سوريا بحدودها السياسيّة كما نعرفها اليوم خليقة فرنسا والنصف الأوّل للقرن العشرين ولكن سوريا أو بلاد الشام كمفهوم جغرافي قديمة قدم التاريخ وكانت إمّا إقليماً (أو أقاليم) في إمبراطوريّة أو مجموعة من الدويلات المتنافسة إن لم نقل المتناحرة. يضيف Dussaud فيقول أنّ هدف السورييّن لم يكن يوماً وحدة سياسيّة وأنّ صراعهم مع روما وبيزنطة كان ذي طبيعة دينيّة قبل أن يكون سياسيّاً وفي نهاية المطاف انتصرت الآلهة السوريّة على الرومانيّة واعتنق الرومان الديانة المسيحيّة.
René Dussaud 1868-1958 |
ليس الدين الإسلامي ديناً صحراويّاً رغم بداياته العربيّة واعتماده التقويم الهجري القمري (وهو غير مناسب للمجتمعات الزراعيّة وبالتالي للريف والقروييّن) ويعلم جميع من درس تاريخ الإسلام أنّ مركز ثقل الدين الجديد كان دوماً في المدن وبالذات المدن الكبرى فهي التي تزهوا بالمساجد والمدارس والزوايا والأربطة والعلماء والفقهاء بينما تأخّرت أسلمة الأرياف وساهم في ذلك عدّة عوامل اقتصاديّة وثقافيّة (تفشّي الأميّة) وتراثيّة.
المعلومات المتوافرة عن آلهة قريش قبل الإسلام محدودة وأغلبها من مصادر إسلاميّة لاحقة. أحد أهمّ وأشهر هذه المصادر "كتاب الأصنام" لإبن الكلبي (مات عام ٨١٩ للميلاد). يستنتج Dussaud من استقراء مختلف المصادر أنّ رسالة محمّد لم تكن توحيديّة بالكامل منذ البداية وأنّها مرّت من الشرك Polytheism إلى التوحيد Monotheism مع احتمال عبورها لمرحلة Henotheism (الإيمان بإله قبلي واحد مع التسليم باحتمال وجود إله أو آلهة غيره كما في حالة موسى والعبرانييّن) بينهما. ذكرت النصوص الصفائيّة الله قبل الإسلام بخمسة أو ستّة قرون (وهو يعادل بل أو بعلشمين) ولكن لا دليل أنّ الصفائيّين أو غيرهم مثّلوه بصنم كغيره وإن ارتأى المؤلّف أنّه من الممكن أنّ البعض اعتبر الحجر الأسود في الكعبة رمزاً لله bétyle وعلّ هذا يفسّر الاهتمام الخاصّ الذي أحاط به محمّد والمسلمون من بعده هذا الحجر.
في كلّ الأحوال يمكن الرجوع لترتيب آيات القرآن حسب تسلسلها الزمني بناء على دراسات المستشرق الألماني Nöldeke ومن خلالها نرى أنّ إصرار محمّد على عبادة الله دون سواه (عوضاً عن الاكتفاء بتمجيده ورفعه فوق بقيّة الآلهة) جاء في مرحلة لاحقة. هنا لا يمكن إغفال الآيتين ١٩ و ٢٠ من سورة النجم "أفرأيتم اللّات والعزّى. ومناة الثالثة الأخرى" والفقرة اللّاحقة المحذوفة "تلك الغرانيق العلى وإنّ شفاعتهنّ لترتجى". إذا قبلنا هذه "الآيات الشيطانيّة" فهذا يعني أنّ محمّداً وضع اللّات (وأقانيمها العزّى ومناة) في مرتبة تحت الله ولكن مع الاعتراف بألوهيّتها. غني عن الذكر أنّ الغالبيّة العظمى من كتبة الإسلام يرفضون الاعتراف بهذه الإضافة على النصّ المقدّس ولكنّها مذكورة في الواقدي والطبري وإبن سعد وهي مصادر يتجاوز عمرها الألف عام.
أخيراً هناك حالة الإله هبل وهو صنم على شكل إنسان دخلت عبادته من شرق الأردن إلى مكّة في القرن الثالث الميلادي لتنافس العبادة الأقدم للحجر الأسود وبالنتيجة اندثر هبل وعبادته مع انتصار الإسلام وإن استمرّ تقديس وتبجيل -إن لم نقل عبادة- الحجر حتّى اليوم.
للحديث بقيّة.
http://bornindamascus.blogspot.com/2018/01/blog-post_14.html
http://bornindamascus.blogspot.com/2018/01/blog-post_2.html
No comments:
Post a Comment