Sunday, January 21, 2018

برمجة زيارة فلسطين وسوريّا ١٨٧٦



نعود إلى الطبعة الأولى لدليل Baedeker  بالإنجليزيّة عن كلّ ما يهمّ ويسهّل زيارةَ السائح الغربي إلى الديار المقدّسة من الألف إلى الياء. 

الخطوةُ الأولى بعد الوصول إلى أحد الموانىء تأمينُ المواصلات داخل البلد في عهد سَبَقَ دخول السكك الحديديّة إلى بلاد الشام. الطرق الصالحة للنقل والتنقّل على العجلات (١) موجودةٌ فقط بين يافا والقدس، ومن بيروت إلى دمشق؛ ترحالُكَ، باستثناء هاتين الحالَتَيْن على متون الدوابّ حكماً، وهنا لا مناص من اللجوء إلى خدمات المكري لتزويدِكَ بالبغال والخيول، ولا بأس بالتعطّفِ عليه وعلى عمّالِهِ بفضلاتِ طعامك إن رضيت عنهم وعن خدماتِهِم. الشخص الأهمّ في تنظيمِ رحلةٍ من هذا النوع الترجمان dragoman، الذي لا تقتصِرُ مهامُّهُ على الترجمة أبداً؛ الترجمان هو الدليل المسؤول عن تأمين الإقامة والمؤونة (الزوّادة) لقاءَ مالٍ يُتَّفَقُ عليهِ سلفاً، والواسطة في كثيرٍ من المعاملات مع أهل البلاد. النقد المصري غير مقبول في سوريّا خلافاً للنقد العثماني؛ أمّا عن العملات الأوروپيّة فعلى الرحب والسعة وإن لم تكن سواسيةً. معظم الصيرفيّة يهود، وعلى السائح الحذر، والتعامل إذا أمكن مع البنوك الأوروپيّة لتجنّب الغبن. المساومةُ مطلوبةٌ لأنّ التجّار المحلييّن (وعموم الشرقييّن) يتعاملون مع جميع الأوروپييّن كأنّهم يمتلكون مال قارون ويرفعون الأسعار للأجانب أضعافاً مضاعفةً. 

الإقامةُ تحت الخيام التي ترافق قافلة السيّاح، وهناك أيضاً بيوت الفلّاحين التي تعجّ بالبقّ والبراغيث، وخيام البدو التي تزخر بالقمل. أضِف إلى هذه وتلك العقارب التي لا يخلوا منها مكان، بما في ذلك قباب الأولياء، والبعوض في الأماكن الرطبة والآسنة. المطاعمُ بالمفهوم الغربي معدومةٌ أو تكاد، والخانات المملوءة بالهوام تصلح فقط للحيواناتِ وأصحابِها. الفنادق قليلةُ العدد، تقتصر على بعض المدن الكبرى، و غالباً ما تكون متوسّطة المستوى على أحسن تقدير. قمامة الشرق تتكفّل بها الكلاب الشاردة. البريد والتلغراف متوافِران في أماكن قليلة. تقتصرُ الطبابةُ الحديثة على القدس ودمشق وبيروت وحلب. يحتوي الدليل على نصائح مفيدة للتعامل مع الشحّاذين، وأفضل طريقة للتخلّص منهم عبارة "الله يعطيك". مع ذلك شجّعَ الكاتب الصدقة لبعض المستحقّين ومنهم المجذومين. 

اعتمَدَ الموجز التاريخي إلى درجةٍ كبيرة على الكتاب المقدّس، دون أدنى محاولةٍ لتحليلِ سَرْدِهِ، بَلْهَ التشكيك في مصداقيّتِهِ.  وَصَفَ المؤلِّفُ أو المؤلِّفون اليهودَ ليس فقط كأتباعِ ديانةٍ، وإنّما أيضاً كمجموعةٍ إثنيّة. عَنِ الآراء العنصريّة (٢) فحدِّث ولا حَرَج: صفحة ٨٤  "الأتراك أدنى من العرب فكريّاً"، وصفحة ٩٠ "محمّد مصاب بالصرع" (٣)، وثالثة الأثافي صفحة (٩٦) أنّ المسلمين لا يريدون للمرأة أن تصلّي. هناك مَعينٌ لا ينضب من هذه الدرر: أفتى البعضُ (صفحة ٩٧) بعدم جواز بلع اللعاب أثناء الصيام .... الدراويش والمجانين "محترمون للغاية" (صفحة ٩٨) .... الفنّ الإسلامي ينقصهُ التناغم وتفاصيلُهُ (صفحة ١٢١) متعبةٌ للبصر ... إلى آخِرِهِ.

للحديث بقيّة. 

____________

١. العربات التي تجرّها الخيول أو الديليجنس stagecoach. 
٢. بمقاييس اليوم.
٣. الإشارة هنا إلى أوقات نزول الوحي على النبي حسب السيرة الإسلاميّة.

No comments:

Post a Comment