Sunday, December 17, 2017

العرب في سوريّا قبل الإسلام



يقصد René Dussaud بالعرب هنا بدو الجزيرة العربيّة وبادية الشام تحديداً، وبيستثني جميع الحضر في اليمن وسوريّا. Dussaud (١٨٦٨-١٩٥٨) آثاري ومستشرق فرنسي وخبير باللغات القديمة كاليونانيّة والعبريّة وغيرها، وأخصّائي بالخطوط والنقوش الكتابيّة التاريخيّة والأديان الساميّة، وله العديد من الكتب والمقالات في الدوريّات العلميّة، ويعتبر أحد الروّاد في مجالِهِ أو بالأحرى مجالاِتِهِ. 

رأى العرب في سوريّا قبل الإسلام النورَ عام ١٩٠٧. لا يتجاوز هذا الكتاب ١٧٠ صفحة، بيد أنّهُ عسير القراءة، موجّهٌ بالدرجة الأولى إلى المحترفين، ومع ذلك يمكن للهواة أن يستخلصوا منه كمّاً لا بأس به من المعلومات قلّ من تطرّق إليها من المؤرّخين وعلماء اللغة المحليّين، وأشكّ في وجودِهِم أصلاً في بيئة لا تعطي العهود السابقة للإسلام حقَّها لسببٍ أو لآخر، وتعاني من نقصٍ مزمن في التمويل المخصّص للبحث العلمي.

بَحَثَ المؤلّفُ أمرَ تغلغل موجات الهجرة إلى سوريا حرباً أو سلماً، والأمثلة عليها كثيرةٌ، وارتأى أنَّهُ سواءً في حالة الأنباط أو العبرانييّن أو العرب المسلمين، بدأ الدخول من شرق الأردن قبل الاتّجاه شمالاً وغرباً، مع التحفّظ أنّ المعلومات المتوافرة عن كافّة هذه القبائل جُمِعَت من كتاباتٍ وسجلّاتٍ دُوِّنَت بعد انتقال هذه الشعوب من البداوة إلى التحضّر، مع استثناءٍ وحيد. تمحورَ الكتابُ حول هذا الاستثناء. 

تتركّز الدراسة على القبائل الصفائيّة أو الصفويّة (لا علاقة مع إيران طبعاً) نسبة إلى تلول الصفا الواقعة شرق اللجاة في حوران، حيث عُثِرَ على كتاباتٍ ونقوشٍ حجريّة باللغة الصفائيّة، تركها هذا الشعب عندما كان لا يزال في مرحلة البداوةٍ، قبلَ أن "يُهْضَم" مع لغتِهِ وديانتِهِ وآلهتِهِ من قِبَل القرى والمدن المضيفة. 

هناك شبه إجماع أنّ الأبجديّة الأولى في التاريخ فينيقيّة (بالأحرى كنعانيّة على اعتبار أنّ الفينيقييّن هي التسمية التي أطلقها اليونانيّون على الكنعانييّن)، ومنها اشتُقَّت العبريّة واليونانيّة. حتّى المشكّكين في الأصل الكنعاني للأبجديّة سلّموا أنّهم على الأقلّ من نَشَرَها وعمَّمَها، وأنّها أقدم الأبجديّات الساميّة إطلاقاً. باختصار نتدرّج من الأبجديّة الكنعانيّة إلى اليونانيّة القديمة إلى اليمنيّة السبئيّة (مملكة سبأ) وهلمّجرّا، أمّا عن الكتابة الصفائيّة فهي الأكثر "شماليّةً" من كافّة النماذج العربيّة الجنوبيّة، وتمتلك كالعربيّة ٢٨ حرفاً.  

ذابَ الصفائيّون في المجتمع السوري في القرن الرابع الميلادي، وتحوّلت نقوشُهُم وكتاباتُهُم إلى اليونانيّة، ولكنّهم تركوا لنا من القرون السابقة لانصهارهم معلوماتٍ لغويّةٍ ودينيّةٍ لا تقدّر بثمن. خصّص الكاتب ٤٠ صفحة لآلهتِهِم، منها ما ذُكِرَ في القرآن مثل اللّات، التي جَسّدَت في العهد الهلنستي الزهرة و Athena. اعتبرَ Dussaud العزّى ومناة أقانيماً للّات، ولكنّ النقطة الأكثر أهميّةً أنّ الله كإله، سَبَقَ الإسلامَ بخمسةٍ أو ستّةٍ من القرون. لا دليل أنّ الصفائيّون أو غيرَهُم مثّلوه بصنمٍ كسائر الأرباب، وإن أثار المؤلّف احتمال كون الحجر الأسود في الكعبة رمزاً لَهُ bétyle بالنسبةِ للبعض، وعلّ هذا يفسّر الاهتمام الخاصّ الذي أحاط بِهِ محمّد والمسلمون بعدَهُ هذا الحجر. 

ليس كلّ ما كتبه Dussaud قرآناً منزلاً بطبيعة الحال، فمثلاً خصّص ١٥ صفحة من الكتاب (٤٠ - ٥٥) أكّد فيها أنّ قصر المشتّى (الأردن حالياً) يعود إلى القرن الخامس الميلادي على أحدث تقدير، مع أنّ كافّة الأخصّائييّن اليوم يجمعون أنّه أموي من منتصف القرن الثامن. 

قُدِّر للمؤلّف بعد خمسين سنة أن يعيد كتابة هذا العمل استناداً إلى خضمٍّ من المعطيات والمكتشفات الجديدة ولكن لهذا حديثٌ آخر. 

No comments:

Post a Comment