يتردّد الأتابك في التحالف مع الإفرنج ضدّ إخوته المسلمين عندما رأى ذلك في مصلحته. 

* مات أنر في صيف ١١٤٩ وأصبح مجير الدين أبق الحاكم الحقيقي وليس فقط الإسمي في دمشق ورافق ذلك تزايد عزم وتصميم نور الدين على إدخال دمشق في إمبراطوريّته فقام بمحاصرة المدينة عندما استنجد أبق بالصليبييّن الذين هرعوا لإسعافه عام ١١٥١ (نخوة منهم ما في ذلك من شكّ) وبعد أخذ وردّ نجح نور الدين في دخول المدينة في ربيع ١١٥٤ وسط مشاهد البهجة والحبور (أو على الأقلّ تنفّس الصعداء) بين أهاليها. 

The Treasures of the National Museum of Damascus: Tell Um Hauran

Two 24-25 cm bronze helmets from the beginning of the second century C.E. were illicitly dug at the site of Tell Um Hauran (Daraa Governorate north of Nawa) back in 1955. They were promptly seized by the General Directory of Antiquities and Museums to be transferred to the National Museum of Damascus where they've resided ever since. Further excavations -this time legally and  professionally-  have subsequently taken place and yielded a substantial number of valuable artifacts. 






Seen at the center of the first helmet is a Roman warrior surrounded on both sides with an eagle, a symbol of the Solar God. Posteriorly on the lateral view are two identical groups representing horses pulling a chariot on their way to heaven. The mask itself is that of a bearded face. 




The second helmet has a gorgone occupying its summit. Below is an eagle dominating a sacrificial scene with its stretched wings. The occiput features a battle between the Romans and the Parthians. Finally, The artist -a certain Mactorius Barbarus- was kind enough to leave his name inscribed on the right temple. 


جرت أعمال تنقيب غير شرعيّة عام ١٩٥٥ في تلّ أم حوران (شمال نوى في محافظة درعا) اكتشفت خلالها خوذتان برونزيّتان من مطلع القرن الثاني الميلادي بارتفاع ٢٤-٢٥ سم. انتقالت ملكيّة هاتين الخوذتين إلى متحف دمشق الوطني الذي قام بإجراء المزيد من الحفريّات (المهنيّة) في هذا الموقع. 

نرى في وسط الخوذة الأولى محارباً رومانيّاً وعلى جانبيه نسرين يرمزان للإله الشمس وفي القسم الخلفي للقطة الجانبيّة عربة تقودها الخيول في طريقها إلى السماء. يمثّل القناع تحت الخوذة رجلاً ملتحياً.

تحتلّ طاسة الصورة الثانية رأس  Gorgone وتحتها نسر يبسط جناحيه فوق مشهد قربان. يشغل قفا الصورة تمثيل لمعركة بين الرومان والبارثييّن. ترك الفنّان Mactorius Barbarus لنا اسمه منقوشاً على الصدغ الأيمن. 

Sunday, November 26, 2017

تاريخ مدينة دمشق ١٠٧٥-١١٥٤ للميلاد

يغطّي ذيل تاريخ دمشق لإبن القلانسي (١٠٧٣-١١٦٠) فترة طويلة تنتهي بسنة وفاته ولكنّ المترجم الفرنسي Roger Le Touneau (وهو تلميذ المستشرق الكبير Jean Sauvaget) اختار منه الفترة التي تبدأ مع نهاية الهيمنة الفاطميّة وبداية تسلّط الأتراك السلاجقة وتنتهي بدوال الدولة البوريّة عندما تقلّد الأتابك نور الدين زنكي زمام الأمور في دمشق. لهذه الفترة أهميّة خاصّة كونها شهدت بداية العهد الصليبي في سوريا (الحملتين الأولى والثانية) واصطدام الغرب مع الشرق. 




أصدر المعهد الفرنسي في دمشق هذا الكتاب الذي يقارب طوله ٤٠٠ صفحة عام ١٩٥٢ وللمهتمّين بالفترة السابقة (أي الفاطميّة) يوجد كتاب آخر موزّع على جزئين يغطّيها بشكل واف لنفس المعهد وأمّا عن العهود اللاحقة (نور الدين فالعهد الأيّوبي فالمملوكي وهلمّجرّا) فالمعلومات عنها أكثر غزارة في العديد من المصادر المحليّة والأجنبيّة. 

إبن القلانسي عالم دمشقيّ أرستقراطي ومتديّن وعلّه أكثر موضوعيّة من غيره ولكنّ رأيه بالأقليّات (خصوصاً الإسماعيلييّن كما سنرى) وأهل الأرياف سلبي عموماً وهذا في وقت اعتمدت فيه دمشق في إمدادها الغذائي على حبوب حوران والبقاع رغم غوطتها الغنيّة ومواردها المائيّة. المؤلّف يقصر سرده على الأحداث السياسيّة ودسائس البلاط ووفيّات الأعيان وذكر الفيضانات والزلازل والأوبئة وغيرها من الكوارث. التركيز على دمشق ولكنّ مسرح الأحداث يمتدّ إلى سوريا بكاملها وآسيا الصغرى والعراق وحتّى إيران وخراسان بدرجات تتناسب عكساً مع البعد عن المدينة. بالنسبة لوصف المدينة فليس هناك الشيئ الكثير وإن أمكن لنا أن نستنتج أنّ قلعتها كانت موجودة وهامّة (أعيد بناؤها لتأخذ شكلها الحالي في عهد الأيّوبي الملك العادل) وهناك إشارات لبعض مواضعها ودور عبادتها وأبوابها ولكنّها بشكل عامّ محدودة للغاية.

بالنسبة لمنهج إبن القلانسي فهو يتبّع التسلسل الزمني حسب السنة الهجريّة واختار السيّد Le Tourneau العام ٤٦٨ كنقطة البداية ليختم سرد إبن القلانسي عام ٥٤٩ أي قبل موته بست سنوات. 

للحديث بقيّة.  
  

A Mosaic from Philippopolis

Shahba's golden age is closely associated with the Roman Empire and Emperor Philip the Arab, whence its Classical name: Philippopolis. Gracing the National Museum of Damascus is a giant (337 cm x 276 cm) mosaic from that city and the 3rd century C.E. featuring, in bright colors, themes and allegories from Greco-Roman Mythology. The persons, divinities and otherwise, are designated by their names. Now let's analyze this heavenly beauty part by part:


Occupying the bottom center is a woman personifying Gaia, the Mother Earth Goddess, surrounded by four kids. Identified above her shoulders are Georgia (meaning Agriculture), and Triptolemus (inventor of agriculture), Familiar figures in Greek fables.

Bottom right we see a bearded man sitting artist-like before a painting. He is none other than Prometheus, about to create the first man out of clay. Right above him is Hermes, the Messenger God who, among other tasks, commutes between the World of the Divine and that of the Immortals. He is surrounded by three women: the topless one is of course Aphrodite, Goddess of Beauty & Love; another one would be Psyche, symbolizing the Soul.

Bottom left is Aion, the God of Time carrying a ring in his right hand. Above and behind him are four winged ladies personifying the Four Seasons.

topmost on both sides are four heads emerging from the clouds and representing the Four Winds as follows:

- Boreas: the north wind bring forth the cold winter air.
- Zephyrus: the west wind and harbinger of spring and early summer breezes.
- Notos: south wind announcing storms of late summer and fall.
- Eurus: southeast wind not associated with any of the Greek Seasons.



The top photo forms the cover of the book (link below) and is therefore deformed at the spine. The bottom one, from inside the same book, elucidates the details of the center but is of an inferior quality. I therefore included both.

https://bornindamascus.blogspot.com/2017/02/the-treasures-of-national-museum-of.html
http://bornindamascus.blogspot.com/2017/11/blog-post_26.html

Aiôn et Philippe l'Arabe



فسيفساء شهبا

يرتبط تاريخ شهبا وعهدها الذهبي بالإمبراطوريّة الرومانيّة وفيليب العربي ومنه اسمها الثاني Philippopolis. حظي متحف دمشق الوطني باقتناء لوحة فسيفساء عملاقة ٣٣٧ سم في ٢٧٦ سم من هذه المدينة تعود للنصف الثاني للقرن الثالث الميلادي وتمثّل مشاهداً رمزيّة من الأساطير الكلاسيكيّة (الإغريقيّة-الرومانيّة) وأشخاصاً مع أسمائهم. 



تحتل مركز وأسفل الصورة امرأة تمثّل Gaia وهي تجسيد للأرض يتحلّق حولها أربع أطفال ويحيط بها من الأعلى Georgia التي ترمز للزراعة و Triptolemus الذي ابتكر هذه الزراعة حسب الإغريق القدماء. 

على يمين الناظر في الأسفل نرى رجلاً ملتحياً جالساً كالفنّان أمام لوحته يمثّل Prometheus في سبيله لخلق أوّل رجل من الصلصال وفوقه الربّ Hermes رسول الآلهة الذي يتنقّل بين عالمهم وعالم المخلوقات الفانية (البشر) ونشاهد حوله ثلاثة إناث إحداهنّ الزهرة إلهة الحبّ (العارية الصدر) وثانية Psyche التي تمثّل الروح. 

على يسار الناظر نرى Aion ربّ الزمن يحمل طوقاً في يده اليمنى وخلفه في الأعلى أربعة سيّدات مجنّحات يرمزن للفصول الأربعة. 

الرؤوس في أعلى الصورة من الطرفين تمثّل  الرياح الأربع: Boreas (ريح الشمال وهواء الشتاء البارد)، Zephyrus (رياح الربيع وباكورة الصيف الغربيّة)، Notos (ريح الجنوب وعواصف أواخر الصيف والخريف)، و Eurus (من الجنوب الشرقي).   


الصورة العليا غلاف الكتاب المصدر (الرابط أدناه) ومن هنا التشويه في منتصفها. الصورة السفلى نفس اللوحة بالطبع من داخل الكتاب ولكن نوعيّتها متوسّطة على أحسن تقدير وإن كانت توضح التفاصيل في المركز ولهذا أرفقت الصورتين. 

https://bornindamascus.blogspot.com/2017/02/the-treasures-of-national-museum-of.html

Saturday, November 25, 2017

An Emesan Treasure

A sensational discovery of a royal necropolis was made back in 1940 near the city of Homs (Classical Emesa).  It yielded a number of artifacts from the reign of Augustus Caesar or his immediate successors. Featured among the objects are ornaments of a sarcophagus including gold leaves with several patterns related to Greco-Roman Mythology, golden rings, a bracelet, and a neck piece. Those treasures and some more have graced the National Museum of Damascus ever since.



At the center of this assortment is a 24.5 cm Ht helmet with a mask dating, according to the French archaeologist Henri Seyrig (1895-1973), from the the first century C.E. and crafted by a Syrian jeweler.



The item in question has two components: the upper one or helmet is made of  a single piece of iron decorated with silver. The lower part or mask is also made of iron but is in addition laminated with silver in its entirety. Likely this set had been the pride of a private collection of a wealthy owner.


https://bornindamascus.blogspot.com/2017/02/the-treasures-of-national-museum-of.html



كنوز متحف دمشق الوطني

اكتشفت مقبرة ملكيّة تعود للقرن الأوّل الميلادي غرب مدينة حمص عام ١٩٤٠. حوت هذه المقبرة عدداً من الحلي الذهبيّة منها خاتمين وإسورة وقلادة إضافة لزخارف تابوت ملبّسة بالذهب. الصورتان المرفقتان لخوذة وقناع من هذه المجموعة بارتفاع ٢٤،٥ سم وهي استناداً لعالم الآثار الفرنسي Henri Seyrig (١٨٩٥-١٩٧٣) من صنع صائغ سوري من عهد الإمبراطور الروماني Augustus Caesar أو بعده بقليل. تتألّف طاسة الرأس من قطعة واحدة من الحديد مزخرفة بالفضّة أمّا القناع فهو أيضاً حديدي ولكنّه مغطّى بالكامل بصفيحة من الفضّة.    

Saturday, November 18, 2017

The Synagogue of Dura Europos

The National Museum of Damascus

A fresco from the famous Dura Europos Synagogue representing a niche designating the direction of Jerusalem and surmounted by an entablature featuring from left to right the following themes from the Torah:



1. A menorah. 
2. The Temple of Solomon.
3. Abraham in the process of immolating Isaac. 

Dura Europos is a Hellenistic city erected in 303 B.C. and destroyed by the Sassanid in 256 C.E. Its ruins are located south of the Euphrates River and northwest of Abu Kamal near the modern village of Salhiyé. A collaborative effort of Yale University and the Academy of Inscriptions and Letters led to the excavation of the above synagogue in the first half of the twentieth century. The synagogue was probably constructed in the year 250 C.E.m shortly before the fall of the city. It was restored and re-assembled at the National Museum of Damascus in 1936.The archaeological site fell to the humanoid hordes known as the Islamic State in 2014 to be looted and ravaged in yet another orgy of modern madness.  

https://bornindamascus.blogspot.com/2017/02/the-treasures-of-national-museum-of.html
http://bornindamascus.blogspot.com/2017/08/blog-post_7.html
http://bornindamascus.blogspot.com/2017/08/dura-europos.html

كنوز متحف دمشق الوطني

لوحة جداريّة من كنيس مدينة دورا أروبوس تمثّل مشهداً توراتيّاً نرى فيه محراباً باتجاه القدس وفوقه من اليسار إلى اليمين الشمعدان اليهودي السباعي يليه هيكل سليمان ثمّ مشهد إبراهيم وهو يباشر بتضحية إبنه إسحق. دورا أوروبوس بالأصل مدينة هلنستيّة بنيت عام ٣٠٣ قبل الميلاد ودمّرها الساسانيّون عام ٢٥٦ للميلاد. تقع أنقاضها هذه المدينة جنوب نهر الفرات وشمال غرب أبو كمال قرب قرية الصالحيّة. أجرت بعثة من جامعة Yale الأمريكيّة حفريّات فيها في مطلع القرن العشرين تمّ خلالها إكتشاف الكنيس المذكور.  يعتقد أنّ هذا الكنيس بني عام ٢٥٠ للميلاد أي قبل سقوط المدينة بسنوات قليلة وتمّت عمليّة ترميمه مع  إعادة تجميعه في متحف دمشق الوطني عام ١٩٣٦. استولى أشباه البشر من داعش على الموقع الأثري عام ٢٠١٤ وقاموا بنهب وتدمير ما استطاعوا من بقاياها وأشلائها.   

Wednesday, November 15, 2017

دمشق في القرن السادس عشر



الكلام هنا عن "مختصر الدارس" للعلموي كما ترجمه للغة الفرنسيّة وعلّق عليه العالم  Sauvaire  (رابط 1) ويبلغ مع تعليقاته وحواشيه قرابة ٨٠٠ صفحة ممّا يجعله أهمّ مصدر للمعلومات عن المدينة في ذلك الزمن. كثير من الأوابد المذكورة انقرضت (بعضها درس قبل تاريخ المخطوط الأصلي في القرن السادس عشر وبعضها الآخر في نصف القرن الأخير)  ومع ذلك بقي منها الكثير حتّى اليوم وبالنتيجة الصورة التي ترتسم أليفة إلى حدّ كبير للكثيرين من أبناء دمشق في القرن الحادي والعشرين. آخر ما كتبه العلموي كان عام ١٥٦٦ عندما أشار إلى احتراق جامع الجرّاح وأمله أن يرممّ قريباً وبالطبع لم يفت Sauvaire الإشارة إلى حريق الأموي عام ١٨٩٣ قبل عام من البدء بنشر كتابه وكان متشائماً فيما يتعلّق بترميم الجامع وشكّك في توافر ما يكفي من الخبرة والذوق لإعادته كما كان.  

على غنى البحث وتفصيله ورغم الجهود المبذولة في حواشيه فيبقى صعب المتناول لطلّاب العلم اليوم المعتادين على الكتب المفهرسة والمزوّدة بالصور والخرائط وخصوصاً هذه الأخيرة. يمكن التغلّب على بعض هذه الصعوبات بالمقارنة مع بعض الدراسات الحديثة وقد وجدت كتاب "تاريخ دمشق" (رابط ٢) للعالم الأوسترالي Ross Burns مفيداً للغاية في هذا الصدد لاحتوائه على العديد من الخرائط التي تحدّد مواقع المعالم الباقية منها وحتّى بعض المندثرة بدقّة وافية.   

رتّب العلموي ومن نسخه مخطوطاتهم حسب نوع وتخصّص الأوابد دون تنظيم زمني ودون تفاصيل عماريّة تستحقّ الذكر (عمليّاً لا يوجد توصيف هندسي أو فنّي بالمعنى الفهوم اليوم قبل القرن التاسع عشر عندما أتى المستشرقون وأسّسوا هذه العلوم من الصفر) وحتّى التنظيم الطبوغرافي مشوّش ومبهم. ما ركّز عليه النعيمي-العلموي إسم المكان وموضعه (مقابل كذا وكذا في درب كذا وكذا) ومؤسّسه وأوقافه ومن درّس فيه وهناك تيهور من المعلومات عن الأشخاص تفوق بكثير ما كتب عن الأبنية. الاهتمام بالدرحة الأولى في الأبنية الدينيّة الإسلاميّة حصراً (يخال القارىء أنّه لا وجود للمسيحييّن واليهود في دمشق) وإذا ذكرت الأبنية المدنيّة (الحمّامات مثلاً) فهذا في الحواشي أو بشكل عابر ولكن Sauvaire عني بإضافة فصول في نهاية الكتاب تتعرّض لهذه الأبنية الأخيرة بشكل معقول كما سنرى. الكتاب يشمل دمشق داخل وخارج السور بما فيه الصالحيّة والميدان وبالتالي التغطية أوسع من إبن عساكر وإبن شدّاد ولا عجب نظراً لانقضاء عدّة قرون بين هذه الأعمال. 

لنأتي الآن إلى فصول الكتاب:

أوّلاً. دور تعليم القرآن.

ثانياً. دور الحديث (النبوي).

ثالثاً. المدارس لتعليم الفقه: أكثرها شافعيّة ثمّ حنفيّة ثمّ حنبليّة ثمّ مالكيّة وبعضها مختلط. فصل المدارس أحد أطول فصول الكتاب.

رابعاً. مدارس الطبّ

خامساً. الخانقاهات أو الخوانق (حمع خانقاه) وهي بمثابة أديرة (جمع دير) للصوفييّن ترجمها المستشرق couvent.

سادساً. الربط hospice (جمع رباط) للزاهدين والمعتكفين والصوفييّن.

سابعاً. الزوايا chapelle: أيضاً للمتعبّدين والعلماء.

ثامناً. الترب والأضرحة. 

تاسعاً. المساجد.

عاشراً. الجوامع أو المساجد الجامعة.

ينتهي هنا "مختصر الدارس" ولكن Sauvaire يضيف الفصول التالية:

١. عيون التواريخ لفخر الدين محمّد إبن شاكر  (توفّي عام ١٣٦٣ للميلاد) يتعرّض فيه لأبواب دمشق الرومانيّة منها والإسلاميّة والقناطر والقصور والساحات والأسواق والمنتزهات  والطرق ونهر بردى والكنائس.

٢. تحفة الأنام في فضائل الشام لإبن الإمام شمس الدين أبو العبّاس أحمد إبن محمّد البصروي (مات عام ١٦٠٦) ولا يتجاوز الثلاث صفحات تحتوي على بعض المعلومات المتعلّقة بالجامع الأموي.

٣. نزهة الأنام في محاسن الشام لأبي البقاء عبد الله إبن محمّد البدري الدمشقي (مات ١٤٨٩) وفيه الكثير من المعلومات القيّمة عن قلعة دمشق وأسواقها ومنتزهاتها وأشجارها ورياحينها وثمارها وحرفها.

 إذا كان كتاب خطط دمشق للحافظ إبن عساكر الأوّل من نوعه فكتاب النعيمي-العلموي زائد إضافات العدوي مع ترجمة وتحقيق Sauvaire هو الأغنى والأكثر تفصيلاً. بالطبع لا يمكن إغفال أهميّة "الأعلاق الخطيرة" لإبن شدّاد ولكنّ هذا الأخير كان في معظمه تكراراً لإبن عساكر وليس هذا هو الحال على الإطلاق في "مختصر" العلموي. 

حاشية: للتبسيط جميع التواريخ المذكورة بالتقويم الميلادي. 

http://bornindamascus.blogspot.com/2017/11/blog-post_14.html
http://bornindamascus.blogspot.com/2017/05/blog-post_31.html

Tuesday, November 14, 2017

وصف دمشق

تتعذّر على غير الأخصّائي قراءة المخطوطات التاريخيّة القديمة والإستفادة منها إذ الغالبيّة العظمى من الوثائق العربيّة مكتوبة بخطّ اليد بتنقيط منقوص وتحتوي على العديد من المصطلحات التي نسيها الناس ناهيك عن الأخطاء والهفوات الناجمة عن النسخ والسهو وأحياناً عدم الإحاطة الشاملة بالموضوع قيد البحث. أضف إلى كلّ هذا وذاك أنّ كثيراً من هذه المخطوطات وصلتنا ناقصة وإن أمكن أحياناً تدارك هذا النقص بمقارنة أكثر من نسخة لنفس الكتاب وبالطبع لنا أن نتوقّع أنّه ليس بالضرورة أن تتطابق نسخ مختلفة لنفس الكتاب لنفس المؤلّف.

 الخلاصة تبقى هذه النصوص مستعصية على أغلب الناس ومحدودة الفائدة إلى أقصى الحدود ما لم يتمّ تدقيق وشرح هذه النصوص وطباعتها بشكل واضح مع التعليقات والشروح عند اللزوم من قبل خبراء وأخصائييّن تماماً كما هو الحال في التعليق على وشرح الكتب المقدّسة ليس فقط لفهمها من الناحية اللغويّة وإنّما أيضاً لوضعها في سياقها التاريخي والنفسي.   

لربّما كانت أهمّ الكتب عن مدينة دمشق وأكثرها تفصيلاً ثلاثة:

١. خطط دمشق للحافظ إبن عساكر (القرن الثاني عشر للميلاد) : حقّقه الدكتور صلاح الدين المنجّد ونشره المجمع العلمي العربي عام ١٩٥٤ وترجمه المستشرق Elisséeff للفرنسيّة عام ١٩٥٩ مع خريطة لدمشق في القرن الثاني عشر الميلادي بناء على معطيات إبن عساكر (الرابط الأوّل أدناه).

٢. الأعلاق الخطيرة في ذكر أمراء الشام والجزيرة لإبن شدّاد (القرن الثالث عشر للميلاد) حقّقه الدكتور سامي الدهّان ونشره المعهد الفرنسي للدراسات العربيّة عام ١٩٥٦: الرابط الثاني. 

٣. تنبيه الطالب أو إرشاد الدارس في تاريخ المدارس لأبي المفاخر محيي الدين النعيمي الدمشقي (مات عام ١٥٢١) وهو موضوع بحث اليوم.



تعود الأسبقيّة للعالم الفرنسي Henri Sauvaire (ولد ١٨٣١ وتوفي ١٨٩٦) في تدقيق وتمحيص وشرح ما وصلنا من عمل النعيمي والتعليق عليه ونشره في المجلّة الآسيويّة Journal Asiatique بين الأعوام ١٨٩٤ و ١٨٩٦ وقد وصف بالتفصيل المنهج الذي اتّبعه لتحقيق هذه الغاية كما يلي:

اعتمد Sauvaire كنقطة انطلاق ليس على مخطوط النعيمي الذي لم يكن في متناوله وقتها وإنّما على "مختصر الدارس" لعبد الباسط العلموي (١٥٠١-١٥٧٣) كما وصله عن طريق القاضي الشيخ محمود العدوي (مات ١٦٢٠) الذي نقل "المختصر" وأضاف عليه ونسخ مخطوطه رمضان إبن موسى العطيفي (مات ١٦٨٣)  ونسخ مخطوطه عام ١٨٦٨ الشيخ محمّد سعيد وأرسلان إبن حامد وإبن هذا الأخير أديب. أي أنّ Sauvaire ترجم عن نسخة من القرن التاسع عشر عن العطيفي (القرن السابع عشر) عن العدوي عن العلموي أنّ النعيمي (مطلع القرن السادس عشر) قال! 

لحس الحظّ نجح Sauvaire في مقارنة المخطوط المذكور بمخطوط النعيمي الوحيد الموجود في أوروبا والذي أتاح له الإطّلاع عليه المستشرق Schefer وعلى ما يبدو كان يوجد نسخة ثانية رآها المستشرق السويسري Max Van Berchem في إحدى المكتبات ولكن ليس عليها أي تفاصيل. 

يبقى "مختصر الدارس" على "اختصاره" عملاً موسوعيّاً يغطّي مئات الصفحات ومرجعاً لا غنى عنه لكلّ من يهتمّ بتاريخ دمشق ولكن عمل Sauvaire المهني (موجود بالمجّان على الرابط الثالث) يشكو على شموليّته واتسّاعه من عدم وجود فهرس للمواضيع أو الأبجديّة وقدّ تمّ تلافي هذا النقص بعد حوالي ستين عاماً من نشره -تحديداً عام ١٩٥٤- على يد الآنسة إميلي عويشق ومعهد دمشق الفرنسي. 





للحديث بقيّة.  

http://bornindamascus.blogspot.com/2017/03/blog-post_21.html
http://bornindamascus.blogspot.com/2017/01/blog-post_25.html
https://archive.org/stream/in.ernet.dli.2015.69523/2015.69523.Description-De-Damas#page/n3/mode/2up

Monday, November 13, 2017

متحف الفنون والتقاليد الشعبيّة في دمشق



بني قصر العظم جنوب الجامع الأموي في منتصف القرن الثامن عشر في نفس الموقع الذي شغله سابقاً قصر الذهب للأمير المملوكي تنكز (القرن الرابع عشر) ولربّما أيضاً قصر معاوية المعروف بالخضراء في القرن السابع. يحتلّ هذا القصر مساحة ٥٥٠٠ متر مربّع وكما نرى في الخريطة الملحقة فيه العديد من الغرف والقاعات والأواوين وحمّام خاصّ (وهو أمر نادر في ذلك الزمن) وبرّاني (سلاملك) فسيح مع ديار وبحرة في وسطه وجوّاني (حرملك) أكبر منه ومطبخ مع دياره وإسطبل ويغذّيه نهر القنوات بالمياه.


باخنصار يمكن اعتبار قصر العظم من أكثر من ناحية نموذجاً مثاليّاً للبيوت الدمشقيّة الفاخرة وأهمّ هذه البيوت ولا يزال في حالة جيّدة رغم الزمن ورغم الكارثة التي حلّت به عام ١٩٢٥. 

تنبّهت الجهات المعنيّة في منتصف القرن العشرين إلى الخطر المحدق بالحرف اليدويّة السوريّة التقليديّة والأزياء والتقاليد ااشعبيّة المتوارثة في زمن حلّت فيه المصانع الكبرى والآلات محلّ العمّال اليدوييّن المهرة وغزت فيه الأزياء الغربيّة كافّة أرجاء العالم وقررّت بناء عليه إنشاء متاحف للفولكلور والحرف لتعريف الأجيال الصاعدة عليها وحمايتها من الإنقراض وهكذا تمّ إحداث أربع متاحف متخصّصة لهذا الغرض في دمشق وحماة وتدمر وطرطوس وأهمّها متحف دمشق الذي اتّخذ قصر العظم مقرّاً له وفتح أبوابه للزوّار في ١٣ أيلول عام ١٩٥٤. نجح هذا المتحف في جذب الكثير من السيّاح وبلغ عدد زوّاره أحياناً ٤٠٠٠ شخص في اليوم وليس هذا برقم يستهان به في منتصف القرن العشرين في مدينة كانت إلى أمد قريب قليلة الإتّصال بالعالم الخارجي.

استقيت هذه المعلومات من كتيّب أصدرته المديريّة العامّة للآثار والمتاحف بطول ٧٥ صفحة مع ثلاثين صورة ونيّف بالأبيض والأسود من نوعيّة متوسّطة آمل أن أحمّلها على صفحتي في المستقبل القريب. الكتيّب من تأليف القيّم على المتحف السيّد شقيق إمام وترجمه إلى الفرنسيّة السيّد جبرائيل سعادة وهو دليل سياحي وليس كتاباً أكاديميّاً عن قصر العظم الذي يتطلّب مجلّدات لتعطيه بعض حقّه.  مع الأسف تاريخ تشر هذا الدليل غير متوافر وبتقديري أنّه بين ١٩٥٥ و ١٩٧٠ وعلّ أجرة الدخول تعطي فكرة إذ كانت نصف ليرة في الأيّام العاديّة وربع ليرة يوم الجمعة وللطلّاب. بالنسبة لساعات الدوام فهي من الثامنة صباحاً إلى الواحدة بعد الظهر ومن الرابعة إلى السابعة مساءً  (توقيت صيفي) ولا تتغيّر الساعات الصباحيّة في التوقيت الشتوي ولكنّ المسائيّة تصبح من الساعة الثانية إلى الرابعة. 

التدخين ممنوع في المتحف كما يحظر التصوير واللمس والبخشيش.  





Sunday, November 12, 2017

A Syrian Sarapis

Sarapis is a Macedonian (Greek)- Egyptian synthesis the cult of which was introduced in 3rd century B.C. Alexandria by Ptolemy I in an attempt to unify the Hellenic newcomers with the natives. Etymologically, Sarapis is likely an amalgamation of Osiris with the Calf God Apis. It may be identified with the Greek Hades, the Lord of the Underworld.



Seen are different views of a statue representing a majestic Sarapis sitting on his throne with Cerberus (the monstrous multi-headed dog guarding the gates of the Underworld for the purpose of preventing the dead from escaping) at his right side. The sculpture dates from the second or third century C.E. and was acquired by the National Museum of Damascus in 1933 from a site called Khirbet Ramadan. The exact location of Khirbet is unclear as there exists several modern villages bearing this name but it mostly likely is of Southern Syrian provenance. The statue is 77 cm x 42 cm x 30 cm and is of grained white marble.


Thomas M. Weber
Sculptures from Roman Syria
Wernersche Verlagsgesellschaft. Worms
2006

لقطات مختلفة لتمثال من المرمر ٧٧ سم في ٤٢ سم في ٣٠ سم يعود للقرن الثاني أو الثالث الميلادي اكتسبه متحف دمشق الوطني عام ١٩٣٣ من موقع يسمّى خربة رمضان ومع الأسف هذا الموقع غير معروف في الوقت الحالي إذ هناك عدّة قرى بهذا الإسم ولكنّه على الأغلب من سوريا الجنوبيّة أي حوران وجواره. 

النحت يمثّل الربّ Sarapis (أو Hades إله العالم السفلي عند الإغريق) جالساً على عرشه بكل جلال ومهابة وعند قدميه على اليمين الكلب المسخ Cerberus الذي يحرس هذا العالم ويمنع الأموات من مغادرته. تعود عبادة Sarapis إلى القرن الثالث قبل الميلاد والإسكندريّة عندما حاول بطليموس الأوّل توحيد الإغريق (والمقدونييّن) مع المصرييّن في هذه الديانة وأمّا من الناحية اللغويّة فالإله سرابيس على الأغلب كان تركيباً من أوزيريس مع الإله العجل آبيس

Saturday, November 11, 2017

Fertility Cults in the Ancient Near East: the Case of Mithraism

The solar calendar has been adopted in one form or another by agrarian societies from time immemorial for obvious reasons. Peasant and landlord have to know exactly when to sow the seeds, irrigate the land, fertilize the soil, and harvest the crop. Keen observers could not fail to notice the death of life-giving earth in winter and its resurrection in spring and it was a matter of time before prince and priest would construct an edifice -material as well as spiritual- around those natural phenomena in the form of numerous religions the central theme and common denominator of which revolved around those recurrent and cyclical events.

Examples abound particularly in the Near East that birthed the first agrarian societies in Mesopotamia and Egypt. The cults of Egyptian Osiris, Canaanite Adonis, Christianity itself are but few of those. Mithraism originated in ancient Iran whence it spread to the Hellenistic & Roman World. It had been practiced throughout the Roman  Empire from the first to the 4th century C.E.



Seen in this plate are two basaltic sculptures of Mithras slaying the bull, a central ritual in this cult where the spilled blood renovates the fertility of the soil it irrigates.  Both were found at or near Seeaa, a village in Soueida Governorate in Southern Syria and both date from the third century of the Common Era.

The top sculpture is 72 cm x 58 cm x 10 cm as far as dimensions are concerned. It was discovered in 1919 by an archaeological expedition from Princeton University and had been stored for a while at the Teacher's College at Mezze Boulevard before it changed location to the National Museum of Damascus, where it currently resides.

The bottom figure features the same motif and was studied by Dr. Salim Abdul Haq in the early 1950's. It is 112 cm x 106 cm x 4.5 cm in size. It also is a possession of the Museum.

It is to be regretted that many such ancient sculptures have been transferred from their original sites to be recycled in relatively modern residences which has resulted in the deformation, and potentially the loss of those priceless treasures. Such has been the case throughout Syria including Damascus and the large cities.


Thomas M. Weber
Sculptures from Roman Syria
Wernersche Verlagsgesellschaft. Worms
2006

آلهة الخصوبة في الشرق الأدنى

اعتمدت المجتمعات الزراعيّة منذ القدم بشكل أو بآخر التقويم الشمسي لتحديد الوقت الأكثر ملائمة للبذر والسقاية والحصاد وعلّ هذا كان مصدر إلهام كثير من الديانات العريقة التي قامت ولو رمزيّاً -بل وأحياناً لا شعوريّاً- بالربط بين موت الطبيعة في الشتاء وبعثها في الربيع  وبين أساطيرها ومعتقداتها وممارسات كهنتها ومؤمنيها من أوزيريس المصري مروراً بأدونيس الكنعاني ونهاية بالمسيحيّة. انتشرت عبادة الإله Mithras -أحد ديانات الخصوبة- من إيران إلى العالم الهلنستي ومن ثمّ الروماني وشاعت ممارستها في أرجاء الإمبراطوريّة الرومانيّة بين القرن الأوّل والقرن الرايع الميلادي. 



نرى في النحتين البازلتيّين المرفقين Mithras يذبح الثور في أحد الطقوس الأساسيّة لهذه الديانة التي يجدّد فيها دم الحيوان المذبوح خصوبة الأرض. أبعاد النحت الأوّل  ٧٢ سم في ٥٨ سم في ١٠ سم ويعود للقرن الثالث الميلادي وتمّ اكتشافه على يد بعثة علميّة أمريكيّة من جامعة Princeton قبل حوالي القرن (عام ١٩١٩) في قرية سيع في محافظة القنيطرة وحفظ لفترة في دار المعلّمين على أوتوستراد المزّة قبل أن يستحوذ عليه متحف دمشق الوطني حيث يوجد حاليّاً.  مصدر النحت الثاني في الأسفل أيضاً مكان قرب سيع وهو كذلك من البازلت بأبعاد ١١٢ سم في ١٠٦ سم في ٤،٥ سم ويعود لنفس العهد (درسه للدكتور سليم عبد الحقّ في مطلع الخمسينات).

أخيراً تجدر الإشارة أنّ اللجوء لاستعمال التماثيل والمنحوتات الأثريّة كمواد بناء في البيوت والأبنية الحديثة نسبيّاً أمر شائع في جبل العرب كما هو في سائر أنحاء سوريا بما فيها دمشق ممّا يشوّه المعالم ويؤدّي بالنتيجة إلى ضياع كثير من هذه الكنوز التي لاتقدّر بثمن.   


Thomas M. Weber
Sculptures from Roman Syria
Wernersche Verlagsgesellschaft. Worms
2006

Thursday, November 9, 2017

صانعو التاريخ العربي

قام الدكتور فيليب حتّي في موضع آخر (١) بمحاولة لتعريف غير الأخصّائييّن بالتارخ العربي من خلال ستّة مدن (مكّة والمدينة ودمشق وبغداد والقاهرة وقرطبة) وهو هنا يقدّم نفس هذا التاريخ من خلال سيرة ثلاثة عشر رجلاً سبعة منهم سياسيّون ومؤسّسي ديانات أو مذاهب (محمّد وعمر إبن الخطّاب ومعاوية إبن أبي سفيان وعبد الرحمن الداخل والمأمون وعبيد اللّه المهدي باني الدولة الفاطميّة وصلاح الدين الأيّوبي) وستّة من رجال الفكر (الغزّالي والشافعي والكندي وإبن سينا وإبن رشد وإبن خلدون). من الواضح أنّه ليس كلّ هؤلاء عرباً (صلاح الدين كردي والغزّالي خراساني على سبيل المثال) ومع ذلك فجميعهم صاغوا إلى حدّ كبير التاريخ العربي كما نعرفه اليوم. 



بالنسبة للفئة الأولى فأبطالها نار على علم  وسيرتهم كتب فيها المجلّدات بالعديد من اللغات وبناء عليه فيحسن الدخول مباشرة في سيرة أهل الفكر بعد التنويه بأنّ المؤلّف اعتبر محمّد شخصيّة فريدة على مرّ العصور وفي العالم أجمع إذ هو الوحيد الذي يمكن أن يقال أنّه أسّس ديانة (الإسلام) ودولة (في الجزيرة العربيّة تحوّلت بعده إلى خلافة) وأمّة (بمعنى الناطقين بالعربيّة). ليس الدكتور حتّي الوحيد الذي ارتأى أنّ محمّد يحتلّ المرتبة الأولى كأكثر شخص تأثيراً في التاريخ (٢). يستشفّ القارىء من خلال السطور إعجاب الكاتب العروبيّ الهوى بالإسلام ولكنّه يملك من الموضوعيّة بما فيه الكفاية لذكر ليس فقط محاسن أبطاله وهي كثيرة بالتأكيد ولكن أيضاً بعض مساوئهم ولحظات ضعفهم أو قسوتهم كبشر غير معصومين عن الخطأ فمثلاً أمر عمر إبن الخطّاب بجلد إبنه الذي شرب الخمر علناً رغم مرضه فمات هذا الأخير تحت السياط وأصدر صلاح الدين أمره بقتل المتصوّف السهروردي.



فلنتعرّف بسرعة على بعض ألمع أعلام الإسلام في عهده الذهبي والمقصود هنا من الناحية الفكريّة وليس الغزوات والفتوحات:

١. أبو حامد الغزّالي ١٠٥٨- ١١١١: يسمّيه العديد الغزالي نسبة لقرية غزالة وعلّ الغزّالي (من غزل الصوف مهنة أبيه وجدّه) هي الأصحّ. نجح هذا العالم الديني إلى حدّ كبير في التوفيق بين الإيمان والعقل كما جمع ما بين الإسلام السنّي المحافظ والصوفيّة (التنسّك Aceticism والغموض Mysticism) والفلسفة سواء الأرسطوطاليسيّة أو الأفلاطونيّة الجديدة Neoplatonism التي استعملها للدفاع عن الدين وبرّر الغناء والرقص لأهداف دينيّة واعتبر أنّ ثواب المؤمن في الجنّة روحي أكثر ممّا هو حسّي وكان متقبّلاً للمسيحيّة عموماً ورفض شتم يزيد على المنابر. باختصار كان الغزّالي "معتدلاً" واعتبره بعض الغربييّن أقرب المسلمين إلى المسيحيّة. من أشهر مؤلّفاته إحياء علوم الدين والمنقذ من الضلال وتهافت الفلاسفة وكان أثره واضحاً على الطرق الصوفيّة.  عرفه الغربيّون بإسم Algazel وتجاوب مع أفكاره Thomas Aquinas (مات ١٢٧٤) المقابل المسيحي للغزّالي و Blaise Pascale و Dante.

٢. الإمام الشافعي ٧٦٨-٨٢٠ أحد أصحاب المدارس الفقهية الأربعة وأكثرهم أثراً حسب الدكتور حتّي. رفع الشافعي شأن السنّة (أقوال وأفعال محمّد) إلى مستوى القرآن كوحي من الله مع فارق هامّ: في القرآن الله يتكلّم بينما في السنة المتكلّم محمّد أي في الحالة الأولى الوحي في الكلمة والمعنى بينما في الحال الثانية الوحي في المعنى فقط..   شدّد الشافعي على أهميّة الإسناد ورفض اعتماد أقوال وأفعال الصحابة والتابعين. تبع البخاري مدرسة الشافعي وكان الغزّالي شافعيّاً.

٣. الكندي ٨٠١-٨٧٣ أو Alkindus حسب الغربييّن. أبو الفلاسفة وما تبقّى من أعماله المترجمة إلى اللاتينيّة أكثر ممّا عاش منها في العربيّة. اعتبر الكندي الفلسفة أهمّ من الدين وأنّ الدين ما هو إلّا فرع من فروع الفلسفة ولكنّه يستدرك فيقول أنّه لا تناقض بينهما وبسلّم أنّ العلم الإلهي يتفوّق على البشري ولكنّه لا يتورّع عن تفسير النصوص رمزيّاً عندما تقتضي الحاجة وهو -عكس أرسطو- يقبل الخلق من العدم ويحاول إثبات وجود الله بالفلسفة ويتبع Plotinus الذي تعزى إليه الأفلاطونيّة الجديدة بأنّ الروح تنبعث من الله ويعتبرها مقصورة على البشر. هاجم الجاحظ الكندي في كتاب البخلاء متّهماً إيّاه بالشحّ والتقتير وهي أبشع النهم عند العرب.   

٤. إبن سينا Avicenna الشيخ الرئيس ٩٨٠-١٠٣٧:لربّما كانت كتب القانون في الطبّ والأرجوزة في الطبّ أكثر أعماله شهرة ولكنّ إبن سينا كان فيلسوفاً أكثر منه طبيباً. عرّفه أبوه على المذهب الإسماعيلي ونبغ الفتى منذ نعومة أظفاره وكان مداوماً على الجامع ولكن هذا لم يمنعه من شرب الخمر للتغلّب على التعب واعتبرها محرّمة على الحمقى ومحلّلة للأذكياء. مهّد إبن سينا لفلسفة السهروردي الإشراقيّة وفرّق بين خلود الروح وفناء الجسد واعتبر السعادة الروحيّة أهمّ من الماديّة ورفض التنجيم Astrology.

٥. إبن رشد الأندلسي Averroes ١١٢٦-١١٩٨ أهمّ أعماله دراسة كتابات أرسطو "المعلّم الأوّل" والتعليق عليها ويعرف له كتاب "تهافت التهافت" الذي ردّ فيه على "تهافت الفلاسفة" للغزّالي. حاول إبن رشد إقناع من حوله بأنّه لا تناقض بين الإسلام والتراث الإغريقي دون جدوى وكفّره الكثيرون من المسلمين والمسيحييّن وعلّ أحد الأسباب إجلال السامييّن الفائق لآلهتهم عكس الإغريق المتعدّدي الآلهة والأساطير التي نرى فيها الأرباب تتصارع وتتنافس فيما بينها وتتمتّع بكلّ نقائص البشر من الحقد والغيرة والغضب والهوى والخيانة وتكاد هذه الآلهة لا تتميّز عن البشر إلّا بالخلود.

٦. إبن خلدون ١٣٣٢-١٤٠٦: فيلسوف التاريخ الإسلامي بامتياز وكان دون شكّ سابقاً لأوانه إذ لم يتعرّف العالم على أعماله ويعطيها حقّها حتّى القرن التاسع عشر في أوروبا وكان أوّل من درسه من العرب طه حسين في بحث باللغة الفرنسيّة عام ١٩١٧ نشر بالعربيّة بعدها بثمانية أعوام والصورة التي رسمت كانت لشخص أناني مخادع وليس حتّى مسلماً إلّا بالإسم وذلك لبعض الآراء السلبيّة التي أبداها في العرب. باختصار لم تتمّ إعادة تأهيل إبن خلدون في العالم العربي حتّى النصف الثاني من القرن العشرين بينما كان الغربيّون وعلى رأسهم Arnold Toynbee أكثر إنصافاً. بالنسبة لإبن خلدون إذا جمعنا العصبيّة مع الدين حصلنا على قوّة لا تقاوم كما حصل في عهد الفتوحات العربيّة وإن أدخل في عين الإعتبار العوامل النفسيّة والمعنويّة والعناية الإلهيّة وأمّا الإنحطاط فينجم عن تراكم الثروة والإنغماس في الملذّات والفساد في الداخل ممّا يجعل الدولة فريسة للأعداء من الخارج. مقدّمة إبن خلدون من روائع الأدب السياسي ومؤلّفها بسبق حائز تفضيلا على Machiavelli و Montesquieu وغيرهم.


http://bornindamascus.blogspot.com/2017/09/blog-post_68.html
https://www.amazon.com/100-Ranking-Influential-Persons-History/dp/0806513500

Tuesday, November 7, 2017

السويداء

عرفت هذه المدينة السوريّة في العهد الهلنستي بإسم Nysa العربيّة نسبة للحوريات Nymphs الحاضنات لإله الخمر والكروم الإغريقي Dionysus  (الروماني  Bacchus)  ونرى حتّى اليوم العنب والكروم تزيّن آثار المدينة الرومانيّة والنبطيّة ناهيك أنّ خمر الريّان السوري لا يزال يقطّر في ضواحيها الجنوبيّة.  تطوّر إسم المدينة لاحقاً إلى Dionysias  وأمّا اسمها الحالي السويداء فهو يعكس التسمية الساميّة النبطيّة القديمة Suada أو Soada سوادة. 



الصورة لتمثال بازلتي من السويداء لأثينا Athena ربّة الحكمة والنصر لدى الإغريق ويقابلها لدى الرومان Minerva ومحليّاً اللّات. تمّ ضمّ هذا التمثال لمقتنيات متحف دمشق الوطني عام ١٩٤٧. أبعاده ١٥٨ سم (ارتفاعاً) في ٤٧ سم في ٤٢ سم والتاريخ على الأغلب القرن الثاني الميلادي. حالة النحت أكثر من جيّدة باستثناء الحربة (المفقودة) التي تشهرها الإلهة في يدها اليمنى ممّا حدى الحكومة السوريّة إلى اعتماده على ورقة الخمس ليرات. تعتمر الربّة خوذتها وتنتعل صندلاً تحت ثوبها السابغ كما نرى على درعها رأس Medusa للوقاية من الشرّ. 




Thomas M. Weber
Sculptures from Roman Syria
Wernersche Verlagsgesellschaft. Worms
2006