Wednesday, February 28, 2018

دمشق والغوطة


الفصل الحادي عشر من كتاب  La Syrie D'Aujourd'hui  مخّصص لمدينة دمشق وواحتها وهو بقلم الأستاذة  Anne-Marie Bianquis  وبطول ٢٥ صفحة فيها الكثير من المعلومات المفيدة. 



هناك دراسات أكثر تفصيلاً لتطوّر دمشق في أواخر العهد العثماني (مثلاً) ويكفي هنا القول أنّ المدينة كانت وقتها في مرحلة توسّع باتّجاه الغرب ونتيجة هذا التوسّع انتقل مركز المدينة من داخل السور إلى ساحة المرجة الذي تمركزت حوله وفي جواره الأبنية الجديدة والمؤسّسات الإداريّة. تزامنت بدايات هذا التطوّر مع شقّ طريق دمشق وبيروت للعربات بين دمشق وبيروت (١٨٦٣) وتلاها سكّة حديد بيروت-دمشق-حوران (١٨٩٤) فالخطّ الحديدي الحجازي في مطلع القرن العشرين. دخلت الكهرباء دمشق عام ١٩٠٥ (حلب تأخّرت حتّى عام ١٩٢٩!!) ودخل بعدها الترام وجرّت مياه عين الفيجة إلى دمشق في عهد ناظم باشا وتشكّلت نواة ما عرف لاحقاً بجامعة دمشق (الطبّ) عام ١٩٠٣.

مع العهد الفيصلي وفترة الانتداب الفرنسي اللاحقة أسّست المكتبة الوطنيّة والمتحف ومجمع اللغة العربيّة (محمّد كرد علي) وجرّت مياه عين الفيجة عام ١٩٣٢ بشكل أكثر فعّاليّة وكان لا بدّ لهذا أن يؤدّي إلى انخفاض مستوى بردى نتيجة لزيادة عدد السكّان من جهة وزيادة استهلاكهم من جهة ثانية. 


كما نرى في الصورة الملحقة تضاعف عدد سكّان دمشق خمسة مرّات بين الأعوام ١٩٢٠ و ١٩٧٠ ولكن مع التحفّظ أنّ الأرقام منذ ١٩٦٠ فصاعداً أدخلت تحت "مدينة دمشق" القرى القريبة منها ألا وهي برزة والقابون وجوبر والقدم وكفرسوسة والمزّة بينما كانت هذه القرى تحسب سابقاً مع ريف دمشق. في كلّ الأحوال الزيادة الديموغرافيّة موجودة لا يمكن إنكارها وهي ليست بالطبع مقصورة على دمشق أو ريف دمشق. 

بالنسبة لتوزّع السكّان فحسب إحصاء ١٩٦٠ بلغ عدد الفلسطينييّن في دمشق عام ١٩٦٠ حوالي ٦٠٠٠٠ نسمة (انخفض إلى ٥٠٠٠٠ عام ١٩٧٠ ولكن مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ اليرموك وفيه ٧٠٠٠٠ فلسطيني أدخل في محافظة "ريف دمشق". معظم سكّان المدينة سنّة بما فيهم ٣٠٠٠٠ كردي و ١٢٠٠٠ شركسي أمّا عن عدد المسيحييّن فقد قدّر بحوالي ١٠٠٠٠٠ واليهود ٢٠٠٠.  

استمرّ توسّع المدينة في عهد الاستقلال ورأى معرض دمشق الدولي النور عام ١٩٥٤  وبنيت ملاعب رياضيّة جديدة (ملاعب "النسور" حسب الأغنية الشهيرة) عام ١٩٧٦ وازداد عدد طلّاب جامعة دمشق وافتتحت كليّات جديدة. عدد دور السبنما  (١٥) والمسارح (٥) لم يتغيّر بين الخمسينات والسبعينات والحاجة ماسّة لزيادة عدد المكتبات العامّة والمراكز الثقافيّة في مدينة تتوسّع باستمرار. هذه النقطة الأخيرة شديدة الأهميّة فرغم الجهود المبذولة بقيت الخدمات وبشكل مزمن لا تتناسب مع الزيادة السريعة في عدد السكّان وهذا ينطبق على المشافي والسكن (تمّ تأسيس جمعيّات سكنيّة ولكنّها لم تكن كافية بغضّ النظر عن الأخطاء الإداريّة والفساد) وبالتالي تزايدت "العشوائيّات" حول المدينة مع ما تتطلّبه من خدمات (ماء وكهرباء وصرف صحّي) لم تكن دوماً متوافرة أو على المستوى المطلوب. 

أضافت المناطق الصناعيّة في ريف دمشق (الكونسروة والنسيج والإسمنت) أعبائها ومنها التلوّث رغم محاولة الحكومات السوريّة المتتالية توجيه ما أمكن من هذه الصناعات بعيداً عن المدينة إلى الشمال وأحد الأسباب حمايتها من اسرائيل نظراً لأنّ خطوط الهدنة تبعد ٥٠ كيلومتراً فقط عن العاصمة. بضاف إلى التلوّث الصناعي الصرف الصحّي على بردى وتورا ويالنتيجة لجأ فلّاحو الغوطة إلى الآبار لتروية حقولهم مع ما يعنيه هذا من استنزاف المياه الجوفيّة. 

في النهاية (الكلام عن ١٩٨٠ عندما صدر الكتاب) هناك الكثير من السلبيّات ولكن الإيجابيّات موجودة وملموسة: تحسّن الصحّة العامّة وتناقص خطر الفيضانات والحرائق والتحدّي لأجيال المستقبل يكمن ليس في محاولة عبثيّة للعودة إلى ماض مثالي روائي وإنّما في احتواء وتوجيه التوسّع ليضمن لسكّان المدينة مقوّمات حياة كريمة قدر الإمكان. 

Tuesday, February 27, 2018

الريف السوري قبل وبعد الإصلاح الزراعي



يمكن للمهتمّ الرجوع إلى دراستين مفصّلتين عن سوريا من النواحي التاريخيّة والجغرافيّة والسياسيّة والاقتصاديّة إحداهما بالإنجليزيّة بعنوان Syria, a Country Study  والثانية بالفرنسيّة La Syrie d'Aujourd'hui وكلاهما متوافرتان بالمجّان على الشبكة. الحديث اليوم عن الفصلين الثامن والتاسع من الكتاب الثاني: الأوّل يتناول الريف السوري حتّى عام ١٩٥٨ والثاني من بداية الوحدة حتّى عام ١٩٧٨. 

كتب الفصل الثامن الأستاذ Jean Hannoyer وكثير من معلومات هذا الفصل تعتمد على دراسة الجغرافي الراحل Jacques Weulersse التي تتوقّف حوالي عام ١٩٤٠ (متوافرة مجّاناً على هذا الرابط وقد أشرت إليها سابقاً هنا وهنا) وبعض معلوماتها تستند على العالم Richard Thoumin (تتوقّف في منتصف الثلاثينات). للحدّ من التكرار أختصر فأقول أنّ حالة الريف السوري (مع التسليم بوجود فوارق مهمّة حسب المنطقة) كانت عموماً بائسة للغاية وكان هذا الريف تابعاً للمدينة التي توجّه اقتصاده لمصلحتها والتي تهتمّ به كمورد فقط لا غير وتسعى إلى تحسين وضعه بما يخدم مصالح ذوي النفوذ وأصحاب الأموال في المدينة ليس إلّا. صحّة الفلّاح سيّئة ووفيّات الأطفال مرتفعة والمياه ملوّثة والبنية التحتيّة شبه غائبة والأميّة متفشّية... 

توسّعت الأراضي المزروعة في مطلع عهد الاستقلال خصوصاً في منطقة الجزيرة وكان هذا إلى حدّ كبير بفضل المكننة واستثمار بعض العائلات الغنيّة لرؤوس أموال لا بأس بها في الحبوب وخصوصاً في القطن الذي يتجاوز مردوده عائدات القمح وخلال سنوات قليلة ازدهرت سوريا الشماليّة عموماً والجزيرة خصوصاً وأصبحت حلب عاصمة الاقتصاد السوري وليس فقط القطن. بلغ هذا الازدهار أوجه في مطلع الخمسينات وانعكس إيجاباً على ثروة البلد عموماً وأصحاب رؤوس الأموال وملّاك الأراضي خصوصاً دون تحسّن يذكر في وضع الفلّاح.

نأتي الآن إلى الفصل التاسع بقلم السيّدة Françoise Métral.

تغيّر الوضع مع منتصف وأواخر الخمسينات عندما بدأت مساوىء استغلال التربة دون دراسة كافية (تتطلّب حدّاً أدنى من الإلمام بضرورة تغيير المحاصيل بشكل دوري واستعمال السماد ومعالجة التمليح إلخ) بالظهور ولزيادة الطين بلّة عانت سوريا وقتها من الجفاف لسنوات متتالية في زمن كان للمناخ فيه الدور الأكبر في الأماكن التي تعتمد إلى حدّ كبير على أمطار تتغيّر من موسم إلى موسم. إذاً تقلّصت عائدات المستثمرين إلى درجة ملموسة وعجز بعضهم عن تسديد ديونه فما بالك بالفلّاح الذي كان يعيش على هامش المجتمع وتقتصر طموحاته غالباً على تأمين قوته اليومي وقوت أطفاله وسقف فوق رأسه ورؤوسهم؟ كان لا بدّ من عمل شيء ما. 

مع الوحدة أتى الإصلاح الزراعي عام ١٩٥٨ ليحدّ ملكيّة الأرض ب ٣٠٠ هكتار للأراضي غير المسقيّة و 80 هكتار للمسقيّة.  كان هذا الإصلاح خجولاً ولم يغيّر الكثير على أرض الواقع وفي كلّ الأحوال لم تطل الوحدة أكثر من ثلاث سنوات ونصف. حاول عهد "الانفصال" على الأقلّ في البداية أن يرجع عقارب الساعة إلى الوراء ولكن الأحداث التالية أثبتت أنّ "الجنّي خرج من القمقم" وجاءت قوانين الإصلاح الزراعي الجديدة في حزيران ١٩٦٣ لتنزل سقف ملكيّة الأراضي تحت ما سمح به العهد الناصري. 

النوايا بالطبع شيء والواقع شيء آخر. أتت الدولة بالمصارف الزراعيّة والمزارع التعاونيّة وخرّجت كليّة التجارة أخصّائييّن لمدّ العون للقروييّن وإيجاد أفضل الطرق لاستثمار التربة دون استنزافها والسعي لزيادة الإنتاج عن طريق زيادة المردود عوضاً عن زيادة مساحة الأراضي المزروعة والهدف (من ناحية اقتصاديّة) ثلاثي الأبعاد:

أوّلاً: تأمين الاكتفاء الغذائي.
ثانياً: تزويد الصناعة بالمواد الأوّليّة  (القطن للنسيج والشوندر للسكّر مثلاً).
ثالثاً: خلق فائض بهدف التصدير.

هذا على الصعيد الإقتصادي أمّا على الصعيد الاجتماعي تركّز الاهتمام على رفع مستوى الريف (الطريقة الوحيدة العمليّة للحدّ من الهجرة للمدينة بغضّ النظر عن الدوافع الأخلاقيّة) وتزويده بالطبابة والمدارس والكهرباء وسائر الخدمات. علّقت السلطات السوريّة آمالها على مشروعين بالذات: تجفيف مستنقع الغاب (في الستينات) والذي يمكن اعتباره نجاحاً على معظم الأصعدة وسدّ الفرات (بهدف زيادة رقعة الأراضي المزروعة وتأمين الكهرباء) ونجح هذا الأخير إلى حدّ ما ولكن نجاحه كان على مستوى أقلّ من الطموحات المبدئيّة المغرقة بالتفاؤل. 

مع نهاية السبعينات يمكن القول أنّ السورييّن حقّقوا تقدّماً لا بأس به على الصعيد الزراعي وأنّ الريف حقّق مكاسباً لا يمكن إنكارها ومع ذلك لا يمكن الادّعاء بعدم وجود ما يدعوا للحذر إن لم نقل للقلق: الاحتياجات تزيد بسرعة وهذه السرعة تتجاوز سرعة النموّ ويمكن عزو هذا إلى عوامل ديموغرافيّة (تزايد السكّان) وإنسانيّة (تزايد الاستهلاك) ولا داعي للتوكيد أنّ هذه العوامل أبعد ما تكون عن سوريّة ومحليّة: عدد سكّان الأرض أكثر من أي وقت مضى ولا يزال في ازدياد واستهلاك الناس في كافّة أنحاء العالم عمليّاً (مع التفاوت الهائل بين الولايات المتّحدة والهند مثلاً) أكثر من أيّ وقت مضى. 

يداعب خيال كل جيل أمل أن يترك لأولاده وأحفاده عالماً أفضل من العالم الذي ورثه عن أسلافه.  

Monday, February 26, 2018

الاقتصاد السوري في الستينات والسبعينات


يرسم الأستاذ Michel Chatelus الخطوط العريضة لتطوّر الاقتصاد السوري خلال حوالي عشرين سنة تنتهي مع صدور كتاب La Syrie d'Aujourd'hui عام ١٩٨٠ (المعلومات مأخوذة من الفصل السابع لهذا الكتاب وهو مجّاني في الرابط الملحق لمن يريد التوسّع). الأرقام السوريّة الرسميّة تفتقر إلى الدقّة ومع ذلك يمكن من خلالها وخلال الدراسات والمعطيات الخارجيّة إعطاء صورة معقولة عن الوضع وقتها. 



تتميّز هذه الفترة بالإصلاح الزراعي وتأميم البنوك وشركات التأمين وعدد من الصناعات وزيادة دور القطاع العامّ. كلّ هذا بدأ في عهد الوحدة (الخطّة الخمسيّة الاولى عام ١٩٦٠) وجرى استئنافه في عهد البعث. هناك بالطبع إيجابيّات وسلبيّات ومن العبث مقارن الأرقام المطلقة فالليرة السوريّة عام ١٩٦٠ شيء، وعام ١٩٨٠ شيء آخر. أحد المشاكل الكبيرة كانت التناقض بين الاقتصاد الاشتراكي الموجّه من الأعلى والحاجة لرؤوس الأموال الخاصّة والأجنبيّة لتحقيق التنمية ولربّما كانت التوقّعات متفائلة أكثر ممّا ينبغي خاصّة إذا أخذنا بعين الاعتبار أنّ الخطط الخمسيّة افترضت مساعدة خارجيّة تصل إلى ٣٠٪ من الميزانيّة!  

تناقصت حصّة الزراعة في الاقتصاد الوطني بالتدريج رغم زيادة عدد الفلّاحين وبالذات حلّ النفط (الذهب الأسود) محلّ القطن (الذهب الأبيض كما تعلّمت في المدرسة) كأهمّ الصادرات السوريّة مع عام ١٩٧٤ وشكّل ٧٢٪ من هذه الصادرات عام ١٩٧٥ وبذلك أصبح أهمّ مصدر داخلي للنقد الأجنبي. أمّمت سوريا التنقيب عن النفط عام ١٩٦٤ ثمّ لجأت إلى الاستعانة بالخبرات السوفيتيّة وشهد عام ١٩٧٤ بداية طرح العروضات على الشركات الغربيّة. 

أهمّ مشاريع التنمية السوريّة وأكلفها بلا منازع هو بالطبع سدّ الفرات ولم يكن لهكذا مشروع أن يخفّف التوتّر بين سوريا وتركيّا والعراق بخصوص توزيع المياه. في كلّ الأحوال كان الهدف من سدّ الفرات مزدودجاً: الأوّل إنتاج ما يكفي الاستهلاك المحلّي من الكهرباء (بما فيه التصنيع والتنميّة) والتصدير إذا أمكن والثاني ري واستصلاح ٦٤٠٠٠٠ هكتار للزراعة (كان هذا الرقم قرآناً منزلاً في كتب المدارس عندما كنت صغيراً). يمكن القول أنّ السدّ نجح على مستوى توليد الطاقة الكهربائيّة إلى حدّ كبير وباء بالفشل على الأقلّ في البداية في المجال الزراعي عندما واجهته الكثير من العقبات الكأداء التي لم تدرس بما فيه الكفاية قبل التنفيذ: كيفيّة جرّ المياه للحقول بقنوات فرعيّة، اجتذاب الفلّاحين للأراضي المرويّة، تصريف الملح، معالجة التربة وهلمجرّا. 

السمات العامّة للصناعة السوريّة -باستثناء التنقيب عن النفط وبقيّة المواد الأوّليّة وتصفية هذا النفط- أنّها خفيفة واستهلاكيّة وفي كلّ الأحوال بقيت حصّة الزراعة هي الأكبر في الاقتصاد الوطني بينما كانت حصّة البناء تتزايد بسرعة في منتصف السبعينات. 

أخيراً سيطر القطاع العامّ ١٠٠٪ على النفط والمناجم وبلغت حصّته في الصناعة الثلثين وفي النقل ٥٧٪ عام ١٩٧٥. سيطر القطاع الخاصّ في الزراعة والبناء والتجارة والإيجار أمّا الخدمات فتقاسمها القطاعان العامّ والخاصّ بالتساوي تقريباً. يمكن إضافة "قطاع مشترك" في الزراعة والبناء والنقل.

الوضع المالي جيّد مقارنة مع كثير من البلدان النامية فيما يتعلّق بالديون الخارجيّة ووصف المؤلّف سوريا بأنّها "زبون صعب المراس ولكنّه جدّي ويفي بالتزاماته" وأنّه لا يوجد ما يدعو للاعتقاد أنّها ستنهار تحت وطأة ديونها. 

التحدّيات كبيرة والخيارات الاقتصاديّة المثلى قد لا تكون كذلك من الناحية السياسيّة. 



Sunday, February 25, 2018

فكر البعث


قبل الدخول في الفصل السادس من كتاب سوريا اليوم للأستاذ أوليفييه كاريه أريد لإزالة أيّ التباس التوكيد أنّني لست بعثيّاً ولم أنتم لأي حزب في حياتي. ليس ذلك فحسب، بل رسبت مرّتين عندما كنت طالباً في جامعة دمشق في مادّة الثقافة القوميّة الاشتراكيّة ليس لكونها صعبة بل لعدم اهتمامي بها (كما كان حالي في التربية الدينيّة في الثانويّة العامّة التي لا تؤثّر على المجموع ولا على حظوظ القبول إلى الكلّيات). كنت ولا زلت أعتقد أنّه لا يوجد مبرّر لإقحام السياسة (ولا الدين)  في مناهج المدارس المهنيّة ولكن ما علينا. كان المأسوف عليه والدي قوميّاً سوريّاً وإن توقّف نشاطه السياسي أو كاد بعد أن أمضى فترة فصيرة في السجن في منتصف الخمسينات في أعقاب اغتيال العقيد عدنان المالكي. من نافل القول أنّ أبي كان مسؤولاً شابّاً وصغيراً من ناحية المرتبة في الحزب القومي وقتها ولم يكن يعرف المالكي ولم تكن له علاقة باغتياله لا من قريب ولا من بعيد. 


   




يتناول المؤلّف السيّد  Olivier Carré  في هذا البحث حزب البعث كفكر ولا يتعرّض للصراع السياسي على السلطة إلّا ضمن حدود لا بدّ منها لفهم الخطّ العامّ. كتب الكثير عن مؤسّسي حزب البعث وجميعهم من خرّيجي السوربون في فرنسا: ميشيل عفلق وصلاح الدين البيطار وزكي الأرسوزي. هناك خلاف عن دور الأرسوزي في البدايات وعن الخلافات الفكريّة بينه وبين عفلق والبيطار وإن جمع بينهم الكثير خاصّة إيمانهم بالعروبة وعلمانيّتهم بالقدر الذي سمحت فيه ظروف سوريا بالعلمانيّة. فاوض الدكتور وهيب الغانم عمليّة اندماج جناح عفلق-البيطار مع جناح الأرسوزي عام ١٩٤٧. 

باختصار شديد تمّ حلّ الأحزاب السوريّة عام ١٩٥٨ عندما تحقّقت الوحدة المصريّة السوريّة وتلى هذا تشكّل اللجنة العسكريّة سرّاً في مصر من مجموعة من الضبّاط السورييّن بينهم حافظ الأسد وصلاح جديد وكانت هذه اللجنة أقرب فكريّاً إلى الأرسوزي منها إلى عفلق والبيطار وهنا تجدر الإشارة أنّ ضبّاط هذه اللجنة كانوا شباباً ينتمون إلى جيل لاحق للضّباط البعثييّن الاشتراكييّن في الخمسينات أي جماعة أكرم الحوراني. أيّد البيطار والحوراني الانفصال عاو ١٩٦١ وكان لهذا التأييد تبعات إذ طرد الحوراني من الحزب في حزيران عام ١٩٦٢ أمّا عفلق والبيطار فقد انتهيا في سوريا مع سقوط أمين الحافظ في شباط عام ١٩٦٦ وطردا من الحزب وسوريا لينتهي المطاف بالأوّل في العراق والثاني في فرنسا حيث اغتيل في تمّوز ١٩٨٠. تبنّى البعث الجديد (أي بعد عام ١٩٦٦)  الأرسوزي كأب روحي وسميّت مدرسة للفتيات في دمشق على اسمه في الوقت الذي تبرّأت فيه الحكومات السوريّة المتعاقبة في الخمسين سنة الأخيرة من تركة عفلق والبيطار أو كادت.

بيت القصيد هنا فكر البعث كما عرّفه دستور عام ١٩٤٧ وتمّ تعديله في المنطلقات النظريّة التي تمخّضت عن المؤتمر القومي السادس في تشرين أوّل ١٩٦٣. لا يوجد تناقض جوهري بين هذه المنطلقات كما كتبها ياسين الحافظ الذي تأثّر بالفكر الماركسي إلى درجة لا بأس بها وبين الدستور الأصلي. الفرق الأساسي هو تعريف الديموقراطيّة: هل هي دستوريّة؟ أم هي "شعبيّة"؟ الديموقراطيّة الشعبيّة تعني حسب المنطلقات سيطرة الطبقات الكادحة التي يمثّلها الحزب  وتشمل "الاشتراكيّة العلميّة" مع خططها الخمسيّة والتأميم و"رأسماليّة الدولة".

عودة على بدء تبنّى البعث علم "الثورة العربيّة الكبرى" واتّشح بعباءة العروبة والإسلام كما فهمهما. ادّعى الأرسوزي أنّ أوّل لغة للبشر هي العربيّة أمّا عفلق فقال أنّ العروبة هي الجسم والإسلام هو الروح وهنا ميّز بين الإسلام كدين والإسلام كثقافة عربيّة وطنيّة وقوميّة أمّا عن الأقليّات كالبربر والتركمان إلخ فقد ارتأى عفلق أنّ "الاشتراكيّة العربيّة" كفيلة بحلّ مشاكلهم أو بالأحرى إشكاليات اندماجهم في "الأمّة العربيّة". 

عرّف دستور الحزب العربي كمن يتكلّم العربيّة ويحيا على الأرض العربيّة أو يتطلّع للحياة فيها والمقتنع بانتمائه إلى الأمّة العربيّة. البعث يؤمن بالثورة وينظر شزراً إلى التطوّر. الزواج "واجب قومي" وهناك تشجيع على التناسل. البداوة "حالة تخلّف" ويتعيّن على الدولة مكافحة القبليّة. التعليم مهمّة الدولة ويجب إلغاء المؤسّسات التعليميّة الأجنبيّة والخاصّة. التعليم إلزامي ومجّاني وكذلك الحال بالنسبة للطبابة. العمل واجب وطني وعلى الدولة تأمينه وضمانه لكلّ قادر عليه وراغب فيه. مكافحة البيروقراطيّة واجبة وهلمّجرّا.   

كلام معقول رغم العديد من التحفّظات وبقي أن تثبت السنوات التالية مبلغ نجاح الحزب في تطبيقه على أرض الواقع. 




Saturday, February 24, 2018

سوريا من ١٩٤٦ إلى ١٩٧٩


المقال الخامس في كتاب سوريا اليوم  La Syrie d'Aujourd'hui للسيّدة Elizabeth Picard وهو بطول أربعين صفحة يمكن قراءتها بالمجّان مع بقيّة هذا الكتاب القيّم على الرابط الفائق الملحق. يتناول هذا الفصل تاريخ سوريا الداخلي والخارجي من جلاء القوّات الفرنسيّة إلى قرابة نهاية العقد الأوّل من رئاسة حافظ الأسد.



ورثت سوريا المستقلّة مجموعة مكوّنة من خمسين عائلة تسيطر مع أتباعها ومحاسيبها على معظم مقدّرات البلد ولمّا كانت الطبيعة البشريّة بشكل عامّ غيّورة على امتيازاتها لم يكن من المتوقّع أن يتطوّع الأغنياء بمشاركة سائر الطبقات الاجتماعيّة في ثرواتهم ونفوذهم عن طيبة خاطر وليس هذا محاولة للانتقاص منهم إذ ليس هذا الوضع بالتأكيد حكراً على سوريا. شكّلت هذه العائلات الغنيّة أو "أعيان الحضر" كما أسماهم الأكاديمي الراحل ألبرت حوراني عماد الكتلة الوطنيّة التي تزعّمت كفاح سوريا في سبيل الاستقلال ومع حلول هذا الاستقلال انشقّت إلى حزبين: الحزب الوطني الذي غلبت فيه الزعامات الدمشقيّة وحزب الشعب الذي قاده أعيان حلب وحمص. هناك بالطبع فروقات بين الحزبين وبين الشخصيّات القياديّة ضمن الحزب الواحد ولكنّها ليست جوهريّة. البرنامج الحزبي غائب عمليّاً في كليهما وهذه الأحزاب مثّلت أشخاصاً ولم تجشّم نفسها عناء تقديم أفكار جديدة باستثناء قيادة البلد في عهد الاستقلال كما فعل رجالاتها لأجيال عديدة في العهد العثماني عن طريق لعب دور الوسيط بين شعوب الأقاليم السوريّة من جهة والباب العالي في القسطنطينيّة من جهة ثانية. 

إذاً مثّل هذان الحزبان المحافظان الرعيل القديم وكما لكل فعل ردّ فعل كان لا بدّ من مجيء جيل جديد يتحدّى مفاهيم وسيطرة القديم. يضاف إلى "صراع الأجيال" داخل سوريا الصراع الدولي والإقليمي على سوريا كما عرّفه الراحل Patrick Seale في دراسته الشهيرة التي رأت النور في منتصف الستّينات. قادت عدّة أحزاب هذا الجيل الجديد وعلى عكس الأحزاب التقليديّة (الوطني والشعب) كان لهذه الأحزاب الجديدة فكرها وبرامجها السياسيّة والاجتماعيّة. أبرز هذه الأحزاب:

- الحزب القومي السوري الاجتماعي: نتائجه في انتخابات ١٩٥٤ ام تكن على المستوى المأمول وتمّت تصفيته بعد اغتيال عدنان المالكي في نيسان ١٩٥٥.

- حزب البعث العربي الذي اندمج مع حزب أكرم الحوراني العربي الاشتراكي عام ١٩٥٣ وهذا الاندماج عزّز تغلغله في الجيش والأرياف عن طريق معارف ومحاسيب الحوراني (عفلق والبيطار من بورجوازيّة دمشق).

- الحزب الشيوعي السوري وكان له نفوذ لا بأس به في النقابات ولكن أنصاره في الجيش (أحدهم عفيف البزري) قلائل.

- حزب الإخوان المسلمين. لا يمكن نعته "بالتقدّمي" وهذا لا ينفي امتلاكه لبرامج سياسي واجتماعي معيّن وله أتباعه.

لا داعي للدخول في تفاصيل الأحداث التي تمخّضت عن الوحدة السوريّة المصريّة ١٩٥٨-١٩٦١ وجميعنا نعلم أنّ "عهد الانفصال" الذي تلاها ١٩٦١-١٩٦٣ كان آخر حشرجة للقيادات السوريّة التقليديّة من أعيان المدن وعلى اعتبار أنّ الحزب الوطني وحزب الشعب (ورثة الكتلة الوطنيّة) كانت عبارة عن زعامات فرديّة كان سقوط الأشخاص أكثر من كاف لسقوط لا بل اندثار هذه الأحزاب (بينما لا تزال أحزاب البعث والقومي السوري والشيوعي والإخوان المسلمين موجودة حتّى اليوم بغضّ النظر عن الفروق الهائلة بينها). 

متاهات الصراع على السلطة بين أجنحة البعث ١٩٦٣-١٩٧٠ وقصّة سقوط "البعث اليميني" في شباط ١٩٦٦ وصعود "البعث الجديد" مع "القطرييّن" واليسار و"الاشتراكيّة العلميّة" و"حرب التحرير الشعبيّة" مطروقة في أكثر من مرجع ممتاز. حاول الرئيس حافظ الأسد إنهاء عزلة سوريا الإقليميّة والدوليّة عن طريق عدّة إجراءات منها الانفتاح الاقتصادي (المحدود) في مطلع السبعينات والتقارب مع مصر الذي توّج بحرب تشرين عام ١٩٧٣ (تدفّقت الأموال من الخليج خصوصاً على سوريا في منتصف السبعينات) ثمّ التوسّط (تلاه التدخّل العسكري) في الأزمة اللبنانيّة فمحاولة كسب ودّ الأردن.

مع الأسف الشديد فشلت الجهود الهادفة إلى التقارب مع العراق فعلاوة على النزاع على مياه الفرات (مشروع سدّ الطبقة) انتهى الأمر بالعراق إلى التخلّي عن خطّ أنابيب النفط المارّ في سوريا والاستعاضة عنه بخطّ يمرّ عبر الأراضي التركيّة. جدّدت محاولات رأب الصدع بين سوريا والعراق عام ١٩٧٨ كردّ فعل على الصلح المصري-الإسرائيلي إلى أن اكتشفت السلطات العراقيّة "مؤامرة" سوريّة ضدّ صدّام حسين وتدهور الوضع أكثر من أي وقت مضى وبالنتيجة قامت القيادة العراقيّة بدعم التمرّد ضدّ الحكومة السوريّة كما نعلم. ترافق النصف الثاني من السبعينات مع أعمال عنف داخل سوريا (رهائن فندق سميراميس تشرين أوّل ١٩٧٦ ومجزرة مدرسة المدفعيّة في حزيران ١٩٧٩ وبعض الاغتيالات: محمّد الفاضل، الدكتور يوسف صائغ وغيرهم). يجب بالطبع ألّا ننسى غزو إسرائيل لجنوب لبنان عام ١٩٧٨. 

تختم الكاتبة المقال بانطباع إيجابي. رغم كلّ التحدّيات والنكسات حقّقت سوريا خلال ثلاثين عاماً من الاستقلال تقدّماً ملموساً فيما يتعلّق بالنموّ الاقتصادي والتطوّر الاجتماعي والوعي السياسي والكفاءة والرغبة في النجاح.

للحديث بقيّة.     


Friday, February 23, 2018

سوريا والمسألة الكرديّة


أمضيت مرحلة الدراسة منذ التحضيري وحتّى الكفاءة في مدرسة الإخوة المريمييّن الخاصّة أو معهد قلب يسوع الأقدس وأمّا عن المرحلة الثانويّة فكانت في ما عرف في الماضي باسم معهد الحريّة الذي أسّسته بعثة علماتيّة فرنسيّة في عهد الانتداب. كانت معظم الطوائف السوريّة ممثّلة بين الطالبات والطلّاب والمعلّمات والمعلّمين  وجميعهم كانوا يحيّون العلم ويردّدون شعار البعث الشهير "أمّة عربيّة واحدة....ذات رسالة خالدة"! بما فيهم الأرمن. لماذا التركيز على الأرمن؟ الجواب بكل بساطة أنّه مع اعتقادي الراسخ أنّ الأرمن سوريّون بامتياز فمن المستبعد أنّهم ينظرون إلى أنفسهم كعرب. بالطبع لكل إنسان حقّ مطلق في تحديد هويّته ولست هنا في صدد الكلام نيابة عن الأرمن وليسوا بالتأكيد بحاجة لي أو لغيري لتمثيلهم. ما أقوله بكل بساطة أنّ أرمن سوريا شعب نشيط ومثقّف وشغّيل وفخور بتراثه يحاول جهده الحفاظ على لغته ويسمّي بناته وأبنائه بأسماء ليس فيها من العروبة الشيء الكثير وإن ساير الجوّ السياسي العامّ مكره أخاك لا بطل. 



في كلّ الأحوال ليس هذا المقال عن أرمن سوريا الذين -على علمي- لا يطالبون لا باستقلال ولا بحكم ذاتي والفقرة السابقة ما هي إلّا تمهيد للدخول في صلب الموضوع: ما ينطبق على الأرمن ينطبق إلى حدّ ما على الأكراد مع فرق أنّ أكراد سوريا -على الأقلّ البعض في الشمال- يسيرون على خطى أكراد العراق في محاولة لخلق كيان ما، "وطن قومي" إذا شئنا. 

لا داعي للتذكير بأنّ وجود الأكراد في سوريا قديم للغاية وأنّ كثيراً منهم انصهر في المجتمع السوري واتّخذ العربيّة لغة منذ قرون. الكلام هنا عن الأكراد الذين لا يتكلّمون العربيّة أو يتكلّمونها كلغة ثانية ومع ذلك يبقى هؤلاء الأكراد سوريّون شأنهم في ذلك شأن الأرمن ومن المحزن أن تصل الأمور إلى ما وصلت إليه بتضافر عدّة عوامل منها "جرعة العروبة" الزائدة عن الحدّ  (من العدل أن يقال أنّها سبقت البعث بعقود) ومنها التدخّل الأجنبي الانتهازي. 

لفت نظري من خلال قراءة الكتاب الأخير للدكتور Nikolaos Van Dam (صفحة ١٥) ما ذكره عن تجريد العديد من الأكراد السورييّن من جنسيّتهم عام ١٩٦٢ دون ذكر مصدر. حاولت إجراء بحث google للتحقّق من الموضوع ووجدته بالفعل على الويكيبيديا وغيرها ولكن جميع المراجع المذكورة كرديّة إن لم نقل انفصاليّة أو تردّد ما يقوله هؤلاء وهي طبعاّ ليست منزّهة عن الأهواء والأغراض. لا ذكر لهذا الموضوع في دراسة حنّا بطاطو عن قرويّي سوريا ولا في كتاب Patrick Seale عن الراحل حافظ الأسد ولكنّي عثرت عليه أخيراً في كتاب سوريا للسيّدة Tabitha Petran (صدر عام ١٩٧٢) إذ تقول في الصفحة ٢٣٦ أنّ البعث قام عام ١٩٦٣ بحملة "لإنقاذ الجزيرة من مخطّط كردي لخلق إسرائيل ثانية" وأنّ إحصاء جرى في تشرين الثاني عام ١٩٦٢ (أي زمن الانفصال)  اعتبر كثيراً من الأكراد أجانب رغم حيازتهم على الهويّة السوريّة وتلى ذلك تجريدهم من الجنسيّة السوريّة وطردهم من المناطق المتاخمة للحدود التركيّة. 

يعطي السيّد Michel Seurat في كتاب La Syrie d'Aujoud'hui (إصدار ١٩٨٠) المزيد من المعلومات فيقول (صفحة ١٠٣-١٠٥) أنّ الأكراد يمثّلون ٧٪ من سكّان سوريا ويتوزّعون شمالاً من الغرب إلى الشرق كما يلي: ١٥٠٠٠٠ في منطقة جبل الأكراد، ٣٠٠٠٠ في منطقة عين العرب، ٣٠٠٠٠٠ في الجزيرة العليا حيث يشكّلون ثلثي السكّان. يضيف فيقول أنّ إحصاءً استثنائيّاً عام ١٩٦٢ (زمن الانفصال) أسقط حقوق ١٢٠٠٠٠ كردي كأجانب سحبت منهم الجنسيّة السوريّة. أرجع المؤلّف أصل هذه السياسة للملازم أوّل محمّد طلب هلال رئيس الشعبة السياسيّة في محافظة الجزيرة الذي نشر دراسة في تشرين الثاني ١٩٦٣ (مطلع عهد البعث)  أفتى فيها أنّ الأكراد شعب لا تاريخ له ولا حضارة ولا لغة ولا صفة له غير القوّة والبطش والشدّة. اقترح السيّد هلال "لحلّ المشكلة الكرديّة" إقامة "حزام عربي" بطول ٣٥٠ كيلومتر وعرض ١٥ كيلومتر يطرد منه الأكراد ويحلّ محلّهم عرب قوميّون أقحاح. كانت المرحلة التالية ترحيل ٣٠٠٠٠ كردي إلى الداخل ومن ثمّ نقل ٢٥٠٠٠ فلّاح عربي ممّن غمرت مياه الفرات أراضيهم بعد بناء السدّ إلى الجزيرة العليا وتزويدهم بالكهرباء والمشافي والمدارس وبقيّة الخدمات التي بقيت قرى الأكراد محرومة منها. حتّى الأسماء الطبوغرافيّة الكرديّة جرى استبدالها بأسماء عربيّة.   

للمزيد من القراءة يزوّد السيّد Seurat المهتمّين بثلاثة عشر مرجعاً في نهاية هذا الفصل ذكرت بعضها أعلاه وجميعها فرنسيّة أو إنجليزيّة (أحدها إسرائيلي) وإن كان بينها دراسة للسيّد برهان غليون باللغة الفرنسيّة. ما يلفت النظر غياب أي مصدر رسمي أو شبه رسمي سوري لإعطاء منظور مختلف. لربّما كانت هذه المصادر موجودة ولكن محاولة العثور عليها كمحاولة العثور على إبرة في كومةمن القشّ. الإعلام السوري ينقصه -كان ولا يزال-  التمويل والكفاءات المهنيّة بشكل صارخ. 

هل تمّ فعلاً تجريد ١٢٠٠٠٠ كردي من الهويّة والجنسيّة السوريّة في مطلع الستينات في عهد كان عدد سكّان سوريا فيه يكاد لا يبلغ الخمسة ملايين؟ هل طرد عشرات الآلاف منهم من أراضيهم ليحلّ محلّهم "مستوطنون عرب"؟  لا يوجد لدي أدنى شكّ أنّ الخطاب العروبي أخطأ في حقّ الأقلّيات السورية التي لا يمكن وصفها بالعربيّة ولكن هذا لا يعني بالضرورة دقّة الأرقام أعلاه في غياب ما يسمّى في القضاء الغربي cross examination من السجلّات السوريّة الحكوميّة. في نهاية المطاف ألأكراد رفاق درب وإخوة وأهل وبربطنا معهم تاريخ يعود على الأقلّ للعهد الأيّوبي والملك الناصر صلاح الدين الذي شائت الأقدار أن يكون مثواه الأخير في عاصمته الثانية دمشق.  

Thursday, February 22, 2018

سوريا والطائفيّة المقنّعة


لربّما كان العنوان الأصحّ لهذا المقال "الطائفيّة التي لم تعد مقنّعة". في كلّ الأحوال موضوع البحث هنا المقال الرابع في كتاب سوريا اليوم بقلم الراحل ميشيل سورا وبعنوان "الشعوب، الدولة، والمجتمع". المقال يتجاوز الخمسين صفحة وهو شديد الغنى بالمعلومات ولا يمكن إعطائه حقّه في صفحة أو صفحتين ولهذا فسأقسمه إلى قسمين مع مقدّمة قصيرة قبل التعرّض لفحواه.

الخطاب السوري عموماً والبعثي خصوصاً عربي بامتياز ويدين الإقليميّة والعشائريّة والطائفيّة إلى درجة إنكار هويّة الغير أو على الأقلّ تجاهلها. كلّ من درس مناهج المدارس السوريّة يعلم أنّها تخلو من أي إشارة للأقليّات الدينيّة وتاريخها ومعتقداتها. طلّابنا يدرسون تاريخ "الوطن العربي" ولكنّهم لا يعرفون عن الطوائف الدرزيّة والعلويّة والإسماعيليّة والمسيحيّة في سوريا إلّا ما يتلقّونه في دروس "التربية الدينيّة" وما يتعلّمونه من أهلهم وفي دور عبادتهم وما يتهامس به كثير منهم في السرّ عن بقيّة الطوائف وكثير منه سلبي إلى أبعد الحدود والنتيجة فتح الباب على مصراعيه للجهلة في الداخل والمغرضين في الخارج ليقولوا ما يشاؤون ويبذروا بذور الفتنة الطائفيّة التي يعتقد الإعلام السوري القاصر والمناهج المدرسيّة المتخلّفة أنّ عدم الكلام فيها يكفي لإلغائها.      

مدرسة المشاة في حلب ١٩٨٣


تعود بي الذاكرة إلى أواخر عام ١٩٨٣ ومدرسة المشاة في حلب. طالت إقامتي في هذه المدرسة كطالب ضابط حوالي ثلاثة أشهر وأمّا عن المبيت فقد تمّ توزيعنا على غرف بمعدّل ثمانية شباب في الغرفة. الطريقة التي تمّ بها الفرز لا تترك مجالاً للشكّ والمقصود بها "خلط" الطلاّب قدر الإمكان وبناء عليه كان نصيب غرفتي ٥ من السنّة و ٢ مسيحييّن (أحدهما آشوري) وعلوي واحد. هذا عن التوزيع الطائفي أمّا الإقليمي فكان بيننا إثنان من دمشق وحلبي وحمصي وثلاثة من اللاذقيّة (أحد الثلاثة من المدينة) والأخير من الحسكة. بالطبع لم يتطوّع أحد بذكر دينه أو أصله الجغرافي ولكن المرء لا يحتاج لمواهب الأنبياء والعرّافين ليتعرّف على اللهجة ومن التبست لهجته يمكن الإستدلال عليه من سلوكه (الصلاة مثلاً) أو لباسه (خصوصاً بالنسبة للنساء) أو الإسم (من غير المحتمل أن يسمّي المسلم إبنه "جورج" أو الشيعي "معاوية" على سبيل المثال). ليس هذا فحسب، أذكر خلال خدمتي اللاحقة أنّ ضابطاً وبّخ جنديّاً عندما عرّف الأخير نفسه "كدرزي" وكأنّ هذا نوع من إثارة "النعرة الطائفيّة"!



ليس المقصود هنا التشكيك بحسن نوايا العروبييّن ولكن الاعتراض على الأسلوب: حلّ المشاكل العشائريّة والطائفيّة لا يكون بتجاهلها كنوع من المحرّمات ولكن بالاعتراف بالفوارق واحترام هذه الفوارق علناً وعلى رؤوس الأشهاد لا بل وبفرض هذا الاحترام بقوّة القانون إذا دعت الحاجة. 

يقول Seurat وبحقّ أنّ تعريف "المجتمع السوري" صعب للغاية ويذهب إلى حدّ القول أنّ هذا المفهوم عديم المعنى فهناك خلط بين "الشعب" و"الأمّة" التي تعني في الشرق الأدنى "أمّة الإسلام" بغضّ النظر عمّا يدرّس في كتب التربية الوطنيّة وهي تكافىء "الملّة" كما عرفت في عهد العثمانييّن ومن هنا القول الشامي المأثور "يللّي ما بياخد من ملّتو بيموت بعلّتو" حيث الملّة = الدين. أمّا بالنسبة "للدولة" فهي هنا تعني جهاز بيروفراطي وعسكري ويتعيّن علينا بالتالي أن نميّز بينها وبين Nation-State كما هو الحال في الغرب. ينتج عن هذا أنّ تحقيق الوحدة على المستوى الاجتماعي الخالص أمر خارج عن الموضوع وأنّ الطريق العملي الوحيد لها يكون بفرضها من الأعلى من قبل السلطة الحاكمة. 

ينتقل المؤلّف إلى الأقليّات الدينيّة والمذهبيّة والإثنيّة فيعطي نبذة عن كلّ منها يغلب عليها الطابع التاريخي. تحديد التوزيع الديموغرافي الديني صعب للغاية إذ كان آخر إحصاء طائفي في سوريا عام ١٩٦٠ وتوقّف بعدها إلى إشعار آخر. يمكن مع ذلك القول أن نسبة المسيحييّن تناقصت في الستين عاماً الأخيرة (بعد أن كانت تتزايد في عهد الانتداب خصوصاً في حلب بعد لجوء الأرمن الذين استعان بهم الفرنسيّون مع الشركس لإخماد الثورة السوريّة حسب المؤلّف) ولأكثر من سبب. بالنسبة للطائفة العلويّة (والتي كانت تدعى نصيريّة قبل الانتداب ثمّ اختفت هذه التسمية أو كادت إلى أن أحياها طائفيّو القرن الواحد والعشرين بمعنى سلبي) فالمعلومات عنها إلى أمد قريب كانت قليلة للغاية ومستقاة في معظمها من أعدائها. عن المرشديّة فقد اعتبرتها الدولة السوريّة في مطلع عهد الإنفصال (أو اعتبرت سليمان المرشد على الأقلّ) حركة انفصاليّة وأعدم زعيمها كما هو معروف. 

بعد العلوييّن نأتي إلى الدروز فالمسيحييّن (بتقسيماتهم) فالأكراد فاليهود فالشركس فالإسماعيلييّن فاليزيدييّن. بالنسبة للبدو فهناك الشوايا (أنصاف البدو من أهل الجزيرة ويرعون الأغنام) والبدو رعاة الجمال والذين قلّ عددهم كثيراً لتناقص الحاجة للجمال من ناحية وسعي الدولة لتوطينهم بشتّى الوسائل من ناحية ثانية أمّا عن علاقة الريف مع المدينة فقد أدّت الهجرة المتزايدة والسريعة من الريف باتّحاه المدن (بهدف العمل أو الدراسة إلخ) إلى ما اعتبره البعض "قرونة المدن" عوضاً عن "تمدين أهل الريف". 

أخيراً حتّى على مستوى الأحزاب "العلمانيّة" نرى أنّ الحزب الشيوعي السوري كردي-مسيحي (حيّ القصّاع في دمشق)  وأنّ الحزب القومي السوري علوي-مسيحي وأمّا البعث فيختلف حسب المنطقة والشخص.

أفتى الدستور السوري عام ١٩٥٣ بأنّ الرئيس يجب أن يكون مسلماً وأعلن دستور الجمهوريّة العربيّة المتّحدة بعد هذا بسنوات قليلة الإسلام كدين للدولة. مع الأسف اعتبر الكثيرون أنّ الطريقة المثلى للقضاء على النعرة الطائفيّة تكون بفرض سيطرة الأغلبيّة.  

للحديث بقيّة. 

Wednesday, February 21, 2018

تاريخ سوريا من العثمانييّن إلى الاستقلال


استقيت معظم المعلومات أدناه من كتاب "سوريا اليوم" La Syrie d'Aujoud'hui الصادر عام ١٩٨٠ ومن فصلين بالتحديد: الأوّل بقلم Jean-Paul Pascual يتناول العهد العثماني والثاني كتبه André Raymond يتابع من عام ١٩١٤ (بداية الحرب العظمى) حتّى جلاء الفرنسييّن عن سوريا عام ١٩٤٦. لا داعي لتلخيص أحداث هذه الفترة المعروفة من العديد من المصادر وأكتفي بتسليط الأضواء على بعض النقاط الهامّة التي يغفلها أو يتجاوزها السرد التقليدي الذي تعلّمناه في المدارس منذ صغرنا وتعوّدنا أن نقبله أو على الأقلّ نتقبّله دون جدل ناهيك عن محاولة سبر آراء مغايرة. 


المعطيات الديموغرافيّة عن سوريا في ثلاثينات القرن التاسع عشر تقريبيّة وتستند على مصادر غير مباشرة بناء عليها قدّر عدد السكّان وقتها بمليون ونصف من الحضر ونصف مليون بدوي. بالنسبة للمدن تحتلّ دمشق المركز الأوّل ١٠٠٠٠٠-١١٠٠٠٠ نسمة تليها حلب ٨٠٠٠٠ (بعد أن دمّر زلزال ١٨٢٢ قسماً كبيراً منها) بينما يبلغ عدد سكّان طرابلس ١٠٠٠٠-١٥٠٠٠ والباقي ١٠٠٠٠ أو أقلّ بما فيها بيروت (التي تسارع نموّها أسيّاً في العقود اللاحقة). حصل تغيّر في التكوين الإثني للسكّان في بعض المناطق منه ما نجم عن فتن طائفيّة أشهرها مجزرة ١٨٦٠ التي هاجرت في أعقابها ٦-٧ آلاف عائلة درزيّة من لبنان إلى جبل حوران (الهجرة الدرزيّة الأولى لما عرف لاحقاً بجبل العرب أو جبل الدروز تلت معركة عين دارة عام ١٧١١) ومنها ما نتج عن سياسة واعية للدولة العثمانيّة لحماية الأراضي الزراعيّة من غزوات البدو وعلى سبيل المثال خلق مستوطنات شركسيّة في سبعينات القرن التاسع عشر. 

تقاسم الإنجليز والفرنسيّون الشرق الأدنى في أعقاب الحرب العالميّة الأولى كما هو معروف وكتب Arthur James Balfour إلى David LLoyd George في ١٩ شباط عام ١٩١٩ في هذا الصدد "أنّنا نرفض عمداً وبحقّ مبدأ تقرير المصير في حالة فلسطين". قامت بعثة King & Crane الأمريكيّة بمحاولة استطلاع رأي المعنييّن ونشرت نتائج هذا الاستطلاع مع توصياتها التي تعرّضت في جملة ما تعرّضت إليه لموضوع الانتداب وأنّه عند اللزوم يمكن قبول انتداب فرنسي على جبل لبنان فقط (أي متصرّفيّة ١٨٦٠) حيث تتمتّع فرنسا بشعبيّة حقيقيّة. بالطبع تجاهلت القوى الأوروبيّة توصيات البعثة جملة وتفصيلاً. 

أثبتت الأحداث التالية لفيصل "ملك سوريا" أنّ فرنسا أهمّ لمصالح لندن من إرضاء طموحاته الشخصيّة وطلبات أبيه المزعجة وبالتالي كان لا مناص له من الوصول لاتفاق ما مع فرنسا إذا أراد الاحتفاظ بعرشه وهكذا قبل إنذار غورو الشهير وعلّق المؤتمر السوري وبدأ بتسريح الجيش وقمع المظاهرات المعارضة عندما سقط ٢٠٠ قتيل في دمشق ليس على يد الفرنسييّن ولكن على يد قوّات فيصل. قابل ساطع الحصري غورو في عاليه في محاولة لكسب الوقت والوصول إلى تسوية والنتيجة التي نعرفها جميعاً أنّ فيصل "رضي بالهمّ والهمّ ما رضي فيه" وتمّ طرده من سوريا ليعطيه الإنجليز عرشاً بديلاً في العراق فيما بعد.   

نأتي الآن إلى مأساة لواء اسكندرون.  أشارت كافّة الأدلّة حتّى مطلع الثلاثينات أنّ الأتراك كانوا أقليّة في هذا اللواء إلى أن دخلته القوّات التركيّة في ٥ تمّوز ١٩٣٨ وأجرت إحصاءً "على كيفها" أثبتت فيه أنّ نسبة الأتراك تبلغ ٦٣٪ وبالنتيجة هجر ١٤٠٠٠ أرمني وكثير من العرب اسكندرون بعد أن ضمّته تركيا الكماليّة بموافقة سلطة الانتداب. 

كلّ هذا لا يعني عدم وجود مؤيّدين للوجود الفرنسي ونزعات انفصاليّة في عدّة مناطق سوريّة منها جبل الدروز واللاذقيّة ومنطقة الجزيرة ولأكثر من سبب منها ثقة الوطنييّن المبالغ فيها في "لحمة سوريّة" كانت لا تزال وقتها في مرحلة المخاض ممّا أثار ريبة وحذر الأقليّات. بالطبع كان هناك سياسة فرنسيّة واعية لكسب ودّ هذه الأقليّات وتجزئة البلد ما أمكن لإضعاف المعارضة ولكن هذا لا يعني أنّ الأمور كانت سمناً وعسلاً قبل الفرنسييّن. من جملة ما قامت به سلطات الانتداب زرع أقليّات كرديّة ومسيحيّة في الجزيرة وأدّى هذا مع غيره من الإجراءات لزيادة التوتّر في الثلاثينات.

للحديث بقيّة.                   

Tuesday, February 20, 2018

سوريا اليوم


تصدّر عنوان La Syrie d'Aujourd'hui كتابين: الأوّل للدكتور Louis Lortet يعود لعام ١٨٨٤ والثاني لعدّة مؤلّفين تحت إشراف العالم الراحل André Raymond من إصدار عام ١٩٨٠. يفصل بين الكتاب الأوّل والثاني إذاً قرابة مائة سنة ولكن لا يوجد بينهما قواسم مشتركة تستحقّ الذكر باستثناء العنوان واللغة الفرنسيّة. حتّى من الناحية الجغرافيّة سوريا Lortet "الأولى" (الساحل ولبنان بما فيه بعلبك والأراضي المقدّسة ودمشق ومحيطها) تختلف عن سوريا Raymond "الثانية" خليقة الانتداب الفرنسي إلى أبعد الحدود. علاوة على ذلك الدكتور Lortet طبيب وعالم بالنبات والحيوان والإنسانيّات anthropology وكتابه وصف رحّالة أديب ومثقّف وجهد فرد وليس بحثاً علميّاً بالمفهوم الحديث وإن كان مع خضّم اللوحات الرائعة التي تزيّنه مرجعاً تاريخيّاً لا يقدّر بثمن. 



موضوع البحث هو الكتاب الثاني المؤلّف من أربعمائة صفحة ونيّف تتوزّع على ثلاثة عشر فصلاً كتبها ثلاثة عشر من الأخصّائيّين وتغطّي سوريا من نواح جغراقيّة وتاريخيّة وسياسيّة واقتصاديّة وديموغرافيّة وثفافيّة. خصّص فصل مستقلّ لدمشق وآخر لحلب.  

يعالج الفصل الأوّل المعطيات الجغرافيّة ويرتأي المؤلّف Paul Sanlaville أنّ حمص مؤهّلة أكثر من دمشق وحلب لتكون عاصمة لسوريا كما خلقتها فرنسا وهذا بسبب موقعها المركزي وسيطرتها على أهمّ الطرق المؤدّية إلى الساحل من خلال الفجوة بين جبال العلوييّن وجبال لبنان. بالنسبة لعدد سكّان سوريا فقد قدّر بحوالي ٦٣٠٥٠٠٠ عام ١٩٧٠ وازداد إلى ٧٨٤٥٠٠٠ عام ١٩٧٧ (أي مليون ونصف) أمّا على مستوى المدن ففي عام ١٩٧٠ كان التعداد كما يلي:

- دمشق ٨٧٨٠٠٠ نسمة.
- حلب ٦٣٩٠٠٠.
- حمص ٢١٥٠٠٠.
- حماة ١٣٧٠٠٠.
- اللاذقيّة ١٢٥٠٠٠. 
- دير الزور ٦٦٠٠٠.
- القامشلي ٤٧٠٠٠.
- الرقّة ٣٧٠٠٠.
- الحسكة ٣٢٠٠٠. 
- طرطوس ٣٠٠٠٠. 

يجب ألّا ننسى أنّ معظم السورييّن وقتها كانوا من سكّان الأرياف.

يمكن تقسيم البلاد إلى ثلاث مناطق:

- الساحل على البحر المتوسّط مع الجبال الملحقة وهو بالطبع الأغنى بالأمطار.
- سهوب البادية steppe وتتلقّى ٢٥٠ إلى ٥٠٠ ملم من المطر سنويّاً وتشمل حوالي ثلث الأراضي السوريّة بشكل هلال من الجزيرة شمالاً إلى جبل الدروز جنوباً.
- الصحراء وتشغل ٥٨٪ من الأراضي السوريّة وتتلقّى أقلّ من ٢٥٠ ملم من المطر سنويّاً. يمكن تصوّرها كمثلّث كبير قاعدته الحدود السوريّة العراقيّة ولكن هذه المنطقة تشمل واحات هامّة وخصوصاً تدمر  ودمشق التي تعّوضها مياه بردى والفيجة عن شحّ الأمطار.   

للحديث بقيّة. 

Saturday, February 17, 2018

Damascus, al-Zayn Bathhouse

Located outside the city walls, on the street connecting Sinan Pasha's Mosque with that of Murad Pasha al-Naqshbandi, this bathhouse belongs to the Mameluke age. 

Hammam al-Zayn, portal (Weber 1997)


The bathhouse was mentioned in the endowment foundation of al-Madrasa al-Afridunyyia. According to Sauvaire after al-Aalmawee & al-Nuaaymee), the founder of the madrasa died in 1348, consequently the bathhouse was constructed in or before that year. Another clue is the marked similarity between the muqarnas (stalactite-shaped decoration) of the bathhouse's cupolas and those ornamenting the minaret of Tenkiz Mosque, erected in 1317. Briefly, there exists adequate evidence that the building was originally constructed at the beginning of the 14th century, later modifications notwithstanding. 

The bathhouse was functioning and its condition was described as fair by Ecochard and Le coeur back in 1943. 



Fast forward  to 2009 when the Danish Institute's study was published. Professor Stefan Weber describes the structure's condition as "good" but gives 1397 as the year of construction. He adds, relying on an inscription, that the bathhouse was modernized in 1872 






حمّام الزين

يقع هذا الحمّام خارج سور مدينة دمشق في الطريق الواصل بين جامع السنانيّة شمالاً وجامع مراد باشا النقشبندي جنوباً. وصف الفرنسيّان Ecochard و Le Coeur حالته عام ١٩٤٣ بالمتوسّطة وأنّه كان لا يزال قيد الاستعمال. يذكر وقف المدرسة الأفريدونيّة بيتاً في زقاق حمّام الزين وعلى اعتبار أنّ مؤسّس هذه المدرسة مات عام ١٣٤٨ للميلاد (Sauvaire عن العلموي والنعيمي) فهذا يعني أنّ الحمّام معاصر أو سابق لهذا العام. من ناحية ثانية هناك تشابه بين مقرنصات مئذنة جامع تنكز (بناء ١٣١٧) ونظيرتها في قباب حمّام الزين وبالتالي فعلى الأغلب بني هذا الحمّام في مطلع القرن الرابع عشر وإن جرت عليه تعديلات في عهود لاحقة. 

من ناحيته فيرجع Weber تاريخ بناء الحمّام لعام ١٣٩٧ ويضيف استناداً إلى نقش كتابي أنّه جدّد عام ١٨٧٢ ووصف حالته بالجيّدة عندما نشرت دراسته عام ٢٠٠٩. 

Les Bains de Damas,  deuxième partie
Michel Ecochard et Claude Le coeur
Institut français de Damas
Imprimerie Catholique, Beyrouth 1943


Damascus
Ottoman Modernity and Urban Transformation
1808-1918
Stefan Weber

Proceedings of the Danish Institute in Damascus V 2009


Friday, February 16, 2018

Damascus, al-Kharab Bathhouse

The location is intra muro Damascus south of Via Recta (Suq Madhat Pasha) near the Jewish Quarter.

The undressing room 1998


Also know as Taht al-Qanatir,this Ottoman bathhouse was first studied by Michel Ecochard and Claude Le Coeur in 1933 when its condition was described as "perfect". By the time their landmark study was published in 1942-1942, the edifice was all but gone except for a ripped-open undressing room transferred into a garage.

As far as the plan is concerned, it was described by the French savants as "coherent and homogeneous". Its monumental façade, mosaics, decoration are very similar to Fathi's Bathhouse therefore attributing the date of construction to the 18th century. An addition, separated from the main building, was erected at later date and was known as the "Bath of the Jews".



Stefan Weber indicates that, along with a neighboring house and a khan, this bathhouse had belonged to the endowment of Ismail Pasha al-Azm. It was under the management of Muhammad Shafeeq ibn Abdulqadir  ibn Hafiz al-azm back in 1898. Baroque murals were painted in the dome towards the end of the 19th or beginning of the 20th century.



This relic was divided into shops and workshops and its condition described as "collapsing" back in 2009, when the Danish Institute's findings were published.

Les Bains de Damas,  deuxième partie
Michel Ecochard et Claude Le coeur
Institut français de Damas
Imprimerie Catholique, Beyrouth 1943


Damascus
Ottoman Modernity and Urban Transformation
1808-1918
Stefan Weber

Proceedings of the Danish Institute in Damascus V 2009

حمّام الخراب

المشلح عام ١٩٩٨


ويدعى أيضاً حمّام تحت القناطر. يقع هذا الحمّام على الطرف الجنوبي لسوق مدحت باشا قرب الحيّ اليهودي وأمّا عن تاريخه فيمكن تلخيصه كما يلي:

قام العالمان الفرنسيّان Ecochard و Le Coeur بفحصه عام ١٩٣٣ للميلاد ووصفا حالته وقتها "بالكمال". تغيّر وضعه جذريّاً خلال العشر سنوات التالية إلى درجة أنّه لم يبق منه إلّا المشلح المتصدّع الذي تحوّل إلى مرآب. لاحظ المستشرقان الشبه الكبير بين واجهة الحمّام وفسيفسائه وديكوره وبين مثيلتها في حمّام فنحي ممّا يدلّ على أنّ هذا الحمّام بني في القرن الثامن عشر. أضيف عليه لاحقاً قسم منفصل دعي بحمّام اليهود



يقول الدكتور weber أنّ حمّام الخراب شكّل في الماضي مع بيت مجاور وخان تحت القناطر قسماً من وقف اسماعيل باشا العظم وأنّه كان تحت إدارة شقيق إبن عبد القادر إبن حافظ العظم عام ١٨٩٨ وأضيفت إلى قبّته رسومات جداريّة من طراز الباروك في أواخر القرن التاسع عشر أو مطلع القرن العشرين. تحوّل هذا البناء العريق إلى متاجر وورشات وكان آيلاً للتداعي لدى صدور دراسة المعهد الدانماركي عام ٢٠٠٩. لا علم لي بوضعه الحالي أو بالأحرى وضع ما تبقّى منه.  



Les Bains de Damas,  deuxième partie
Michel Ecochard et Claude Le coeur
Institut français de Damas
Imprimerie Catholique, Beyrouth 1943


Damascus
Ottoman Modernity and Urban Transformation
1808-1918
Stefan Weber

Proceedings of the Danish Institute in Damascus V 2009