لا مجال لإنكار الخطوط العريضة لرواية العهد القديم على الأقّل في الفترة التالية للخروج وهذا بغضّ النظر عمّا إذا كانت الشخصيّات المذكورة في التوراة (موسى وإبراهيم) تاريخيّة أم وهميّة ودون التعرّض لأساطير التكوين والطوفان وفلك نوح والعبور والسبب بكل بساطة يعود إلى وجود مصادر خارجيّة تؤكّدها وهذا ما يركّز عليه Dussaud في الفصل الأخير لدراسته الكلاسيكيّة.
يرى العالم الفرنسي أنّ قصّة ترحال إبراهيم إلى أرض كنعان عاديّة وتتّفق مع السياق التاريخي عندما ينتقل سكّان الصحراء من البداوة إلى الاستقرار وهي أكثر مصداقيّة بكثير من قصّة يشوع الذي فتح "الأرض التي تفيض لبناً وعسلاً" بحدّ السيف ودون أي دليل تاريخي يستحقّ الذكر خارج الكتاب المقدّس. العبرانيّون بالنتيجة تبعوا نفس طريق الكنعانييّن والآرامييّن وغيرهم بالتغلغل في سوريا وتبنّي لغة محليّة وحتّى آلهة محليّة تمّ تعديلها فيما بعد.
جاء أقدم ذكر تاريخي لإسرائيل في لوحة أو شاهدة مرنبتاح التي اكتشفت في طيبة (مصر) عام ١٨٩٦ وتعود لأواخر القرن الثالث عشر قبل الميلاد وهي تذكر بشكل مبتسر أنّ "إسرائيل دمّرت" في إحدى حملات الفرعون ولكن المعضلة هو وجود فجوة في السرد التوراتي بين عهد الآباء Patriarchs ودخول العبرانييّن إلى أرض الميعاد حسب العهد القديم أمّا إذا اعتمدنا المصادر غير الدينيّة فالمعلومات المتوافرة عن سوريا الجنوبيّة عموماً وعن دمشق الآراميّة وبني إسرائيل خصوصاً خلال القرون التي تفصل بين انحطاط الإمبراطوريّتين الفرعونيّة والحثيّة حوالي ١٢٠٠ ق.م. وصعود الإمبراطوريّة الآشورية في الفرن التاسع شبه معدومة فما الحلّ؟
تتلاشى هذه الصعوبة في رأي Dussaud إذا قبلنا أنّ الهيكسوس كنعانيّون وأنّ العبرانييّن قبيلة كنعانيّة دخلت مصر مع الهيكسوس (أسماء الهيكسوس إمّا كنعانيّة بالكامل أو مستعارة من مصر) وطردت منها معهم (بالطبع هذا لا يعني أنّ الجميع تركوا مصر) وما قصّة يوسف إلّا صدى للوجود الكنعاني في مصر وبالتالي شكّل تغلغل بني إسرائيل أرض كنعان بعد طرد الهيكسوس دخولهم الثاني إلى أرض الميعاد.
سبقت الإشارة أنّ اللغة العبريّة كنعانيّة الأصل ليس ذلك فحسب بل حتّى الديانة اليهوديّة تطوّرت من عبادة إيل إلى يهوه في إسرائيل (بينما تطوّرت إل بعل لدى الكنعانييّن) وحتّى طقوس التضحية العبريّة كنعانيّة المنشأ. في النهاية تمايز العبرانيّون عن الكنعانييّن وكان الفرق بالدرجة الأولى جغرافي (امتدّ الكنعانيّون شمالاً إلى لبنان وأرواد وأوغاريت بينما بقي الإسرائيليّون في "أرض كنعان" أي حاليّاً إسرائيل أو فلسطين) وزمني (تأخّر العبرانيّون عن الكنعانييّن في الانتقال من البداوة إلى التحضّر).
أتت معطيات التنقيب في أوغاريت لتعزّز تحليل Dussaud إذ أوضحت نصوص راس شمرا (وفيها الكثير ممّا يتطابق مع أدبيّات وقوانين الكتاب المقدّس علاوة على تشابه ملحوظ مع المزامير بالذات) أنّ "يهوه" أقدم من العهد المفترض لموسى وهنا يتعيّن التوكيد أنّ لغة أوغاريت الكنعانيّة هي أقرب اللغات الساميّة للعبريّة وبالتالي فكتابات العهد القديم أقدم بكثير ممّا كنّا نعتقد (دمّرت المدينة عام ١٢٠٠ ق.م.).
http://bornindamascus.blogspot.com/2018/01/blog-post_14.html
http://bornindamascus.blogspot.com/2018/01/blog-post_2.html
http://bornindamascus.blogspot.com/2018/01/blog-post_15.html
No comments:
Post a Comment