Wednesday, January 31, 2018

تطوّر الهويّة اللبنانيّة




لا داعي للمبالغة في التركيز على فينيقبا ككيان جغرافي سياسي فقد كانت -على عكس مصر التي وحّدها النيل وحكمتها قوّة مركزيّة بشكل شبه مستمرّ منذ خمسة آلاف سنة-  مقسّمة إلى مدن دول مستقلّة تتوسّع غرباً إلى سواحل البحر المتوسّط (أشهر مثال طبعاً هو قرطاج مستعمرة صور في تونس الحاليّة) مع اتّصال محدود للغاية مع الداخل وهذا وضع فرضته الجغرافيا وسلستان جبليّتان كما رأينا ويمكن دون مبالغة القول أنّ التبادل التجاري والثقافي بين الساحل الكنعاني ووادي النيل فاق نظيره مع الداخل السوري. من الناحية اللغويّة سادت الآراميّة في سوريا والكنعانيّة في فينيقيا وتغيّر هذا الوضع في العهد الهلنستي على الأقلّ في المدن عندما طغت الإغريقيّة على اللهجات المحليّة لدى المثقّفين وإن ظلّت لغة معظم الناس محليّة وبالنتيجة أزاحت الآراميّة أختها الكنعانيّة في الساحل.



لا يختلف إثنان على ازدهار سوريا عموماً في العهد الروماني وليست هذه السطور بكافية لإعطاء معبد بعلبك ولا مدرسة حقوق بيروت حقّها لا كثيراً ولا قليلاً وبناء عليه فلنتجاوز بضعة مئات من السنين لنأتي إلى القرن السابع الميلادي عندما هاجر شعب مسيحي يدعى الجراجمة أو المردة يكتنف أصوله الكثير من الغموض من الأمانوس إلى سوريا ومنها إلى جبل لبنان ويعتقد المؤرّخون أنّ موارنة اليوم يتحدّرون من هؤلاء الجراجمة وإن كان هناك خلاف على ذلك.

مع الجراجمة بدأ جبل لبنان في رأي الدكتور فيليب حتّي بدخول مسرح التاريخ كملجأ للأقليّات إذ حدّت وعورة التضاريس من قدرة الدول والإمبراطوريّات المجاورة على إخضاع سكّان هذه المرتفعات إلى درجة أنّ معاوية بن أبي سفيان وعبد الملك بن مروان اضطرّا لدفع الجزية ليس لبيزنطة فحسب وإنّما أيضاً للجراجمة حتّى يتفرّغ الأوّل لنزاعه مع علي بن أبي طالب وأشياعه والثاني إلى حربه ضدّ إبن الزبير.

انتشرت أقليّة ثانية في جبل لبنان في مطلع القرن الحادي عشر للميلاد عندما وجد مبشّرو الموحّدين (الدروز) استقبالاً أكثر حرارة لدعوتهم فيه منه في مصر مسقط رؤوسهم ومع الوقت تمّت إضافة الطيف الدرزي إلى الشعب الآرامي اللغة تماماً كما في حالة المورانة ولعبت هاتان الطائفتان دوراً جوهريّاً في تاريخ لبنان منذ ذلك الحين. 

أتى العهد الصليبي ليحمل في طيّاته تغيّراً إلى الغرب في توجّه الموارنة ويعود التعامل الماروني الصليبي على الأقلّ لعهد البابا Innocent III وإن لم يتمّ إتّحاد الكنيسة المارونيّة النهائي مع الكرسي البابوي حتّى عام ١٧٣٦ وفتح هذا المجال للحماية الفرنسيّة كراع ومدافع عن الكاثوليك خصوصاً في الشرق الأدنى.

يعتبر الكثيرون الأمير الدرزي فخر الدين المعني الثاني ١٥٧٢-١٦٣٥ الباني الأوّل لدولة لبنان وأنّ ما بناه كرّسه الأمير بشير الشهابي (الذي اعتنق المسيحيّة سرّاً) ١٧٦٧-١٨٥٠ مع التحفّظ أنّ هدف كليهما كان اقتطاع مملكة لهما ولذريّتهما على حساب الإمبراطوريّة العثمانيّة في عهد لا يعرف القوميّات (أي الأمّة الدولة Nation State) لا في الشرق الأدنى ولا حتّى في أوروبا. بالنسبة لوضع الأقليّات في الجبل فقد تعايش الدروز مع الموارنة وديّاً وكانت الخلافات قبليّة (قيسيّة ضدّ يمنيّة) وليست طائفيّة وظلّ هذا الوضع سائداً حتّى ثلاثينات القرن التاسع عشر عندما استعان إبراهيم باشا إبن محمّد علي وقائد جيوشه في سوريا بالموارنة لسحق عصيان الدروز في حوران وأدّى هذا لضغينة هؤلاء وعدّة فتن طائفيّة توّجتها مذبحة ١٨٦٠ التي خلقت القوى الأوروبيّة في أعقابها متصرّفيّة جبل لبنان

شهد النصف الثاني للقرن التاسع عشر تزايد نشاط البعثات التبشيريّة الغربيّة في سوريا عموماً وما أصبح لبنان لاحقاً خصوصاً كما شهد النهضة الأدبيّة والفكريّة العربيّة التي تزعّمها عمالقة من أمثال ناصيف اليازجي وبطرس البستاني ويخلط العروبيّون بين هذه الحركة الثقافيّة وبين "القوميّة العربيّة" التي ظلّت كميّة مهملة حتّى الحرب العظمى ١٩١٤-١٩١٨ عندما تمخّضت عنها بنات أفكار البريطانييّن ووجدت صداها لدى العديد ممّن ركبوا موجة العروبة التي بلغت ذروتها في خمسينات القرن العشرين بتزاوج بين الفكر العروبي السوري والقيادة الحماسيّة للرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر. 

خلق الفرنسيّون لبنان الكبير بعد أن وضعت الحرب العالميّة الأولى أوزارها وبتأييد معظم اللبنانييّن (أي سكّان جبل لبنان وبالذات الموارنة) وقد أكّدت بعثة King & Crane الأمريكيّة هذا وهو أمر لا تجشّم المصادر العربيّة نفسها عناء ذكره بل تكتفي بالإشارة أنّ الغالبيّة العظمى من السورييّن رفضت الإنتداب الفرنسي والمشروع الصهيوني رفضاً قاطعاً وهذا طبعاً صحيح وإن نافى الدقّة. 

سبقت الإشارة أنّ متصرفيّة جبل لبنان اقتصرت على الجبل ذو الأكثريّة المسيحيّة  (٣٢٩٠٠٠ ألف منهم ٢٤٢٠٠٠ ماروني من أصل ٤١٥٠٠٠ حسب التقديرات عام ١٩١٣) ولكن نظراً لرغبة الفرنسييّن في خلق كيان قابل للحياة من الناحيتين الإقتصاديّة والجغرافيّة فقد قاموا بإضافة المدن الساحليّة مغ بيروت كعاصمة (زاد عدد سكّان بيروت من أقلّ من ٥٠٠٠ عام ١٨٠٠ إلى أكثر من ١٢٠٠٠٠ عام ١٩٠٠!) وأيضاً البقاع وبعلبك مع أقضية راشيّا وحاصبيّا ومرج عيون وعنى هذا إضافة ٢٠٠٠٠٠ نسمة إلى السكّان معظمهم مسلمين وكما يقول الدكتور حتّي ما كسبه لبنان في المساحة خسره في التماسك أو اللحمة ومع الأسف أثبتت الحرب الأهليّة اللبنانيّة بعد عشرين سنة من صدور الكتاب لترينا أنّ الولاءات المذهبيّة والقبليّة تفوّقت (ولربّما لا تزال) على الولاء للوطن. 

مع ذلك بدت الأمور مشرقة في لبنان في مطلع عهد الإستقلال والفضل بالدرجة الأولى يرجع إلى التجارة والسياحة في وقت لعب فيه هذا البلد الصغير دور صلة الوصل بين الغرب والشرق الأدنى وحرص سياسيّوه على الموازنة بين السيادة الوطنيّة (التمسّك بخصوصيّة لبنان) والتعاون مع الدول المجاورة (لإرضاء المؤمنين بالهويّة العربيّة) والحفاظ على علاقات وديّة مع الغرب. 






Tuesday, January 30, 2018

هويّة لبنانيّة أم هويّة سوريّة؟


كما سبقت الإشارة حاول المؤرّخ الراحل الدكتور فيليب حتّي رسم الخطوط العريضة لتاريخ لبنان منذ أقدم العصور حتّى خمسينات القرن العشرين من خلال خمسمائة صفحة من القرائة الممتعة مع عدد لا بأس به من الصور والخرائط كما حاول تقصّي تطوّر الهوية اللبنانيّة عبر آلاف السنين ولكن هل هناك فعلاً هويّة لبنانيّة متميّزة ومتّحدة العناصر؟ يمكن طرح نفس السؤال فيما يتعلّق بالهويّة السوريّة فكلا البلدين بحدودهما الحاليّة وشئنا أم أبينا صنيعة فرنسا واتفاقيّة مارك سايكس وجورج بيكو الغنيّة عن التعريف. 



لبنان من الناحية الجغرافيّة البحتة هو جبل لبنان الذي يشكّل القسم المركزي من جبال الساحل وتشمخ فيه أعلى قممها.  هذه الجبال الساحليّة تتابع شمالاً بعد فجوة حمص (من يذكر "تهريب" بسكوت غندور عن طريق العريضة؟) من جبال العلوييّن إلى الأمانوس وجنوباً إلى الجليل عبر الضفّة الغربيّة لنهر الأردن نهاية بسيناء. جبال "لبنان" الشرقيّة تشكّل بدورها القسم المركزي من سلسلة جبال الداخل الموازية لجبال الساحل وتمتدّ شمالاً إلى القلمون ومعلولا وجنوباً إلى حرمون (أعلى قمّة في السلسلة الشرقيّة) مستمرّة شرق نهر الأردن في عجلون (أو جلعاد إذا اعتمدنا تسمية كتاب العهد القديم). بين السلسلتين وادي البقاع أو ما سميّ قديماً "سوريا الجوفاء" Coele-Syria التي تستمرّ جنوباً إلى نهر الأردن والبحر الميّت ووادي العربة. 

يعتدّ كثير من اللبنانييّن بأصولهم الفينيقيّة وهذا مفهوم وعلى الرأس والعين مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ الفينيقييّن هي التسمية التي أطلقها الإغريق على الكنعانييّن أوّلاً، وأنّ "فينيقيا" ليست مرادفة لجبل لبنان بل هي جزء من الساحل الذي يمتّد من أوغاريت وأرواد شمالاً إلى الشواطىء والسهول في فلسطين جنوباً. المدن "الفينيقيّة" شملت إذاً موانىء سوريّة (الكلام بالطبع عن سوريا الحاليّة) إضافة إلى جبيل وصيدا وصور أمّا عن فلسطين فقد تنازعها الكنعانيّون والعبرانيّون (وهم في نهاية المطاف قبائل كنعانيّة على الأقلّ من الناحية اللغويّة) والفلسطينيوّن (المقصود هنا شعوب البحر التي غزت السواحل السوريّة ودمّرت أوغاريت وصيدا حوالي ١٢٠٠ ق.م.) والآراميّون. 

عندما نقول "آرام" فالمقصود سوريا ولكن التوسّع الآرامي توقّف عند جبل لبنان وإن حلّت اللغة الآراميّة محلّ الكنعانيّة مع حلول القرن الثامن قبل الميلاد لتبقى سائدة حتّى العصر الإسلامي عندما أزاحتها العربيّة بالتدريج. 

إذاً فبغضّ النظر عن أي اعتبارات شوفينيّة من مواطني لبنان أو سوريا حاليّاً يمكن أن نستنتج ممّا سبق أنّ لبنان الجغرافي والتاريخي هو جبل لبنان فقط (اقتصرت متصرفيّة جبل لبنان في القرن التاسع عشر على هذا الجبل) ولا يشمل سهول الساحل ولا البقاع ولا السلسلة الشرقيّة ولا حتّى سلسلة جبال الساحل التي يشكّل لبنان قسمها المركزي ليس إلّا. أمّا عن "فينيقيا" أو سهول الساحل الكنعانيّة فهي تمتدّ من أوغاريت شمالاً إلى فلسطين "أرض كنعان" جنوباً.  

للحديث بقيّة. 

Monday, January 29, 2018

لبنان في التاريخ



يمتاز أسلوب العالم الكبير والمؤرّخ الراحل الدكتور فيليب حتّي بالفصاحة والسلاسة والسهولة. الرجل أكاديمي يكتب للاخصّائييّن والعامّة ويتنقّل بمرونة مدهشة من الشامل إلى الخاصّ ممّا حدا دور النشر لإعادة طبع الكثير من كتبه عدّة مرّات وهذا يجعلها رخيصة المتناول مقارنة مع الكتب الأكّاديميّة المحدودة النسخ ومن حسن الحظّ يتوافر معظمها بالمجّان على الإنترنت للقراءة أو التحميل. 

فيما يلي قائمة غير شاملة لبعض مؤلّفاته:

١. تاريخ العرب (الطبعة الأولى عام ١٩٣٧).

٢. تاريخ سوريا (ضمناً لبنان وفلسطين) عام ١٩٥١ وهو متوافر على الشبكة بالإنجليزيّة والعربيّة كما ترجمها الدكاترة جورج حدّاد وعبد الكريم رافق وراجعها الدكتور جبرائيل جبّور والترجمة جيّدة جدّاً وأمينة. 

٣. لبنان في التاريخ عام ١٩٥٧ وهو موضوع الحديث. 

٤. خمسة آلاف سنة من تاريخ الشرق الأدنى ١٩٦١ وهناك نسخة إلكترونيّة إنجليزيّة سهال المنال ويوجد ترجمة عربيّة جيّدة للغاية ولكن لا أعلم إذا كانت متوافرة رقميّاً. 

هذا غيض من فيض من مؤلّفات الدكتور حتّي وكلّها درر ثمينة علّمت أجيالاً من الهواة والطلبة.  

ليس تعريف لبنان ككيان جغرافي سياسي geopolitical بأسهل من تعريف سوريا فهويّة البلدين -خلافاً لمصر- حديثة نسبيّاً. من نافل الذكر أنّ سوريا أو بلاد الشام كمفهوم جغرافي قديمة للغاية ولكن حدودها السياسيّة تبدّلت وتغيّرت إلى ما لا نهاية عبر القرون أمّا عن لبنان فهو تاريخيّاً جبل لبنان -أيضاً مفهوم جغرافي وليس سياسيّاً- ويمكن دون عناء سلخ البقاع وبعلبك وعنجر والسهول الساحليّة مع مدنها وموانئها عنه كما حصل في القرن التاسع عشر في عهد المتصرّفيّة. حتّى الدكتور حتّي يمكن اعتباره مواطناً عثمانيّاً سوريّاً قبل أن يهاجر إلى الولايات المتّحدة وعلى سبيل المثال عندما بدأ حياته المهنيّة كانت إسم الجامعة الأمريكيّة في بيروت لا يزال الكليّة السوريّة البروتستانتيّة بل وحتّى أحد بواكير كتبه "السوريّون في أمريكا" عام ١٩٢٤ كان يفهم فيه ضمناً أنّ اللبنانييّن مشمولون بهذه التسمية.

بالنتيجة لكل إنسان الحقّ في تحديد هويّته وأحد أهداف هذا الكتاب -علاوة على سرد التاريخ الساسي والثقافي والأدبي والعلمي إلخ- متابعة (أو على الأقلّ محاولة متابعة) تطوّر الهويّة اللبنانيّة منذ العهود الكنعانيّة وحتّى منتصف القرن العشرين.

للحديث بقيّة.  

Sunday, January 28, 2018

The Crops of Damascus

The following is a sketch of Damascus' Ghouta (the immensely luxuriant oasis surrounding the city) as it appeared in the first half of the twentieth century. The credit goes to the brilliant French geographer Jacques Weulersse (link below).



The Ghouta could be divided into several zones from most to least fertile:

1. Zone I is located north between the city and Kassiun Mountain. It is dominated by an intensive agriculture of vegetables in the shadow of fruit trees. So rich is the soil that some peasants manage to reap their crops three times a year. We have the summer vegetables (tomato, zucchini, cucumber, pea, okra, eggplant, pepper, asparagus, bean) and the winter vegetables (cabbage, cauliflower, beet, leek, turnip, carrot). The urban expansion has all but annihilated this zone since the publication of this work in 1946.

2. Zone II: the fruit trees (mostly apricot) persist but cereals largely replace the vegetables. Poplar trees replace apricot on the humid banks of River Barada and hemp grows in the maximally irrigated fields. 

3. Zone III is less favored by irrigation than the preceding two and subsequently olive replaces the fruit tress while cereals are still grown in between. Apricot trees are to be found exclusively around canals in this zone. 

4. Lastly, the periphery extends into the Syrian Steppe and agriculture is limited to dry farming such as vine and (٧ on the map) and cereals (<) requiring only sporadic irrigation. 



Jacques Weulersse
Paysans de Syrie et du Proche-Orient
Copyright Librairie Gallimard 1946


Saturday, January 27, 2018

Irrigating the Oasis of Damascus

Three "rivers" -"streams" would perhaps be a more appropriate appellation- contribute to watering the famous Ghouta, the population density of which is the highest in Syria. We have Menin in the north, al-Awaaj in the south, and Barada in between, the last being by far the most important of them all.



Shortly before entering Damascus at the Rabwa Gorge, Barada gives rise to its first "fan" of canalization:  the Yezid and Tora on the left bank, and the Mezzawi, Darani, Qanawat, and Banias on the right.

Just after it exits the city, Barada emanates its second "fan": the Akrabani Canal (really a continuation of Banias that runs north of the Citadel adjacent to the ancient city's wall heading east), the Mlehi's, and the Daaiani's. Those three canals subsequently divide into the third "fan", an innumerable network of brooks each one of which named after the village that constitutes its final destination. The "Zor" is the basin of Barada itself; it is the lowest and most fertile part of the oasis. Qanawat & Banias provide the city with water. The rest (Mezzawi, Darani, Tora, Yezid) irrigate the surrounding lush gardens.

The distribution is minutely arranged using the "Qirat", a ubiquitous system in the Near East that divides proportionally, a Qirat being 1/24 of the whole. The reason is quite simple: the amount of water available may vary widely from one season to the next, making the allocation of a fixed amount of water an impossible feat. The man in charge of supervising the canals, maintaining them, opening and closing the distributors is called "Shawi", a profession -like many others- passed from father to son.

Finally, there were no maps or historical documents of any worth detailing this canalization system right until the era of the French Mandate. All available info were oral and handed from one generation of "shawis" to the next.



Jacques Weulersse
Paysans de Syrie et du Proche-Orient
Copyright Librairie Gallimard 1946



Friday, January 26, 2018

Oasis of Damascus

Widely known as THE Ghouta,  the Damascus Oasis, right until the middle of the twentieth century, had occupied an area of at least 8,000 hectares extending more than 25 kilometers in its greatest length parallel to the mountain ridge that still dominates its vestiges.



The Ghouta has from time immemorial been the richest agricultural land in Syria, perhaps western Asia if we are to accept the opinion of the illustrious French geographer Richard Thoumin. Several factors have combined over the last 70 years or so to destroy this earthly paradise. Most importantly, the exponential population growth coupled with a near-total absence of sound planning.

Abusing and destroying natural resources are of course worldwide phenomena secondary to not just adding 4 billion human beings since 1960, but also the no less important rise in individual and collective consumption. The average Syrian at the turn of the 21st century -at least till 2011- consumes much more than his ancestors had done a hundred years prior. Naturally consumption level in the Third World, Syria included, is nowhere near that of Europe and North America but the latter are far better endowed with natural and industrial resources. Europe, moreover, has succeeded in controlling population growth, so have China and Japan.

The attached map is a sketch  of Damascus' water resources, the most important of which remains of course Barada. This Abana of the Old Testament (Chrysorrhoas according the the Greeks) issues from the Anti-Lebanon, passes the Zabadani plain, receives a bountiful boost from the waters of al-Fijeh heading east, to finally enters Damascus Oasis through the Rabwa gorge.

Two more "rivers" contribute to the irrigation of Damascus' gardens: the Menin from the north waters the east Ghouta, and the Aawaj in the south. The latter springs from the foot of Hernon Mountain (highest peak of the Anti-Lebanon), heads east, and sends a branch to the town of Daraya, southwest of Damascus. Daraya also gets part of its water from the Darani Canal, a branch of Barada.


Jacques Weulersse
Paysans de Syrie et du Proche-Orient
Copyright Librairie Gallimard 1946


Tuesday, January 23, 2018

دمشق عام ١٨٧٦


نعود مجدّداً إلى الطبعة الإنجليزيّة الأولى لدليل Baedeker وفيها مقال طويل وغني بالمعلومات عن دمشق. خريطة المدينة في الكتاب مأخوذة بتصرّف عن Porter والتي تمتاز بدقّة أعلى وأورد أدناه الإثنتين للمقارنة. يشبّه الدليل المدينة بالملعقة وحيّ الميدان "الذي يقطنه الفلّاحون فقط" بيد هذه الملعقة. عدد سكّان المدينة كما رأينا ١١٠٠٠٠ ولا يدخل في هذا الرقم ٧٠٠٠ يقطنون حيّ الصالحيّة شمال المدينة على سفح قاسيون. المياه من الآبار ونهر بردى (الذي يحتوي على السمك) وفروعه وهناك وصف لا بأس به لوادي بردى من دمّر (حيث يوجد قصر لشمعايا أفندي وآخر للأمير عبد القادر) والهامة حتّى الزبداني التي يبلغ عدد سكّانها ٣٠٠٠ نصفهم من المسيحييّن.

خريطة دمشق عن بورتر


هناك محاولة لتغطية تاريخ المدينة منذ أقدم العصور مع الاستعانة للبدايات بكتاب العهد القديم ولكن يحسن مقارنة السرد مع مراجع أكثر علميّة وموثوقيّة ففيما يتعلّق بالتاريخ الإسلامي خصوصاً خبّص الكاتب أو الكتّاب حتّى شبعوا بالاسماء والتواريخ والآثار على سبيل المثال التكيّة السليمانيّة "بناها سليم الأوّل عام ١٥١٦" وجامع درويش باشا "بني في القرن السابع عشر" أمّا عن حيّ الميدان فجوامعه "عمرها على الأكثر قرن أو قرنين" وبنى قلعة دمشق الملك الأشرف وهلمجرّا.  

لم تترك معالم المدينة بشكل عام انطباعاً إيجابيّاً لدى المؤلّفين "لا يوجد مباني أو آثار تستحقّ الذكر" أمّا عن مسلم دمشق فهو "مغرور ومتعصّب" يشعر بدونيّته تجاه الغرب المسيحي المتفوّق ويصبّ جام غضبه على مسيحيي بلاده. ليس هذا الموقف بالمستغرب فقد كانت ذاكرة مجزرة ١٨٦٠ لا تزال ماثلة للعيان في أنقاض الحيّ المسيحي.

خريطة بورتر الأصليّة



- بالنسبة للإقامة فأفضل الموجود فندق دميتري وهو قريب من مكتب العربات ديليجنس stagecoach وإن كان عمّاله "سفهاء". هناك أيضاً   hôtel des Voyageurs  فندق المسافرين في باب توما وهو سيّء أمّا عن المطاعم فهناك Restaurant Peter الواقع نهاية سوق الأروام قرب القلعة. هناك مقاه في دمشق بالطبع منها الواقعة شرق باب توما ويمكن شرب العرق فيها والاستماع (دون الاستمتاع) إلى الأغاني العربيّة "النشاز". 

- بالنسبة للمصارف يوجد البنك العثماني. خدمات البريد والبرق متوافرة ويعدّد الكتّاب القنصليّات ومن القناصل وقتها الدكتور مشاقة نيابة عن الحكومة الأمريكيّة وله الفضل في إحصائيّات (معطيات عام ١٨٤٨) عن المدارس والكنائس والمؤسّسات الدينيّة وغيرها. 

- الطبابة الحديثة: الدكاترة Nicora (فرنسي) و Biagini و Medana (طليان) و Nicolaki والأخير مدير المشفى العسكري. الأمراض السارية التي يتعيّن التحوّط ضدّها الرمد والبرداء (الملاريا) والزحار. 

- أحياء المدينة لها أبواب تغلق ليلاً ويحرسها عميان يعيشون على الصدقة (يضيف المؤلّفون أنّ شحّاذي المدينة نوادر) ويتعيّن حمل فانوس على من يريد السعي ليلاً. 

- لا يوجد ما يجذب في معالم الحيّ المسيحي وكنائسه وكلّها جديدة أعيد بناؤها بعد عام ١٨٦٠ أمّا عن المعالم الإسلاميّة قهناك بالطبع حيّز لا بأس به لجامع بني أميّة (سمح لغير المسلمين بزيارته في أعقاب حرب القرم ١٨٥٣ - ١٨٥٦) كما زار الكاتب قصر العظم (لقاء مال) المملوك من قبل أربع إخوة وعرّج على خان أسعد باشا في سوق البزوريّة ونال جامع سنان باشا (المئذنة) استحسانه كما وصف جامع الخرّاطين (المدرسة السيبائيّة) والدرويشيّة. يزعم (صفحة ٤٦٧) أنّ عدد المدارس الدينيّة الإسلاميّة المتبقيّة لا يتجاوز الخمسة. هناك ذكر لمقابر الدحداح والباب الصغير (مع "قبر فاطمة" إبنة الرسول) وجامع الصابونيّة وموسم الحجّ (تستغرق الرحلة من دمشق للمدينة ٢٧ يوماً) وجوامع منجك والجرّاح وضريح الشيخ رسلان وسور دمشق وأبراج نور الدين والصالح أيّوب وأضاف الدليل أنّ القسم الأعلى من السور حديث نسبيّاً وبالتالي لا يعقل أن تكون النافذة التي يعتقد البعض أنّ القدّيس بولس أدلي منها هي النافذة الأصليّة. 

- ما أثار اهتمام المؤلّف في دمشق بالدرجة الأولى أسواقها وهناك تفاصيل لا بأس بها أبداً عن سوق الخيل والسروجيّة والأروام (فيه خيّاطين إغريق وتباع فيه الخمور) والمسكيّة وخانات الحرير والتتن وسوق العطّارين والسنانيّة والصاغة (وجد الدليل نوعيّة المصاغ سيّئة مقارنة مع أوروبا). لم يغفل الدليل قمر الدين والبرازق (صياح الباعة "الله الرزّاق يا برازق") والليموناضة المبرّدة بثلوج جبال لبنان والجلّاب والعرقسوس والخشاف وخبز التنّور والحبلاس والمسلخ في حيّ الميدان. حتّى شجرة الدلب مذكورة!  

باختصار الكتاب وثيقة تاريخيّة فريدة من نوعها وكنز من المعلومات التي تغفر له لهجته العنصريّة في عدّة مواضع (والتي كانت في كلّ الأحوال دارجة ومقبولة وحتّى عاديّة في القرن التاسع عشر) أمّا عن أخطائه فليس من العدل الحكم عليها بمقاييس العهد المعلوماتي ويمكن بسهولة تدقيقها وتصحيحها لمن يهمّه الأمر. إجمالي عدد الصفحات المخصّصة لدمشق ٣٠ (تعادل بسهولة ١٠٠ إلى ١٥٠ صفحة إذا ترجمت للّغة العربيّة بأحرف سهلة القراءة) من أصل ٦٠٠ لنصّ الدليل الكامل وأقوم بعد مطالعتها بتزكية هذا الكتاب دون تردّد أو تحفّظ. 

Monday, January 22, 2018

يهود سوريا وفلسطين عام ١٨٧٦


جميع المعلومات التي سأوردها أدناه مأخوذة من الطبعة الإنجليزيّة الأولى لدليل Baedeker والذي يبقى على علّاته أحد المصادر الهامّة عن بلاد الشام في حينه. سأحاول الاختصار إلى أقصى حدّ ممكن مع عرض سريع لخصائص أهمّ المدن:


- عدد سكّان يافا ٨٠٠٠ نسمة ولا وجود يهودي فيها.

- الرملة مدينة عربيّة تعود للعهد الأموي. 

- عدد سكّان القدس يتراوح حسب المرجع بين ٢١٠٠٠ إلى ٢٤٠٠٠ منهم ٤٠٠٠ إلى ٨٠٠٠ يهودي وهنا يجب التوكيد أنّ القدس في ذلك الوقت -كسائر المدن الشاميّة- غير القدس الحاليّة التي ابتلعت ضواحيها تماماً كما ابتلعت دمشق قراها.  كثير من يهود القدس (وفلسطين عموماً) في القرن التاسع عشر وحتّى مطلع القرن العشرين كانوا مهاجرين أوروبييّن (أشكنازيم) يأتون بهدف أن يموتوا ويدفنوا في أورشليم وكثير منهم عاشوا إلى حدّ كبير على معونة أثرياء طائفتهم في أوروبا وعلى سبيل المثال السادة Rothschild و Montefiore. الوضع يختلف بالنسبة ليهود دمشق وسوريا الشماليّة ذوي الأصول الأندلسيّة (السفارديم) أو المحليّة (مزراحي). أضف إلى ذلك -وهذا شديد الأهميّة- أنّ نسبة اليهود في المدن لا تعكس مطلقاً نسبتهم في البلاد التي شكّل القرويّون فيها الغالبيّة العظمى من السكّان واليهود كانوا وقتها يقطنون المدن بالدرجة الأولى. 

- كانت عمّان وقتها بلدة صغيرة للغاية وما كان الدليل ليذكرها لولا أهميّتها في الكتاب المقدّس كعاصمة العمّونييّن Rabbath Ammon وفي العهد الروماني تحت إسم Philadelphia

- غزّة مدينة كبيرة يبلغ عدد سكّانها ١٦٠٠٠ ومعظمهم من المسلمين وإن كانت موطناً لجالية مهمّة من المسيحييّن (الروم الأرثوذوكس). 

- سكّان حيفا ٤٠٠٠ نصفهم مسيحييّن ويهود. 

- عكّا ٨٠٠٠ منهم ٥٦٠٠ مسلم دون تفاصيل ديموغرافيّة إضافيّة. 

- الناصرة ٦٠٠٠ إلى ١٠٠٠٠ معظمهم مسلمين ولكن مع تواجد مسيحي قوي ولا ذكر لليهود (الناصرة غير مذكورة في كتاب العهد القديم). 

- طبريّا ٣٠٠٠ أكثر من نصفهم يهود. 

- صفد ٥٠٠٠ نصفهم يهود. 

- بيروت مدينة تنمو بسرعة خارقة وحسب بعض المصادر ازداد عدد سكّانها من ٢٠٠٠٠ عام ١٨٥٠ إلى ٨٠٠٠٠ عام ١٨٧٥ أكثر من نصفهم غير مسلمين وعدد المسيحييّن يتزايد بشكل أسرع من المسلمين ولكن لا تفاصيل عن اليهود (وقطعاً كان فيها يهود).

- زحلة مدينة كبيرة (١٥٠٠٠) وهي مسيحيّة.

- طرابلس (مع المينا) ٢٤٠٠٠ منهم ٦٠ يهودي فقط. 

- أنطاكيا كانت وقتها مدينة صغيرة (٦٠٠٠ نسمة) بعد الكوارث التي حلّت بها في العهد الصليبي (أخذها الظاهر بيبرس عام ١٢٦٨ وأعمل السيف في رقاب أهلها). 

- حلب ثاني أكبر مدينة سوريّة (٩٠٠٠٠ إلى ١٠٠٠٠٠) وفيها ٤٥٠٠ يهودي و ١٦٠٠٠ مسيحي وهي مفتوحة إلى الأوروبييّن أكثر من دمشق. 

- اللاذقيّة ٥-٦ آلاف منهم ١٠٠٠ مسيحي. 

- دمشق أكبر مدن سوريا عدد سكّانها (دون إدخال الصالحيّة) ١١٠٠٠٠ منهم ٥٠٠٠ يهودي (هناك أيضاً حفنة من اليهود في جوبر وهي قرية تقع شمال شرق دمشق وفيها كنيس قديم ومشهور) و ١٢٠٠٠ مسيحي ولكن ما فاجأني هو عدد "المتاولة" أي الشيعة الإثني عشريّة والذين قدّرهم الدليل بحوالي ٤٠٠٠. 

المقال القادم عن دمشق.  

Sunday, January 21, 2018

الطريقة المثلى لبرمجة زيارتك إلى فلسطين وسوريا عام ١٨٧٦


نعود إلى الطبعة الأولى لدليل Baedeker السياحي باللغة الإنجليزيّة والذي يحتوي على كلّ ما يهمّ ويسهّل زيارة السائح الغربي للديار المقدّسة من الألف إلى الياء. 

دمشق الكبرى


الخطوة الأولى بعد الوصول إلى أحد الموانىء تأمين المواصلات داخل البلد وهذا في عهد سبق دخول السكك الحديديّة إلى سوريا. بالنسبة للنقل على العجلات (العربات التي تجرّها الخيول أو الديليجنس stagecoach) فيحسن أن تنساها إذ أنّ الطرق الصالحة لها موجودة فقط بين يافا والقدس وبين بيروت ودمشق وكلّ تنقّلاتك فيما عدا هاتين الحالتين ستكون على متن الدوابّ وهنا لا مناص من اللجوء إلى خدمات المكري الذي يزوّدك بالبغال والخيول حسب الحاجة ولا بأس بالتعطّف عليه وعلى عمّاله بفضلات طعامك إذا رضيت عنهم. الشخص الأهمّ في تنظيم رحلة من هذا النوع هو ما يسمّى dragoman  أو الترجمان وإن تجاوزت مهمّته بكثير مجرّد الترجمة فهو الدليل وهو الذي يؤمّن الإقامة والمؤونة (الزوّادة) لقاء مال يتمّ الإتّفاق عليه مسبقاً وهو الواسطة في كثير من المعاملات مع أهل البلد.  النقد المصري غير مقبول في سوريا خلافاً للنقد العثماني وأمّا عن العملات الأوروبيّة فلا مشكلة معها وإن لم تكن سواسية. معظم الصيرفيّة يهود وعلى السائح الحذر والتعامل إذا أمكن مع البنوك الأوروبيّة لتجنّب الغبن. المساومة مطلوبة حيث أنّ التجّار المحلييّن (وحميع الشرقييّن بشكل عام) يتعاملون مع جميع الأوروبييّن كأنّهم يمتلكون مال قارون ويرفعون الأسعار عدّة أضعاف للأجانب. 

فيما يتعلّق بالإقامة فعلاوة على الخيمة التي ترافق قافلة السيّاح هناك بيوت الفلّاحين التي تعجّ بالبقّ والبراغيث وخيام البدو التي تزخر بالقمل. يضاف إلى هذه وتلك العقارب التي لا يكاد يخلوا منها مكان (حتّى قباب الأولياء) والبعوض في الأماكن الرطبة والآسنة. المطاعم بالمفهوم الغربي معدومة أو تكاد والخانات تصلح فقط للحيوانات وأصحابها وهي مملوءة بالهوام. الفنادق تقتصر على بعض المدن الكبرى وهي قليلة العدد وفي معظم الأحوال متوسّطة المستوى على أحسن تقدير. قمامة الشرق تتكفّل بها الكلاب الشاردة.  البريد والتلغراف موجود في أماكن قليلة. بالنسبة للطبابة الحديثة فهي تقتصر على القدس ودمشق وبيروت وحلب. هناك أيضاّ نصائح مفيدة للتعامل مع الشحّاذين وأفضل طريقة للتخلّص منهم عبارة "الله يعطيك" ومع ذلك يشجّع المؤلّف أو المؤلّفين الصدقة لبعض المستحقّين كالمجذومين مثلاً. 

هناك موجز تاريخي يعتمد إلى درجة كبيرة على الكتاب المقدّس دون أي محاولة جدّية لتحليل مصداقيّته من الناحية العلميّة ولا يتردّد الكتبة في وصف اليهود ليس فقط كمعتنقي ديانة وإنّنا كمجموعة إثنيّة أمّا عن الآراء العنصريّة (بمقاييس اليوم) فحدّث ولا حرج: صفحة ٨٤  "الأتراك أدنى من العرب فكريّاً" وصفحة ٩٠ "محمّد مصاب بالصرع" والإشارة هنا إلى أوقات تلقيه الوحي حسب العقيدة الإسلاميّة وثالثة الأثافي صفحة (٩٦) أنّ المسلمين لا يريدون للمرأة أن تصلّي. هناك معين لا ينضب من هذه الدرر: بعضهم (صفحة ٩٧) يفتي بعدم جواز بلع اللعاب وقت الصيام .... (صفحة ٩٨) الدراويش والمجانين "محترمون للغاية" إلخ.. إلخ.... الفنّ الإسلامي ينقصه الإنسجام وتفاصيله (صفحة ١٢١) تتعب البصر.

للحديث بقيّة. 

Saturday, January 20, 2018

دليل ١٨٧٦ لسيّاح سوريا وفلسطين


تجمع الإنسان الغربي عموماً والأوروبي خصوصاً مع الشرق الأدنى روابط تاريخيّة وثقافيّة ودينيّة غنيّة عن التعريف بدأت مع الإسكندر الأكبر وتصاعدت مع اعتناق الغرب المسيحيّة وعزّزتها الدوافع التجاريّة وأدّت بالنتيجة لتدخّل عسكري مباشر كما في العهد الصليبي وتوّج هذا التدخّل في القرن التاسع عشر الذي كان قرناً استعماريّاً بامتياز تزامن في منطقتنا مع ضعف وتقهقر الإمبراطوريّة العثمانيّة.  

ازداد عدد زوّار سوريا الغربييّن مع تطوّر وسائل الإتّصالات والمواصلات فمنهم من أتى كحاجّ إلى الديار المقدّسة ومنهم من جذبه إلى الشرق الآثار (بالذات الإغريقيّة والرومانيّة والصليبيّة) ومنهم أيضاً الديبلوماسيّون والتجّار والمبشّرون. القاسم المشترك لكلّ هؤلاء وكثير غيرهم هو حاجتهم لمرجع قي لغتهم موجّه للعامّة يعرّفهم على الشام، ليس فقط على معالمها التاريخيّة وإنّما أيضاً وخصوصاً طقسها وجغرافيتها وطرقاتها ومحطّاتها وفنادقها (إذا وجدت) ومطاعمها وتراجمتها وأدلّتها وأكلاف الرحلة بالعملة المحليّة و"الصعبة" إذا أمكن وكثير غيرها من المعلومات التي لا غنى عنها للرحّالة في كلّ زمان ومكان.  

على حدّ علمي لا تزال الأدلّة السياحيّة المحليّة حتّى اليوم شديدة التقصير في هذا المضمار ومتواضعة إخراجاً ومضموناً ومن يريد التحقّق فما عليه أو عليها إلّا مقارنة عدد الأدلّة المتوافرة عن أي مدينة أوروبيّة متوسّطة مع تلك المتعلّقة بالعاصمة دمشق أو أي مدينة سوريّة وإذا كان هذا الوضع اليوم فما بالك في القرن التاسع عشر؟ هنا تأتي أهميّة دليل Baedeker الذي صدرت طبعته الأولى باللغة الألمانيّة عام ١٨٧٥ وتلتها الطبعة الإنجليزيّة الأولى (اضغط هنا للتحميل بالمجّان) عام ١٨٧٦ وأعيد تنقيحه وطباعته (بالإنجليزيّة) في الأعوام ١٨٩٤، ١٨٩٨، ١٩٠٦، ثمّ ١٩١٢(آخر طبعة). 



فلنتعرّف على الطبعة الإنجليزيّة الأولى عام ١٨٧٦. الكتيّب صغير الأبعاد ١٦ سم x ١١ سم ولكنّ الخطّ فيه صغير يحتاج لعيون شابّة (أو نظّارات مناسبة)  مع إضاءة جيّدة والعمل غني بالمعلومات إلى درجة كبيرة بل وحتّى مدهشة. عدد الصفحات ٦٠٠ ونيّف تنتهي بفهرس أبجدي شامل ويضاف إلى النصّ ١٨ خريطة و ٤٣ مخطّط (للمدن وبعض المعالم) وعشر صور. الصفحات من ١ إلى ١٢٦ مقدّمة عن الطريقة المثلى لتخطيط الرحلة والإقامة مع معلومات تشمل المناخ والتضاريس والحيوان والنبات وتاريخ المنطقة منذ أقدم الأزمنة حتّى العام السابق للنشر والتعريف بسكّانها بمختلف دياناتهم وعاداتهم وتقاليدهم وفنونهم ثمّ اللغة العربيّة (مع تزويد السائح ببعض العبارات "الجاهزة") وأخيراً تعريف بالمراجع المتوافرة عبر العصور. يزعم المؤلّف أو المؤلّفين أنّ الكتاب المقدّس يزودّنا بأفضل المعلومات عن فلسطين ويضيف عليه روايات الرحّالة والمستشرقين عبر العصور من Arculf في الفرن السابع الميلادي نهاية مع Palestine Exploration Fund في القرن التاسع عشر. 

للحديث بقيّة. 

Monday, January 15, 2018

التغلغل العربي في سوريا قبل الإسلام: الكنعانيّون والآراميّون والعبرانيّون


لا مجال لإنكار الخطوط العريضة لرواية العهد القديم على الأقّل في الفترة التالية للخروج وهذا بغضّ النظر عمّا إذا كانت الشخصيّات المذكورة في التوراة (موسى وإبراهيم) تاريخيّة أم وهميّة ودون التعرّض لأساطير التكوين والطوفان وفلك نوح والعبور والسبب بكل بساطة يعود إلى وجود مصادر خارجيّة تؤكّدها وهذا ما يركّز عليه Dussaud في الفصل الأخير لدراسته الكلاسيكيّة. 



يرى العالم الفرنسي أنّ قصّة ترحال إبراهيم إلى أرض كنعان عاديّة وتتّفق مع السياق التاريخي عندما ينتقل سكّان الصحراء من البداوة إلى الاستقرار وهي أكثر مصداقيّة بكثير من قصّة يشوع الذي فتح "الأرض التي تفيض لبناً وعسلاً" بحدّ السيف ودون أي دليل تاريخي يستحقّ الذكر خارج الكتاب المقدّس. العبرانيّون بالنتيجة تبعوا نفس طريق الكنعانييّن والآرامييّن وغيرهم بالتغلغل في سوريا وتبنّي لغة محليّة وحتّى آلهة محليّة تمّ تعديلها فيما بعد.

جاء أقدم ذكر تاريخي لإسرائيل في لوحة أو شاهدة مرنبتاح التي اكتشفت في طيبة (مصر) عام ١٨٩٦ وتعود لأواخر القرن الثالث عشر قبل الميلاد وهي تذكر بشكل مبتسر أنّ "إسرائيل دمّرت" في إحدى حملات الفرعون ولكن المعضلة هو وجود فجوة في السرد التوراتي بين عهد الآباء Patriarchs ودخول العبرانييّن إلى أرض الميعاد حسب العهد القديم أمّا إذا اعتمدنا المصادر غير الدينيّة فالمعلومات المتوافرة عن سوريا الجنوبيّة عموماً وعن دمشق الآراميّة وبني إسرائيل خصوصاً خلال القرون التي تفصل بين انحطاط الإمبراطوريّتين الفرعونيّة والحثيّة حوالي ١٢٠٠ ق.م. وصعود الإمبراطوريّة الآشورية في الفرن التاسع شبه معدومة فما الحلّ؟

تتلاشى هذه الصعوبة في رأي Dussaud إذا قبلنا أنّ الهيكسوس كنعانيّون وأنّ العبرانييّن قبيلة كنعانيّة دخلت مصر مع الهيكسوس (أسماء الهيكسوس إمّا كنعانيّة بالكامل أو مستعارة من مصر) وطردت منها معهم (بالطبع هذا لا يعني أنّ الجميع تركوا مصر) وما قصّة يوسف إلّا صدى للوجود الكنعاني في مصر وبالتالي شكّل تغلغل بني إسرائيل أرض كنعان بعد طرد الهيكسوس دخولهم الثاني إلى أرض الميعاد.   

سبقت الإشارة أنّ اللغة العبريّة كنعانيّة الأصل ليس ذلك فحسب بل حتّى الديانة اليهوديّة تطوّرت من عبادة إيل إلى يهوه في إسرائيل (بينما تطوّرت إل بعل لدى الكنعانييّن) وحتّى طقوس التضحية العبريّة كنعانيّة المنشأ. في النهاية تمايز العبرانيّون عن الكنعانييّن وكان الفرق بالدرجة الأولى جغرافي (امتدّ الكنعانيّون شمالاً إلى لبنان وأرواد وأوغاريت بينما بقي الإسرائيليّون في "أرض كنعان" أي حاليّاً إسرائيل أو فلسطين) وزمني (تأخّر العبرانيّون عن الكنعانييّن في الانتقال من البداوة إلى التحضّر).

أتت معطيات التنقيب في أوغاريت لتعزّز تحليل Dussaud إذ أوضحت نصوص راس شمرا (وفيها الكثير ممّا يتطابق مع أدبيّات وقوانين الكتاب المقدّس علاوة على تشابه ملحوظ مع المزامير بالذات) أنّ "يهوه" أقدم من العهد المفترض لموسى وهنا يتعيّن التوكيد أنّ لغة أوغاريت الكنعانيّة هي أقرب اللغات الساميّة للعبريّة  وبالتالي فكتابات العهد القديم أقدم بكثير ممّا كنّا نعتقد (دمّرت المدينة عام ١٢٠٠ ق.م.). 

http://bornindamascus.blogspot.com/2018/01/blog-post_14.html

http://bornindamascus.blogspot.com/2018/01/blog-post_2.html

http://bornindamascus.blogspot.com/2018/01/blog-post_15.html

تغلغل العرب في سوريا قبل الإسلام: آلهة قريش والآيات الشيطانيّة


سوريا بحدودها السياسيّة كما نعرفها اليوم خليقة فرنسا والنصف الأوّل للقرن العشرين ولكن سوريا أو بلاد الشام كمفهوم جغرافي قديمة قدم التاريخ وكانت إمّا إقليماً (أو أقاليم) في إمبراطوريّة أو مجموعة من الدويلات المتنافسة إن لم نقل المتناحرة. يضيف Dussaud فيقول أنّ هدف السورييّن لم يكن يوماً وحدة سياسيّة وأنّ صراعهم مع روما وبيزنطة كان ذي طبيعة دينيّة قبل أن يكون سياسيّاً وفي نهاية المطاف انتصرت الآلهة السوريّة على الرومانيّة واعتنق الرومان الديانة المسيحيّة. 

René Dussaud 1868-1958
ليس الدين الإسلامي ديناً صحراويّاً رغم بداياته العربيّة واعتماده التقويم الهجري القمري (وهو غير مناسب للمجتمعات الزراعيّة وبالتالي للريف والقروييّن) ويعلم جميع من درس تاريخ الإسلام أنّ مركز ثقل الدين الجديد كان دوماً في المدن وبالذات المدن الكبرى فهي التي تزهوا بالمساجد والمدارس والزوايا والأربطة والعلماء والفقهاء بينما تأخّرت أسلمة الأرياف وساهم في ذلك عدّة عوامل اقتصاديّة وثقافيّة (تفشّي الأميّة) وتراثيّة.

المعلومات المتوافرة عن آلهة قريش قبل الإسلام محدودة وأغلبها من مصادر إسلاميّة لاحقة. أحد أهمّ وأشهر هذه المصادر "كتاب الأصناملإبن الكلبي (مات عام ٨١٩ للميلاد). يستنتج Dussaud من استقراء مختلف المصادر أنّ رسالة محمّد لم تكن توحيديّة بالكامل منذ البداية وأنّها مرّت من الشرك Polytheism إلى التوحيد Monotheism مع احتمال عبورها لمرحلة Henotheism (الإيمان بإله قبلي واحد مع التسليم باحتمال وجود إله أو آلهة غيره كما في حالة موسى والعبرانييّن) بينهما. ذكرت النصوص الصفائيّة الله قبل الإسلام بخمسة أو ستّة قرون (وهو يعادل بل أو بعلشمين) ولكن لا دليل أنّ الصفائيّين أو غيرهم مثّلوه بصنم كغيره وإن ارتأى المؤلّف أنّه من الممكن أنّ البعض اعتبر  الحجر الأسود  في الكعبة رمزاً لله bétyle وعلّ هذا يفسّر الاهتمام الخاصّ الذي أحاط به محمّد والمسلمون من بعده هذا الحجر. 

في كلّ الأحوال يمكن الرجوع لترتيب آيات القرآن حسب تسلسلها الزمني بناء على دراسات المستشرق الألماني Nöldeke  ومن خلالها نرى أنّ إصرار محمّد على عبادة الله دون سواه (عوضاً عن الاكتفاء بتمجيده ورفعه فوق بقيّة الآلهة) جاء في مرحلة لاحقة. هنا لا يمكن إغفال الآيتين ١٩ و ٢٠ من سورة النجم "أفرأيتم اللّات والعزّى. ومناة الثالثة الأخرى" والفقرة اللّاحقة المحذوفة "تلك الغرانيق العلى وإنّ شفاعتهنّ لترتجى". إذا قبلنا هذه "الآيات الشيطانيّة" فهذا يعني أنّ محمّداً وضع اللّات (وأقانيمها العزّى ومناة) في مرتبة تحت الله ولكن مع الاعتراف بألوهيّتها. غني عن الذكر أنّ الغالبيّة العظمى من كتبة الإسلام يرفضون الاعتراف بهذه الإضافة على النصّ المقدّس ولكنّها مذكورة في الواقدي والطبري وإبن سعد وهي مصادر يتجاوز عمرها الألف عام.

أخيراً هناك حالة الإله هبل وهو صنم على شكل إنسان دخلت عبادته من شرق الأردن إلى مكّة في القرن الثالث الميلادي لتنافس العبادة الأقدم للحجر الأسود وبالنتيجة اندثر هبل وعبادته مع انتصار الإسلام وإن استمرّ تقديس وتبجيل -إن لم نقل عبادة- الحجر حتّى اليوم.

للحديث بقيّة.

http://bornindamascus.blogspot.com/2018/01/blog-post_14.html

http://bornindamascus.blogspot.com/2018/01/blog-post_2.html

Sunday, January 14, 2018

تغلغل العرب في سوريا قبل الإسلام: الأنباط والتدمريّون


نتابع قصّة هجرات القبائل العربيّة (أي التي لا تزال في مرحلة البداوة) من شبه جزيرة العرب إلى الهلال الخصيب (مصطلح يرجع الفضل فيه إلى المؤرّخ وعالم الآثار الأمريكي James Breasted) كما رواها المستشرق الفرنسي Dussaud وهنا توجّب التنويه أنّ الموضوع قيد البحث ليس تاريخ الأنباط ولا التدمرييّن باستثناء القسم المتعلّق بعمليّة انتقالهم من البداوة إلى الاستقرار مع تركيز على بعض خصائصهم خصوصاً لغتهم وآلهتهم.



تكفي نظرة على الخريطة الملحقة لنرى أنّ سوريا ما هي إلّا امتداد جغرافي لشبه الجزيرة العربيّة أمّا لماذا كانت الهجرات من هذه الشبه جزيرة إلى الهلال الخصيب وليس العكس فالسبب بكل بساطة أنّه إذا استثنينا بعض المناطق كاليمن مثلاً فلم يكن هناك ما يغري بالاستيطان في عهد لا يعرف البترول وحتّى "اليمن السعيد" كان جبليّاً وبعيداً ومكلفاً للغاية بالنسبة للفاتحين من الرومان إلى العثمانييّن. الانتقال من البداوة للاستقرار تناسب طرداً مع استتباب الأمن وقوّة الدولة كما في العهد الروماني وعندما يضعف المركز وتكثر الصراعات المحليّة والغزوات الأجنبيّة (كما في عهد الانحطاط العبّاسي والعهود التالية له) يحصل العكس إذ يهجر الفلّاح أرضه ويصبح بدويّاً متنقّلاً. 

تعاظمت قوّة الأنباط مع انحطاط الدولة السلوقيّة وضمّ ملكهم الحارثة الثالث دمشق عام ٨٥ قبل الميلاد وصار فيها حيّ نبطي يقع شرق شارع باب توما الحالي. امتدّت دولتهم في أقصى اتّساعها من الهجر (مدائن صالح وتقع بين المدينة وتبوك) جنوباً مروراً بالعاصمة بترا (اكتشفها السويسري Burckhardt عام ١٨١٢) إلى بصرى ودمشق شمالاً وأوكل إليهم الرومان مهمّةحراسة الصحراء (أي حماية الحضر من البدو) كما سمح لهم فاتح سوريا Pompey بالاحتفاظ بدمشق لقاء جزية ولكن بالنتيجة خلق الإمبراطور Trajan إقليم Arabia المتمركز على بصرى أو Bostra وانتهى بذلك استقلال الأنباط. 

كان الأنباط تجّاراً يتكلّمون العربيّة والآراميّة وقد تبنّوا هذه الأخيرة واشتقّوا أبجديّتهم منها وكانت كتاباتهم مرحلة انتقاليّة للعربيّة أمّا عن آلهتهم فعلّ أهمّها ذو الشرى. مع انحطاط الأنباط انتقلت مهمّة "بوليس الصحراء" إلى تدمر ومن ثمّ الحيرة وأخيراً الغساسنة أمّا عن اللغة العربيّة فقد أصبحت رسميّة في عهد ملوك الحيرة (اللخمييّن أو المناذرة) وإن احتفظ هؤلاء بالكتابة النبطيّة بينما تلاشت الكتابات العربيّة الجنوبيّة (الصفائيّة مثلاً) أمام الفتح الإسلامي باستثناء الحبشة. 

يعود ذكر تدمر لمطلع الألف الثاني قبل الميلاد وقد -شأنها في ذلك شأن دمشق والأنباط- تبنّت الآراميّة (أبجديّة تدمريّة) عوضاً عن العربيّة بهدف التجارة واستعملت أيضاً الأغريقيّة أمّا عن آلهتها فمنها التدمريّة المحليّة ومنها السوريّة والعربيّة (اللّات) وأهمّ الأرباب ثالوث بل (بل-يرحبول-أغلبول) وهو من وحي بابلي ولا علاقة له ببعل وهناك أيضاً ثالوث بعلشمين (بعلشمين-أغلبول-ملاكبل). قصّة أذينة وأرملته زنوبيا ومحاولتها الاستقلال عن روما وهزيمتها وتدمير المدينة عام ٢٧٣ للميلاد على يد Aurelian أكثر من معروفة ولا داعي لتكرارها في هذه الأسطر.

باختصار الأنباط والتدمريّون وهناك أمثلة أقلّ شهرة أقوام نجحت في الانتقال من مرحلة البداوة إلى مرحلة الاستقرار لا بل وازدهرت لفترة طويلة في قلب بادية الشام بقضل تجارتها ومواقعها الاستراتيجيّة على طريق القوافل.

للحديث بقيّة. 

تغلغل العرب في سوريا قبل الإسلام


لربّما كان هذا الكتاب آخر أعمال المستشرق الفرنسي المأسوف عليه René Dussaud الذي وافته المنيّة عام ١٩٥٨ بعد عمر قارب التسعين عاماً أمضى القسم الأعظم منه في الدراسات  التاريخيّة المتعلّقة بالشرق الأدنى عموماً وسوريا خصوصاً ويمكن اعتباره دون مبالغة عميد علماء الآثار السوريّة الذي استشهد به الكثيرون من البحّاثة اللاحقين سواء وافقوا على مطارحاته أو نبذوها. Dussaud غزير الإنتاج كمّاً ونوعاً وإن كانت كتبه ومقالاته صعبة المتناول للقارىء العادي كونه أكاديمي يكتب بالدرجة الأولى للأخصّائييّن وطلّاب علوم الآثار والنقوش القديمة بينما على سبيل المقارنة فيليب خوري حتّي (عملاق آخر يفصل بينه وبين Dussaud قرابة العقدين من الزمن) أكاديمي يكتب للجميع بأسلوبه "السهل الممتنع". يترتّب على ما سيق أنّ كتب المستشرق الفرنسي أقلّ تداولاً وأصعب منالاً وأغلى ثمناً (باستثناء الموجود بالمجّان الكترونيّاً على الشبكة) من نظيره اللبناني-الأمريكي. 

صدر كتاب "العرب في سوريا قبل الإسلام" ل Dussaud عام ١٩٠٧ وأمّا "تغلغل العرب في سوريا قبل الإسلام" فقد رأ ى النور عام ١٩٥٥ ويمكن اعتباره تتمّة للأوّل وتوّسع في الموضوع أو المواضيع استناداً على اكتشافات بين الزمنين أهمّها أوغاريت وماري وأدّت هذه الاكتشافات إلى قراءة جديدة للمعطيات القديمة ليس فقط الملموسة منها كبقايا المنشئات القديمة والنقوش والكتابات بمختلف الأبجديّات المستعملة في الماضي وإنّما أيضاً نصوص الكتب المقدّسة كالقرآن وكتاب العهد القديم. 



بالنسبة للرقعة الجغرافيّة قيد الدراسة فهي سوريا بما فيها كيانات لبنان والأردن وإسرائيل-فلسطين الحديثة ودون التعرّض لبلاد ما بين النهرين وأمّا بالنسبة لمنهج الكتاب فهو يبدأ بالأحدث (الأنباط والتدمرييّن وغيرهم) وينهي بالأقدم (العبرانييّن والكنعانييّن والآرامييّن وهلمّجرّا). المقصود بالعرب القبائل في مرحلة البداوة قبل استقرارها وهم ساميّون بالطبع وإن وجب الأخذ بعين الاعتبار أنّ الساميّة هنا بالدرجة الأولى أسرة لغات وليست مرادفة لليهود كما تستعمل حاليّاً خصوصاً في الغرب. هناك تركيز خاصّ على العبادات المختلفة لهذه الأقوام وتطوّرها عبر العصور كما سنرى.

فلنبدأ بإلقاء نظرة سريعة ومبسّطة إلى حدّ كبير على عائلة اللغات الساميّة:

أوّلاً: المجموعة الشرقيّة وتشمل اللغة الأكّاديّة وإيبلا (لم تكن الأخيرة معروفة لدى موت المؤلّف).

ثانياً: المجموعة الغربيّة ويمكن تقسيمها إلى:

 - شماليّة: عموريّة وكنعانيّة (أو فينيقيّة كما يسمّيها الإغريق ومنها اشتقّت العبريّة) وآراميّة والعربيّة الحديثة.

 - جنوبيّة: عربيّة قديمة (بما فيها الصفائيّة نسبة لتلول الصفا جنوب سوريا) وإثيوبيّة.  

للحديث بقيّة. 


http://bornindamascus.blogspot.com/2017/12/blog-post_17.html

Saturday, January 6, 2018

Hazael King of Damascus

This ivory sculpture, currently a valued possession of Aleppo's Museum, was discovered at Arslan Tash (ancient Hadatu) in northern Syria near the Turkish border. According to Assyrian texts, it originally belonged to the treasure of Hazael, King of Aram-Damascus 844-812 BC until his son, Ben-Hadad II (or Ben-Hadad III depending on the source) was forced to hand it -as part of a substantial booty including a bed and a litter of ivory- to the Assyrian king Adad-nirari III to persuade the latter to abandon the siege of Damascus. This is an elaborate and beautiful piece of Syrian art with a marked Egyptian influence as demonstrated by the two winged sphinxes mounted with Egypt's double crown facing a sacred plant.



LA SYRIE ANTIQUE ET MÉDIÉVALE ILLUSTRÉE

  
René Dussaud
, 
 Paul Deschamp
, 
 Henri Seyrig

Paris, Librairie Orientaliste Paul Geuthner
1931





حزائيل ملك آرام دمشق

الصورة للوحة عاجيّة من أرسلان طاش أو ما عرف قديماً باسم حداتو والموقع في أقصى شمال سوريا قرب الحدود التركيّة في منطقة عين العرب أو كوباني. تعود هذه التحفة من مقتنيات متحف حلب إلى عهد حزائيل ملك دمشق الآرامي ٨٤٤-٨١٢ ق.م. أمّا عن الطريقة التي أوصلتها إلى أرسلان طاش والقصر الملكي الآشوري فيها فتتلخّص بكل بساطة بأنّ ملك دمشق بنهدد الثاني (أو الثالث حسب المصدر) خليفة حزائيل أعطاها لملك آشور أداد نيراري الثالث كجزء من الجزية كي يفكّ الأشوريّون حصارهم لدمشق أو هذا على الأقلّ ما تقوله النصوص الآشوريّة. يتجلّى في هذا اللوح الفنّ السوري مع تأثير مصري واضح في كبشي آمون المجنّحين والمعتمرين بتاج مصر المزدوج وبينهما النبتة المقدّسة.