Tuesday, January 30, 2018

هويّة لبنانيّة أم هويّة سوريّة؟


كما سبقت الإشارة حاول المؤرّخ الراحل الدكتور فيليب حتّي رسم الخطوط العريضة لتاريخ لبنان منذ أقدم العصور حتّى خمسينات القرن العشرين من خلال خمسمائة صفحة من القرائة الممتعة مع عدد لا بأس به من الصور والخرائط كما حاول تقصّي تطوّر الهوية اللبنانيّة عبر آلاف السنين ولكن هل هناك فعلاً هويّة لبنانيّة متميّزة ومتّحدة العناصر؟ يمكن طرح نفس السؤال فيما يتعلّق بالهويّة السوريّة فكلا البلدين بحدودهما الحاليّة وشئنا أم أبينا صنيعة فرنسا واتفاقيّة مارك سايكس وجورج بيكو الغنيّة عن التعريف. 



لبنان من الناحية الجغرافيّة البحتة هو جبل لبنان الذي يشكّل القسم المركزي من جبال الساحل وتشمخ فيه أعلى قممها.  هذه الجبال الساحليّة تتابع شمالاً بعد فجوة حمص (من يذكر "تهريب" بسكوت غندور عن طريق العريضة؟) من جبال العلوييّن إلى الأمانوس وجنوباً إلى الجليل عبر الضفّة الغربيّة لنهر الأردن نهاية بسيناء. جبال "لبنان" الشرقيّة تشكّل بدورها القسم المركزي من سلسلة جبال الداخل الموازية لجبال الساحل وتمتدّ شمالاً إلى القلمون ومعلولا وجنوباً إلى حرمون (أعلى قمّة في السلسلة الشرقيّة) مستمرّة شرق نهر الأردن في عجلون (أو جلعاد إذا اعتمدنا تسمية كتاب العهد القديم). بين السلسلتين وادي البقاع أو ما سميّ قديماً "سوريا الجوفاء" Coele-Syria التي تستمرّ جنوباً إلى نهر الأردن والبحر الميّت ووادي العربة. 

يعتدّ كثير من اللبنانييّن بأصولهم الفينيقيّة وهذا مفهوم وعلى الرأس والعين مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ الفينيقييّن هي التسمية التي أطلقها الإغريق على الكنعانييّن أوّلاً، وأنّ "فينيقيا" ليست مرادفة لجبل لبنان بل هي جزء من الساحل الذي يمتّد من أوغاريت وأرواد شمالاً إلى الشواطىء والسهول في فلسطين جنوباً. المدن "الفينيقيّة" شملت إذاً موانىء سوريّة (الكلام بالطبع عن سوريا الحاليّة) إضافة إلى جبيل وصيدا وصور أمّا عن فلسطين فقد تنازعها الكنعانيّون والعبرانيّون (وهم في نهاية المطاف قبائل كنعانيّة على الأقلّ من الناحية اللغويّة) والفلسطينيوّن (المقصود هنا شعوب البحر التي غزت السواحل السوريّة ودمّرت أوغاريت وصيدا حوالي ١٢٠٠ ق.م.) والآراميّون. 

عندما نقول "آرام" فالمقصود سوريا ولكن التوسّع الآرامي توقّف عند جبل لبنان وإن حلّت اللغة الآراميّة محلّ الكنعانيّة مع حلول القرن الثامن قبل الميلاد لتبقى سائدة حتّى العصر الإسلامي عندما أزاحتها العربيّة بالتدريج. 

إذاً فبغضّ النظر عن أي اعتبارات شوفينيّة من مواطني لبنان أو سوريا حاليّاً يمكن أن نستنتج ممّا سبق أنّ لبنان الجغرافي والتاريخي هو جبل لبنان فقط (اقتصرت متصرفيّة جبل لبنان في القرن التاسع عشر على هذا الجبل) ولا يشمل سهول الساحل ولا البقاع ولا السلسلة الشرقيّة ولا حتّى سلسلة جبال الساحل التي يشكّل لبنان قسمها المركزي ليس إلّا. أمّا عن "فينيقيا" أو سهول الساحل الكنعانيّة فهي تمتدّ من أوغاريت شمالاً إلى فلسطين "أرض كنعان" جنوباً.  

للحديث بقيّة. 

No comments:

Post a Comment