Wednesday, July 31, 2019

قصر العظم


تولّى أسعد باشا دمشق بين ١٧٤٢ و ١٧٥٦ وهي فترة استثنائيّة من ناحية الديمومة والإنجازات العماريّة وأهمّها خان البزوريّة الشهير وقصر العظم موضوع حديث اليوم.

بني هذا القصر  ١٧٤٩-١٧٥١ جنوب الجامع الأموي في موقع دارالذهب أو قصر إمارة النائب تنكز (النصف الأوّل للقرن الرابع عشر) ويذكر هنا أنّ العالم الفرنسي Michel Ecochard عثر فيه على بقايا بحرة من عهد الأمير المملوكي المذكور. كان قصر أسعد باشا ولا يزال أكبر البيوت الشاميّة العثمانيّة بمساحة ٥٥٠٠ متر مربّع (يليه في المرتية الثانية من ناحية الاتّساع مكتب عنبر) وأكثرها أبّهة من ناحية الزخرفة وأناقة الواجهة الأبلقيّة (الواجهة على الشارع في البيوت الشرقيّة التقليديّة حتّى أكثرها ترفاً متواضعة للغاية) وعدد القاعات والصحون ووجود حمّام خاصّ (أمر غير مألوف في دمشق وقتها). 

أنجز البناء بسرعة خارقة للعادة إن لم نقل محمومة من قبل ٨٠٠ عامل كدّوا دون توقّف واقتضى ذلك قطع مياه المدينة مؤقّتاً لتزويد القصر بحاجاته. الخريطة الملحقة تعطي تفاصيل توزيع البيت والصورة أعلاه لصحن الجوّاني وهو الأكثر فخامة. 



 طرأت تعديلات على بعض غرف القصر عام ١٨٣٥ دخل فيها الباروك العثماني وعرف باسم سرايا عبد الله باشا العظم عام ١٨٥٩. وصفت الليدي Isabel Burton وضعه عام ١٨٧٠ بأنّه في غاية السوء (اسمته بيت علي باشا نسبة لعلي باشا العظم حفيد عبد الله باشا) وجدّد عام ١٨٩٨ بمناسيبة زيارة قيصر ألمانيا غليوم الثاني. اشترته سلطات الانتداب من الورثة (٦٨ شخصاً) بمبلغ كبير وتحوّل البرّاني عام ١٩٢٢ إلى مقرّ للمندوب السامي في دمشق بينما خصّص الجوّاني الأكبر مساحة للمعهد الفرنسي للآثار والفنون الإسلاميّة الذي أسّسه الجنرال هنري غورو Henri Joseph Eugène Gouraud 

تمّ التعرّض للدمار الذي لحق القصر في تشرين أوّل عام ١٩٢٥ في مكان آخر (الروابط أدناه) وجررى ترميمه مهنيّاً بعدها من قبل الفرنسييّن تحت إشراف Ecochard استناداً إلى الصور التاريخيّة التي التقطت في القرن التاسع عشر (Bonfils عام ١٨٨٥) واستمرّ مقرّاً للمعهد الفرنسي حتّى الجلاء عام ١٩٤٦. تحوّل المبنى إلى متحف الفنون والتقاليد الشعبيّة الذي افتتح للزوّار عام ١٩٥٤(الرابط أدناه) وبقي حاله كذلك حتّى اليوم.  








Eustache de LoreyL'état actuel du palais Azem

Elizabeth Macaulay-Lewis. Bayt Farhi and the Sphardic Palaces of Ottoman Damascus. American School of Oriental Research, 2018. 

Dorothée SackDamaskus. Entwicklung und Struktur einer orientalisch-islamischen Stadt. von Zabern, Mainz 1989.

Stefan Weber. Ottoman Modernity and Urban Transformation 1808-1918. Proceedings of the Danish Institute in Damascus V 2009. 



Sunday, July 28, 2019

عناصر البيت الدمشقي


تمركز البيت الدمشقي التاريخي التقليدي باتّجاه الداخل حول الصحن ويتوسّط هذا الصحن بحرة. تمتّعت البيوت الموسرة بأكثر من صحن الأفخم منها هو الجوّاني (الحرملك) المخصّص للعائلة والثاني هو البرّاني (السلاملك) المفتوح للضيوف من الذكور ويمكن العثور على صحن ثالث للخدمات في بعض بيوت الأغنياء وهنا يجب التنويه أنّ وجود حمّام خاصّ بالبيت التقليدي نادر (قصر العظم يملك حمّامه ولكنّه أكبر البيوت الدمشقيّة إطلاقاً). 

يتمّ الدخول إلى البيت عبر دهليز ضيّق ومزوّد بزاوية الهدف منها الحفاظ على الخصوصيّة وحجب الداخل عن عيون الناظرين وعابريّ السبيل وتتوزّع غرفه حول الصحن على طابقين. امتلكت أغلب البيت الكبيرة ما يسمّى بالإيوان وهو غرفة يشمل ارتفاعها طابقين تتواجد عادة في جنوب البيت بغرض الحماية من الشمس في فصل الصيف ولها ثلاث جدران. موضع جدار الإيوان الرابع مفتوح على الصحن مقابل البحرة. 

القاعة أهمّ وأفخم غرف البيت تستعمل كغرفة استقبال وتتواجد في الطرف الشمالي للصحن مقابل الأيوان. للقاعة قسم مرتفع يدعى الطزر وآخر منخفض يسمّى العتبة حيث يترك الزوّار أحذيتهم ولبعض البيوتات بحرة تتوسّط العتبة. وجود أكثر من قاعة ممكن في البيوت الفخمة الفسيحة ويقابل القاعة في الطابق العلوي غرفة تدعى القصر. سقف الطابق العلوي أخفض من نظيره السفلي وبالتالي فالطوابق العلويّة أسهل تدفئة في فصل الشتاء. 

عموماً الدخول للغرف يتمّ عن طريق الصحن ولا يوجد اتّصال مباشر بين غرفة وغرفة. هناك درج يؤدّي إلى الطابق العلوي ومكانه في الصحن وليس داخل البيت. لبعض البيوت غرفة إضافيّة على السطح تدعى الفرنكا أو الطيّارة ولعدد منها قبو بارد يصلح لتخزين المؤن الغذائيّة. 

المربّع غرفة متعدّدة الوظائف أقلّ أبّهة ورحابة من القاعة وبدأت المربّعات وسائر مكوّنات البيت مع نهاية القرن التاسع عشر بالتمايز إلى غرف نوم وعشاء. 

طرأت تعديلات هامّة على البيت الشامي بعد عام ١٨٦٠ جلّها يتعلّق بزخارف البناء وزينته لن يتمّ التعرّض لها هنا لتجنّب الإطالة وإن وجب ذكر ظهور الصاليا التي حلّت محلّ القاعة كغرفة استقبال وتختلف عن هذه الأخيرة بغياب الطزر المرتفع. أحد التغيّرات الجذريّة حلول الأثاث الغربي الطراز وبالذات الفرنسي محلّ الأثاث الشرقي الذي يدخل في تكوين البناء (كالخزائن الجداريّة أو ما يدعى باليوك). 

مع نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين أدخل نموذج القوناق من أصوله في الأناضول وحلّت فيه الصوفا (غرفة مركزيّة) محلّ الصحن وأصبح توجّه البيوت ونوافذها نحو الشارع عوضاً عن الصحن. هناك بيوت من تلك الفترة جمعت بين القديم والحديث (الصحن والصوفا). 

الصورة أعلاه مأخوذة عن Sack بعنوان "صحن بيت قرب باب شرقي" وفي تقديري أنّها تعود لآخر سبعينات أو مطلع ثمانينات القرن العشرين.  





Elizabeth Macaulay-Lewis. Bayt Farhi and the Sphardic Palaces of Ottoman Damascus. American School of Oriental Research, 2018. 

Dorothée SackDamaskus. Entwicklung und Struktur einer orientalisch-islamischen Stadt. von Zabern, Mainz 1989.

Stefan Weber. Ottoman Modernity and Urban Transformation 1808-1918. Proceedings of the Danish Institute in Damascus V 2009. 




Saturday, July 27, 2019

بوايك حيّ الميدان


أهميّة شارع وحيّ الميدان التاريخيّة مستمدّة بالدرجة الأولى من مرور طريق ومحمل الحج خلاله بداية من جنوب غرب المدينة ونهاية ببوّابة الله باتّجاه حوران والحجاز. كثيرة هي الأوابد المملوكيّة في هذا الحيّ (بينما بالمقابل يطغى الطابع الأيّوبي على المعالم الأثريّة في حيّ الصالحيّة) ولا تزال إلى اليوم شاهدة على عراقته رغم التشويه الناجم عن شقّ الطريق المحلّق الجنوبي. 

للميدان أيضاً وظيفة نفعيّة وتجاريّة حيويّة ففيه يلتقي الريف مع المدينة وإليه يؤتى بقمح حوران الذي يزوّد دمشق بأحد المكوّنات الأساسيّة لقوت بناتها وأبنائها. يتمّ تخزين هذا القمح قبل توزيعه على المطاحن في أبنية خاصّة تدعى البوايك (جمع بايكة) لا يزال بعضها مستعملاً كمستودعات حتّى اليوم وليس بالضرورة للحبوب. 


البايكة بناء مستطيل الشكل تطلّ بضلعها الضيّق على الشارع ويتراوح عرض المدخل من ٤ إلى ٥ أمتار يغلقه باب مؤلّف من درفتين يدخل الزائر عبره إلى قاعة مظلمة اللهمّ إلّا من قليل من النور يتخلّل نافذتين على جانبيّ الباب. يتراوح طول القاعة من ٨ إلى ١٢ متر وتقسم إلى عدّة أجزاء بواسطة أقواس يفصل بينها مسافة ٢ إلى ٤ أمتار. الجدران الخارجيّة والأقواس مبنيّة من الحجر البازلتي وأمّا السقف المستوي فهو معمول من جذوع الحور ويرتكز على الأقواس. يمتدّ فوق هذه الجذوع ألواح خشبيّة أو حصر ومن ثمّ طبقة أو أكثر من الطين الممزوج بالتبن وتتوّج طبقة نهائيّة من الطين والرمل الكوارتزي البناء يتمّ تجديدها قبل كل شتاء عن طريق تسويتها (دحلها) بحجر بازلتي لسدّ الصدوع التي تشكّلت في فصل الصيف.    



Dorothée SackDamaskus. Entwicklung und Struktur einer orientalisch-islamischen Stadt. von Zabern, Mainz 1989.

Wednesday, July 24, 2019

سوق البزوريّة


وعرف أيضاً تحت تسمية سوق القمح في عهد ابن عساكر وسوق البزوريّين في العصر المملوكي. تخصّص هذا السوق عبر الزمن ببيع الحبوب والأفاويه والحلويّات وملحقاتها وأحاطت به الخانات على سبيل المثال التتن (رقم ٤.٣٥ على الخريطة) والعامود (رقم ٤.٤٧) والصنوبر (٤.٤٨) والرزّ (٤.٥٠) وأهمّها طبعاً خان أسعد باشا العظم (٤.٤٩) ويمكن القول أنّ البزوريّة أخذ شكله النهائي أو كاد مع نهاية القرن الثامن عشر. 



جرى توسيع هذا السوق في عهد مدحت باشا وسقف من جديد في ولاية ناظم باشا. لا يزال بالإمكان التحقّق من عرضه الأصلي (٤.٧-٥.٩ متر) لدى خان أسعد باشا وبلغ هذا العرض بعد التوسيع ٧.٩-٨.٣ متر. 

طرأت تعديلات جذريّة على جميع المتاجر عمليّاً (وصلت في بعض الحالات إلى إعادة البناء من جديد) باستثناء الخانات مع نهاية القرن التاسع عشر بعد أن شبّ حريق في المنطقة وإن بقي لدينا بالنزر اليسير في أجزاء من  بعض الحوانيت حافظت على حالتها الأصليّة كما في حالة لافتة حلويّات وجيه السيروان (١٨٩١) ورسم جداري على السقف يمثّل البوسفور في محلّ حلويّات غراوي التي تعود إلى عام ١٨٠٥. بالنسبة لمحلّات سليم السمّان ووحيد الجبّان فهي تعود لحوالي عام ١٩٠٠ مع  تعديلات طرأت على القسم الشرقي (؟!) لخان جقمق (٤.٤٣ على الخريطة) المملوكي (القرن الخامس عشر) المطلّ على سوق مدحت باشا. 



Gérard DegeorgeDamas: des origines aux Mamluks. L'Harmattan, 1997.   

Nikita Elisséeff. La description de Damas d'ibn Asakir. Institut francais de Damas 1959. 

Mathieu EychenneAstrid MeierElodie VigourouxLe waqf de la mosquée des Omeyyades de Damas.  Institut français du Proche-Orient (IFPO) 2018. 

Dorothée SackDamaskus. Entwicklung und Struktur einer orientalisch-islamischen Stadt. von Zabern, Mainz 1989.

Stefan Weber. Ottoman Modernity and Urban Transformation 1808-1918. Proceedings of the Danish Institute in Damascus V 2009. 

Tuesday, July 23, 2019

سوق الخيل


تتواجد ساحة سوق الخيل في محلّة تحت القلعة جنوب سوق ساروجا وشرق ساحة المرجة وشمال شارع الملك فيصل أمّا عن عدّة الخيول فهي قريبة المنال في سوق السروجيّة إلى الجنوب والشرق. يعود هذا السوق للعصور الوسطى وإن تغيّر موقعه عبر الزمن لينتقل بالنتيجة إلى خارج سور المدينة (دار الخيل في خلافة معاوية كانت أحد مكوّنات مجمّع الخضراء جنوب الجامع الأموي).



لم تقتصر وظيفة الساحة على بيع الخيول إذ تمركز فيها أيضاً الخضرجيّة وباعة الفواكه وأحاطت بها الفنادق والمطاعم كما أطلّ عليها السوق العتيق من الشرق وسوق علي باشا من الغرب والباب الشرقي للمأسوف عليه جامع يلبغا (هدم في منتصف سبعينات القرن الماضي) من الشمال. 

انتقل سوق الخيل إلى غرب جسر فيكتوريا مع مطلع القرن العشرين وبقيت ساحته القديمة موجودة وناشطة بالفعاليّات التجاريّة. تعود الصورة في تقديري لأواخر سبعينات القرن الماضي.   




قتيبة الشهابي. دمشق تاريخ وصور. الطبعة الثانية ١٩٩٠ عن مؤسّسة النوري للطباعة والنشر والتوزيع. 



Mathieu Eychenne, Astrid Meier, Elodie VigourouxLe waqf de la mosquée des Omeyyades de Damas.  Institut français du Proche-Orient (IFPO) 2018. 

Dorothée SackDamaskus. Entwicklung und Struktur einer orientalisch-islamischen Stadt. von Zabern, Mainz 1989.

Stefan Weber. Ottoman Modernity and Urban Transformation 1808-1918. Proceedings of the Danish Institute in Damascus V 2009. 

Monday, July 22, 2019

Sultan Abdul Hamid's Marketplace


Once a symbol of modernity in a rapidly transforming Damascus, this picturesque suq is nowadays a Mecca for tourists seeking the oriental and exotic in the Eternal City.

In reality, there exist but the most tenuous of connections between the narrow and crooked bazaars with its minuscule shops of a stereotypical medieval town on the one hand, and the elegant Suq al-Hamidiye, fashioned after the European galleria -forerunners of today's shopping malls-, on the other. That said, the suq's location within the walls of Old Damascus south of the Citadel, leading all the way to the Roman propylaeum, and ending at the west entrance of the Omayyad  Mosque is saturated with history and authenticity.

Suq al-Hamidiye is obviously named after the Ottoman Sultan Abdul Hamid but given that it's development spans 200 years, one wonders which Abdul Hamid is the sovereign in question. Likely the reference is to Abdul Hamid II, though this conjecture is based on the changing nomenclature of the venerable shopping center since its inception.



The west portion of the suq (number 10 in the attached map) was constructed in 1780-1781 under Governor Muhammad Pasha al-Azm during the reign of Sultan Abdul Hamid I (1773-1789). It was located right next to and parallel to the south wall of the Citadel and was relatively modest, its width a mere 3-4 meters with a simple roof surmounting  the whole structure. The name at the time was Suq al-Jadid, literally, the New Marketplace.

The achievement of the east portion (number 11 in the attached map) had to wait 100 years and was done in several stages under Abdul Hamid II (1876-1909). It would eventually extend the suq all the way to al-Miskyie (then the  Book Marketplace) and the colonnade before the Great Mosque. This was a far more ambitious project, particularly after filling the moat south of the Citadel in 1884, therefore increasing the street's width to 10 meters.

Numerous adjustments have taken place since, subsequent to periodic disasters (a metal roof replaced the wooden one after the 1912 fire to name but one example), or deliberate interventions by city planners (such as the demolition of the west entrance in 1983) without substantially altering its shape or function  as they had developed towards the end of the 19th century.

Contrary to modern Syrian school curricula, Abdul Hamid II -whatever his flaws- was no blind reactionary. He was rightfully suspicious of Europe's designs on his possessions, keenly aware of the antiquated infrastructure of his vast empire, and spared no effort in a frenetic course to modernize it. Suq al-Hamidiye was one aspect of the transformation of Damascus' urban space under his rule; it featured European-styled uniform store façades and -a precedent- the new shopping center was reserved exclusively for retailing with no workshop allowed. the following is borrowed verbatim from a brilliant summary by Professor Ross Burns:

This re-formalization of the western axis leading to the Mosque thus completed the reorientation of the city's commercial activities by joining the Mosque to "Little Istanbul" to the west. The Greek temple had been oriented towards the commercial zone to the east around the agora, later the Roman forum. By Ayyubid times, the commercial heart of the city had partly drifted to the south, towards the central area of Straight Street. In Ottoman times the new emphasis was on the west, towards the Midan (the pilgrimage route leading to Mecca), the Tekkiye, and later northwest towards Merdje. Now the commercial heart of the city, already oriented towards the heartland of the a'yans (notables), followed the new axis leading directly towards the western entrance of the Mosque. The clockwise rotation through 180 degrees had taken two millennia to complete. 




Ross Burns. Damascus: A History. Routledge 2005. 

Dorothée SackDamaskus. Entwicklung und Struktur einer orientalisch-islamischen Stadt. von Zabern, Mainz 1989.

Stefan Weber. Ottoman Modernity and Urban Transformation 1808-1918. Proceedings of the Danish Institute in Damascus V 2009. 



Sunday, July 21, 2019

أسواق الذراع في دمشق


الذراع وحدة قياس قديمة سهلة الاستعمال ولكنّها غير دقيقة إذ تعتمد على المسافة بين المرفق وطرف الإصبع الوسطى. يقابلها بالإنجليزيّة cubit وبالفرنسيّة coudée وقد انقرض استعمال هذه المصطلحات في الغرب منذ زمن بعيد ونجدها اليوم بالدرجة الأولى في الكتب التاريخيّة عندما تتحدّث عن أبعاد الأوابد كهيكل سليمان في كتاب العهد القديم مثلاً. 

إذاً تسمية سوق الذراع مشتقّة من الذراع الذي يقيس به التجّار الأقمشة وكان هذا السوق واقعاً في العهد المملوكي (١) على طول الجدار الجنوبي للجامع الأموي من باب الزيادة غرباً إلى الزاوية الجنوبيّة الشرقيّة ومئذنة عيسى.  

الصورة الملحقة مأخوذة من Sack وعنوانها "سوق الذراع وواجهة الخان المتهدّم" ويضيف النصّ أنّ عرض الشارع في هذا السوق لا يتجاوز ٢-٣ أمتار وأنّه مغطّى بسقف مسنّم مؤلّف من صفائح ترتكز على هيكل بسيط خشبي أو حديدي.



المشكلة هي تحديد موضع هذا السوق فكما نرى من الخريطة الملحقة هناك سوق ذراع جنوب غرب الأموي وآخر غرب سوق مدحت باشا إلى جنوبه وشمال سوق القطن ولم أستطع تحديد أيّ منهما المقصود بالصورة وإن كنت أميل إلى الموقع الأوّل الذي يسمّى اليوم "سوق تفضّلي يا خانم" (٢) وأنّ "الخان المتهدّم" هو خان الحرير وعلى اعتبار أنّي أحيا خارج دمشق منذ سنوات فقد اضطررت للاستعانة ببحث google وفوجئت أنّ الصورتين في الموقعين (٣ و ٤)  متشابهتان إلى حدّ كبير من الناحية العماريّة إلى درجة تقارب التطابق. هل يستطيع أحد من السيّدات أو السادة الكرام إلقاء المزيد من الأضواء على هذا الموضوع؟ مع جزيل شكري. 

المراجع والروابط:








Dorothée SackDamaskus. Entwicklung und Struktur einer orientalisch-islamischen 
Stadt. von Zabern, Mainz 1989 

Saturday, July 20, 2019

سوق السروجيّة


يعود هذا السوق للعهد المملوكي وأعيد بناؤه في أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين ونرى من الصور التاريخيّة أنّ سقفه المعدني الحالي كان موجوداً وقتها. تخبرنا سلنامة (تقرير سنوي في العهد العثماني) عام ١٨٨٦-١٨٨٧ عن بناء سوق طويل وبالغ العرض في سوق ساروجا والوصف على الأغلب ينطبق على سوق السروجيّة بينما تقول سلنامة ١٨٩٥-١٨٩٦ أنّه تمّ توسيع سوقين إضافة للحميديّة إلى عرض عشرة أمتار ومن شبه المؤكّد أنّ الكلام هنا عن السروجيّة.


الموقع كما نرى من الخارطة (عن Weber) محاذي لجدار القلعة الشمالي ويفصله عنها قناة بانياس-العقرباني وتتخصّص السوق بصناعة سروج الخيل (قديماً) ومختلف اللوازم الجلديّة. تواجد حمّام الراس لدى تلاقي مدخل السروجيّة الغربي مع الزرابليّة إلى أن هدم مع قسم لا بأس به من النسيج العمراني لسوق ساروجا لدى شقّ شارع الثورة عام ١٩٧٤ أمّا عن جامع السنجقدار الذي يقابل مدخل السروجيّة على طرف الشارع الغربي فقد أزيحت واجهته الشرقيّة إلى الوراء عام ١٩١٦. 

الصورة عن Sack وفي تقديري أنّها تعود لأواخر سبعينات أو مطلع ثمانينات القرن العشرين. 




قتيبة الشهابي. دمشق تاريخ وصور. الطبعة الثانية ١٩٩٠ عن مؤسّسة النوري للطباعة والنشر والتوزيع. 



Dorothée SackDamaskus. Entwicklung und Struktur einer orientalisch-islamischen Stadt. von Zabern, Mainz 1989.

Karl Wulzinger & Carl Watzinger. Damaskus, die Islamische Stadt. Walter de Gruyter 1924. 

Stefan Weber. Ottoman Modernity and Urban Transformation 1808-1918. Proceedings of the Danish Institute in Damascus V 2009. 

Friday, July 19, 2019

سوق الحميديّة


طرأ على هذا السوق العريق كثير من التعديلات استغرقت مئتي عام منذ بداياته إلى أو وصل إلينا بشكله الحالي. الصورة أعلاه من دراسة Sack ولكن أفضل ما قرأته عن هذا السوق حتّى الآن صفحتين من القطع الكبير في Weber ألخّصهما كما يلي:

١. القسم الغربي: بني عام ١٧٨٠-١٧٨١ في ولاية محمّد باشا العظم (عهد السلطان عبد الحميد الأوّل) وسمّي السوق الجديد ولاحقاً أخذ تسمية سوق الأروام من السوق الذي يحاذيه إلى الجنوب. امتدّ هذا السوق على جدار القلعة الجنوبي وكان بسيطاً نسبيّاً لا يتعدّى عرضه ٣-٤ أمتار ويغطّيه سقف. دمّر في حريق عام ١٨٣١ وبني من جديد بعد فترة قصيرة.

٢. القسم الشرقي: أخذ اسم سوق الحميديّة وبني بين ١٨٨٣-١٨٨٦ في ولاية راشد ناشد باشا في عهد السلطان عبد الحميد الثاني،

٣. القسم الغربي مجدّداً: تمّ ردم الخندق جنوب القلعة عام ١٨٨٤ وتعريض الشارع (أي سوق القرن الثامن عشر الجديد)  الذي بلغ طوله ٣٠٠ متر إلى عشرة أمتار وغطّي بسقف خشبي يظهر على الصور التاريخيّة حتّى العقد الأوّل من القرن العشرين. لاحقاً شملت تسمية سوق الحميديّة القسمين الغربي والشرقي. 

٤. امتدّ القسم الشرقي من السوق حتّى المسكيّة في أعقاب حريق الأموي عام ١٨٩٣.

٥. دمّر القسم الشرقي في حريق ١٩١٢ وأعيد بناؤه بالكامل مع الأبنية المجاورة كوكالة العشّا ووكالة زند الحديد والقسم الشمالي لبدستان مراد باشا. استبدل الوالي ناظم باشا السقف الخشبي بسقف معدني.

٦. هدم جمال باشا بعض الحوانيت عام ١٩١٤.

٧. أزيل معظم السقف المعدني خلال الحرب العظمى (١٩١٤-١٩١٨) لاستعمال مواده في صتع خزّانات وحاويات مياه للجيش العثماني وأعيد تشكيله بعد نهاية الحرب.

٨. دمّر القسم الجنوبي الغربي مع بعض المباني (حمّام ستّي عدرا مثلاً الذي أزيلت بقاياه فيما بعد) خلال القصف الفرنسي عام ١٩٢٥.

٩. أخيراً هدم المدخل الغربي عام ١٩٨٣ في إطار عمليّة كشف القلعة وطال الهدم كما هو معروف سوق الخجا.


ختاماً أرفق هذه الخريطة من نفس المرجع (Weber) وهي لأسواق دمشق من الأموي إلى ساحة المرجة في الفترة بين ١٨٧٥-١٩١٥:


١. سوق علي باشا.
٢. سوق الخيل.
٣. السوق العتيق.
٤. سوق الجمال.
٥. الزرابليّة.
٦. السروجيّة.
٧. سوق الخجا.
٨. سوق القميلة.
٩. الدرويشيّة.
١٠. سوق الحميديّة الجديد (أي القسم الغربي الواقع جنوب القلعة).
١١. سوق الحميديّة (أي القسم الشرقي الذي ينتهي عند المسكيّة).
١٢. سوق البرص-مردم بك-الطحّان.
١٣. سوق نصري.
١٤. سوق القدسي.
١٥. المسكيّة.
١٦. القباقبيّة.
١٧. القوّافين.
١٨. الصاغة.
١٩. القيشاني.
٢٠. البزوريّة.
٢١. الخيّاطين.
٢٢. سوق مدحت باشا.






Dorothée SackDamaskus. Entwicklung und Struktur einer orientalisch-islamischen Stadt. von Zabern, Mainz 1989.

Stefan Weber. Ottoman Modernity and Urban Transformation 1808-1918. Proceedings of the Danish Institute in Damascus V 2009. 

Thursday, July 18, 2019

حارة الفرّايين


استقرّ الدبّاغون في دمشق شرق باب السلام في بقعة تقع بين اثنين من تفرّعات بردى منذ القرون الوسطى (الخريطة الملحقة وهي مع الصورة والشرح مأخوذة من ترجمة الأستاذ قاسم طوير للأصل الألماني ودراسة الدكتورة Sack) . تمّ اختيار الموقع نظراً لضرورة الماء والقرب من مجرى النهر لمهنة الدباغة أمّا عن المبنى فقد شيّد طابقه الأرضي من الحجر المغطّى بطبقة من الطين وكثيراً ما يكون في هذه المنشئات على مستوى منخفض بشكل سراديب مائيّة مخصّصة لنقع الجلود محيت معالمها  عمليّاً عندما وصفتها المؤلّفة. يعلوا الطابق الأرضي المذكور مستودع مكشوف مكوّن من عدّة طبقات من الخشب الذي تتباعد ألواحه لتسمح بمرور تيّار هوائي ويغطّي الهيكل سقف قليل الميلان من ألواح التوتياء أو ما شابه.



انتقل الصبّاغون إلى هذا الحيّ بعد أن فقدت الدباغة أهمّيتها ويقوم هؤلاء بتغليق الخيوط المصبوغة في أعلى المبنى لتجفيفها وهكذا حافظ البناء على وظيفته وإن اتّخذت اتّجاهاً مختلفاً. عنوان الصورة "مصبغة في حيّ الفرّائين" وتعود في تقديري لأواخر سبعينات أو -على أبعد تقدير- مطلع ثمانينات القرن العشرين. 






Dorothée SackDamaskus. Entwicklung und Struktur einer orientalisch-islamischen Stadt. von Zabern, Mainz 1989.

Wednesday, July 17, 2019

طاحون باب السلامة


للطواحين قديماً وظيفة دفاعيّة في حالة الحرب إضافة إلى مهمّتها الأصليّة في المساهمة في تموين المدينة في جميع الأوقات وهناك أكثر من مثال على هذا في دمشق. التقطت الصورة أعلاه لطاحونة باب السلامة منذ حوالي أربعين عاماً وهي مأخوذة من دراسة الدكتورة Sack الألمانيّة دون شرح باستثناء أنّها لربّما بنيت في القرن الثامن عشر (وبالتالي فالكلام هنا عن الطاحون الصغير) ومن هنا اعتمادي لمزيد من المعلومات على دراسة بالفرنسيّة عن أسوار وأبواب دمشق (رابط الكتابين متوافر أدناه للمهتمّين بالتفاصيل) ترجمت منها القسم المتعلّق بالطاحون المذكور (صفحة  ٦٤-٦٥) كما يلي:

يتبع سور دمشق الأيّوبي (بني ١٢٤٢-١٢٤٣ للميلاد في عهد الصالح اسماعيل) من الغرب إلى الشرق منعطفات نهر بردى حتّى باب السلامة ولا يزال موجوداً بارتفاع ٢-٣ أمتار وإن لم نعاين فيه مرامياً للسهام. 

لجدار الطاحون الغربي ثمانية مآخذ للماء وهو يبرز ٢٨ متراً عن السور. تتكوّن قاعدته من أحجار كبيرة صقيلة منضودة وملصوقة بدقّة وتتخلّله ثلاثة ثغرات لرمي النبال أصبحت اليوم نوافذاً. ينطبق هذا الترتيب أيضاً على الجدار الشمالي الشرقي إلّا أنّ ثغرات السهام أصبحت هنا أبواباً. هذه المواصفات شبيهة من كلّ الأوجه بتلك التي نصادفها في باب الفرح ويدلّ هذا على تزامن الطاحونين من أربعينات القرن الثالث عشر. من جهة ثانية يصعب تحديد تاريخ بناء القسم العلوي الآجرّي من الطاحون دون دراسات أكثر تعمّقاً نظراً لكثرة التعديلات التي طرأت عليه لاحقاً. 

يوجد طاحون صغير بين هذا الطاحون الكبير وبين باب السلامة لا تزال حدرانه في حالة جيّدة وهي معمولة من الحجر المضلعّ المتوسّط الحجم ولا نجد على هذه الجدران أي أثر ينمّ عن وظيفة دفاعيّة. 

يختفي السور تماماً إلى الشرق من هذا الطاحون وتحلّ محلّه جدران الحوانيت على طول شارع باب السلامة ويمكن تفسير هذا باستعمال الأحجار بهدف بناء الطاحون الصغير والبيوت الواقعة شمال الباب (هدمت في النصف الثاني للقرن العشرين) في عصر فقد فيه السور وظيفته الدفاعيّة نهائيّاً.    






Dorothée SackDamaskus. Entwicklung und Struktur einer orientalisch-islamischen Stadt. von Zabern, Mainz 1989.

Jean-Michel MoutonJean-Olivier Guilhot et Claudine PiatonPortes et murailles de Damas



Tuesday, July 16, 2019

مقاهي دمشق


بعث نهر بردى الطمأنينة والحبور في نفوس الدمشقييّن عبر العصور ومن الطبيعي أن تجذب ضفافه الآمنة الوادعة وأشجارها الظليلة طالبيّ التسلية والاسترخاء. الصورة الملحقة حديثة نسبيّاً (لربّما عادت لأواخر سبعينات القرن العشرين) وصفتها الدكتورة Sack حسب ترجمة الأستاذ قاسم طوير عن الألمانيّة "أطلال مقهى مشهور على ضفّة بردى عند باب السلام" دون تفاصيل تذكر. يحسن هنا محاولة تخيّل المقهى في أوج مجده وليس فقط معاينة أطلاله الدارسة وهذا ممكن بالاستعانة بالنصوص التاريخيّة التي اخترت منها وصف الأسقف العالم والرحّالة الإنجليزي Richard Pococke (١٧٠٤-١٧٦٥) الذي زار الشام عام 1737 (الولاية الأولى لسليمان باشا العظم) وروى ما شاهده في كتاب ثمين بعنوان "وصف الشرق" صدر عام ١٧٤٥. فيما يلي ترجمتي لما قاله (الأصل في الابط أدناه) وكأنّي به يصف نفس المقهى أو على الأقلّ مقهى تواجد وقتها في نفس المكان: 

مقاهي دمشق بهيجة للغاية يتكوّن العديد منها من غرف واسعة تسند أسقفها صفوف من الركائز حولها أرائك وخلفها يتواجد بشكل عامّ حوض من الماء وفي منتصفها بحرة وتظلّل الأشجار أو تغطّي المقاعد في الصحن. أخصّ بالذكر مقهى على بردى الذي يجري عبر المدينة وخلفه جزيرة مزروعة بالأشجار. موقع هذا المقهى مناسب جدّاً وهو من أجمل الأماكن التي يمكن أن بتخيّلها المرء في وسط مدينة عظيمة. يوجد في هذه المقاهي عروض موسيقيّة في ساعات معيّنة كل يوم ويدفع بعضها أجراً لشخص يروي في ساعة محدّدة قصصاً عربيّةً في أسلوب في منتهى الأناقة والفصاحة. هذه المقاهي بمثابة أندية لمن لا يشرب علناً إلّا الماء والقهوة والشراب (*) حيث يقضي المتبطّلون والغرباء وغيرهم ممّن لا ينتمون لنخبة القوم سويعات فراغهم ويحصلون على  مؤنهم من الحوانيت ويتناولون وجباتهم. هناك أناس يأتون من الخارج بمختلف أصناف الشراب الذي يشتهر به المكان.

(*) المقصود المشروبات غير الروحيّة طبعاً والمقارنة هنا بين المقهى في دمشق وما يدعى pub في بلاد المؤلّف. 










Dorothée SackDamaskus. Entwicklung und Struktur einer orientalisch-islamischen Stadt. von Zabern, Mainz 1989.