Wednesday, May 27, 2015

في قديم الزمان وسالف العصر و الأوان.....



في أيلول عام 1961 قام الضابط السوري عبد الكريم النحلاوي بإنقلابه الأول و الذي أنهى الوحدة السورية المصرية بعد تجربة دامت ثلاث سنوات و نصف بحلوها و مرها و تلتها فترة ما سمي بمفعول
رجعي بالإنفصال و التي لم تتجاوز عاماً و نصف العام تحول فيها جمال عبد الناصر بقدرة قادر من بطل أمة العرب إلى طاغية مستبد، أو هذا على الأقل ما زعمه الصحفي نهاد الغادري في كتابه "الأسود" عن "حقيقة عبد الناصر  وموقفه من الوحدة والاشتراكية وقضية فلسطين".

لم يكن "الكتاب الأسود" عملاً مهنياً أو سرداً تاريخياً و لم يجشم كاتبه نفسه عناء المقارنة بين إيجابيات الوحدة و سلبياتها و إنما كان هجوماً عاطفياً على عبد الناصر مع ترديد أقوال أعدائه دون ذكر المصدر أو المصادر و على سبيل المثال و ليس الحصر:

1. عبد الناصر إضطهد الشيوعيين (و هذا صحيح) و قام ممثله في سوريا عبد الحميد السراج بقتل فرج الله الحلو و الذي تم تذويب جثته بالأسيد. ليس في نيتي هنا الدفاع لا عن عبد الناصر و لا عن السراج و لكن لماذا الأسيد و هو باهظ الثمن و لا لزوم له في وقت قل فيه من يجسر على مفاتشة السراج في الإقليم الشمالي و ما هي قيمة حياة إنسان واحد لدى رجل المخابرات الأول وقتها؟

2. عبد الناصر كان عميلاً للمخابرات المركزية الأمريكية و الدليل؟ أدخل المختار (الريدرز دايجست) إلى الجمهورية العربية المتحدة! 

3. عبد الناصر إشترى الصحافة اللبنانية -أنيس فريحة مثلاً و الذي قال له بعد أن "قبض": أبو خالد لعينيك، لبنان كلو بين رجليك!


إلى آخر التفاهات و الترهات و السخافات.



يقول المثل الشامي: "موت يا أبي و شرفني قللو ليموت مين يعرفني". فلنقفز أربعين سنة إلى الأمام و نتعرف على زعيم "حزب الإصلاح السوري" فريد الغادري، إبن الوطني الشريف نهاد الغادري والذي شكل حزبه في أمريكا في بداية القرن الحادي و العشرين بهدف "تحرير سوريا" من حكم البعث و الأسد بمعونة نفس الولايات المتحدة و التي إتهم أبوه عبد الناصر بالعمالة لمخابراتها. فريد ذهب أبعد من ذلك حيث أنه فهم من البداية أن الطريق لقلب أمريكا يمر من إسرائيل تماماً كما يمر الطريق إلى قلب الرجل (بالنسبة للأنثى) عن طريق معدته و هكذا كان فريد في طليعة من زار إسرائيل و حتى نصحها (كما أنها تحتاج لنصيحة) بعدم إعادة الجولان لسوريا طالما كان الأسد على رأس حكومتها. 

لم يكن هناك نقص في العرب المتعاملين مع إسرائيل في يوم من الأيام بداية من هاشميي الأردن مروراً بالكتائب اللبنانية و نهاية بعرب الخليج و في مقدمتهم قطر و لكن تبادل الحب مع إسرائيل علناً كان من التابوهات حتى زيارة السادات للقدس عام 1977 و كانت تهمة العمالة لأمريكا تكفي للطعن بمصداقية أي زعيم عربي و نستطيع دوماً الإستشهاد بكتاب نهاد الغادري "الأسود" و الذي يغازل حالياً ابنه فريد إسرائيل على عينك يا تاجر بل و يستعديها على سوريا دون حياء أو خجل و الأنكى من كل ذلك أن أمثال فريد الغادري تكاثروا إلى درجة مشينة و مخزية مع بداية ما يسمى بالربيع العربي.

البديهيات التي إتفقت عليها الغالبية العظمى من السوريين الذين سعوا للوحدة مع مصر قبل ثلاثة أجيال أصبحت مثاراً للسخرية و الإحتقار في مطلع القرن الحادي و العشرين والذين كانوا يتهربون من تهمة العمالة الأمريكا أو يتهمون خصومهم بالعمالة لها أصبح أولادهم يخطبون ودها من خلال إسرائيل.